كانت الشمس تميل نحو الغروب، ملقيةً بظلال طويلة وموحشة فوق بساط الجليد الممتد. لم يكن البرد وحده هو ما يثقل كاهلهم، بل جسدا الشاب والفتاة اللذان لا يزالان يغطان في غيبوبة عميقة نتيجة السحر المظلم الذي لوث أرواحهما. كان كاي ورالف وأليكس يتبادلون حملهما، يصارعون التضاريس القاسية بخطوات مثقلة ولكن ثابتة.
انحنى كاي نحو الشاب وهو يتحسس نبضه الضعيف، ثم قال بنبرة قلقة: “هذا السحر المظلم متغلغل في جسديهما، لكن نبضهما مستقر. يجب أن نجد مأوىً دافئاً قبل أن يبتلعنا الليل في هذا الصقيع. أليكس، ما هي أقرب مستوطنة بشرية في هذا الاتجاه؟”
أخرج أليكس خريطة مجعدة من جلد الغزال، تفحصها بعينين مجهدتين ثم أجاب: “ثمة قرية تُدعى ‘القرية البيضاء’، تبعد حوالي ثلاث ساعات سيراً على الأقدام. إنها مجرد قرية حدودية منسية تتجاهلها القيادة العليا دائماً، وهذا ما يجعلها ملاذاً آمناً بعيداً عن أعين الأردية السوداء ووحوش الجليد”.
أومأ كاي برأسه موافقاً: “جيد. رالف، هل يمكنك استخدام سحرك الأرضي لتمهيد الطريق؟ لا نحتاج للتخفي الآن، السرعة هي أولويتنا القصوى”.
مسح رالف الدم المتجمد عن أنفه ورد بجدية: “مفهوم يا قائد، لكن السحر الأرضي هنا يعاني بسبب تجمد التربة. سأحاول كسر طبقات الجليد بالحجارة الصاعدة لنجعل المشي أقل مشقة، هذا كل ما يمكنني فعله حالياً”.
صراع القوة والإجهاد
بينما كانوا يشقون طريقهم، بدأ الإرهاق ينهش جسد كاي. كان استخدام سيف الرياح وتلك “الشرارة” النارية قد استهلك طاقته السحرية بشكل لم يتوقعه.
جاء صوت إيدن في وعي كاي، ممتزجاً بالقلق: «طاقتك على وشك النفاد يا كاي.. كف عن استخدام سحر الرياح لتعزيز حركتك كثيرا و إلا ستنهار، و عليك أن تستريح قليلاً. استدعاء تلك الشرارة كان مكلفاً للغاية على جسدك في مستواه الحالي».
ابتسم كاي بوجه شاحب وعيناه نصف مغمضتين، ورد ذهنياً: «لكنها كانت قوية يا إيدن.. شرارة واحدة كانت كافية لإسقاط ذلك الزعيم. لكن هل هذا يعني أنني لن أتمكن من استخدام قوة النار الحقيقية أبداً؟»
رد إيدن بهدوء وثقة: «الأمر ليس كذلك. تلك الشرارة هي أقصى ما يمكن لي و لك استيعابه الآن دون أن تنهار قوتنا تماماً. عندما تتطور قوتك السحرية وتنمو طاقتي.. حينها فقط، سنتمكن من إطلاق شيء عظيم لا يتخيله بشر». “ اتشوق لي ذلك ” كاي بي صوت منهك و مبتسم.’
القرية البيضاء
مع حلول الظلام الدامس، لاحت أنوار خافتة من بعيد؛ لقد وصلوا إلى القرية البيضاء. كانت مكاناً متواضعاً، بيوتها مشيدة من الخشب والطين السميك لتصمد أمام الرياح العاتية، وفي مركزها تشتعل مدفأة حجرية ضخمة يلتف حولها الأهالي طلباً للدفء.
عدل كاي غطاء رأسه ليخفي ملامحه، وقال بلهجة حازمة: “رالف، أليكس.. خذا الرهينتين إلى أكبر منزل آمن. لا تذكرا أسماءنا أو رتبنا الحقيقية، قولا إننا مجرد جنود من فرقة استطلاع ضلت طريقها في العاصفة”.
وبعد دقائق، عاد أليكس ليخبره: “لقد استقبلنا شيخ القرية في منزله يا قائد. سيقومون بتدفئتهما وتقديم الماء الساخن لهما، هما في أمان الآن”.
التقرير الكاذب
جلس كاي مع رفاقه في زاوية مظلمة وباردة، يتناولون طعاماً بسيطاً بينما كانت ملامح المؤامرة تتشكل في ذهن كاي. نظر إليهما بنظرة ملؤها الثقة وقال: “اسمعا جيداً، تقريرنا للقيادة يجب أن يكون محكماً: أولاً، ممر الثلج غير قابل للاختراق. ثانياً، الآثار التي رصدناها كانت لجماعات صيد تائهة، لا وجود للأردية السوداء هناك. ثالثاً، المذبح الذي دُمّر سنسجل أنه انهار بفعل زلزال جليدي قبل وصولنا لموقع الحدث”.
سأل رالف بحذر: “ولكن ماذا عن هؤلاء الرهائن يا قائد؟ أليس من الواجب ذكر إنقاذهم في التقرير؟”
هز كاي رأسه بصرامة: “لا. إذا ذكرنا الرهائن، سيفهمون أننا أنجزنا المهمة التي لم يرد لنا الملك النجاة فيها، وسيحاولون ربطنا بكل ما حدث و إرسالنا إلى هناك بي عذر التأكد من ما حدث هناك للتخلص منا.” التخلص منا “ أليكس بي نبرة متسائلة؟؛ ينتفض كاي و يقول “ اوه اقصد دفعنا إلا الخطر؛و يقول في نفسه « لقد أدخلتهم في هذا بل يريد التخلص مني وهاهم يدفعون جنود إبراء لي قوة لا نعرف حقيقتها بعد ولي حتفهم أيضاً بماذا يفكر هذا الملك حقا» على كلٍ سنترك الرهائن هنا، فهم مدنيون لا قيمة لهم في حسابات السلطة ولن يبحث عنهم أحد. سنعود للقاعدة وكأننا فشلنا في العثور على أي شيء”.
نظر أليكس إلى كاي بإعجاب متزايد: “خطة ذكية.. هكذا نحمي أنفسنا من غدر القيادة، ونضمن حياة هؤلاء الأبرياء بعيداً عن ساحات الصراع”.
لمس كاي القلادة المتدلية على صدره، وشرد ببصره في النيران البعيدة: و يقول في نفسه “الآن، يبدأ الجزء الأصعب. يجب أن نعود للقاعدة، وعليّ إيجاد طريقة للبقاء هناك حتى تنتهي مدة خدمتي، وبعدها.. سأعود للعاصمة لأواجه قدري”.
قاطع صوت رالف تفكيركاي في تلك اللحظة، حين قال بنبرة هادئة لكنها صلبة كالجبال التي تحيط بهم: “سنكون معك في أي قرار تتخذه، القائد كاي.. أينما كانت وجهتك،”.
توقف كاي عن الحركة، وشعر بغصة دافئة تخترق برودة صدره. نظر إليهما، إلى رالف وأليكس، ورأى في أعينهما شيئاً لم يعهده أو في القصر كأمير منبوذ؛ رأى ولاءً خالصاً لا تشوبه مصلحة.
ابتسم كاي، وكانت ابتسامة حقيقية وصلت لعينيه المجهدتين، وقال بصوت خفيض يملؤه الامتنان: “أشكركما على هذه الثقة.. وجودكما بجانبي هو القوة الوحيدة التي جعلتني أقف هنا الآن. لولاكما.. لكان هذا هذه الممرة الثلجية قد أصبحت قبري منذ زمن”.
في تلك الليلة، غرق كاي في نوم عميق، لكن روحه كانت لا تزال في حالة تأهب. كان عقله ينسج خيوط المواجهة القادمة وبعد ذالك مقابلة مع القائد في المعسكراذا نجحت الخطه ، و”سيرا” تلوح في أطراف تفكيره أيضاً؛ تذكر كلماتها الغامضة التي تركتها معلقة في الهواء.
(عليك العودة سالماً.. عندها لدي شيء أريد إخبارك به).
تُرى ما الذي تريد قوله تلك المقاتلة الشجاعة ؟ وهل سيكون طوق نجاة جديد، أم عاصفة أخرى تنتظر الأمير السادس؟
التعليقات لهذا الفصل " 40"