الفصل الثامن والثلاثون: هجوم الريح الصامت وسيف الانتقام
لم يكن هناك متسع للتردد؛ فالثواني التي تمر هي نبضات تُسلب من حياة الضحايا لتغذي ذلك الطقس المقيت. أدرك كاي أن وقوع الرهائن في قبضة هذه القوة المظلمة يعني نهاية لا فكاك منها.
خاطب كاي “إيدن” ذهنياً بنبرة حادة كالنصل: «إيدن، سأستخدم مهارة “خطوات الهمس”.. أطلق العنان لقوة الرياح بأقصى ما تملك، حركتي يجب أن تكون كالسوط تماماً كما تدربنا!»
جاءه صوت إيدن المتحمس يتردد في وعيه: «إذاً لنرقص مع الرياح! تمسك جيداً!»
وفي رمشة عين، انطلق كاي مستخدماً تقنية الإخفاء، وكأنه تلاشى من الوجود. لم تكن حركته مجرد سرعة، بل كانت اندماجاً كاملاً بين جسده وتدفق الهواء، لينساب فوق الجليد كشبح لا تدركه الأبصار. قبض بيده على سيفه، بينما راحت طاقة الرياح تتكثف حول النصل لتشكل شفرة حادة غير مرئية كادت تمزق الفراغ.
الضربة الأولى
كان أربعة من الأردية السوداء يولون ظهورهم للمدخل، غارقين في نشوة الطقس. كان كاي أسرع من خيالاتهم؛ اندفع نحو الفرد الأقرب للمذبح، ولم يُسمع سوى حفيف خفيف للريح قبل أن يخترق سيفه صدر الرجل. سقط الفرد جثة هامدة دون أن يدرك ما حدث أو يصدر صرخة واحدة.
شعر الزعيم، الغارق في تمتماته، باضطراب طفيف في تدفق السحر، فتمتم بريبة: “ما هذا؟ هذا الشعور.. هل حدث خطأ ما؟”
تدخل فريق الدعم
لم يترك رالف وأليكس مجالاً للعدو ليستوعب الصدمة.
“اثنان على اليمين، واثنان على اليسار!” همس رالف لأليكس قبل أن يزأر: “انفجار صخري!”
ضرب رالف الأرض بقبضته القوية، فاندلعت موجة اهتزازية قسرية عبر الجليد، لم ترفع الصخور بل أطلقت نبضة ارتجاجية أصابت الفردين على الجانب الأيمن بدقة. وفي الوقت نفسه، كان أليكس قد انقض على الجانب الأيسر، يلوح بسيفه ببراعة ضارية، فوجه ضربة سريعة لردع الفرد الأخير ثم أتبعها بركلة عنيفة في رأسه أردته فاقداً للوعي.
المواجهة مع الزعيم
توقف الطقس فجأة. تطلع الزعيم حوله بذهول ليرى ثلاثة من رجاله قد صرعوا، والرابع يئن على الأرض. استقرت عيناه على كاي الواقف أمام المذبح، وسيفه لا يزال مغروساً في صدر القتيل.
أخرج كاي سيفه ببرود، ومسح رذاذ الدم الذي تطاير على وجهه، بينما كانت القطرات الحمراء تسيل من نصل السيف ببطء. قال بهدوء: “نحن الفرقة الملكية.. جئنا لإنهاء عملكم القذر”.
سخر الزعيم بضحكة هستيرية: “فرقة ملكية من ثلاثة أفراد؟ وطفل يحمل سيفاً؟ لن تخرجوا أحياء من هنا!”
رفع يديه مطلقاً موجة من الطاقة المظلمة الكثيفة، سحر غريب يفيض بالسواد نحو كاي.
(لا أستطيع تفاديها بالسرعة وحدها!) فكر كاي، وعلى الفور أنشأ درعاً دوامياً من الرياح أمام جسده. اصطدم الظلام بالدرع غير المرئي وتشتت قبل أن يلمسه.
صُدم الزعيم وتراجع خطوة: “سحر الرياح؟ لا.. ثمة شيء آخر يتجاوز مستواه.. ثمة خطب ما مع هذا الطفل!”
شرارة النار المفاجئة
اتصل كاي بـ”إيدن” مجدداً بلهجة آمرة: «إيدن! قوة النار، الآن! ركز على الساق!»
شعر كاي فجأة باندفاع سحر الرياح محملة بشرارة نارية حارقة، يغذيها إيدن مباشرة عبر رباطهما الغريب. توهج ذراعه بحرارة دافئة، واشتعل سيفه بهالة حمراء خافتة مزقت عتمة المغارة.
اندفع كاي هذه المرة ككتلة من القوة الخام. حاول الزعيم إطلاق تعويذة أخرى، لكن كاي كان قد حسم الأمر؛ ضرب سيفه المتوهج بقوة على ركبة الزعيم اليمنى. لم يكن يهدف للقتل، بل للشل. اخترق السيف درع الرداء الأسود، وتسببت الشرارة في حرق مؤلم جعل الزعيم يسقط صارخاً على ركبتيه: “آه! أيها الأحمق اللعين! من أين لك بهذه القوة؟!”
استغل كاي الفرصة وأتبع الضربة بركلة ساحقة على وجه الزعيم، ليرسل به إلى غياهب الغيبوبة.
ثمن النجاة
هرع أليكس نحو المذبح: “القائد كاي، لقد نجحنا! الرهائن يتنفسون لكنهم في غيبوبة”.
أما رالف، فجاء وهو يمسح العرق عن جبينه: “مهمة صعبة، لكن تنفيذها كان خاطفاً!”
أمرهم كاي وهو يلهث من الإرهاق: “أسرعا بتأمين الرهائن وربط هؤلاء الأوغاد.. لا أثق في هذا المكان”.
كان ينظر إلى المذبح الذي لا يزال ينبض بضوء أحمر شاحب، ورائحة الدم والسحر المظلم تخنق المكان. تذكر فجأة وحوش الغابة التي قتلها دون رمشة عين.. لكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً.
شعر بثقل غريب يهبط على صدره، وتمتم بصوت خفيض: “أشعر.. وكأن شيئاً ما قد انكسر بداخلي”.
رفع يده الملطخة بالدماء، يحدق فيها وكأنها ليست يده. (لقد قتلت إنساناً لأول مرة.. هذه اليد أصبحت يد مقاتل حقيقي، يد لا تعرف الدفء).
هز رأسه بقوة ليطرد هذا الهراء الوجودي، وضيق عينيه بحدة: (النجاة هي الشيء الوحيد المهم.. ولأنجو، عليّ أن أقاتل، وعليّ أن أقبل بمن سأصبح عليه).
وفجأة.. اهتزت المغارة الجليدية هزة عنيفة، وتبعه هدير عميق يزحف من أعماق الأرض. لم يكن صوت ريح، بل كان تحطم صخور عملاقة.
التعليقات لهذا الفصل " 38"