حين عادت مييسا إلى غرفة النوم بعد أن أنهت حمامها، كانت الخادمات منشغلات بتبديل أغطية السرير.
قالت إحداهن، وهي الخادمة الأقدم، بابتسامة حانية:
“المعذرة يا سيدتي الصغيرة، لم نُنْهِ بعد كل الترتيبات.”
من خلفها، كانت خادمة جديدة تحدّق في مييسا كما لو كانت ترى شيئًا غريبًا أو عجيبًا.
ابتسمت مييسا في وجهها، ففتحت فمها على اتساعه في ضحكة صامتة، كمن يمنحها تحيةً مفرطة في الترحيب.
لكن الخادمة الشابة تمتمت وقد قطبت حاجبيها:
“يا للعجب…”
ثم أدارت وجهها سريعًا كأنها صادفت مشهدًا منفّرًا.
أما مييسا، فابتسمت بفخر وأخذت تقطب أنفها بتعمد، قبل أن تقفز بخفة فوق السرير.
قالت الخادمة الأقدم وهي تضحك:
“يبدو أن سيدتنا الصغيرة مسرورة بعد حمامها.”
أسرعت جيلّا بخطوات سريعة نحوها وهي تقول بقلق:
“يا إلهي، ما زال شعركِ مبتلًا!”
قفزت إلى السرير، ولفّت رأس مييسا بمنشفة جافة بحذر شديد.
كانت الخادمة الأقدم قد أمسكت طرف الغطاء النظيف تشدّه بإتقان كي يظهر السرير مرتبًا، لكنها سرعان ما توقفت عن المحاولة بعدما رأت سيدتها تتقلب وتضحك فوقه. عندها التفتت إلى جيلّا قائلة:
“لحسن الحظ بدأنا بالسرير أولًا. بقي أن نرتب الغرفة قليلًا فقط. هل نعود لاحقًا؟”
أجابت جيلّا وهي تهز رأسها بسرعة:
“لا، لا، أكمِلن عملكن. فقط… هل تعرفن من المسؤولة عن غسل ثياب سيدتي؟”
قالت الأقدم:
“ديا ورينا. تتناوبان على تنظيف الحمام أيضًا، ثم تأخذان الغسيل معهما وتتصرفان به.”
“حتى في السابق، حين كانت سيدتي الصغيرة في غرفة النوم في الطابق الثاني، كان الأمر كذلك؟”
“أجل.”
تأكدت جيلّا أكثر من مرة، ثم التفتت إلى الخادمات بلهجة جادة:
“سأذهب سريعًا إلى غرفة الغسيل. أرجو أن تعتنوا بسيدتي الصغيرة في غيابي.”
الخادمة الجديدة، التي تدعى أولي، ارتبكت وقالت:
“ها؟ نحن؟ أن نعتني بها نحن؟”
لكن الأقدم ابتسمت بهدوء وأجابت:
“هل وجدتِ شيئًا في ثيابها؟ لا تقلقي، اذهبي بسلام يا آنسة جيلّا.”
قالت جيلّا شاكرة، وهي تسرع بالمغادرة:
“ممتنّة لكِ. ثم، سيدتي الصغيرة تنام سريعًا إن قرأتن لها أي كتاب. خذن أي شيء من هنا واقرأن.”
بعد أن غادرت، قلبت الخادمة الأقدم بعض الكتب على الطاولة، ثم زفرت تنهيدة وقالت لأولـي:
“أولي، هل تجيدين القراءة؟”
ردت مترددة:
“بعض الحروف، لكن هذه الكتب صعبة، حتى عناوينها لا أفهمها.”
ابتسمت الأقدم وقالت:
“إذن لا بأس. لنتحدث قليلًا. فسواءً استمعت سيدتي الصغيرة إلى قراءة أو إلى كلام، فلن تفرّق كثيرًا.”
