شوهدت طاولة مستديرة صغيرة فوقها  بطاقة موضوعة بشكل جميل في المنتصف. عندما رأت نمط البتولا على الختم المختوم، أغمضت كلوي عينيها بإحكام.

كانت الدعوة إلى الحفلة التي أرسلها الدوق بسيطة للغاية لدرجة أنه كان من المحرج تسميتها دعوة. لم يكن هناك شيء يسمى مملًا ولكن دعوة رسمية يستحقها النبلاء. كان الأمر فقط أن مكان ووقت الحفلة واسم الشخص المدعو قد كُتبوا. كان صحيحًا أيضًا أنه (الدوق) عبس من هذا الموقف لكنه كان يدرك جيدًا أنه لن يكون هناك أي شخص في المملكة لديه الشجاعة لرفض هذه الدعوة.

“يجب أن يكون أكثر وحشية الآن، أليس كذلك …؟”

عندما تمتمت كلوي لنفسها، رفعت أليس رأسها من ذراعيها.

“هاه؟ ماذا؟”

“لا شيء.”

هزت كلوي رأسها على عجل. واصلت أليس التحدث ببطء وعيناها نصف مغلقتين ووجهها نائم

.

“حتى لو لم يكن ذلك بسبب الشائعات. أنا لا أحب تيس.”

“… لماذا؟”

“بعد أن غادر جيش الدوق القلعة في حالة من الفوضى، مرضت أختي بشدة. أتذكر، عندما عدت إلى المنزل لأنها كانت عطلة، لكن القلعة كانت في حالة من الفوضى وكنت تعاني من ألم شديد، لم يسمح لي ذلك الأب حتى بدخول غرفتك.”

قال العم تشيستر إن السيدة كلوي، التي كانت ضعيفة، لا بد أنها أصيبت بالعدوى من الجنود المصابين. ومما زاد الطين بلة، بدأت الكوارث الطبيعية تحدث في ذلك العام، كما انخفض حصاد المحاصيل بمقدار العُشر. لذلك، بدأ العداء بين فيردييه والدوق من ذلك الوقت.

“هل هذا هو سبب عدم رغبتك في الذهاب؟ كنت خائفًا من حدوث شيء سيئ الحظ مرة أخرى إذا تورطنا مع تيس.”

بعد أن توصلت أليس إلى استنتاجها الخاص، تمكنت من رفع جفنيها، اللذين كانا يزدادان ثقلًا، ونظرت إلى كلوي.

لا تقلقي. سأذهب إلى الحفلة غدًا وأتصرف كامرأة. لذا عليّ إيجاد عريسٍ يُرضي الدوق تيس.

ابتسمت كلوي لأختها الصغرى، مُفكّرةً إن كان من الممكن إيجاد شخصٍ يُضاهي نفوذ عائلة تيس في المملكة.

“أجل، أشعر بالاطمئنان بفضلكِ يا أليس.”

تمتمت أليس بصوتٍ حازمٍ طويلًا لتفاجئ عمتها بعدد الضيوف الذين يزورونها، وغطّت في النوم دون أن تشعر. نهضت كلوي من فراشها بحذرٍ بعد أن تأكدت من أن صوت أنفاس أليس يزداد عمقًا.

هبت نسمة نهرية عبر النافذة المفتوحة قليلاً. كانت ليلة صيفية، لكنها كانت قلقة من أن تصاب أليس بنزلة برد. بعد إغلاق النافذة، جلست كلوي وساقاها ممدودتان على الكرسي وضربت فخذيها المشدودتين. كانت ساقاها تؤلمانها لطول مشيتها. تساءلت إن كان عليها وضع ضمادة، لكنها توقفت لأن استدعاء الخادمة سيكون مرهقًا.

(ملاحظة المترجم: ضمادة – كتلة ناعمة ورطبة من مادة تتكون عادةً من النخالة والدقيق والأعشاب وما إلى ذلك، توضع على الجسم لتخفيف الألم و الالتهاب وتُثبت في مكانها بقطعة قماش.)

“… دعونا لا نخاف.”

على عكس أليس، لم تغادر كلوي قلعة فيردييه إلا عندما كانت صغيرة بما يكفي لدرجة أن ذكرياتها كانت باهتة. حاولت ألا تُظهر لأختها ذلك، لكن كان من الطبيعي أن تظل متوترة من اليومين اللذين سبقا وصولها إلى سوان.

بمجرد أن نظرت عمتها في حقيبتها يوم الوصول، حثتها على الذهاب إلى غرفة الملابس الأكثر شعبية في منطقة وسط المدينة في اليوم التالي، قائلة إنه لا يوجد فستان مناسب.

“هل لديه أي نية في تزويج ابنته؟”

بدا الفستان الذي ارتدته أليس العام الماضي لا يزال جديدًا، لكن السيدة تالبوت وبختها علانية، قائلة إنها بعيدة كل البعد عن الموضة. ونتيجة لذلك، تجولوا حول غرفة الملابس خمس مرات للعثور على فساتين، وفي النهاية اشتروا فستانًا مخصصًا للفتيات الصغيرات اللائي لم يتمكن من الحضور بسبب المرض مقابل سعر مرتفع.

“لن تتمكني من الرقص، ولكن طالما أنك تتبعين أليس، يجب أن تكوني رسمية.”

كما قالت السيدة تالبوت، لم تكن كلوي سعيدة بشراء فستان لنفسها، التي لا تستطيع حتى الرقص. ومع ذلك، بعد أن قيل لها إن الظهور بملابس رثة لم يكن مهذبًا للشخص الذي دعاها، ولا يمكنها أن تسيء إلى الشخص الذي كانت معه، أخرجت كلوي عملة ذهبية من الجيب الذي كانت تحمله مثل الكنز. حاولت كلوي إخفاء ارتعاش يدها التي تدفع، لكن دون جدوى.

“أستطيع أن أفهم لماذا أرسلكما الفيكونت بدون مرافق. هل نفدت أموالكما تمامًا في المنزل؟ لا بد أن السفر صعب.”

كانت عينا السيدة تالبوت حادتين. عانت ملكية فيردييه من سلسلة من الكوارث الطبيعية في السنوات الأخيرة مما أدى إلى ضعف المحاصيل. ومما زاد الطين بلة، أن الأسهم التي استثمرها والدها انخفضت بشدة وتداخلت المصيبة. كانت كلوي على علم بذلك. ومع ذلك، كانت تعتقد أنه يمكنهم التغلب عليها من خلال تقليص النفقات قليلاً، لكن الوضع المالي للعائلة كان أسوأ مما كان متوقعًا. بعد وقت قصير من إرسال الدوق دعوة لحفلة علمت بدين والدها المخفي.

(ملاحظة المترجم: “تقليص النفقات”: يعني تقليل النفقات المتفرقة وما إلى ذلك)،

“كان يجب أن أشكره… أليس كذلك؟”

تنهدت كلوي بهدوء وهي تنظر إلى الدعوة التي حاولت تجاهلها. بعد سماعها الخبر مسبقًا، تذكرت وجه السيدة تالبوت، التي أثارت ضجةً فور وصول الأختين. كانت تسمع منذ يومين تقريبًا أنه لشرفٌ لها أن تُدعى إلى حفل قلعة روز الذي أقامه الدوق تيس.

بالطبع، لم تكن كلوي تنوي إنكار كلامها أيضًا.

في جنوب غرب المملكة، يُمكن اعتبار إرسال دعوة إلى بنات الفيكونت المسكين، وهو مالك عقار صغير، بمثابة محاولة لسداد الدين خلال الحرب. لم يكن معروفًا ما إذا كان الدوق تيس على علم بحادثة أليس في سوان العام الماضي. ومع ذلك، فإن دعوتها من قِبله وحده سترفع من شأن أليس. سيهتم العديد من النبلاء إذا عُرف أنها على علاقة بالدوق، ومن المرجح أن تلتقي أليس بعريسٍ رائع غدًا.

مع ذلك، كانت كلوي قلقة. نسيم الصيف في سوان، الذي يحمل رائحة الورود، ترك شعورًا غريبًا متبقيًا بدلاً من النضارة. أغلقت قفل النافذة المفصلية واستدارت.

“انظري إلى حالة ساقيك. هل هي وراثية؟”

سقطت عصاها، التي كانت موضوعة برفق على الحائط، على الأرض. عضت كلوي شفتيها برفق عندما رأت العصا المتدحرجة. حتى بعد وقت طويل، لم تستطع نسيان صوته البارد.

“إذا لعبت بمشاعرك، فلن يكون لديك خيار سوى الخسارة. وبالمثل، إذا رفضت الامتثال للأوامر عاطفيًا، فلن يمكنك الفوز في معركة.”

“أنا لست جندي حرب، أيها الدوق.”

ترنحت كلوي، التي أخطأت السلة، للوقوف. انحنى الدوق، الذي اقترب وهو يدوس على البتلات المتساقطة، وأجرى اتصالًا بصريًا مع كلوي.

