كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل حين قلب يوهان الصفحة الأخيرة.
هو لم يكن يقرأ رواية جديدة، بل كان يعيد قراءة مخطوطة قديمة مهترئة، لم تُنشر قط، تحمل اسمًا باهتاً هو “عرش التنين البارد”. لقد وجدها في مكتبة قديمة ومنذ ذلك الحين أصبحت هاجسه. كانت القصة عن مملكة أوروس، سلالة المحاربين التي تحمل دم التنانين وتتميز بالشعر الأحمر كاللهب والعيون القرمزية الحادة. ولكن ما جذب يوهان هو ليس الأبطال، بل الشخصية المأساوية التي ظهرت في الفصول القليلة الأخيرة: الأمير السادس، كاي.
كان كاي مجرد سطرين: ابن محظية قُتلت في ظروف غامضة، وتم نبذه بسبب مظهره الشاذ عن السلالة. شعر أبيض كالجليد، وأطراف شعر سوداء كلون الليل، وعينان سوداوان لا تعكسان أي نور تنين. كان وجوده لعنة.
لكن المخطوطة لم تنتهِ. فجأة، توقفت القصة في منتصف وصف لإهانة تعرض لها كاي، وظلت الصفحات التالية بيضاء. لطالما أغضب هذا النقص يوهان.
تنهد يوهان، وضرب الغلاف ببطء. “ليسا عادلاً، يا كاي. لم تحصل على فرصتك حتى.”
في تلك اللحظة، شعر يوهان ببرودة قاسية لم تكن من برودة غرفته، بل برودة اخترقت عظامه. المخطوطة سقطت من يده على الأرض الخشبية، وشعر رأسه ينفجر بألم مروع. رأى وميضاً سريعاً، لا صوراً، بل مشاعر: خوف، ووحدة، ومرارة لا تُطاق. كانت تلك المشاعر ليست ملكه. كان الأمر أشبه بالغطس في مياه متجمدة، ثم فقدان الاتجاه في الظلام.
فتح كاي عينيه ببطء.
”كاي؟” همس يوهان، لكن الصوت الذي خرج كان ضعيفاً ومبحوحاً، ورنينه غريباً.
كان مستلقياً على فراش قاسي، في غرفة صغيرة تكسوها طبقة من الغبار. لا زخارف ملكية، ولا حتى مدفأة بسيطة. الجو كان بارداً لدرجة أنه كان يرى بخار أنفاسه في ضوء القمر الخافت الذي يتسلل عبر النافذة الضيقة. كان جسده نحيفاً، مؤلماً، وغارقاً في شعور عميق بالخدر والضعف.
قام يوهان بدفع نفسه للجلوس. كانت الحركة تتطلب جهداً لا يتناسب مع بساطتها. شعر بحمى غريبة تضرب جبهته.
”ماذا حدث؟ هل نمت في القراءة؟” تمتم، يحاول تذكّر ما إذا كان قد سقط من كرسيه أو شيء من هذا القبيل.
نظر حوله بتفحص. هذه ليست غرفته. هذه ليست حتى قاعة تخزين عادية. كل شيء هنا يوحي بالهجران المتعمد.
مد يده المرتجفة ليلمس وجهه. كان جلده شاحباً كبياض الثلج. شعر بشيء ثقيل وغريب على كتفيه. شعر! شعر غزير ناعم ومختلف.
بصعوبة، زحف إلى زاوية الغرفة حيث كان هناك وعاء فضي صغير مهمل يستخدم لغسل اليدين، تلطخت حوافه، لكن سطحه اللامع عكس صورة تقريبية لوجهه.
شهقة صغيرة خانت فمه.
لم يكن هذا يوهان.
الوجه الذي نظر إليه كان نحيفاً وحاد الملامح. الشعر، الذي لمسه قبل قليل، كان أبيض كالحرير الأبيض، لكن الأطراف كانت داكنة بلون الحبر. والأكثر صدمة كانت العينان، حفرتان مظلمتان بلون الليل، سوداء تماماً.
لقد قرأ يوهان هذا الوصف للتو. شعر أحمر وعين حمراء لسلالة التنين… وشعر أبيض وعين سوداء للأمير المنبوذ.
تذكر يوهان تفاصيل المخطوطة: سلالة التنين لا تعرف اللون الأسود في عيونها. إنه لون غير نقي، لون النبذ. تذكر اسم الشخصية.
لم يكن يوهان يرى نفسه في المرآة. كان يرى الأمير السادس.
جسد كاي يتنفس ويشعر تحت جلد يوهان. الألم، البرد، وشعور النبذ البغيض الذي كان يقرأ عنه قبل ساعة.
هذا ليس حلماً. هذا ليس إغماءً. هذا واقع مؤلم وقاسٍ. لقد غاص يوهان في تفاصيل الشخصية المنبوذة التي أثارت فضوله في رواية لم تكتمل بعد.
هذا هو المكان الذي توقفت فيه القصة. وهذه هي الشخصية التي تم إهمالها.
ببطء، مد يده الباهتة ووضعها على قلبه الذي كان ينبض بسرعة جنونية داخل القفص الصدري الضعيف.
التعليقات لهذا الفصل " 1"
واااااو الرواية بتجنن اتمنى تكون خالية من قلة الأدب.
+ الوصف كتير رائع حسيت و كأني عايش بداخل الرواية .
وسؤال صغير انت مؤلف الرواية ولا مترجم ؟