“تنويه”: ملاحظة بسيطة للقراء: “لقد قررت تطوير أسلوب السرد ليكون أكثر عمقاً وأدبية، أتمنى أن يعجبكم التطور الجديد للقصة.” و انا انتظر رأيكم لي طريقة السرد هل استمر عليها او اكمل على طريقة سردي….
الفصل السابع والثلاثون: أثر الدم وطقس الصمت
توغل الثلاثة في أحشاء “بوابة الثلج الشمالي”، حيث قادهم أليكس بحذر شديد، وعيناه مسمرتان على الأرض التي لوثتها آثار أقدام عميقة ممتزجة بدم داكن لم يجمده الصقيع بعد. كان الممر يضيق كلما تقدموا، محاطاً بجدران جليدية شاهقة تجعل الرياح تعوي بينها كأنها دوامات هائجة تبحث عن فريسة.
انحنى أليكس ليفحص أثراً جديداً، ثم همس بصوت كاد يبتلعه صراخ الريح: “الآثار تشير إلى أنهم يسحبون شيئاً ثقيلاً للغاية.. خطواتهم مستعجلة، لكنهم يمشون بثقة مفرطة، وكأنهم يعتقدون أن هذا القبر الجليدي هو أكثر بقعة آمنة في العالم”.
أومأ كاي برأسه، والبرودة تلامس وجنتيه: “ثقتهم ستكون نهايتهم.. لقد أهملوا دفاعاتهم خلفهم. كم عددهم تقريباً؟”
”خمسة أو ستة على الأكثر،” أجاب أليكس وهو يمسح بنظراته القمم المحيطة، “بناءً على تكرار طبعات الأحذية، لا يبدو أنهم يتمتعون بحماية سحرية عالية، وإلا لكانت وطأتهم أخف على هذا الثلج الناعم. أظنهم من المستويات الدنيا”.
علق كاي بهدوء: “إذاً يتفوقون علينا عدداً، لكنهم أقل خبرة”.
لكن تحذيراً مفاجئاً جاءه من داخل عقله، حيث كان صوت “إيدن” يرتجف بتوتر: «لا تنخدع يا كاي.. الطاقة التي أستشعرها في الأمام قوية جداً بالنسبة لجنود عاديين. إنها طاقة مضطربة ومظلمة، تنتظرنا في الأعماق».
شد كاي قبضته على مقبض سيفه، مخاطباً إيدن ذهنياً: «أنت على حق، لقد واجهت هذا الثقل المقيت من قبل.. إنه ليس سحراً بشرياً عادياً».
رقصة ظل الرياح
أدرك كاي أن المواجهة المباشرة قد تكون انتحاراً، لذا قرر استخدام إحدى التقنيات التي صقلها خلال تدريبه القاسي مع “تيامار”.
التفت نحو رالف وأليكس وقال بنبرة آمرة: “رالف، أليكس.. سأستخدم تقنية الإخفاء الخاصة بي. عندما أتقدم، أريدكما أن تتبعا ظلي تماماً. لا صوت، لا حركات مفاجئة، ولا تستخدما السحر إلا في الضرورة القصوى؛ فأي وميض سيكشفنا جميعاً”.
أغمض كاي عينيه للحظة، مستجمعاً مانا الرياح حول جسده بتركيز هائل. لم يكن يهدف للاختفاء التام، بل كان ينسج خيوط الهواء حوله ليدمج جسده مع الثلج المتطاير وتدفق الريح. في لحظات، بدأ جسده يكتسي بهالة شفافة، وتلاشت ملامحه تدريجياً حتى أصبح وكأنه مجرد سراب أو “ظل للرياح”.
اتسعت عينا رالف بذهول وهو يرى قائده يختفي أمام ناظريه: “هذا ليس إخفاءً عادياً.. إنها تقنية سحرية متقدمة! هل هو حقاً في المستوى الأدنى من رتبة المتدرب؟ كيف يمكن لـ…”
”اصمت!” قاطعه أليكس بهمس حاد، “لا تشتت تركيزه.. القائد يملك أسراراً تفوق رتبته”.
طقوس المذبح الأسود
استمروا في التعقب لنصف ساعة أخرى، حتى وصلوا إلى فجوة ضيقة مخبأة بذكاء خلف شلال متجمد ضخم. كانت أنفاس إيدن الحارة تتردد في وعي كاي: «إنهم هنا.. رائحة الدم والظلام تملأ المكان. ثمة طاقة هائلة تُجمع هناك، كأنهم يحضرون لشيء عظيم وبشع في آن واحد».
تسلل كاي عبر المدخل ببراعة، وخلفه رفاقه يحبسون أنفاسهم. انفتح المدخل على مغارة طبيعية شاسعة، وفي قلبها، تجمدت الدماء في عروقهم أمام المشهد المروع.
كان خمسة من ذوي الأردية السوداء يصطفون حول مذبح ضخم من الجرانيت الأسود، نقش عليه رموز سحرية تتوهج بلون أحمر قاني، وتنبعث منها رائحة معدنية قوية تزكم الأنوف. وخلف المذبح، كان هناك شاب وفتاة صغيرة مقيدان، شاحبي الوجوه كالأموات، غائبين عن الوعي تحت تأثير تخدير سحري جعل هالاتهم الروحية تضعف حتى كادت تنطفئ.
همس رالف بغضب مكبوت وهو يرى الطقوس: “إنهم يستخدمون أرواح الضحايا كوقود لتقوية شعاراتهم السحرية الملعونة.. يجب أن نهاجم الآن!”
كبح كاي جماحه بيده: “انتظر! ثمة خطب ما.. خمسة جنود لا يحتاجون لكل هذه الطاقة. هذا المذبح ليس مجرد طقوس، إنه مصيدة أو تمهيد لشيء أكبر. أليكس، راقب المدخل. رالف، جهز سحر الأرض لتعطيل حركتهم. سأقترب أنا لاستكشاف جوهر هذه الأرواح”.
تقدم كاي ببطء غير محسوس نحو المذبح، وبفضل تقنية الرياح التي تغلفه، كانت خطواته وأنفاسه غارقة في صمت تام.
كان زعيم المجموعة، الذي يتميز برداء أكثر تفصيلاً، يقف شامخاً أمام المذبح وقد وضع يده على الشاب المقيد. بدأ يتمتم بكلمات من لغة قديمة وغريبة، ومع كل حرف ينطقه، كانت الرموز المحفورة على المذبح تزداد توهجاً بضوء أحمر قانٍ.
”أيتها القوى القديمة!” صرخ الزعيم بصوت عالٍ تردد صداه في أرجاء المغارة، “لقد أحضرنا لكما روحين جديدتين لتعزيز قوتنا. لتكن أرواحهما وقوداً لنا في المعركة القادمة ضد أعدائنا!”
في تلك اللحظة، شعر كاي بضغط هائل من الطاقة السحرية يضرب المكان. أدرك بوضوح أن الهدف ليس قتل الضحايا وحسب، بل استنزاف أرواحهم لتقوية سحر الأردية السوداء.
فكر كاي بقرار حاسم: (حان الوقت للتدخل.. أشعر أنه إذا سمحت له بإتمام الطقس، فستكون قوتهم أكبر من أن نستطيع التعامل معها).
ببطء، سحب كاي سيفه من غمده. وفي تلك اللحظة، ولأول مرة منذ مغادرته الكهف، توهجت القلادة التي يحملها على صدره. بدأت قوة الرياح تتجمع حول نصل سيفه بكثافة، مشحونة برغبة عارمة في الاندفاع نحو هجوم مفاجئ ومميت، وكأن النصل نفسه يرفض وجود هذه الطقوس الملوثة ويريد سحقها.
التعليقات لهذا الفصل " 37"