“آه، نسيت! نعم، يجب أن تشرب الحليب.”
“هل تسخر مني؟”
بعد بضعة أشهر فقط، سيُعتبر عمرها كافيًا لتصبح راشدة. حينها سيسمح لها أختها و معلّمها بتذوّق النبيذ وما شابهه، لذا كان من المبالغ فيه أن تُعامَل كطفلة.
غير أنّ ردّة فعل شارلوت المتبرّمة جعلت براندون ينفجر ضاحكًا.
قال:
“فرسان التنين الأسود لا يعترفون إلا بالمهارة، بغضّ النظر عن الأصل أو الماضي. نحن نملك أعينًا، كما تعلم.”
“أي هراء هذا الذي تقوله؟”
‘هل يُعقل أنهم اكتشفوا أنّها فتاة؟ لكنها أخفت ذلك بإتقان… فكيف انكشف الأمر؟’
ارتجفت عيناها بقلق.
لكن براندون، الذي كان يراقبها في صمت، ضحك وكأنّه توقّع ردّها هذا:
“أقصد… لا تملك حتى لحية، ومع ذلك نجحت في خداع الجميع بشأن عمرك. لا بدّ أنّ هناك سببًا لذلك.”
“هاه؟”
“لا تقلق، لن أبوح بشيء. لقد أثبتَّ كفاءتكَ بغضّ النظر عن عمرك.”
*للي ما فهم هو يقصد ان عمرها اصغر بكثير عشان كذا لسا ما نبتت لها لحية، فهو يعتقد انها ولد كاذب بشأن عمره عشان يقبلونه بالتجنيد*
“العالم مكان قاسٍ على أي حال.”
وأخذ بقية المتدرّبين يؤيدونه بكلمات متفرقة.
فتملّكتها الدهشة ولم تعرف كيف ترد، واكتفت بالرمش متعجبة.
قال براندون مبتسمًا:
“وبالمناسبة… ما رأيكم أن نشارك قصص ماضينا؟ مثلًا، أنا كنت قائدًا لعصابة لصوص.”
“ماذا؟!”
“لكن ضميري لم يسمح لي بالاعتداء على العامة. كنت أستهدف عربات النبلاء فقط.”
‘إذًا أنت اللص الذي سطا على عربة معلمي؟!’ صاحت شارلوت في داخلها.
ثم اقترب براندون منها وهمس:
“أيها الصغير.”
“لستُ صغيرا كما تظن!”
“قد تكون صغيرا بلا لحية، لكنك مفيد جدًا في القتال.”
“أعلم ذلك.”
“لكن… ما رأيك؟ أنت حقًا أحمق لم يُسمع بمثله من قبل وذو مزاج سيئ… لكن…”
‘هل يريد مشاكستي أم محادثتي؟’
وما إن احتدّت نظراتها، حتى تدخّل ألوين الجالس بجانب براندون، ونكزه بمرفقه.
فارتبك براندون وقال متلعثمًا:
“اهم… شكرًا لكَ على إنقاذي.”
“ماذا؟”
“لو لم تكن هناك، لكنت طعامًا للتماسيح.”
‘ما بال الأجواء تحوّلت فجأة؟’
ارتبكت، تحاول استعادة توازنها، بينما لم يتمالك بقية المتدرّبين أنفسهم وقالوا:
“لو لم تكن معنا، لكنت سُحقت تحت حوافر الخيول.”
“ولو لم تُعطِني يدك، لكنت غرقت مكبَّلًا بالسلاسل.”
“أعتذر لأنني اعتقدتُ أنكَ مجنون في البداية … لكنكَ في الحقيقة مخلص، وإن كنتَ مجنونا قليلًا.”
“أوه… بشأن كلمة مجنون تلك…”
شعرت شارلوت بانزعاج يسير، لكنها آثرت تجاهلها مؤقتًا. حكّت ذقنها بحيرة.