تنفست أولي الصعداء بارتياح مبالغ فيه، ثم سألت:
“بالمناسبة… هل تعلمين ما الذي جعل سيدتي الصغيرة على هذه الحال؟”
أجابت الأقدم:
“قيل إنها واجهت الموت أكثر من مرة. حتى وقت قريب كادت تتعرض لمصيبة كبيرة.”
“آه…”
كانت مييسا مستلقية على بطنها، تحدق في الفراغ وتفكر في كلمات الخادمة. كم هو غريب أن تُختصر حياتها كلها في جملة قصيرة كهذه.
سألت أولي بصوت خافت:
“لكن… ماذا لو حدث أمر خطير مرة أخرى؟ ألن نكون نحن أيضًا في خطر؟”
ترددت الخادمة الأقدم قليلًا، ثم قالت ببرود واقعي:
“لا ننكر أننا نفكر في ذلك أحيانًا. لكن في النهاية، كل ما علينا هو أن نخدم أسيادنا. ما يخططون له شأنهم، ولسنا نحن من يقرره.”
لكن أولي لم يشاركها هذا الهدوء، فقالت بتوتر:
“أنا أفكر جديًا… ربما يجدر بي أن أبحث عن عمل آخر. لم أعلم أن المكان بهذا القدر من الخطورة.”
فأجابت الأقدم بلا مبالاة:
“إن كان الأمر كذلك، فارحلي. متى ستخبرين السيدة المشرفة على الخادمات؟”
ارتبكت أولي وقالت بسرعة:
“لا، ليس الآن… أقصد… هنا الرواتب تُصرف شهريًا، لا أسبوعيًا، لذا عليّ أن أبقى حتى أتقاضى ما أستحقه.”
قالت الأقدم:
“يمكنك أن تطلبي حساب الأيام فقط، وسيعطونك حقك.”
لكن أولي لم تجد ما تقول.
تساءلت مييسا في نفسها بدهشة: لماذا لا تترك عملها فورًا؟ لو كنت مكانها لهربت منذ البداية حفاظًا على حياتي.
قاطعت الأقدم كلامها بلهجة حادة:
“لا يمكنكِ التذمر وفي الوقت نفسه الطمع بالمال. اختاري أحدهما.”
ثم أضافت بصرامة:
“على أي حال، إن انهارت أسرة كلادنيا، فسوف يضطرب معها إقليم كلاديس بأسره. سواءً وقع الخطر هنا أو هناك، فالنتيجة واحدة. لكنكِ لستِ من أبناء هذه الأرض، بل من العاصمة، ولذا إن أردتِ الرحيل فافعلي متى شئت.”
شعرت مييسا بوخز في قلبها. كانت حتى لحظة مضت ترى أن الهرب هو الخيار الأسلم، لكنها الآن وقد سمعت هذا الكلام، انتابها شعور غريب بالمرارة.
قالت أولي بتردد:
“أرجوكِ… لا تتحدثي هكذا. في الحقيقة…”
وترددت قليلًا قبل أن تتابع بصوت خافت:
“اضطررت لاقتراض ثلاثة أشهر من راتبي مقدمًا لأساعد أخي في سداد ديونه.”
وفهمت مييسا على الفور. إذن هذا هو السبب الحقيقي.
لكن أولي لم تكتفِ، بل راحت تثير العطف:
“أخي مدمن قمار. سحب كل أموال البيت وأغرق العائلة في الديون. لم يبقَ للطعام، وإخوتي الصغار جاعوا.”
غير أن الخادمة الأقدم لم تُبدِ أي تعاطف، وردت ببرود كالريح الباردة:
“إذًا ستبقين حتى أكتوبر على الأقل. إلى ذلك الحين، لا تُحدثي أي مشاكل، واختفي بهدوء.”
تمتمت أولي وهي تتلعثم:
“آه… حسنًا، سأرى… ربما أبقى لبعض الوقت.”
ولما لم ينجح حديثها، غيرت نبرتها محاولة استمالة مييسا:
“حتى سيدتي الصغيرة… ما إن سمعت قصتي حتى لا بد أنها شعرت بالأسى.”