“في اليوم الذي يولد فيه الشخص، تصبح الحياة نفسها حربًا. وخاصة لأشخاص مثلك.”

“ومع ذلك، لا يوجد سبب للدوق للتدخل في حياتي.”

“تدخّلي. أنا أنصحكِ، ولكن بما أنكِ لا تستطيعين شكري، فلا بد أنكِ كنتِ في غاية الاضطراب.”

ابتسم الدوق لكلوي، التي فتحت عينيها على اتساعهما كي لا تبكي. كان جميلاً ، لكن ابتسامته الباردة جعلتها لا ترغب في رؤيته مجددًا. أدركت كلوي لأول مرة أن الشيطان جميل.

******

قبل ثلاث سنوات.

فجأةً، ازدحمت ضيعة صغيرة في جنوب غرب مملكة سوانتون. كان ذلك لأن الجيش الملكي الثالث، الذي انسحب من الحرب، بقي هناك لإعادة تنظيم صفوف المعركة. كان الفيكونت فيردييه، سيد القلعة الصغيرة، مستعدًا لفتح الأبواب للجنود والقادة.

كان الجنود منهكين للغاية من الحرب التي طال أمدها أكثر من المتوقع، وكانوا حساسين وفظين بسبب صعوبة المعركة. في القلعة، كانت أصوات الجنود الجرحى تُسمع باستمرار، حتى الأصحاء منهم كانوا يتجولون حول القلعة يهددون خصومهم بوجوههم نصف اللحى. تحولت قلعة فيردييه فجأة إلى مستشفى ، بينما كان الفيكونت يوفر لهم المؤن والطعام قدر الإمكان.

كان للفيكونت ابنتان. أليس، ابنته الصغرى، كانت تدرس في دير في سوان، العاصمة، لكن ابنته الكبرى كلوي كانت مريضة ولم تغادر القلعة منذ طفولتها. مع بذل الفيكونت قصارى جهده لمساعدة الجنود بسلوكه الطيب، تولت كلوي أيضًا دور رعاية الجنود الجرحى.

ظنها الجنود الجرحى خادمة، ولم يدخروا جهدًا في إيذائها، بل كانوا أحيانًا ينطقون بألفاظ مهينة. عندما وصفها أحدهم بـ”الكسلانة”، أمسك الخادم غراي الذي كان يساعد كلوي الجندي من ياقته.

“لا تفعل ذلك يا غراي”

أوقفته كلوي، ليس فقط لأن من نطقوا بكلمات قاسية كانوا مرضى حساسين، بل لأن والدتها أكدت لها حتى وفاتها: “من واجب النبيل مساعدة الفقراء والمرضى يا كلوي”. على الرغم من شعورها بعدم الارتياح، إلا أن كلوي، التي تعلمت صفات الأرستقراطية منذ صغرها، تعلمت كيف تخفي انفعالاتها وتحافظ على هدوئها.

“كلوي، لماذا لا تتركين التمريض لغيرك من الخدم؟”

ومع ذلك، عندما تحدث الفيكونت فيردييه بحذر وبوجه مختلط، قررت أن تتبع كلام والدها. كان من المحزن أن ترى تعبير والدها قد تغيّر بشكل ملحوظ عندما سمع أن الجنود يتجاهلونها.

بقي الجيش في القلعة لمدة خمسة عشر يومًا تقريبًا. أمضت كلوي الأيام الخمسة الأخيرة تقرأ بهدوء في غرفة نومها. لم تستطع حجب الضوضاء الخارجية تمامًا، مما أدى إلى عدم قدرتها على التركيز. كانت أحيانًا تُغلق ستائرها تمامًا وتعزف على البيانو كلما سمعت كلمات بذيئة عن أعدائهم أو نكاتًا مثيرة تجعل وجه كلوي أحمر.

في تلك الليلة.

كانت أول مرة ترى فيها الدوق تيس ليلة هادئة بشكل استثنائي. عادةً، كان من الطبيعي أن يكون هناك صخب حتى تنطفئ نار المخيم في الثكنات، التي كانت تُضاء ليلًا لتجنب البرد، ولكن لسبب ما، بدأ صمت غريب يتدفق بين الجنود من الظهيرة.

“انتبهوا جميعًا!”

رفعت كلوي، التي كانت تقرأ كتابًا بجانب النافذة رأسها عند صوت شخص يصرخ. عندما رفعت الستارة قليلاً ونظرت من النافذة، استطاعت أن ترى شخصًا يخرج من الفناء الخل

في للقلعة المضاءة بالمشاعل.