تشمّمت شارلوت سريعًا، ثم اختبأت وهي ترتجف، إذ كانت رائحة زيّها المبتل بسبب التدريب نفّاذة بشكل مزعج.
بعد أن سبحت بعنف في الماء وسط سرب من التماسيح، أصبحت الرائحة العالقة في جسدها لا تطاق. فارتسمت على وجهها ملامح اشمئزاز لا إرادي.
“آه، هذا لا يُحتمل إطلاقًا.”
في هذه اللحظة، كانت بحاجة ماسّة إلى حمّام. صحيح أنها اعتادت تحمّل الانزعاج في الماضي وكانت تستحمّ بمفردها في أوقات متأخرة من الليل، لكن اليوم لم تستطع الاحتمال أكثر.
في الحقيقة، حتى لو حاولت التحمل وذهبت إلى قاعة الطعام لتناول العشاء، فمن المؤكد أن الآخرين كانوا سيرغمونها على دخول الحمّام. وبمجرد أن يكتشفوا أنها امرأة، سيبدؤون بالتحقيق في هويتها، ثم سيصل الأمر إلى مسامع معلمها، وبعدها ستأتي ثورة غضب أختها الكبرى…
‘لا، هذا غير وارد أبدًا. أبدًا.’
سارت شارلوت بجسدها المرهق حتى وصلت أمام مبنى الحمّام الكبير. قبل قليل، حين حاول المدرّب شنّ هجوم جسدي ونفسي عليها في الوقت نفسه، هربت بسرعة. لكن ما بدا أنه أزمة، تحوّل في الحقيقة إلى فرصة.
“قبل أن يأتي الآخرون، لو أسرعت في الاستحمام وغادرت…”
تقدّمت بحذر نحو غرفة تبديل الملابس.
كان ضوء الشمس يتسلّل من النافذة، ولعل الفرسان كانوا مشغولين بالمهام الرسمية أو التدريب، إذ كان المكان هادئًا على نحو مخيف وكأنه مهجور.
“من هناك؟”
“…”
“أنت! ما غرضك من وجودك هنا؟”
تظاهرت بأنها ترفع صوتها وتتحدث بنبرة سلطوية، كنوع من التجربة، لكنها فوجئت بعدم تلقّي أي رد.
“جيد.”
هزّت شارلوت رأسها برضا، ثم نزعت ثوبها المبلل الذي كان يقطر ماءً. ومع إزالة الضمادات التي كانت تشدّ صدرها، ثم خلعها الباروكة المزعجة، شعرت بحرية غريبة.
خبأت أغراضها في زاوية من غرفة التبديل، ثم لفّت منشفة كبيرة على كتفيها قبل أن تتوجه نحو بركة الحمام.
“آه، هكذا يبدو في وضح النهار.”
شقّت طريقها وسط البخار الكثيف، ثم غاصت في الماء العميق.
كان الحمّام الكبير مع الينبوع الخارجي الحار مبنيًا في منطقة غابية، تحيط به الأشجار الكثيفة. تنتشر الصخور الكبيرة في أرجاء الينبوع، مما يضفي جمالًا طبيعيًا على المكان.
‘إذًا لهذا السبب اختار الدوق الأكبر بناءه هنا، في وسط الغابة.’
لطالما تساءلت عن سبب بناء رجل بمكانة الدوق الأكبر قصره في الضواحي بدلًا من العاصمة، واتضح أن الغرض كان الحصول بسهولة على كميات كبيرة من المياه لاستخدام قواته العسكرية الضخمة.
“آه، كم هو منعش.”
غاصت أكثر في الماء، وتناثرت خصلات شعرها الوردي الزاهي كخيوط حريرية. بدا وكأن الرائحة الكريهة التي التصقت بجسدها بسبب مصارعة التماسيح بدأت تتلاشى.
وبخفة حورية بحر، أمسكت الصخرة الكبيرة أمامها ورفعت جسدها قليلًا.
وفي تلك اللحظة، لمحت عبر البخار الكثيف ظلًا غريبًا… لم يكن كشكل الأشجار أو الصخور المحيطة، بل بدا كأنه هيئة إنسان أو تمثال. بسرعة، لفّت المنشفة حولها واختبأت خلف الصخرة.
‘ما هذا؟ هل هناك أحد؟’
لم تكن تتوقع وجود أي شخص في وقت يفترض أن يكون فيه الحمّام يعجّ بالنشاط. وبما أن الحمام ملحق بمقرّ الفرسان، فالقانون يمنع أي غرباء من استخدامه، ما جعل الأمر أكثر غرابة.
‘تبا، يجب أن أعود قبل أن يُكشف أمري.’
استدارت، لكنها توقفت فجأة. فقد كانت قد سبحت بعيدًا عن نقطة دخولها، وأصبحت الآن على الجانب المقابل تقريبًا.
وبينما كان الماء يتساقط من شعرها المبلل، فكرت:
‘لو واصلت التحرك هكذا، قد أُكتشف. عليّ التأكد أولًا.’
أطلّت بحذر من خلف الصخرة، منخفضة الرأس.
‘…’
لم يكن هناك أحد.