دهشت مييسا في سرها. قبل قليل فقط كانت تلك الخادمة تعبس في وجهها، فما بالها الآن تتحدث بهذه النغمة؟ ما الذي تغير؟
أرهفت سمعها أكثر حين تابعت أولي همسها:
“وسيدنا الشاب أيضًا… رجل وسيم طويل القامة كهذا، لا بد أن عُرضت عليه زيجات كثيرة. ومع ذلك، انظري كم تحمل من المشاق وهو وريث سيد مرموق.”
عندها أطلقت الخادمة الأقدم تنهيدة عميقة، كأنها لمحت ما في قلبها:
“كنت أعرفه منذ صغره. في البداية كان الأمر يوجع قلبي كثيرًا…”
استوعبت مييسا بدهشة كيف استطاعت أولي أن تجرّ الأقدم إلى البوح ببعض ما تضمره. كم هو بارع أن توهم الطرف الآخر بالموافقة والتعاطف، حتى يبوح بما في صدره.
وهكذا تعلمت مييسا درسًا جديدًا في فنون استمالة القلوب.
قالت الخادمة أولي وقد عاد صوتها يفيض بالحيوية:
“أليس كذلك؟ لا بد أن الأمر كان مؤلمًا للغاية.”
ثم أردفت، وقد بدت وكأنها وجدت خيطًا جديدًا للحديث:
“حتى مانيل، رفيقتي في الغرفة، قالت لي شيئًا شبيهًا. ذهبت مؤخرًا في مهمة إلى بيت آخر، وسمعت هناك من يتمتم بأن العناية بالصاحبة أمر بالغ المشقة. لقد استاءت كثيرًا وأحست بالخجل حين سمعت ذلك.”
“مانيل؟” سألت الخادمة الأقدم.
“نعم. ويقال أصلًا إن سيدنا الشاب، إيريك، كان له حديث زواج مع آنسة من عائلة كريسفين، أليس كذلك؟! تقول مانيل إنها رأتها من بعيد مؤخرًا، يا للعجب، كم كانت رشيقة بهيّة الطلعة!”
ارتفع صوت الخادمة الأقدم وقد بدأ الغضب يتسرب إليه:
“تلك الفتاة تلوك الألسنة بما لا فائدة منه وتكدّر الماء الصافي. وأنتن، أنظن أن توزيعكن في غرفة واحدة كان لتتبادلن مثل هذه الأحاديث التافهة؟”
أولي سارعَت إلى الدفاع عن نفسها:
“أنا لم أقل شيئًا. كل الكلام من مانيل، أنا فقط سمعت.”
زمّت الأقدم شفتيها بحدّة:
“كما توقعت… بنات العاصمة لا يُرجى منهن الكثير. لا يقمن بما هو مطلوب منهن.”
احتدت أولي، مبرّرة نفسها:
“متى قصّرتُ في عملي؟ أنجزتُ كل ما كُلّفت به.”
كانت نبرة الخادمة أشبه بطفلة مظلومة، مما جعل مييسا تنصت في صمت، متلذذةً بتلك المجادلة. حتى من هذه المشاحنات يمكن أن أتعلم الكثير.
قالت الأقدم بنبرة حادة:
“جربي أن تزوري قصور الأقاليم. كل الخادمات هناك لهن أكثر من عشر سنوات خبرة، حتى أن المشرفة لا تجد ما تعيب عليهن. فما إن يفتحن أعينهن في الصباح حتى…”
قاطعتها أولي بسخرية خفيفة:
“آه، كفى.”
هكذا إذن لا ينبغي أن يُقال الكلام، فكرت مييسا. لقد سمعت كيف تغيّرت نبرة الخادمة الجديدة، التي كانت تخفض رأسها قبل لحظات، فإذا بها الآن تُقلّل من شأن الخادمة الأقدم.
ارتفع صوت الأقدم:
“أيّ أسلوب هذا؟!”
