الفصل الثالث والأربعون: سيرا، سر العمة، والوقت القاتل
مجلس القيادة والعودة المفاجئة:
سار كاي والقائد كايل معًا نحو مقر الاجتماعات الرئيسي، وهي خيمة ضخمة تزدان بمشاعل الزيت التي تعكس ظلالاً مهيبة على جدرانها القماشية. في الداخل، كان المشهد يعج بالجدية؛ سيرا، كيرا، والقائد راش يحيطون بطاولة الخرائط، يوزعون الفرق القتالية الجديدة بتركيز عالٍ.
انقطع حبل نقاشهم فجأة عندما دخل كاي. ساد صمت مطبق للحظة، قبل أن تنفجر ملامحهم بالدهشة التي سرعان ما تحولت إلى فرح عارم.
نهضت كيرا بسرعة، وعيناها تلمعان ببريق لم تعتد إظهاره: “كاي! لقد عدت حقاً!”.
أما راش، فقد أطلق ضحكة قصيرة وهو يهز رأسه: “يا لك من شقي! كنا نسمع التقارير عن نجاحك في ‘البوزان’ ولم نصدق الأمر تماماً حتى رأيناك.. مرحباً بعودتك أيها الأمير”.
بينما كانت سيرا الأهدأ بين الجميع، لكن نظراتها كانت تحمل عمقاً غريباً، مزيجاً من الراحة والقلق الدفين. قالت بصوت رقيق وحازم في آن واحد: “الحمد لله على سلامتك يا كاي.. هل أنت بخير؟ هل أصابك مكروه هناك؟”.
ابتسم كاي بدفء: “أنا بخير يا رفاق، شكراً لقلقكم.. المهمة كانت اختباراً حقيقياً، لكننا نجونا”.
صفق القائد كايل بيديه لينهي موجة العاطفة: “حسناً أيها الأبطال، لنكمل اجتماعنا. سيرا، يمكنك المغادرة الآن، فالأمير كاي لديه ما يود مناقشته معك على انفراد”.
شجرة الذكريات المشتركة:
اقتادت سيرا كاي إلى منطقة منعزلة خلف الثكنات، حيث تقف شجرة صغيرة لكنها مورقة، تتحدى برودة الجو بخضرتها الصامدة. استغرب كاي رؤيتها في هذا القفر وسأل: “شجرة؟ كيف أمكنها الصمود هنا؟”.
لمست سيرا جذع الشجرة بحنان غريب وقالت: “هذه شجرتي، وشجرة كيرا، وشجرة والدتك.. زرعناها هنا عندما كان جدك قائداً لهذه الحدود. لقد كان يحاول بث الحياة في كل شبر يطأه”.
توسعت عينا كاي بذهول: “والدتي؟ هل كنتِ معها في ذلك الوقت؟”.
تنهدت سيرا بحزن غطى ملامحها: “أنا وكيرا يتيمتان، احتضننا جدك الكونت وربينا في بيته كبنات له. والدتك كانت في مثل عمري، نشأنا معاً كأخوات..و قد أصبحتُ مبارزتها وحارستها الشخصية، لكن القدر فرقنا”.
عصرت سيرا يديها بغضب مكتوم: “بعد نفي جنود الكونت، تم نفيي أنا وكيرا أيضاً.. لو كنت أعلم أن الأمر سينتهي بموتها، لم أكن لم أكن لأتركها أبداً، كنت لأموت دفاعاً عنها!”.
أمسك كاي بيديها المجروحتين من أثر القتال وقال بهدوء: “أعتقد أن أمي لم تكن لتريد ذلك .. كانت لي تريد لكِ النجاة”.
نظرت إليه سيرا بابتسامة باهتة: “أجل.. هي دائماً هكذا، تفكر في الجميع قبل نفسها”.
كشف الوحشية الملكية:
سأل كاي بجدية: “هل تم نفي كل جنود الكونت إلى هنا؟”.
أجابت سيرا بمرارة: “ليس الجنود فقط.. جدك كان يملك أكاديمية للمبارزين، وهي الوحيدة التي تخرج مبارزين من العامة والنبلاء على حد سواء. كل الطلاب من العامة تم اتهامهم بالخيانة ونفيهم هنا بسبب تهمة جدك الباطلة”.
صعق كاي من الخبر، واشتعل الغضب في داخله: “هذا وحشي! طلاب في مقتبل العمر يُنفون هنا؟ إن الملك مجنون حقاً، لماذا كل هذا الحقد؟”. تذكر حينها كلمات القائد كايل في أول لقاء لهما عن “البعض” في هذه القاعدة، والآن فهم المعنى المرير خلفها.