‘ما الأمر؟ هل كنتُ أتوهم؟’
نظرت حولها بحيرة، وكأنها مطاردة من شبح. قبل قليل، كانت متأكدة من وجود أحد، أما الآن فمهما دقّقت النظر لم ترَ أي أثر.
باستثناء صوت خفيف للماء، كان المكان ساكنًا على نحو مخيف.
‘هاه… يبدو أنه كان وهمًا. الحمد لله…’
شعرت بالارتياح وأطلقت تنهيدة خفيفة. لكن في اللحظة التي همّت فيها بالخروج من خلف الصخرة، أمسك بها شيء بقوة من معصمها.
“من أنتِ؟”
“آه!”
اندفعت شارلوت بلكمة عفوية، لكن خصمها صدّها بسهولة، إذ قبضت كفّ كبيرة على يدها بإحكام. كان ملمسها باردًا كثلج الشتاء.
“توقفي عن المقاومة الفارغة. إن واصلتِ، سأقتلكِ هنا.”
…
“افصحي عن هويتك. هل أنتِ جاسوسة؟”
ابتلعت شارلوت ريقها بتوتر، وهي تدرك أن الرجل أمامها خبير، فقد لمحت ذلك من هدوء حركته.
‘هل أبحث عن فرصة للهجوم؟ أم…’
لكن عيني الرجل ضاقتا فجأة، ولمع فيهما بريق حاد سرعان ما ارتبك.
“…امرأة؟”
‘لقد اكتشف الأمر.’
انتهزت الفرصة وضربته بيدها الأخرى.
“أوغـه!”
رغم أنه انحنى بسرعة، إلا أنه وقع في فخها المقصود. دفعت بكل قوتها لتفقده توازنه، فسقطا معًا في الماء.
“بفف!”
اندفع الماء الساخن إلى أنفيهما وفميهما، وكان الأمر أشبه بالتعذيب. فتحت شارلوت عينيها رغم لسع الحرارة، محاولة النهوض قبله والهروب.
لكن فجأة، اخترقت أصوات أخرى أجواء المكان:
“آه، هذه الرائحة مقرفة! جسدي كله يحكّ!”
“ظننت أنني اليوم سأتحول إلى وجبة للتماسيح، اللعنة على ذلك المدرّب!”
كان المتدرّبون قد دخلوا ليستحموا.
“لكن أين هرب ذاك المسبب للمشاكل؟!”
“تشارلز دائمًا يكره الاستحمام.”
“صحيح، ليس قطة ومع ذلك لا يحتمل أن يلمسه الماء. هاهاها!”
‘ماذا قالوا؟!’
في تلك اللحظة، أمسك الرجل بها وأبعدها عن الأنظار، مانعًا غضبها من الانفجار.
“ماذا…؟”
“ابقي هادئة.”
وقف أمامها كحاجز ضخم، وحبسها خلفه. تغيرت قوته الآن من ضغط قتالي إلى ثقل صخرة حامية. سُمعت أصوات القفز في الماء.
“أناس في هذا الوقت؟”
“لا يمكن… إنه السير إدريس!”
اتسعت عينا شارلوت بدهشة وهي تحدّق بالرجل.
‘إدريس؟ أهو إدريس الذي سمعت عنه؟’
*هو البطل الثاني بالغلاف اللي شعره أبيض*
إدريس لا كلاين. فارس من فرسان الحرب المقدسة، أصبح نائب قائد فرسان دوقية لودوفيكا، وكان مشهورًا بمهاراته. لكن شهرته في الصالونات جاءت من أمر آخر:
‘إدريس لا كلاين هو عشيق دوق لودوفيكا.’
*هاه؟ و الله شكلهم شاربين شيء*
إشاعة بدأت بعد أخرى عن ميول الدوق، ولم ينفها أحد، مما جعلها سرًا علنيًا في المجتمع المخملي.
“يسرّني إلقاء التحية على السير إدريس!”
“أفضل الهدوء.”
“هاه؟”
“يعني ابقوا بعيدين، أيها الأغبياء!”
بكلمة واحدة، أسكت إدريس الضجيج، وابتعد المتدرّبون إلى بركة أخرى. عندها فقط، ترك إدريس شارلوت.
“يمكنك الخروج الآن.”
“…”
خفضت رأسها المرهق من التوتر.
“منشـ… منشفي!”
كانت مرتخية من الأمام، إذ جرفها الماء بعيدًا، ولم يبق سوى شعرها الطويل الكثيف ليغطي جسدها، لكنه لم يخفِ ملامحه تمامًا.
غاصت بسرعة في الماء.
“لا… لا تنظر!”
“…”
“أعني… أوم…”
عقد لسانها من شدة الإحراج، فغطّت وجهها المحمّر بكفيها وقالت بخجل:
“شكرًا لمساعدتك سابقًا. أنا لست شخصًا مريبًا…”
“أعلم.”
“هاه؟”
“أنتِ الآنسة برافانت، أليس كذلك؟”
تجمّدت شارلوت، وفغر فمها بدهشة.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
أتمنى يكون أعجبكم الفصل، و بالمناسبة تم تنزيل الفصل 11 في قناة التلغرام ( للبنات فقط) الرابط في تعليقات الرواية
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"