أجابت أولي بصوت أكثر علُوًّا:
“لم أفعل شيئًا خاطئًا! تقولين إني لم أعمل مع أني أنجزت كل ما طلب مني. وتقولين إن أسلوبي سيئ وأنا ساكتة لا أنطق بحرف! ماذا تريدين مني؟ أن أجثو على ركبتيّ؟”
راقبت مييسا الموقف بعينين تلمعان من الحماسة. كم هو ممتع أن ترى الكفّة تنقلب فجأة!
وفجأة، فُتح الباب ودخلت جيلّا بخطوات سريعة، ثم توقفت مذهولة حين رأت الخادمتين تحدّقان في بعضهما، وجهيهما محمّرَين بالغضب.
“ما الذي يجري هنا؟”
بادرت الأقدم:
“هذه الفتاة قالت كلامًا غير لائق. سأرفع الأمر إلى المشرفة.”
لكن أولي ردّت فورًا:
“قولوا الحقيقة: أنكن لا تطيقنني لأني من العاصمة. هذا كل ما في الأمر.”
تنهّدت جيلّا وهي تهمس:
“آه يا للأسف…”
ثم أضافت بنبرة محايدة:
“لكن بما أنكما تفضلان العقاب، فاعلما أن المشرفة لا تكتفي بالتوبيخ، بل تستعمل العصي أيضًا.”
ارتجف خيال في ذهن مييسا: صورة تلك العجوز الهزيلة التي رأتها مرارًا في الممرات، بوجه متغضّن وصوت يكاد يخبو. حقًا؟ تلك المرأة المخيفة إلى هذا الحد؟
لكن جيلّا سرعان ما أنهت المشهد بابتسامة طبيعية:
“على كل حال، شكرًا لكما. وجدت ما كنت أبحث عنه.”
لوّحت بيدها كأنها كانت في الأصل منشغلة بشيء آخر، مع أن الجميع يعلم أنه لم يكن هناك شيء ضائع. ثم أضافت بسرعة:
“يمكنكما الانصراف الآن.”
تمتمت الأقدم باعتراض:
“لكننا لم نرتّب بعد مكتب السيد الشاب.”
أجابت جيلّا بهدوء:
“ذلك المكان لا غبار فيه أبدًا. لا حاجة للمسّه.”
ترددت الخادمتان لحظة، ثم انسحبتا خارج الغرفة.
ما إن غاب وقع أقدامهما في الممر، حتى دفعت مييسا نفسها بعجلة لتنهض من السرير. قلبها يخفق بشدة من الفضول: تُرى، مع أي طرف ستقف المشرفة؟ وكيف سيكون العقاب؟
لكنها ما كادت تضع قدميها على الأرض حتى أمسكت بها جيلّا من كلا ذراعيها وأعادتها إلى الفراش.
“إلى أين يا سيدتي؟ مكانك هنا.”
أطلقت مييسا أصواتًا غريبة من ضيقها، وهي تحاول الفكاك منها. غير أن جيلّا ضغطت بجسدها بلطف كي تثبّت سيدتها، ثم راحت تتفحصها بجدية غريبة: قلبت جفونها، فتحت فمها، ثم أمسكت بيديها تتفقدها بعناية.
ما الذي أصاب هذه المرأة الآن؟ تساءلت مييسا في سرها، وهي تستلقي مطلقة أنفاسًا حائرة. ولم تمضِ لحظات حتى رفعت جيلّا ثوبها قليلًا وضغطت برفق على بطنها.
وفجأة فُتح الباب:
“عدت الآن… ما الذي يحدث هنا؟”
كان إيريك قد دخل الغرفة، حاجبه الأيسر مرتفع بدهشة. نهضت مييسا من فورها كمن وجد نجدة، وأطلقت صوتًا مرتجفًا وهي ترتمي نحوه ترحيبًا.