‘في الحقيقة… كل ما فعلتُه كان بدافع النجاة.’
وحين استرجعت ما مرّ من تدريب، وجدت أنّ أغلب المواقف لم يكن بوسعها مواجهتها بمفردها أصلًا.
عندما كُبّلوا بالسلاسل وأُغرقوا في الماء، كانوا جميعًا مربوطين معًا، فسقوط أحدهم يعني غرق الجميع. والأمر نفسه في التدريب على المشي فوق الماء وتفادي التماسيح.
حتى سباق الخيل وتسلق الأشجار كان على هيئة سباق تتابع، أي أنّ تعثر واحد يعني خسارة الكل.
النجاة أجبرتهم على توحيد قواهم، شاءوا أم أبوا.
‘هل يُعقل أنّ هذا ما أراد المدرّبون زرعه فينا؟’
أدركت ذلك فجأة، ففتحت عينيها بدهشة.
لقد جرى اختيارهم على أساس المهارة وحدها، دون النظر إلى أي اعتبار آخر. كل واحد منهم كان قد اعتاد حياةً يعيش فيها لموهبته الخاصة فقط، ومن غير المتوقع أن يتعاون مثل هؤلاء.
لكن… ها هم الآن، وقد صاروا متماسكين على هذا النحو.
كان اجتماعًا متواضعًا حول نار صغيرة مع بطاطس وبيرة فقط، لكنه بالنسبة لها كان أمتع وأدفأ من أي حفلة صاخبة في قاعة كبرى.
قال أحدهم مبتسمًا:
“فلنواصل المشوار معًا من الآن، أيها الصغير.”
“لستُ صغيرًا!”
“حسنًا، حسنًا.”
وانفجر الجميع بالضحك، حتى شارلوت نفسها وجدت ضحكة عبثية تفلت منها.
تراقصت ألسنة النار، وتعمّق الليل بهدوء.
‘لكن… ماذا عن الحلقة المشتعلة؟! ذاك لم يكن تعاونًا… أليس كذلك؟’
أبعدت السؤال عن ذهنها مؤقتًا.
⋆ ★ ⋆
كان القصر يعجّ بالتحضيرات لاستقبال ضيوف من البلاط الإمبراطوري.
فزاد الفرسان حذرًا في مراقبة الأرجاء، وتقرر إلغاء تدريب المساء للمتدرّبين مؤقتًا.
أما تدريبات الصباح ومنتصف النهار، فبقيت كما هي. لكن هذا لا يغيّر شيئًا.
“أريد أن أهرب…”
كان بداخلها دومًا ميل إلى الفرار، لكنه الآن صار أشدّ إلحاحًا.
بخطى مثقلة، كأنها تُساق إلى الذبح، سارت نحو المبنى الرئيسي.
فغياب تدريب المساء يعني وقتًا أطول تقضيه بجانب المراقب.
‘لكن الأميرة كورديليا في المبنى الرئيسي أيضًا… ماذا لو صادفتها؟’
توقفت عند الممر المؤدي إلى الداخل، مترددة.
تجنّب الدوق الأكبر وحده أمر واجب، فكيف والأميرة الكبرى موجودة أيضًا؟ صارت كل خطوة ثقيلة كالحديد.
“آه…”
تنهدت بضيق، ثم رفعت رأسها نحو السماء الزرقاء.
ومن بعيد، وصل إلى مسامعها خرير ماء ورشّات متناثرة بإيقاع ثابت.
توقفت، ونظرت باهتمام.
‘الأميرة الرابعة؟ ماذا تفعل هنا وحدها بلا وصيفات؟’
كانت ناديا تجلس عند حافة البركة، مرتدية ثوبًا خفيفًا منزليًا، تطعم السمك بفتات خبز. ولم يكن حولها أي خادم.
“حسنًا، ليس من شأني.”
