7
“هل أنت متأكد من إقدامك على هذا؟”
التفت نيار إلى والده مجيبًا بهدوء.
“أبي… لن أغير قراري، أرجوك ألّا ترأف بي إن حاولت التراجع عن ذلك لاحقًا، بل أجبرني على أن أتم ذلك حتى النهاية”
______________
جرس المهجع يرن في صباح السبت، يا الله، من تراه يكون الآن؟ مازلت لم أتعافى من رحلة العودة إلى المهجع ليلة أمس-غادرت مساء الخميس و عدت مساء الجمعة- فتحت الباب بعد أن غسلت يداي التي كانت ملطخة بالجبنة ،كوني كنت جائعة و أصنع شطيرة، فركت عيناي للحظات، أوه النسخة الذكورية من آيسل، لأول مرة أراه عن قرب، التفتُ قليلًا و ناديت بصوتٍ عالٍ:” آيسل، أخاكي هنا” و سرعان ما قاطعني قائلًا : ” أنا هنا لأجلِك أيتها الأخت، أولستِ بجويس أخت نيار؟”
“بلى، إني هي، أمن مصيبةٍ قام بها أو ماذا؟”
فرك رقبته حائرًا كيف يبدأ.
“بالله عليكِ، ألكِ أن تنظري في أمره، و الذي نفسي بيده أني ما رأيته قد نام طوال الليل، بل كان معظم الوقت يخرج ذهابًا و إيابًا إلى الحمام، لقد أمضى الليل كله يتقيأ، و لم يدخل الطعام فاهه مذ دخل المهجع بالأمس، ثم إني كلما حاولت محادثته و مساعدته صدّني، أكاد أجنّ من سماع أنينه الخافت من الغرفة، لا أدري أهو يبكي أم يتألم، علاوة على ذلك فإنه على ما يبدو يخدش ساعديه باستمرارً حتى سالت دماؤه، و وجهه يا الله ماذا أقول؟ هالاته شديدة السواد، و عيونه شاحبة ذابلة”
يا رحمن، يا رحيم، لقد انفجر في وجهي فجأةً بالكلام، و كأنه ينتظر هذه اللحظة منذ الصباح، لكن نبرته تخبرني بعمق قلقه تجاه نيار، لكن لا حولا و لا قوة لي، فحال نيار صعبٌ و لا أدري ما أفعل حياله، كنت على وشك الرد حتى نادى عليه شابٌ مر من أمام المهجع.
“آستر! ماذا تفعل هنا؟”
بشعر أسود و عيون سوداء ناعسة، تتللأم ألوانها مع بشرته البيضاء، قميص أبيض و سترة صوفية سوداء، تصنع تناغمًا جميلًا مع بنطاله البني الفاتح ، جرّ حقيبته و اتجه نحونا.
“أثير، هل كان اليوم موعد عودتك؟”
” أجل اليوم، كم يكسر قلبي نسيانك له، ألا تشتاق لي؟”
قال بنبرة حزينةٍ مصطنعة قاصدًا السخرية.
“من أين أبدأ يا أثير”
لا تبدأ بالله عليك، لا تكرر ما قلته لي مجددًا ، لماذا أستمع إلى هذا؟
أمنياتي صعبة المنال، التفت إليّ المدعو أثير بعد أن سمع ثرثرة آستر، حدق قليلًا متمتمًا:
“مهلًا أنتِ…لقد التقينا من قبل”
“أثير هذا ليس وقت المزاح معها الآن، و ما عهدتك هذا النوع من الأشخاص، ركز معنا و ساعدنا قليلًا”
حدقت فيه لثوانٍ ثم صحنا في ذات الوقت.
“دورة التمريض التابعة للأكاديمية”
“عرفت ذلك، أخت نيار”
نظر آستر بيننا.
“تعرفون بعضكم؟ سهّلتم علينا،لنجد حل لمصيبتنا”
“آه…نيار، أعتقد أني قد أساعد في هذا الأمر ، لكنه سيردعني عن ذلك، لذا نحتاج من يجبره على التعاون”
قال و هو ينظر ناحيتي.
“آه، حسنًا، سأرى إذا ما كان هناك ما يمكن أن يساعد و أحضره معي”
رضخت مباشرة لتلميحهم.
“أحضري أختي معكِ”
رد آستر على إستسلامي قبل أن يلتفت مغادرًا مع أثير، حينها ذهبت لأخبر آيسل أن تغيّر ملابسها كي تأتي معي، ثم صعدت إلى غرفتي أرتدي قميصًا ملائمًا فقد كنت أغطي نفسي بغطاءٍ حين فتحت الباب -و هذه عادةٌ اكتسبتها من ليا- أخذت بعض الأغراض و وضعتها في حقيبتي، فأنا أعرف نيار حقّ المعرفة، و أعلم أنني يجب أن أعامله كطفلٍ في هذه الحالة.
نزلت مسرعةً و خرجت مع آيسل ، فقادنا أولئك الاثنان إلى داخل المهجع، قالت آيسل متذمرة:
“و الآن ألكما أن تخبراني لماذا أُجر إلى هنا أيها الأحمقان الطويلان؟”
“لا يمكننا إحضار فتاةٍ إلى مهجع ذكور وحدها يا آيسل، كل ما هو مطلوب منك يا أختي، أن تجلسي في غرفتي و تتركي الباب مفتوحًا ريثما تنهي جويس ما جاءت إليه”
قال آستر و هو يقودنا عبر السلالم، و أثير خلفنا يجرّ حقيبته.
“الغرفة في نهاية الممر، صحيح؟”
“كيف عرفتِ ذلك؟”
آه ذلك الإنطوائي، كنت أعرف ذلك، حتى في إختيار الغرف، جانبه المنعزل واضح.
دنوت من الغرفة و طرقت الباب…لا رد بالطبع، هدوء لا يكسره سوى حفيف الأغطية التي توحي بوجود انسي في الغرفة. طرقت الباب مجددًا، صمت لا رد لكنني أعلم أنه مستيقظ في الداخل.
حاولت فتح الباب الذي كان موصدًا.
“هل يوجد مفاتيح إحتياطية للغرف؟”
” هناك في الخزنة، هل أجلبها؟”
“أجل لو سمحت”
بعد دقائق عاد آستر بالمفاتيح، و تبعه أثير الذي كان في غرفته، فتحت الباب على مهل و دخلت الغرفة،دنوت من السرير المنزوي في الغرفة، كان نيار متكورًا تحت أغطيته، جلست على حافة سريره ثم أزلت الغطاء بحذر عن رأسه، لأرى وجهه الملطخ بالدموع و الدم، لم ينظر لي أو ينتبه لوجودي، فقد كان يحتضن دبًا محشوًا بين ذراعيه، ذلك الدب الذي يحمله كلما اعتراه الشوق، ربتت على كتفه أحاول جذب انتباهه إلي
“نيار…انظر إلي…هيا يا حبيبي”
لفّ نفسه ببطئ ناحيتي، و إذا به يعقد عضديه حولي، دافنًا وجهه فيي، أحسست حينها برجفة جسده، مررت أصابعي بين خصلات شعره أداعبها، رفع رأسه و حدق بي و سرعان ما فاضت أدمعه، فأنزل رأسه محاولًا إخفاءها.
“جويس…لا تتركيني…هل يمكنكِ البقاء هنا اليوم؟”
قال بصوتٍ هادئ مصطنع، فكيف للهدوء أن يجد مكانًا في حاله هذا؟ عانقته بإحكام آملةً أن أخفف عنه شدته.
“أين مهدئاتك يا نيار؟هل أخذتها؟”
أومأ رأسه ببطء، أبعدته عني قليلًا لأجعله يتمدد على سريره مجددًا، نظر إلي بعيونه الذابلة من شدة الإرهاق، أراد الكلام لكنه أدار نفسه للناحية الأخرى، هل يظن أني أعتزم تركه و العودة؟ نهضت ببطء عن السرير و اتجهت نحو خزانته.
“هل أخرج لك بعض الملابس لتستحم؟”
“لا داعي لذلك…سأستحم لاحقًا، و أيضًا لقد أخرجت بعض الملابس بالفعل”
قال دون أن ينظر إلي، جذبته من ساعده بقوةٍ لينهض، فإذا به يسقط أرضًا.
“ألم يكن بمقدورك القول أنك لا تقوى على الحراك و حسب؟”
قلت ذلك و ذهبت لأنادي على أثير، و حين عدت وجدت نيار مازال في وضعه السابق جالسًا على الأرض مطأطئًا رأسه، ركع أثير أمامه ثم لف ذراعه حول خصره مسندًا إياه للنهوض، و قاده إلى دورة المياه، بعد دقائق قليلة عاد و سألني:
” ماذا يأكل حين يصاب بالغثيان؟أهناك شيء محدد يفضل تناوله؟”
أومأت برأسي.
“يحب الخبز المحمص مع السلطة”
“الخبز المحمص مع السلطة؟ أوه…سأعدها له و أنتِ ابقي جواره حين ينهي استحمامه”
“لا أنا سأعدها، فهو يأكلها بمعايير خاصة، ابقى أنت معه فلعله يحتاج لمن يسنده”
نزلت إلى المطبخ و شرعت بتحضير ما يلزم، احتجت بعض الوقت لذلك، و لا أنكر أني سرحت في أفكاري قليلًا، أطفأت الموقد و عدت بالطعام إلى غرفة نيار، دلفت فوجدته مستلقيًا في سريره،و جواره أثير يجاهد في إقناعه بالإعتدال و تجفيف شعره، وضعت الطعام على طاولة مكتبه، نهض أثير حين رآني، فجلست على حافة السرير، أمسكت المنشفة و جذبت نيار ناحيتي أجفف شعره، في حين كان هو يسند رأسه على كتفي، كانت الملاءات و الأغطية التي كانت سابقًا ملطخة بالدماء نظيفة،و يداه مضمدتان بإحكام، يبدو أن أثير قد قام بعملٍ جيد، جففت شعره جيدًا ثم نهضت، و أخرجت الطاولة القابلة للطي من جوار الخزانة، و وضعت أمامه الطاولة و فوقها الطعام، حثثته على الأكل و أنا أرى في وجهه نفوره من الطعام.
أمسك الملعقة متململًا ليأكل، ثم أجهش بالبكاء ما أن وضع اللقمة الأولى في فمه.
“عمي…بيرم”
اختلط الطعام بالدمع في فمه، الطعام البسيط الذي صنعته كما علمني ابن جدتي العزيز، و الوجبة التي كان يصنعها لنيار دومًا.
كبحت دمعي أن يفيض و أنا أراه يختنق في طعامه إثر البكاء، بالنسبة له…لم تكن وفاة بيرم قبل أسبوعين، بل كانت بالأمس فقط، طاله الإدراك متأخرًا، و للفقد هو أشدّنا تأثرًا.
بصعوبةٍ أنهى ربع طعامه ثم أخذ المهدئات و نام، بقيت جواره حتى انتظمت أنفاسه و غط في عمق نومه، وضعت جواره أدويةً تساعده إن استيقظ لاحقًا، و أنا على يقينٍ أنه لن يحتاجها، فزملاؤه لن يتركوه وحيدًا، لكن الإحتياط واجب، دثرته جيدًا و قّبلت جبينه قبل أن أغادر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 7 - إدراك متأخر منذ يومين
- 6 2025-09-16
- 5 - تعريف الشخصيات 1 2025-07-26
- 4 - أكاديمية ليفناسا 2025-07-26
- 3 - أخبار 2025-07-26
- 2 - رحيل 2025-07-26
- 1 - البداية 2025-07-26
التعليقات لهذا الفصل " 7"