6
“ليا فولكان، أسرعي يا فتاة.”
“تالله، إني قادمة، لم يحن وقت الحافلة بعد، فاصبري والصبر جميل.”
“منذ يوم وصولي وأنتِ تكررين جملتك هذه لا تتركين، الحافلة على وصول، وأنتِ للآن تعبثين… أنا خارجةٌ، فأغلقي الباب من بعدك بإحكام.” ومع هذا خرجت من المهجع وجلست على مقاعد الانتظار. تنهدت بانزعاج، فليا والتأخير رفيقان لا يفترقان.
“مجددًا متأخرة؟” التفتُّ إلى الصوت الهادئ الرقيق، كصاحبته، لا مجال للتشكيك.
“أانطبقت السماء والأرض لكي تجهز ليا مبكرة؟ أتفهم معاناتك معها يا آيسل. هذا ونحن ننتظر الحافلة الأخيرة، فكيف إذ كنا ننتظر الأولى؟”
رفعت آيسل أنظارها عن كتابها إليّ وابتسمت بخفة. آهٍ آه، جمالٌ معقم للعيون، حتى وإن كان مستترًا بالقبعة والنظارات. من هذه الألبينو الجميلة أكاد أذوب. عيونها كالياقوت الأحمر البديع، تتلاءم جيدًا مع بياضها الشاحب وشعرها الفضي، لوحةٌ من الخالق للتأمل كل صباح.
“ولو كنا ننتظر الأولى لاستيقظت أبكر، وأنهت مشاغلها كلها، وارتدت ملابسها في اللحظات الأخيرة، كالآن بالضبط. التأخير ليس رفيقها، بل يسري في دمها.”
قهقهتُ ضاحكةً بخفوت، التفتُّ لأرى ما إذا كانت ليا قد خرجت أم لا، لكنها لم تكن قد خرجت. عوضًا عن ذلك، رأيت ثلاثة أشخاص من الجانب الآخر. إنه نيار وزميلاه في السكن. جذب انتباهي أمرٌ فالتفتُّ إلى آيسل سائلةً:
“ألكِ إخوة يا آيسل؟”
التفتت آيسل حيث كنت أنظر آنفًا،
“آه، ذلك أخي التوأم آستر. لكن علي أن أسأل، هل لكِ توأم أيضًا؟ فالفتى ذو الشعر الأحمر يبدو من بعيد مشابهًا لكِ.”
“ومن قريب أيضًا، إننا وجهان لعملة واحدة، لكنه ليس توأمي لعلمك، آباؤنا مختلفون.”
“مهلًا، آباؤكم مختلفون؟ كيف ذلك؟ خلت أنكم توأم أو أشقاء على الأقل. فعلى عكس آيسل وآستر اللذين يختلفان في لون العيون – عيون آستر مثل الأماثيست – أنتما متطابقان في كل شيء. لو قصصتِ شعركِ قليلًا وأزلتِ تجعيده لما فرّق بينكما أحد!”
قالت ليا وهي تجلس. هل كان صوتنا بهذا العلو كي تدخل في تيار حديثنا قبل أن تجلس؟
“أنا ونيار شبه إخوة بيولوجيًا… لا، مهلًا، هل هذا صائب؟ كيف شُرح لي الأمر؟”
رباه! إنه معقد، كيف أشرح هذا لهن؟
“نحن أخوان بيولوجيًا لأن الحمض النووي المشترك بيننا نسبته أعلى من النسبة بين الإخوة نصف الأشقاء، ولكن أقل من الأشقاء.”
أجاب نيار بهدوء وهو يجلس على المقعد في الناحية الأخرى. يا له من بارد القلب! هذه أول مرة ألمحه منذ وصولنا وقد مضى أسبوع، لكنه لا يلقي التحية أو يسألني عن حالي.
“بالضبط هذا هو. آباؤنا إخوة من الناحيتين: أمي وأباه أخوان، وأمه وأبي توأم شبه متماثل، وكل واحد منهما يشبه الآخر. والنتيجة؟ حزمة من النسخ البشرية المتطابقة في المنزل.”
“أتعرفين يا جويس؟ لا أريد محاولة الفهم، المهم أنكم أخوان في نهاية الأمر.”
“إنه ليس صعب الفهم يا ليا. هما أخوان من والدين مختلفين، والسبب أن أحد آبائهم لديه حمض نووي شبه متطابق مع أب الآخر.”
يبدو أن التفكير يروق لآيسل كثيرًا.
دقائق انقضت قبل قدوم الحافلة. ركبنا بهدوء في الناحية الخلفية منها.
“لماذا الحافلة مختلطة؟” راودني هذا السؤال لأيام.
سألت بحيرة، فالحافلة كانت من المقدمة خاصة بالذكور، والمؤخرة للإناث.
“كانت الحافلات منفصلة، لكنهم غيروا ذلك قبل بضع سنوات. قالوا إن كونها مختلطة أكثر أمانًا. عوضًا عن ذلك، يمنع على الذكور أن يتجاوزوا منتصف الحافلة، حتى لو عنى ذلك أن يتزاحموا فوق بعضهم في الأمام.”
“لم أفهم، أكثر أمان؟ من أي ناحية فقط؟ ما هذا المبرر الرديء!؟”
“أوه هيا، ألا تعرفين ما حصل قبل بضع سنوات؟ لقد تمّت مهاجمة حافلة الفتيات، ونتج عنها إصابات ووفيات. ومنذ ذلك الحين غيروا الحافلات وأصبحت مختلطة. فالطلاب الذكور معظمهم مسلحون نظرًا لفروع دراستهم، بعكس الفتيات اللواتي لا يحملن إلا سكاكين على الأكثر.”
“هل يُسمح لنا بحيازة سلاح؟ لماذا لم أعلم حتى الآن؟”
“اممم، من الواضح أن أخاكِ يحمل مسدسًا، ألم تريه؟”
نظرتُ إلى نيار الذي يقف بين الطلاب، كيف لم أنتبه لهذا؟ لقد كان يضع حزام مسدس على خصره! لماذا لم يخبرني بذلك؟ رمقته بنظرة غاضبة قليلًا. أعلم، أعلم، ليس لدي مبرر لغضبي، لكنه فقط… آه، مستفز! لقد كنا ننظر في وجوه بعضنا لساعات في طريقنا إلى الأكاديمية، أما كان بمقدوره أن يكرمني بمعلومة واحدة؟ فقط أنا الحمقاء، كالراديو الذي لا يصمت عنده، ذلك الانطوائي الغبي ذو السماعات.
—
دينق-دونق.
انتهى أسبوعنا الأول في الأكاديمية.
ارتميت على سريري بعد يومٍ طويل، لكنني لم أطل ذلك حتى نهضت واستحممت، ثم حزمت حقيبة الظهر كي أعود للمنزل.
نصف ساعة بعد الدوام، وها هي ليا تطرق الباب. أذنتُ لها بالدخول، فرمقتني بأنظارها من الأعلى للأسفل:
“جويس أرمان، ألهذه الدرجة تتوقين للعودة لمنزلك؟ خلت أننا سنقضي ليلة فتيات معًا.”
كنت على وشك الإجابة، لكن آيسل التي كانت دبرها حلّت محلي:
“ألا ترين ملابسها يا ليا؟” أشارت إليّ بذقنها، ثم أتبعت قائلة:
“ألا ترين السواد يكتسيها؟ من الواضح أنها عائدة لأمرٍ هام، لا شوقًا لعائلتها.”
أُقدر تبريركِ يا آيسل، لكن هذا جارحٌ قليلًا. أنا أشتاق لعائلتي، لكنني معتادة على كثرة غياباتهم.
تململت قبل أن أجيب وأنا أفرك رقبتي قليلًا:
“عليَّ العودة لحضور جنازة في العائلة.”
تغيرت تعابيرهما، فأتبعت قائلة:
“إنها ليست جديدة. لقد توفي عمي – أمام الغرباء أناديه عمي، لا بيرم أو ابن جدتي – كان ذلك قبل أسبوعين، لكنهم أحضروا جثمانه بالأمس فقط، ولذا ستقام الجنازة غدًا بعد أن يتم تسليم جثمانه إلينا.”
“أوه يا إلهي، رحمه الله وهو أرحم الراحمين… إن لم تمانعي… أكنتم من تلك المدينة؟”
ضربت آيسل قدم ليا وقالت آمرة:
“صهٍ يا ليا، فهذا لا من الأدب ولا المراعاة.”
“أجل، من هناك. لقد كان قائد الفرقة… لذا بقي مع من بقي… أراد الموت مقبلًا لا مدبرًا، حد قوله.”
عبست وجوههن أكثر، لكنني تداركت الأمر وغيرت الموضوع:
“ماذا عنكما، ألن تعودا لمنازلكما؟”
“لن أعود. كيف يهون علي قلبي أن أعود إلى وكر الرجال ذاك وأترك آيسل الجميلة وحدها؟”
“وكر الرجال هم أباكِ وأخاكِ يا ليا. ثم إني معتادة على البقاء وحدي منذ دخلت الأكاديمية.”
“وإن كانا؟ أكاد أصبح مسترجلةً بسببهما، بيد أنني أريد إيناس وحدتكِ هنا.”
آيسل هي أول من دخلت الأكاديمية بيننا، وذلك في المرحلة الإعدادية، لكنها تقول إنها لم تغادر منذ حينها. عجيبٌ أمرها، لكنني لن أسأل عن السبب، فمن لغة جسدها أيقنت أنه ليس بموضوع يُسر.
بعد ساعةٍ من الدردشات، حملت حقيبتي أشدّ الرحال. خرجت من السكن لألقى نيار ينتظرني.
وعلى عكس ملابسي التي تُعد رسمية – ثوبٌ أسود بزخارف خفيفة على الأطراف – كان هو يرتدي كنزة بقلنوسة وبنطالًا سوداوين. علاوة على ذلك، فهو يرتدي القبعة وقناع الوجه كأنه ملثم.
يا عزيزي، شعرك الأحمر إن لم تُخفِه ملفت.
تمشينا في الطريق الرئيسي حتى مرت بنا سيارة خالي ومضينا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 منذ 22 ساعة
- 5 - تعريف الشخصيات 1 2025-07-26
- 4 - أكاديمية ليفناسا 2025-07-26
- 3 - أخبار 2025-07-26
- 2 - رحيل 2025-07-26
- 1 - البداية 2025-07-26
التعليقات لهذا الفصل " 6"