في النهاية، إنه مجرّد فناء الدوق الخلفي، فما الذي قد يحدث؟
لكن عندما همّت بالمرور، لمعت أمام عينيها قطعة معدنية تعكس الشمس بين أشجار الحديقة.
وكان حدّها الحاد مصوَّبًا نحو…
“اللعنة، هذا خطر!”
“…!”
قبل أن تفكر، تحرّك جسدها من تلقاء نفسه.
في لحظة، جذبت ناديا بقوة واندفعت بها إلى الأرض، متدحرجتين بعيدًا عن الضربة.
تجنّبت السيف بفارق شعرة، وحدّقت بالمتسلل بأسنان مشدودة:
“اللعنة!”
“جلالتك، هل أنتِ بخير؟!”
“م… ما الذي يحدث؟!”
تلعثمت الأميرة الرابعة، لكن لا وقت للشرح.
فقد اندفع القاتل ثانية نحو عنق شارلوت، بعينين متّقدتين.
انحرفت بمرونة كالماء الجاري، وفي اللحظة نفسها ضربت خاصرته المكشوفة.
قالت ببرود:
“لا تخف، لن أقتلك.”
“آه!”
صرخة ألم أفلتت منه.
ثم قلبت سيفه لتضرب بمقبضه مؤخرة عنقه:
“لكن هذا لا يعني أنّي لن أضربك.”
“أغغ!”
انهار على الأرض، فضربته مجددًا بقسوة، وبقوة تشبه طباخًا يفرم الثوم.
ولم تعُد سحب سيفها إلى غمده إلا بعدما فقد وعيه تمامًا.
“جلالتك، هل أصابك شيء؟”
“آه…”
ما تزال ناديا جالسة على الأرض، مصدومة، يكاد لا تسعفها الكلمات.
“رجاءً… خذي يدي، دعيني أرافقك إلى الداخل.”
مدّت شارلوت يدها وهي جاثية على ركبة، غير أنّ الأميرة اكتفت بالتحديق فيها بارتباك.
ولم تدرك شارلوت السبب إلا حين رأت الدم يسيل من كفّها. لم يكن سوى خدش طفيف.
قالت معتذرة:
“أعتذر… لقد أريتُ جلالتكِ منظرًا مرعبًا.”
فتلعثمت الأميرة:
“لـ… لم يكن مرعبًا! بل… شكرًا لكِ.”
“ماذا؟”
“لو لم تحميني، لكنت الآن… آه…!”
بدت وكأن فكرة ما خطرت لها، فأسرعت تبحث في جيبها.
ثم أخرجت منديلاً صغيرًا مطرَّزًا بالزهور، ووضعته بحذر على يد شارلوت.
قالت بخجل:
“قد لا يكون متقنًا… لكن أرجوك تقبَله.”
“جلالتكِ…؟”
احمرّ وجه ناديا، وبدت نافرة من منظر الدم، فأدارت رأسها سريعًا.
‘طبيعي… فالأميرة التي لم تعرف سوى القصر لن تطيق مثل هذه المناظر.’
ورأت شارلوت أنّ رفض المنديل سيكون جفاءً، ففردته وربطت به يدها.
لكن ما إن لاحظت الأميرة – التي تراقبها خفية – أنّها فعلت، حتى ازداد احمرار وجهها أكثر…
رنّ صوت قاسٍ فجأة من الخلف:
“غطِ وجهكَ… المنظر مقزّز.”
“آه!”
ثم دووم!
شخص ما وضع بعنف خوذة حديدية ثقيلة على رأس شارلوت، فاصطدمت بجبهتها حتى شعرت أنّ جمجمتها تحطّمت. أو هكذا خُيّل إليها!
لم تحتج حتى أن تلتفت لتعرف صاحب الصوت البغيض… كان الدوق الأكبر.
صرخت:
“إنه مؤلم! دعني!”
لكنّه قال ببرود:
“تمسّك بها… يبدو أنّ جلالتها لا تطيق النظر إليك.”
“ماذا؟!”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 13"