فتح يوهان، داخل جسد كاي، عينيه السوداوين مجدداً ليواجه الظلام البارد للغرفة. لم يكن ما حدث حلماً. البرد، الجوع الطفيف، وثقل الشعر الأبيض على كتفيه كان دليلاً ملموساً على انتقاله الغامض.
”كيف انتهى بي المطاف هنا؟” تمتم يوهان لنفسه، وصوته يتردد بصعوبة في المساحة الضيقة. “في جسد شخصية منبوذة، في رواية لم تُكتب نهايتها بعد!”
بدأ يراجع حياته القديمة. ميتم. لم يعرف عائلة قط. كانت جدران الميتم الرمادية هي كل ما رآه، ورائحة الكتب القديمة هي كل ما أحبه. لقد كان وحيداً، نعم، ولكنه كان حراً. كان يستطيع الهروب إلى عوالم لا حصر لها بين دفتي كتاب. عوالم كانت تمنحه الوَنَس الذي حرم منه في الواقع.
في ذلك الوقت، كان يظن أن الأمير المنبوذ كاي يعيش أسوأ حياة ممكنة؛ داخل قصر عظيم لكنه مسجون خلف جدران الكراهية. لكن يوهان، وهو يعيش الآن هذا الجسد، بدأ يرى الفارق.
”على الأقل في حياتي السابقة، لم يكن أحد يتوقع مني أي شيء. لم يكن أحد يحتقر مظهري لدرجة أن يمنعني من تناول الطعام الدافئ.”
جسد كاي كان ضعيفاً، هزلياً، ويحمل آثار إهمال عميق. مقارنة بـ”الحرية المقيدة” التي عاشها كقابع في ميتم، كانت هذه “الرفاهية الملكية” أسوأ بكثير. لقد كان كاي يُذل في كل لحظة يقضيها داخل هذا القصر.
تنهد يوهان بعمق. “هاه. هل لهذا السبب أشعر بالشفقة على كاي؟”
ربما رأى يوهان في الأمير المنبوذ انعكاساً لنفسه: كلاهما ولد وحيداً، بلا عائلة حقيقية أو انتماء، وكلاهما أُجبر على العيش على هامش العالم. لم يكن كاي مجرد شخصية أدبية؛ كان رفيقاً في الشعور بالنبذ.
بينما كان يوهان يحاول جمع شتات أفكاره، فُتح الباب الخشبي الصغير فجأة بصوت صرير مرتفع كسر صمت الغرفة. كان الضوء الخافت من الردهة يكشف عن خادمة ترتدي ثياباً بسيطة، وجهها خالٍ من أي تعبير، لا مبالاة تامة.
”سمو الأمير السادس،” قالت الخادمة بصوت آلي، لا يحمل احتراماً ولا سخرية، مجرد إعلان إجباري. “الملك، سموه الأعلى، يطلب حضورك الفوري في قاعة العرش.”
تصلبت عضلات يوهان. قاعة العرش؟ الملك؟
كانت هذه هي النقطة التي كان يخاف منها يوهان. في الرواية، كانت تفاعلات كاي مع العائلة المالكة نادرة ومؤلمة. كان الملك، سليل التنين العظيم، يكره كاي بشدة بسبب مظهره الذي يعتبره نذير شؤم وتذكيراً بزوجته القتيلة.
”إلى قاعة العرش؟” سأل يوهان ببطء، محاولاً تقليد نبرة شخصية ملكية، لكن صوته خرج أجشاً.
”أجل. دون تأخير. ولا تجعلني أكرر هذا الأمر، يا سمو الأمير، فالوقت ثمين.” كررت الخادمة الأمر بنبرة حازمة تخلو من أي مرونة، وغادرت بنفس السرعة التي دخلت بها، تاركة الباب موارباً.
نظر يوهان إلى انعكاسه في الوعاء الفضي مرة أخيرة. شعر أبيض وأسود وعينان سوداوان. هذا الجسد المنبوذ ذاهب لمواجهة ملك التنانين الغاضب.
”حسناً يا يوهان، لنرى ما الذي سيأتي أولاً: إهانة، أو أمر بالإعدام.”
ارتدى كاي/يوهان ثوبه القديم المتهرئ الذي كان معلقاً، وهو يدرك أن لحظة الدخول القسري إلى عالم الرواية قد انتهت. الآن، يجب عليه أن يبدأ العيش فيه.
التعليقات لهذا الفصل " 2"