لكن جيلّا ظلت مترددة، تتحقق من أن الباب مغلق بإحكام، قبل أن تنطق أخيرًا:
“الأمر يا سيدي… سيدتي الصغيرة لم يظهر عليها أي أثر للحيض. أتعلم شيئًا عن هذا؟”
اتسعت عينا إيريك بدهشة:
“ماذا؟ بهذه السرعة؟”
فتح فمه مندهشًا على غير عادته، فما كان من جيلّا إلا أن لوّحت بيديها بسرعة:
“لا، لا، أرجوك. يبدو أن دورتها أصلًا غير منتظمة. الأمر ليس حملًا.”
“أفهم…” قالها إيريك ببطء.
لكن جيلّا واصلت بجدية:
“لقد مضى أكثر من شهرين منذ بدأت أخدمها، وخلال ذلك كله لم أرَ أي أثر. كان عليّ الانتباه منذ البداية. أعذرني، أعلم أن متابعة هذه الأمور من واجبات الوصيفات.”
جلست مييسا على السرير تراقب بعينين متسعتين. ما الذي يجري هنا بحق السماء؟ أرادت لو تغادر جيلّا الغرفة سريعًا لتسأل إيريك بنفسها.
لكن جيلّا مضت تكشف أكثر:
“حتى حين سألت الخادمتين المسؤولتين عن الغسيل، قالتا إن الأمر مستمر منذ نصف عام على الأقل. لم يُسلَّم لهما أي شيء له علاقة بهذا.”
أضافت بصرامة:
“وهما ليستا من النوع الذي يمكن أن يخفي شيئًا كهذا، ولا من مقام يسمح لهما بالتصرف به من تلقاء نفسيهما. لذلك بدا لي الأمر غير طبيعي.”
أطرق إيريك برأسه، محاولًا أن يستوعب.
“أنا لا خبرة لي في هذا… فما معنى ذلك بالضبط؟ ما حالة زوجتي إذن؟”
ترددت جيلّا طويلًا، كأن الكلمات أثقل من أن تُقال، لكن حين رأت إيريك يجلس على طرف السرير يلمس جبين مييسا ويتفقدها بعناية، استجمعت شجاعتها أخيرًا:
“قد يعني ذلك أن إنجاب وريث سيكون أمرًا صعبًا… على الأقل، هذا ما يُحتمل. يلزم الانتظار والتأكد.”
“هكذا إذن…”
جلس إيريك واجمًا، يعبث بيد مييسا بين يديه، ثم رفع رأسه وسأل:
“وكيف علمتِ بالأمر تحديدًا؟ مع من تحققتِ؟”
فهمت جيلّا قصده على الفور. فلو ذُكر الأمر صراحة أمام الخادمات لشاع الخبر كالنار في الهشيم.
قالت:
“سألت خادمات الغسيل عمّا يلزم لسيّدتي من متطلبات خاصة، فقلن إنهن استفسرن قبل مدة من وصيفات القصر الملكي، لكنهن صدّعن الأمر بقولهن: هذه شؤوننا نحن، لا تتدخلن. عندها فهمت وأحجمت عن السؤال أكثر.”
نعم، حتى جيلّا ذات الطبع الناري تستطيع أن تكون حذرة حين يستدعي الأمر. كان عملها كطبيبة في السابق قد علمها الكثير، لكنها الآن أدركت أيضًا أنها ارتكبت خطأ في إغفال هذا الجانب.
سأل إيريك، مشيرًا إلى الكرسي:
“إذن، ما الأسباب الممكنة لمثل هذا؟”
جلسة طويلة كانت على وشك أن تبدأ.
قالت جيلّا:
“قد يكون السبب سوء التغذية. وهو الاحتمال الأكثر شيوعًا.”
“وإن لم يكن ذلك؟”
ترددت، ثم قالت بخفوت:
“هناك احتمال آخر… لكنني لا أدري إن كان يصح أن أنطق به.”
نظرت حولها بتوجس، وتأكدت من أن الباب مغلق بإحكام، ثم خفّضت صوتها أكثر…
قال إيريك بصرامة وهو يستعيد في ذهنه الأحاديث القديمة:
“أليس هناك شائعات عن الدوق هاغييل؟ قيل إنه تعرّض ذات مرة لحادثٍ جعله عاجزًا عن الإنجاب.”