نظرت إليه سيرا برضا وقالت: “أنا ممتنة حقاً لعودتك آمناً”.
شعر كاي بدفء كلماتها، وكأنها نابعة من قلب أم تخاف على ابنها، فابتسم بخفة وقال مداعباً: “إذاً.. هل يمكنني اعتباركِ عمتي؟”.
تجفلت سيرا واحمّر وجهها بوضوح، ممزوجاً بفرحة لم تستطع إخفاءها: “إذ.. إذا كنت تظن ذلك.. فلا بأس”.
ضحك كاي بصوت عالٍ، ولأول مرة منذ زمن طويل، شعر بأنه يملك اشخاص يعتبرهم كعائلة حقيقية في هذا المنفى
تأمل الأمير في الثكنة ):
في خيمته الخاصة لاحقاً تلك الليلة، كان كاي يجلس وحيداً يراقب ضوء الشمعة الراقص.
تحدث في وعيه بمرارة: “الآن بعد أن سمعت ما قالته سيرا عن أمي، يبدو أن الملك كان يكنّ حقداً دفيناً لعائلتها.. حقد يتجاوز مجرد السياسة”.
عصر كاي قبضة يده بقوة: “ولكن ما السبب الحقيقي؟ ما الذي فعله الجد ليدفع الملك لهذه الوحشية؟”.
تنهد بعمق وهو ينظر إلى السقف القماشي للخيمة: “على كل حال، الأسباب لا تهم الآن بقدر ما يهم المستقبل. يجب أن أزيد من قوتي لمواجهة المخططات التي لا أعلم ماذا تخبئ لي”.
انتفض كاي واقفاً، وطرد الكسل من جسده: “إيدن.. استيقظ. لا وقت للنوم، دعنا نذهب للتدريب”..
مرور عام: الهدوء الذي يسبق العاصفة
في القصر الملكي (بعد عام):
كان الصمت يغلف قاعة الطعام الملكية، صمت مشحون بالتوتر والضغط.
سأل الملك ببرود وهو ينظر إلى “إل”: “إل، هل هناك خبر عن أختك “.
جفل إل ونكس رأسه: “لا.. لم أجد لها أثراً حتى الآن يا أبي”.
نظر الملك بخيبة أمل وقال بحزم: “ابذل جهداً أكبر”.
تدخلت فيونا بسخرية لاذعة: “هل هي حية أصلاً؟”، ليردف التوأمان بضحكات مستهزئة بـ “إل”: “ربما لا ، وإلا فكيف لم يجدها ‘إل العظيم’ بعد”.
فجأة، انبعث ضغط سحري هائل من جسد ، ضغط كان ثقيلاً لدرجة أن الأطباق كادت تتحطم والتوأم جفلا برعب.
قال الملك بصوت قاطع: “إل.. يكفي”.
توقف الضغط فوراً،. تنهد،و قام الملك وقال: “لقد أفسدتم شهيتي” وقام الملك بي المغادراً. تبعه إل بصمت، بينما همست فيونا بخوف: “ذلك الوحش.. سحره يزداد رعباً”.
في الحدود الحديدية (بعد عام):
وصل وفد جديد من المجندين إلى القاعدة. لفت أنظار أحدهم فتى يقف بعيداً، يجمع شعره الأبيض في عقدة محكمة بتأنٍ ومهابة.
”من هذا الفتى؟” سأل المجند الجديد بفضول.
أجاب المرشد: “أوه، هذا هو الأمي..”.
لم يكمل المرشد كلامه لأن المجند كان قد تجمد في مكانه.
كان الجندي الجديد يحدق في كاي، الذي جمع شعره في عقدة محكمة بتأنٍ مهيب. لم يكن جسده ضخماً، بل كثيفاً كالمعدن المطروق، وهو دليل صامت على عام من التجسيد الخالص للقوة. عام كامل من التدريب الوحشي جعل منه وحشاً صغيراً . لقد كان فتى هادئاً، لكن كل شيء فيه يوحي بالقوة الخطرة والمحكمة.
شعر المجند الجديد بضغط وجودي غامض يحيط بكاي، ارتعشت فرائصه وقال في نفسه: “هذا الشخص.. إنه خطر “.
كان كاي قد وصل إلى مستويات :
السحر: [المرحلة الثانية من المستوى المتدرب]
المبارزة: [المرحلة الأخيرة من المستوى المتوازن]
التفت كاي فجأة نحو المجند الجديد، وقال بنبرة هادئة :
“أوه.. يبدو أنني أهملت قدرة التخفي للحظة واحدة”.
ابتسم كاي لنفسه؛ فالعام الذي مضى كان مجرد البداية، والآن.. حان وقت التحرك الفعلي.
التعليقات لهذا الفصل " 43"