اندفع نيار مسرعًا إلى المطبخ عقب صراخي، أشرت إلى الفرن الذي تصاعدت منه غيوم دخانية. للمرة الثالثة على التوالي فشلت في الطبخ. نعم، للأسف لم يكن الطبخ من مواهبي.
تنهد نيار بانزعاج، ثم جرني من قبعتي إلى الأريكة وأعطاني جهاز تحكم التلفاز، ثم هدّدني قائلًا:
“إياك ثم إياك أن تطأي المطبخ مجددًا. أتبتغين إحراقنا بالمنزل أم ماذا؟”
أيظن بجدية أن هذا مبتغاي؟ يا للإزعاج! فما أدخلني المطبخ إلا الجوع الذي دق معدتي.
أعطاني ضربة خفيفة على مؤخرة رأسي، وسار إلى المطبخ وهو يرفع شعره بطوقي الذي لا أدري متى أخذه مني.
وما كاد يدخل حتى دوى صوته في أركان المنزل كله:
“جويس، هل استنفدتِ كل مكونات الطبخ لدينا؟ ما كان لدينا يكفي غداء ليومين، لا تقولي أنكِ استخدمتها كلها!”
فتحت فاهي لأبرر، لكنه لم ينتظر تبريري وصرخ بي مجددًا:
“الآن وفورًا، غيري ملابسك كي نذهب إلى السوق!”
صعدت السلالم إلى غرفتي، ها أنا ذا أرضخ لأوامره خوفًا من نوبة غضبه، فأنا أعرف كم هو سيء غضبه.
وبالطبع لأنه دوره للتنظيف اليوم، فهو لن يغفر لي.
لم تمر لحظات وكنت أمامه مباشرة.
سرنا نصف ساعة يومها، إلى السوق الذي يبعد ربع ساعة، ويا ليتنا وصلنا!
“نيار، هل أنت متيقن أن مسارنا صحيح؟ لا أرى سوى أننا ندور في حلقة بلا انقطاع.”
سكت هنيهة قبل أن يكرمني بالرد:
“ربما نحن كذلك.”
حدقت به باستنكار:
“ربما؟ ربما يا نيار؟”
“لم آتِ منذ عشر سنوات، لذا بالتأكيد لدي التباس.”
“بمقدورك أن تقول أبكر من الآن! أضعنا الوقت بلا فائدة، ولو أننا جلسنا لكان أفضل من تجوالنا.”
“سأسأل المارة عن الطريق، فلعلنا نجد الدليل.”
وأخيرًا وجدنا الطريق.
عدنا بعد ساعات من السوق، وبدأ الطبخ بلا تأخير. شرعت بتجهيز المائدة، وعاد الثلاثة حينها، فموعد الغداء أمسى موعد العشاء.
ويا له من عشاء نادر المذاق! فليس كل يوم يطبخ نيار.
نهضت عمتي للمطبخ، ونداءاتها الغاضبة لم تُكبح، وسحبتنا إلى المطبخ، نظفناه وأعدناه كما كان، وطيلة الوقت لم يكفّ فاه نيار عن التذمر.
التعليقات لهذا الفصل " 3"