عاد يوهان/كاي إلى الجناح الغربي المهجور، يدفعه خليط من الغضب والذعر البارد. كانت رحلة العودة أسرع من الذهاب، وكأنه يهرب من شبح الموت الذي ألقاه عليه الملك زيوس. عند وصوله، لم يجد أي خادمة تنتظره؛ فالأمير المنفي، الذي سيُرسل ليُقتل في الفجر، لم يعد يستحق حتى الاهتمام الشكلي.
أغلق يوهان الباب خلفه، وسند رأسه على خشبه البارد. عام واحد في الحدود الحديدية. عام كامل يقاتل فيه الوحوش بقوة جسد كاي الهزيل، بينما يمتلك إخوته قوة سلالة التنين النارية. لقد كانت محاولة إعدام بطيئة ومبرمجة.
”يجب أن أفكر.” همس يوهان لنفسه، متجولاً في الغرفة الفارغة. “أنا الآن في جسد كاي، وكاي، في الرواية الأصلية، كان مجرد أداة منبوذة. لم يكن لديه وقت ليكتشف أي شيء. لكن أنا… أنا القارئ.”
كانت هذه هي ورقته الرابحة الوحيدة: المعرفة. لقد قرأ هذه الرواية، كل معلومة غير ذات صلة ذكرها المؤلف يعرفها.
البحث عن كنز القبو:
في خضم قلقه، عاد يوهان إلى تفكيره كقارئ روايات فانتازيا متمرس. “الابن المنبوذ الذي يُفترض أن يموت يجد شيئاً يغير مصيره. دائماً ما تكون هناك هاكذا مكتبة سرية، أو مخطوطة مفقودة، أو قبو قديم يحوي قوة “
الشيء الأول الذي قفز إلى ذهنه كان قبو العائلة المالكة.
في إحدى المراحل، كان الكاتب قد أسهب في وصف القصر الملكي لتبرير مسار مطاردة مستقبلي (والذي لم يحدث أبداً بسبب توقف الرواية). أغمض يوهان عينيه، مستدعياً المخطط المعقد للقصر الذي رسمه خياله مراراً وتكراراً:
الجناح المركزي (قلب النار): قاعة العرش، غرف الملك الرسمية.
الجناح الشرقي (المعرفة): المكتبة الملكية، أرشيف، وغالباً ما كان القبو القديم مدفوناً تحت هذا الجزء الأكثر رسوخاً من القصر.
الجناح الغربي (النسيان): جناحه المهجور. بعيد، معزول، وهادئ بشكل مخيف.
”إذا كان القبو تحت الجناح الشرقي، فالمسافة طويلة ومحفوفة بالمخاطر. سأحتاج إلى عبور الممرات الرئيسية، وهذا انتحار قبل المغادرة.”
لكن بعد لحظة من التفكير، أدرك يوهان شيئاً أكثر أهمية: لماذا يُقتل كاي في رواية لم تكتمل؟
ربما لم يكن كاي مجرد ورقة غير مهمة. ربما كان الكاتب يخطط لشيء أكبر، وربما كان سر قوة المحظية المقتولة قريباً من ابنها.
عاد يوهان إلى الغرفة، يتفحص الجدران الخشنة والأرضية الخشبية القديمة. لا يوجد شيء يدل على ممر سري أو آلية معقدة. كانت هذه مجرد غرفة إقامة مؤقتة، تم التخلص منها ونسيانها.
”فكر يا يوهان، فكر ككاتب يضع تفصيلاً يمكن للقارئ أن يلاحظه.”
تذكر يوهان تفصيلاً تافهاً ذكره الكاتب مرة واحدة فقط: أن والدة كاي، المحظية المنبوذة، كانت تحب قضاء وقتها في هذه الغرفة البائسة، وكأنها تفضل عزلتها.
تجمد يوهان فجأة. إذا كانت تفضل هذه الغرفة، فربما كانت تخبئ شيىءً. ربما لم تكن الغرفة بائسة بالنسبة لها، بل ملاذاً.
انحنى يوهان على الأرض. الرواية لم تذكر شيئاً عن الأثاث، لكن سرير كاي كان قديماً وثقيلاً، وُضع على أرضية من ألواح خشبية عادية. بدأ يوهان بدفع السرير الهائل بجهد بالغ، وعروق جسده الهزيل تنتفخ تحت قميصه.
أخيراً، تحرك السرير متسبباً في صرير مدوٍ.
عندما أزاحه تماماً، لم يجد أرضية خشبية سليمة. بل كانت هناك قطعة مربعة من الرخام الأسود الداكن، غير متناسقة مع الخشب المحيط بها، وفي وسطها حلقة معدنية باهتة ومغطاة بالغبار.
التقط يوهان قطعة قماش قديمة ومسح الغبار عن اللوح الرخامي. لقد كانت فوهة سقف، أو بالأحرى، فوهة أرضية.
شعر يوهان باندفاع من الأدرينالين. هذا لم يُذكر في الرواية قط! إنه فصل جديد، مسار لم يكتبه المؤلف، بل يفتحه يوهان بحدسه القارئ.
وضع يوهان كل قوته في سحب الحلقة المعدنية. ارتفعت اللوحة الرخامية مع صوت احتكاك قاسٍ، كاشفة عن فتحة ضيقة، وعن درج حجري حلزوني ينحدر إلى أعماق مظلمة.
هبطت رائحة قديمة ورطبة، ممزوجة بعبق البخور والتراب.
”إذن…” تمتم يوهان، ناظراً إلى الظلام، حيث كان مصيره قد اختار أن يُكتب من جديد. “القبو ليس تحت الجناح الشرقي. القبو… كان تحت غرفة المنبوذة.”
ماذا يوجد هناك؟ سر مقتل والدته؟ مصدر للقوة؟ أو مجرد فخ قديم؟
نظر يوهان إلى النافذة، حيث بدأت أولى خيوط الفجر ترسم حافة السماء. الوقت ينفد.
”لا يمكنني الذهاب إلى الحدود الحديدية بهذا الجسد وهذه القوة. لا خيار لدي. يجب أن أدخل.”
التعليقات لهذا الفصل " 5"