توقفت الخادمة أمام البابين الضخمين من خشب البلوط، وانحنت بعمق لا يخلو من التوتر. “صاحب السمو الملكي الأمير السادس قد وصل .” ثم أشارت إلى خادمين ضخمين مرتديان دروعاً مهيبة، فدفعا البابين ببطء، مما أحدث صريراً ثقيلاً مدوياً في صمت الردهة.
تنفس يوهان بعمق. خلف هذه الأبواب، لم يكن هناك قارئ ولا روايات؛ كان هناك واقع فانتازي قاسٍ، وموت ينتظره إذا أخطئ بي كلمه واحدة.
خطا يوهان إلى الداخل.
كانت قاعة العرش المهيبة تُعرف باسم “عرين التنين”. كانت ضخامتها تفوق الوصف، جدران من الرخام الأسود الداكن، وأعمدة مرصعة بأحجار كريمة حمراء متوهجة تحاكي عيون التنين. في نهاية القاعة، على منصة عالية، جلس الملك زيوس دي آل إيغنار على عرش من حجر الأوبسيديان الداكن والمطعم بالذهب الناري، يرتدي عباءة قرموزية داكنة. كان مظهره مهيباً وغاضباً، وشعره الأحمر ذو الأطراف البيضاء وعيناه القرمزيتان تشتعلان بقوة النار التي كان يتحكم بها.
الضغط الساحق:
لم يكن الضغط مجرد هيبة بصرية؛ كان قوة حقيقية. منذ اللحظة التي دخل فيها يوهان/كاي، شعر بثقل هائل يضغط على رئتيه، وكأن الهواء نفسه قد أصبح كثيفاً بفعل القوة النارية الكامنة. كان هذا هو الضغط الساحق لسلالة التنين.
إلى يمين الملك وقف الأمير إل، الوريث الأكبر. كان هادئاً، بارد الملامح، ويده ترتكز على كرسي ، ينضح بقوة مجمعة وهالة من البرود الذي يوازي قوة والده. كان ينظر إلى كاي/يوهان بنظرة خالية من أي تعبير، وكأنه ينظر إلى حشرة دهست للتو.
على يسار العرش، وقفت فيونا تتبادل همسات مع راي وريد. التوأمان كانا يبتسمان بابتسامة متوقعة وساخرة، وعيونهما تلمعان بلمسة خفيفة من النار، وكأنهما يمارسان ضغطاً خفياً على كاي دون أن يدرك أحد. أما فيونا، فكانت تضع يدها على فمها لتمثل الدهشة، لكن عينيها كانتا تشعان بالنفور والازدراء الواضح لثياب كاي الرثة وشعره الأبيض النافر.
كان كاي، بشعره الأبيض الفضي وأطرافه السوداء وعينيه السوداوين، نقيضاً تاماً لهذا المشهد الناري والقرمزي. كان كبقعة حبر على لوحة زيتية ملونة.
تقدم يوهان/كاي ثلاث خطوات، ثم انحنى بسرعة، متذكراً البروتوكول الملكي في الرواية. “تحية إجلال لجلالة الملك، سليل التنين زيوس دي آل إيغنار.”
لم يرد الملك. مرت لحظات صامتة، ثقيلة كالحجر، بينما كان يوهان/كاي يحاول جاهداً مقاومة الضغط الجوي الممزوج بالطاقة.
وأخيراً، تحدث الملك بصوت عميق وممل، وكأن كاي لا يستحق حتى نبرة غضب:
”كاي.” نطق الاسم وكأنه كلمة نابية. “أكاديمية التنين الملكية على وشك أن تفتح أبوابها. إنها مكان مخصص لتدريب العباقرة والورثة الأقوياء فقط. مكان ليس له أي صلة بوجودك العاجز والمنبوذ.”
ارتفعت ابتسامة متشفية على وجه التوأمين، بينما هز إل رأسه بخفة، وكأنه يتفق مع كل كلمة.
”ومع ذلك،” تابع الملك زيوس، متكئاً إلى الأمام، “فإن الناس يتحدثون. يقولون إن الملك يتخلى عن ابنه. لذا، سأمنحك فرصة، أو كما يجب أن تُسمى: اختبار أخير.”
شعر يوهان ببرودة تجتاح جسده رغم الضغط الناري. الاختبار الأخير. كان يعرف هذه الطريقه في الروايات: إنه الفصل الذي يتم فيه أختبار البطل المنبوذ اختبارً صعباً يأدي إلى الهلاك.
”الحدود الحديدية .” أعلن الملك، وكل كلمة كانت كطلقة باردة تخترق القاعة. “لقد سئمت من سماع أنينك وشكواك في هذه الأروقة. ستذهب إلى الحدود الحديدية. ستبقى هناك لعام واحد، تقاتل الوحوش وتثبت وجودك كفرد من العائلة المالكة.”
الملك رفع يده، مشيراً إلى إل. “عندما تعود من مهمتك إل ، سيكون مسؤولاً عن تقييمك. إذا عدت حياً، وبقوة تكفي للدخول للأكاديمية، فسننظر في أمرك. إذا مت… حسناً، لن يشغل هذا بال أحد.”
صمت الملك، ونظر إلى كاي مباشرة للمرة الأولى. كانت نظرته مزيجاً من الازدراء والملل.
لقد كان أسوأ مما توقعه يوهان/كاي. الحدود الحديدية كانت جبهة دائمة القتال، حيث يموت فيها الكثير من الفرسان كل يوم. هذا ليس اختباراً، بل تذكرة ذات اتجاه واحد إلى القبر.
نظر إليه الأمير إل ببرود قائلًا: “لا تُضيع وقتنا في التفكير، أيها الأبتر. هذا هو كرم الملك، لا تسيء استخدامه.”
الأميرة فيونا ضحكت بخفة، تغطي فمها بذراعها. “إنها فرصة ليصبح كاي بطلاً، و تقول بصوت لا يكاد يسمع او على الأقل، سماداً جيداً لتلك الأراضي.”
الضغط أصبح لا يُطاق. كان يوهان يحاول جمع شتات أفكاره، لكن صوته كاد يُخنق. يجب أن يتكلم. يجب أن يتصرف ككاي المطيع المذعور.
نظر يوهان إلى الأرض، مستخدماً خبرة كاي السابقة في تجنب النظر لعيونهم. “أمرك يا جلالة الملك. سأطيع.”
”جيد.” قال الملك زيوس بفتور. “ستغادر عند فجر الغد. لا تلوث القصر بوجودك أكثر من ذلك. الآن، انصرف.”
انحنى يوهان مرة أخرى، وبدأ يتراجع خطوة خطوة، عيناه مثبتتان على الأرض.
بمجرد أن خرج يوهان من القاعة، وأُغلقت الأبواب خلفه، استند إلى الجدار البارد في الممر. القوة الساحقة تلاشت، لكن الألم الذي زرعته الكلمات بقي.
الحدود الحديدية؟ هذا جنون. الرواية لم تصل إلى هذا الحد! لم يذكر المؤلف هذه الحدود مطلقاً كجزء من حياة كاي المبكرة ولكن ذكرها بي الجحيم !
بدأت أفكار يوهان تتسابق بعنف، مزيج من الذعر والغضب: “إنه يرسلني لأموت قبل أن تبدأ القصة. يجب أن أجد طريقة للنجاة، وإلا سينتهي الأمر ببقائي هنا مجرد فصل لم يكتب قط!”
”لكن… كيف لي أن أنجو عاماً كاملاً في جحيم كهذا؟ أنا قارئ، ولست مقاتلاً. ما هي الخطة الآن؟”
التعليقات لهذا الفصل " 4"