لم تستطع مييسا أن تجد جوابًا. لو قالت نعم، لظنت أنهم لن يعطوها أي شيء أبدًا. ولو قالت لا…
لحسن الحظ، عندما بدت مترددة، أنهى الرجل الحديث.
“يعني أن الأشياء التي كنت تأكلينها دائمًا لا بأس بها، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح.”
ربت أيريك على ظهرها وكأنه يشجعها.
“جيد. الصراحة شيء جيد.”
اعتقدت أن الحديث انتهى هنا، لكن،
“وهناك شيء آخر، أليس كذلك؟”
بدا على مييسا الدهشة وهي تفتح عينيها على اتساعهما وهزت رأسها بسرعة.
“هذا كل شيء.”
“هذا كل شيء؟”
تنهد الرجل.
“حسنًا، كنت أظن أن السيدة…”
ثم توقف عن الكلام وأخذ يحدق في وجهها ثم تنهد وصمت.
رغم أنها شعرت أن إلحاحه الدائم عليها بالكلام كان متناقضًا مع صمته الآن، لكنها لم تسأله لأنها شعرت أن الموضوع لن يكون مريحًا.
من حين لآخر، شعرت بأن الرجل يراقبها بنظرات غامضة، لكن العربة استمرت في جولتها داخل المدينة.
مرّت ثلاث ساعات بالضبط، وكما هو متفق، توقفت العربة في الساحة لتركبها جيلّا.
“…”
نظرت جيلّا إلى الاثنين، وبالتحديد إلى مييسا التي كانت تتظاهر بالنوم في حضن أيريك. عندما لاحظ أيريك ذلك، رفع إحدى حاجبيه، فحاولت جيلّا التظاهر بأنها لم تلاحظ.
وصلت العربة إلى مقر الحاكم، لكنها لم تستطع التوقف أمام القصر مباشرة لأن عربة الحاكم كانت تحتل المكان.
رغم استياءه من الخروج المتكرر للحاكم قبل العشاء، إلا أن أيريك لم يستطع عدم تحية والده. لذا، جعل عربته تفسح الطريق ونزل أولاً.
لكن عربة الحاكم لم تتوقف ومرت بسرعة وكأنها تتجه إلى مهمة عاجلة في ضاحية المدينة.
حاول أيريك كبح شعور بالإحباط وعاد إلى عربته. نظر إلى الداخل بعيون نصف مغمضة.
كانت زوجته قد انتقلت بهدوء إلى حضن جيلّا. ورغم أنها كانت مضطرة للانحناء بسبب سقف العربة، إلا أن وضع جيلّا كان مستقرًا بما يكفي ليؤكد لأيريك أن اختياره لها كان صحيحًا.
“سلّمي لي زوجتي.”
“نعم، ها هي…”
سلمت جيلّا السيدة الصغيرة بسرعة ثم تبعتها بالنزول. ثم قالت،
“هناك صندوق هنا. أوه، هنا…”
“خذيها.”
اعتقدت جيلّا أن هذا حظ كبير وأخذت صندوق الحلويات الفاخر. وبينما كانت تتبع السيد الذي كان يمشي بخطوات سريعة، سمعته يسأل دون أن ينظر إليها،
“هل تعرفين كيف تستخدمين الخنجر؟”
رغم أن الأجواء توحي بأنه ينبغي أن تجيب بالنفي، إلا أن الكذب ليس خياراً. ترددت جيلّا للحظة ثم أجابت بأدب:
“أجيد استعمال أي شيء للقطع.”
“جيد.”
ولم يقل شيئاً آخر. تابعت جيلّا السير خلفه بوجه متحير.
في هذه الأثناء، كانت خادمات القصر يراقبن المشهد من نافذة الطابق الثاني. كانت نظراتهن المشككة موجهة نحو جيلّا التي كانت تتبع أيريك.
كانت جيلّا تحمل صندوقاً يبدو بوضوح أنه من متجر الحلويات، وكانت تتحدث مع أيريك بحماس. كان أيريك، الذي لم يكن لديه يدان حرّتان بسبب حمله لزوجته، يجيب بإيجاز ثم يتجه نحو المنزل. لكن تعابير وجهه كانت توحي بأنه منزعج.
في المقابل، كانت جيلّا تسير بخطوات واسعة وسريعة، ويبدو أنها كانت في غاية السعادة.
عبست وجوه الخادمات الملكيات في نفس الوقت.
“يبدو أنه أعطاها هدية لإعادتها إلى مقر الفرسان. ربما انتهت أعماله معها.”