أجابت جيلّا بتردد:
“نعم… هذا صحيح.”
ثم أضافت وقد بدا في صوتها شيء من الحذر:
“وحتى ما حاولت وصيفات القصر فعله بصغيرتي المرة الماضية… جعلني أعيد التفكير. لطالما ظننت أن ضعف أظافركِ وشحوب بشرتكِ كانا بسبب سوء التغذية، لكن ربما كان السبب تسميمًا طويل الأمد.”
كان الاحتمال واردًا بما يكفي ليجعل إيريك يلتفت إليها ويسأل بوجه متجهم:
“وإن كانت قد ابتلعت السم فعلًا، فهل يمكن التأكد من ذلك؟”
ردت جيلّا بسرعة، وقد أسرعها القلق:
“في الحقيقة، أصحّ طريق هو أن نسأل الصغيرة نفسها. لكن… لكن إن كان سمًا فعلًا، فلا بد أن نعرف أي نوع. هل يضرب جزءًا بعينه من الجسد، أم أنه يضعف الوظائف كلها؟ ليس هذا فقط، بل إن بعض السموم تمنعها من تناول أطعمة بعينها.”
كان إيريك يحدق في مييسا بوجهٍ تملؤه الجدية، بينما راحت جيلّا تشرح بيديها المرتجفتين محاولةً أن تقنعه بخطورة المجهول:
“خذ مثلًا، من تسمّم بأوراق شجرة سيريه. لو أكل ثمرة هِلرون بعدها… فالكارثة محققة.”
سألته مييسا بصوت هادئ وهي ترفع جسدها من الفراش:
“كارثة؟ أي كارثة بالضبط؟”
تجمد لسان جيلّا للحظة، ثم رفعت رأسها ببطء نحو مصدر الصوت. ومع أنها رأت مييسا بعينيها، بقيت مشدوهة غير مصدقة.
سألها إيريك بقلق وهو يقطب جبينه:
“مييسا… هل أنتِ بخير؟”
فأجابت بدلًا عنها بهدوء غريب:
“جيلّا ستكون بخير.”
“هـ… هااااه!”
صرخت جيلّا بذعر وقد جف حلقها، فحدّق إيريك بها بعينيه الضيقتين، فيما ظلّت زوجته تنظر إليه بثبات وترد عليه وكأن الأمر عادي.
تأخر وعي جيلّا عن استيعاب الموقف لحظة، ثم ارتجفت فجأة كمن صُعق بالكهرباء، فسقطت على الأرض وقد واهنَت ساقاها.
قال إيريك ببرود:
“أنا لا أوافق على هذا. ما زال في الوقت متسع لتعيدي التفكير، قبل أن تخرج جيلّا من هذه الغرفة.”
لكن مييسا هزت رأسها ببطء:
“لا بأس. بل على العكس، كثيرًا ما شعرت بالحرج بسبب جهلها بظروفي.”
“مـ… مـ… مـ…”
لكن إيريك لم يبدُ مقتنعًا، وقال بنبرة ثابتة:
“لا يمكن الاطمئنان. فالإنسان قد يبوح بما لا يقصد، من غير وعي. وكل غلطة قد تكون كارثية.”
ثم زفر وهو ينظر إلى جيلّا المذعورة التي زحفت إلى الوراء جالسة على الأرض:
“الأفضل أن نرسل خبرًا إلى كلاديس لنُمسك أولًا بأسرتها، تحسّبًا.”
لكن مييسا أسرعت تقول:
“لا تفعل. أختها الصغرى، لورا، ستتزوج قريبًا.”
“مـ… ما… ماذا؟!”
لم تكد تكمل اسم شقيقتها حتى انتفضت جيلّا من مكانها كمن لُسع بالنار، فاهتز جسدها كله واضطربت أنفاسها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات