رفع الدوق الأكبر شارلوت برفق، التي كانت تحاول التسلل هربًا بذراع واحدة، ووضعها بثبات بينه وبين المكتب.
قال بصوت مبحوح:
“كما قلت…”
مالت شارلوت إلى الخلف قليلًا محاولة خلق بعض المسافة بينهما.
“من الأفضل أن تبقى بعيدًا قليلًا، يا صاحب السمو.”
“ما نيتك، هاه؟”
“ماذا تقصد بذلك؟ لقد بدأت التمثيلية لأن…!”
لم يعد بإمكانها الهرب، فقد اتكأت للخلف وانتهى بها الأمر مستلقية تمامًا على المكتب.
وكالمفترس الذي يحيط بفريسته، أمسك الدوق الأكبر بوجه شارلوت.
“ما غايتك؟”
“….”
شعرت أن اللحظة التي كانت تنتظرها قد حانت. كانت تتوقع أن تُسأل في وقت ما.
خلفيتها كانت غامضة، بخلاف بقية المتدربين.
بشرتها صافية بلا أي أثر للأعمال شاقة، ما عدا السيف الذي تحمله بيدها.
حديثها يحتوي على لمحات من لهجة النبلاء، وفنونها في المبارزة تحمل بصمات “تقنية السيف البصيري لآل ألبريخت”.
حتى لو كان الدوق الأكبر يختار فرسانه بناءً على المهارة فقط، فإن وضعها كان يدعو إلى الشك.
عليها أن تجيب بحذر.
أخذت نفسًا عميقًا لتثبّت أنفاسها المتقطعة من التوتر، وقالت:
“هناك شخص أريد حمايته.”
“ولماذا تذكر هذا فجأة؟”
“هناك شخص يجب أن أحميه مهما كلف الأمر، شخص ثمين حقًا، يساوي حياتي.”
“….”
“انضممت إلى فرقة الفرسان لألتقي بذلك الشخص.”
كان الدوق الأكبر خبيرًا في ساحة المعركة، يعرف كيف يقيم المواقف ويكشف الأعداء. الأكاذيب السطحية لن تنطلي عليه.
شدّت شارلوت عزيمتها وهي تستحضر وجه أختها الحبيبة.
لم تعد قادرة على التضحية بـ “غريس”، وامتزجت مشاعرها اليائسة بنبرة صوتها.
ضيق الدوق الأكبر عينيه كما لو كان يحاول تمييز الحقيقة، ثم قال بعد قليل:
“يبدو هذا معقولًا. إذن، من هو هذا الشخص الذي تريد حمايته؟”
“لا أستطيع الكشف عن ذلك.”
هزت شارلوت رأسها بحذر.
لم تستطع ذكر اسم “إيثان” بتهور، فهي لا تعلم إن كان سيصدقها، إضافةً إلى أنه قد يرفض لقاءها إذا علم بوجودها.
“ذلك الشخص لا يعلم. لا، ويجب ألّا يعلم.”
“حسنًا.”
ربت الدوق الأكبر على ذقنه كما لو أنه يفكر، ثم قال:
“هل وضعتِ هذه التمثيلية السخيفة أمام الضيف لمجرد كسب ودي؟”
“حسنًا…”
حاولت شارلوت تهدئة صوتها الذي كان على وشك الارتجاف.
“ظننت أن سموك يمر بوقت عصيب.”
“عصيب؟ ها! أنا بطل الإمبراطورية. قضيت حياتي كلها في ساحة المعركة.”
“لكن حتى الأبطال بشر، أليس كذلك؟”
“…”
صمت الدوق الأكبر، ولم تتجنب شارلوت نظرته الثاقبة.
كم من الوقت مضى؟
اعتدل بجسده ببطء وأفلت ذراعيها قائلًا:
“تلقي الشفقة من شخص أحمق أمر لا يليق بالكرامة.”
“أحمق…!”