“لا أعلم، لكن لا يبدو أنها عشيقته.”
“قد تكون نوعه المفضل. وإلا لما خرج معها بهذا الشكل.”
“هذا غريب. هناك شيء غريب…”
عبست السيدة مالكا وأشارت بيدها.
“لا يهم. إذا لم تكن عشيقته، يمكننا أن نجعلها كذلك.”
“هل تودين تناول العشاء الآن؟”
“لا، ليس الآن.”
كانت مييسا متعبة بعد أول خروج لها، فقالت ذلك بصعوبة وهي تتوجه نحو السرير ببطء. ثم ألقت بنفسها على السرير بصوت مكتوم.
عندما عاد أيريك بعد إعطاء التعليمات للخادم المنتظر في الردهة، كان الهدوء يخيم على الغرفة. اقترب من السرير ليجد مييسا نائمة وهي محتضنة نفسها.
مد يده ليمسح شعرها عن وجهها،
“……!”
فتحت مييسا عينيها بدهشة كبيرة. في الصمت التقت نظراتهما.
“لقد كنت نائمة حقاً.”
قال أيريك، فأومأت مييسا برأسها وأعادت جسدها إلى وضع النوم.
كانت تتظاهر بالنوم عندما كانت تشخر، لكنها في الحقيقة كانت دائماً تنام بقلق. ابتسم أيريك بمرارة وربت على جسدها النحيل.
“أنا هنا، لذا لا تقلقي ونامي.”
“نعم.”
ثم عادت مييسا لتحتضن نفسها وتنام. نظر إليها أيريك وهو ينهض.
لم يكن يهمه أنها لم تفتح قلبها له تماماً. لم يكن يتوقع أن تتخلى عن حذرها بين عشية وضحاها. لكن هناك شيء ما ظل يزعجه.
كان هناك فرق في سلوكها داخل العربة وفي حديثها عن الحلوى. كانت مشاعرها خليطاً من الامتعاض والحيرة، لكنه لم يتلق إجابة سوى عن جزء واحد.
ثم تغير الجو فجأة، وعادت لتتصرف ببساطة كعادتها.
“هاه…”
تنهد بعمق واستدار.
تميل مييسا إلى الهروب من المواجهات. ربما تخفي في أعماق نفسها ذكريات تفضل تجاهلها، دون أن تكون واعية بذلك.
إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون الأحداث التي جرت في العربة بمثابة نذير. سيأتي يومٌ لا محالة تنفجر فيه المشاعر المتراكمة، بطريقة ما، وفي وقت ما.
نشأ في ساحة المعركة، وقد رأى العديد من الناجين بعدد الموتى. كثيراً ما فقد حتى المدربون المحترفون عقلهم في لحظات. أحد الفرسان الذين خاضوا معه سنوات من القتال أصبح عاجزاً فاقداً للعاطفة والإدراك.
تصرفات مييسا حتى الآن كانت هادئة بشكل ملفت، وأحياناً جريئة، لدرجة أن حتى هو كان يتغافل عنها أحياناً. لكن كان يعلم أن هناك احتمالاً أن تنفجر في يوم ما وتبدأ في تحطيم الأشياء وإثارة الشغب.
هي جزء من عائلة كلادنيا، ومن مسؤوليته حماية الأسرة والاعتناء بها، لذا كان عليه أن يكون حذراً.
ومع ذلك، كان يشعر بأنه يقترب منها أكثر من اللازم. إن حماية أحد أفراد الأسرة بدافع الواجب شيء، وأن ينخطف قلبه بشخصية شخص ما شيء آخر.
▷
مرت بضعة أيام. بدا أيريك في الظاهر كما هو، يعاملها بنفس الرعاية ويعلمها شيئًا فشيئًا، واستمرت أحاديثهم المسائية.
“عشاء اليوم كان لذيذًا حقًا. لقد قلت إنه فخذ الخنزير، أليس كذلك؟ أريد تناولها مرة أخرى.”
“سأخبر المطبخ.”
أغمضت مييسا عينيها منتظرة قبلة، لكن ما حصلت عليه كان مجرد قبلة خفيفة على الجبهة. لمحت خيبة أمل طفيفة على وجهها. خلال الأيام الماضية، لم يكن يلمسها تحت الرقبة على الإطلاق.
“وأيضًا… الشمس كانت قوية جدًا اليوم فلم أستطع اللعب طويلاً. أحب الطقس الصافي، لكنني أكره عدم القدرة على اللعب في الحديقة لفترة طويلة.”
نظرت إليه بتمعن. أومأ برأسه وقبّل صدغها.
“هل هذا كل شيء؟”
“لا أدري.”
هو أيضًا كان يشعر بعدم الارتياح. رغم تشتت مشاعره، كان جسده يستجيب. لكنه ابتسم وأضاف،
“هل لديك أحاديث أخرى؟”
ترددت مييسا في الإجابة. نظر إليها بصمت وشرح،
“القصص التي تشاركتها حتى الآن هي مواضيع يمكن مناقشتها مع أي شخص.”
كانت الأحاديث التي تبادلوها خلال الأيام الماضية سطحية، ولم يكن يعرف كيف يضبط مشاعره المضطربة.
بدأ يعي مشاعره نحو مييسا، وكان ذلك مربكًا له. كان يعتقد دائمًا أنه يستطيع التحكم في نفسه، لكن تأثره بكلمات وتصرفات شخص آخر كان جديدًا عليه.
في المقابل، كانت مييسا في حالة اضطراب. لو كان بإمكانها العودة بالزمن إلى العربة، لكانت ستبتسم وتتقبل كل ما يقدمه لها. لماذا كانت مضطربة في ذلك اليوم؟
لو كان لديه مجرد عداء تجاهها، لكان الأمر أسهل. لكنه كان يهتم بها ويعاملها بلطف، وينظر إليها أحيانًا وكأنه يقيم شيئًا ما، كما يفعل الآن.
“إذًا، أنا…”
ماذا يجب أن تقول؟
البحث عن موضوع مناسب للحديث دون إزعاج الرجل كان أمرًا صعبًا. عندما قبضت مييسا على قبضتيها دون وعي، لاحظ الرجل ذلك بنظرة خاطفة دون أي رد فعل. كان من المؤلم لها أن ترى الرجل الذي كان يسأل عادة عن كل شيء، يراقبها بصمت الآن. إذا استمر الحال على هذا النحو، فقد يفقدان فرصة أن يكونا معًا في الفراش.
“لا أعرف ماذا أقول.” في النهاية، تحدثت مييسا بتردد.
“لا أعرف ما هي المواضيع التي يمكن مناقشتها مع الغرباء، وما الذي ينبغي الحديث عنه في مثل هذه المواقف. في النهاية، الشخص الوحيد الذي أتحدث معه هو أنت.”
توقف أيريك عند هذه الكلمات. ثم رفع يده ليغطي عينيه وتنهد بعمق.
“فهمت.”
أزال أيريك يده ونظر إلى مييسا التي كانت تجلس أمامه وهي متوترة وتتعثر في الكلام. شعرت بأنه كان سخيفًا أن يقلق بشأن مشاعره نحوها. كم هو جبان أن يرسم حدودًا مسبقًا خوفًا من العواقب.
“لا يهم ما تتحدثين عنه.”
قرر أن يترك الأمور تتدفق. لم يكن يعرف إلى أين ستأخذه هذه المشاعر.
“لكن لفهم بعضنا البعض، من الأفضل أن نتحدث عن الأمور التي نشعر بها بصدق بدلاً من الحديث عن الطقس أو الطعام.”
حاول مرة أخرى جذبها للحديث. بدت مييسا مترددة وغير قادرة على البدء. بعد انتظار طويل، قالت أخيرًا، “أكره الأيام الممطرة.”
أدرك أيريك أنها لم تفهم قصده. قرر تغيير النهج.
“دعينا نتحدث عن رحلتنا السابقة.”
“…….”
“كان هناك شيء أكثر حدث في ذلك اليوم، أليس كذلك؟ لم أرد أن أضغط عليك لمعرفة السبب.”
ظهرت الحيرة على وجه مييسا. تحدث أيريك بهدوء،
“إذا فكرتِ في الأمور التي مررت بها، فمن المؤكد أن لديك مشاعر معقدة في داخلك. وهذا أمر طبيعي.”
واصل كلامه نحوها التي كانت تحاول كبح دموعها.
“أعتقد أن عدم قدرتك على إخفاء هذه المشاعر أمامي هو علامة جيدة. لأنك قد نجحتِ في إخفائها تمامًا أمام الآخرين.”
مثلما لا تستطيع إخفاء توترها الآن.
“…….”
“قضاء الليلة الأولى معًا سيكون جيدًا، لكن عندما تفتحين قلبك لي، ستبدأ علاقتنا الحقيقية. هل تفهمين؟”
فوجئت مييسا من كلماته. ولم تكن تعرف كيف تداري الكلمات،
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات