الفصل التاسع والثلاثون: وحش الجليد والانسحاب التكتيكي
ارتجفت المغارة الجليدية بأكملها بعنف زلزل الأركان، وتناثرت شظايا الجليد والصخور من السقف كالمطر القاتل. لم يكن هذا مجرد انهيار طبيعي، بل صدى لقوة غاشمة تتحرك في الخارج، تجعل الجبل يئن تحت وطأتها.
”ما هذا بحق الجحيم؟” همس أليكس وصوته يرتجف، “هذا ليس زلزالاً عادياً!”
رفع رالف يده بتوتر، محفزاً طاقته السحرية للأرض لتشكيل درع دفاعي: “لقد أيقظتم شيئاً ما! عندما توقف الطقس.. استيقظ شيء ما! “.
اندفع كاي نحو فتحة الكهف والشك ينهش عقله: “الطقس لم يكتمل، لكنهم أيقظوا شيئاً بطاقتهم الملوثة قبل أن نطبق عليهم الخناق!”
أطل كاي من الفتحة على ممر الثلج، فكان المشهد صادماً ومروعاً. على بعد مائة متر فقط، انتصب وحش ضخم من الجليد والصخر الصرف، تجاوز طوله الثلاثة أمتار. كان جسده عبارة عن كتل صخرية خشنة، وعيناه تلمعان بضوء أزرق داكن. ومع كل ضربة من ذراعه ضد جدران الممر، كانت الجبال تهتز تحت جبروته.
جاء صوت إيدن في وعي كاي مفعماً برعب لم يعهده فيه من قبل: «كاي! هذا ليس وحشاً مشوهاً.. إنه وحش جليدي أسطوري او اقرب كـ شيطان جليدي! من حسن حظنا أن استدعاءه لن يدوم لأن الطقوس لم تكتمل، لكنه أقوى بمراحل من وحش القلب الأحمر!»
«وكيف تعرف كل هذا؟» سأله كاي بذهول.
«ذكريات الأجداد المتوارثة يا كاي! ليس هذا وقت الشرح.. اهرب!»
قرار الانسحاب
أدرك كاي استحالة المواجهة. القوة الهائلة للوحش كانت كافية لسحق المغارة بمن فيها، ناهيك عن قوتهم المحدودة في هذه البيئة.؛ فقتال هذا الكيان داخل مغارة ضيقة هو انتحار محقق . صرخ كاي بأقصى قوته: “لا قتال! الانسحاب فوراً! رالف، افتح لنا طريقاً آمناً بسحرك! أليكس، الرهائن أولاً!”
اندفع أليكس لفك قيود الضحيتين، لافاً إياهما بأردية ثقيلة. بينما ضرب رالف الأرض بكل ما تبقى له من قوة سحرية: “درع أرضي!”
ارتفعت طبقة سميكة من الجليد والصخر لتسد مدخل المغارة مؤقتاً، لكن الجميع كان يعلم أنها لن تصمد أمام ضربات الشيطان الجليدي سوى لدقائق.
أوامر القائد
التفت كاي نحو الأردية السوداء المقيدين، و أشار إليهم بي اصباعه ثم قال ببرود حاد: “لن نأخذهم. إنهم عبء سيبطئنا. أليكس، اربطهم في عمق المغارة جيداً، ثم اتبعنِ.. إذا كانوا محظوظين فسينجون، وإن صمد الوحش.. يصمت قليلاً و يقول سيموتون”.
(هل هذا حقاً فتى في الرابعة عشرة؟) فكر أليكس بذهول، لكنه نفذ الأمر بسرعة، وقام بربط الأسرى في أعماق المغارة المظلمة.
الخروج من فم الموت
بمجرد انتهاء أليكس، تحطم الدرع الأرضي تحت ضربات الوحش الهائلة. حمل كاي الشاب على ظهره، بينما تولى رالف حمل الفتاة، وصرخ كاي ذهنياً: «إيدن، أقصى قوة للسحر.. سنخرج الآن!»
اندفع الثلاثة خارج المغارة في اللحظة التي سحقت فيها كتلة جليدية المكان الذي كانوا يقفون فيه. كانت حركة الوحش بطيئة لكنها مدمرة، يفتح فاه ليطلق صرخة هزت نخاع عظامهم.
استخدم كاي سحر الرياح لتعزيز سرعته وسرعة رفاقه، صائحاً: “اتبعوا الطريق الفرعي! أليكس، جد لنا أقصر مخرج!” ركضوا بين الكتل الجليدية المتساقطة، وكان كاي يستخدم الرياح لتخفيف وطأة خطواتهم. وقبل أن يبتعد، التفت للمرة الأخيرة نحو الكهف.. نظرة مليئة بالحزن وتأنيب الضمير على من تركهم لمصيرهم.
إدراك الحقيقة
بعد عشرين دقيقة من الركض المحموم، توقفوا عند حافة الممر بعيداً عن غضب الوحش. سقط كاي لاهثاً وهو يسند الشاب على الأرض: “لقد.. نجونا”.
نظر رالف إلى كاي بإعجاب صريح: “القائد كاي.. تقنياتك أنقذتنا”. ثم لاحظ ملامح تأنيب الضمير على وجهه، فأضاف: “قرار التخلي عنهم كان.. تكتيكياً”.
ابتسم كاي بخيبة مريرة ونكس رأسه: “التخلي عنهم.. هاه؟ هذا ما يفعله القادة، أليس كذلك؟ نضحي بالقواعد لننقذ البقية”. شعر كاي بلمسة دافئة من إيدن على وجهه، فابتسم له بوهن: “هل تواسيني؟”
“نعم، سنقول إننا لم نجد سوى آثار، وأن الممر انهار تماماً ولا يمكن اختراقه. لن نذكر الوحش أو الرهائن. إذا علمت القيادة بالخطر، سيرسلوننا للموت هناك مجدداً. هدفي الآن هو العودة للعاصمة.. هذه هي مهمتي الحقيقية”.
تبادل رالف وأليكس النظرات؛ أدركا أن هذا الفتى لا يعبأ بالأوامر ، بل يملك بوصلته الخاصة.
“مفهوم أيها القائد،” قال أليكس بحزم، “تقرير كاذب”.
عصر كاي قبضة يده بقوة ، وارتسمت على وجهه ملامح غضب جارف. نظر نحو الأفق البعيد، وهمس بصوت يرتجف من شدة القهر والحقد:
«لقد اضطررت للقتل.. وتخليت عن أناس ليواجهوا حتفهم ، فقط لأنجو من خطتكم القذرة للتخلص مني!»
اشتعلت عيناه ببريق حاد كالنصل وهو يكمل حديثه لنفسه بقرار لا رجعة فيه: «بما أنكم دفعتموني لهذا الطريق، فليكن..و سأفعل كل ما يلزم
التعليقات لهذا الفصل " 39"