“لماذا؟ أهذا يزعجك؟”
اشتعلت شارلوت للحظة، ثم أطرقت برأسها عند ملاحظتها التغيير الطفيف في ملامحه.
تذكرت مقولة قديمة: “لا تعبث مع المجانين أو الكلاب المسعورة.” وضحكت بخفة، متذكرة نصائح معلمها القديم.
“على كل حال، بصيرتك في الناس مذهلة فعلًا، كنت أظن ذلك.”
“أهكذا؟”
“نعم، نعم، كلامك في محله.”
قفزت بسرعة عن المكتب، وضمّت يديها معًا.
“إن انتهى عملك، هل يمكنني الانصراف…؟”
“تفضل.”
“حقًا؟”
“هل أبدو كشخص يعذب مرؤوسيه بلا سبب؟”
فوجئت شارلوت بالإذن السهل، وأخذت ترمش بدهشة.
وبينما كانت مترددة، فتح الدوق الأكبر الباب بنفسه كما لو كان يلمح لها بالخروج.
دفعت للخارج في الممر، وظلت مذهولة وهي ترمش بعينيها.
أهذا حقيقي؟ ما الذي حدث للتو؟
تذكرت الموقف السابق…
الرسالة التي أمرته بالتوجه فورًا إلى المنطقة الغربية أو الركوع أمام الإمبراطور ، وكلماته الباردة القاسية. ومع ذلك، ضحك الدوق الأكبر بلا مبالاة وكأنه لا يكترث.
لو لم تتدخل، لكان ذهب فعلًا إلى المنطقة الغربية.
وكان سيتم تحميله مسؤولية ظهور الشياطين.
تمامًا كما في القصة الأصلية…
إنه يتظاهر بالجنون فقط. لا يبدو مجنونًا بالكامل.
كل ذلك من أجل النجاة وتجنب رقابة الإمبراطور.
بدأت تفكر أن تشويه سمعة البطل العظيم بإشاعات كاذبة قد يضر بسمعتهم هم.
بينما كانت غارقة في أفكارها، عادت شارلوت إلى غرفتها حيث استقبلتها زميلاها.
“تشارلز، أين كنت حتى هذا الوقت المتأخر؟”
“انظر، هذه رسالة تكليفك.”
نظرت شارلوت باستغراب إلى “كلاوس” و”بارون” الذين كانا متحمسين على غير العادة، ثم أخذت الورقة.
قال كلاوس:
“لقد ذهبنا جميعًا لمراسم لترحيب. بقيتَ أنت فقط.”
“الترحيب؟”
“نعم، شخص ما جاء للتو وطلب إخبارك حال عودتك.”
“إذن علي الذهاب حالًا.”
مالت شارلوت برأسها وهي تفض الختم.
وعندما فتحت الورقة، ظهر اسم المدرب المكلف بها:
[رافاييل أسترِد لا لودوفيكا]
رمشت شارلوت بعينيها، وحاولت قراءة الاسم تحت ضوء القمر من النافذة الكبيرة، ثم تحت ضوء الشموع على الجدار، لكن الحروف لم تتغير.
وفجأة، ترددت في ذهنها كلماته الباردة:
“هل أبدو كشخص يعذب مرؤوسيه بلا سبب؟”
ذلك الرجل؟!
صرخة صامتة ترددت في سماء المساء الباهتة.
───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────
“اليوم، سنتعلم كيف نمشي على الماء. المتدربون، اعبروا الماء. ابدأوا!”
“لكن، سيدي، هناك تماسيح بفكيها المفتوحين في الماء…!”
“تابعوا!”
“انتظر، انتظر!”
تعالت صرخات المتدربين خارج نافذة المكتب المفتوحة.
في المسبح الكبير، كانت هناك سباق بقاء بين مجموعة من التماسيح وسبعة متدربين محظوظين بما يكفي للحصول على هذه “المكافأة الخاصة”.
توقف رافاييل فجأة عن تقليب الوثائق ونظر للأسفل.
وسط التماسيح المتوحشة، لفت انتباهه أحد المشاهد.
“لا تخافوا، فقط اركضوا! اتبعوني!”
لقد أصبحت شارلوت، التي كانت تُحتقر سابقًا كأكبر حمقاء، قائدة المتدربين الآن.
باستخدام الحبال والسلاسل، ربطت أفواه التماسيح حتى فقدت وعيها وطفَت على الماء.
وعندما مشت عليها، بدا الأمر وكأنها تمشي على الماء، لتحل المسألة بطريقتها الخاصة.
وفي النهاية، وصل المتدربون بسلام للجهة الأخرى، متحلقين حولها وهم يضحكون ويتحدثون بحماس.
“…”
رمش رافاييل بعينيه شاردًا.
لقد كان يراقب المشهد باهتمام دون أن يدري.
“لا بد أنني مجنون.”
عاد ليطالع الوثائق، لكن سرعان ما توقف مرة أخرى عندما سقطت خصلة شعر وردية بين الأوراق في يده.
إنها خصلة شارلوت.
بعد أيام قليلة سيكون عيد ميلاد الإمبراطور ، ورغم تذكيرها مرارًا بأن هناك أمورًا كثيرة تحتاج اهتمامه، لم يُعر أي اهتمام لذلك. هل لديها هدية سترضيه؟
بدا وجهها المتذمر أمامه بوضوح.
رغم أن وقوف متدربة متواضعة بهذا الشكل أمام المسؤولين الإمبراطوريين كان تصرفًا وقحًا، إلا أن رافاييل وجد الأمر مثيرًا للاهتمام.
الإمبراطور كان يعرف كيف يوجّه الرأي العام بمهارة، وصعد العرش بتلك الطريقة رغم عدم استحقاقه.
كان يدّعي حبه لابن أخيه، لكنه أرسله مرارًا إلى الحدود دون أن يشك أحد.
وكان الجميع يصدق أن ذلك لمصلحة رافاييل، رغم أنه كان فتى في الرابعة عشرة، لم يبلغ سن الرشد بعد، ويُرسل إلى أخطر ساحات القتال…
لقد أرادوا موتي، لكنني لم أمت. وفي النهاية، نجوت من الجحيم وأصبحت بطلًا.
وعندما نال مديح الجماهير ورفع شأن الإمبراطورية، لا يزال يتذكر بوضوح وجه الإمبراطور المشوه حين واجهه.
“لكن حتى الأبطال بشر، أليس كذلك؟”
في عالم رافاييل، هناك نوعان فقط من الناس: من يقيّدونه، ومن يمدحونه. لكن فكرة أن الأبطال بشر ظلت تتردد في ذهنه.
“هناك شخص يجب أن أحميه مهما كلف الأمر. شخص ثمين، يساوي حياتي.”
لكن ذلك الشعور الغريب الذي بدأ بداخله تحوّل فجأة إلى برودة عند سماعه الكلمات التالية…
فعندما أدرك أن ذلك “المجنون” انضم إلى الفرقة ليس بسببه، شعر بانزعاج لا مبرر له.
“ربما أنا المجنون حقًا.”
حتى لو كان قاتلًا حقيقيًا، لا يستطيع الكشف عن ذلك. وحتى لو كان الأمر صحيحًا، لا سبب لانزعاجه. لذا عليه إبقاء هذا الشخص بالقرب منه وفحصه جيدًا… أيًا كان.
“…”
زفر رافاييل ورفع نظره فجأة.
كان الكتبة الذين يساعدونه في عمله الرسمي يحدقون به بنظرات غريبة.
“ما الذي تنظرون إليه؟”
زمجر بغضب:
“امسحوا تلك النظرات قبل أن أنتف لِحَاكُم* جميعًا.”
*جمع لحية*
“ن-نعم، سيدي!”
عم صوت تقليب الأوراق بسرعة المكتب الصامت.
لقد كان بعد ظهر هادئ.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"