كانت تعرف ما الذي سيقوله بالاك. في حياتهما الأولى، حينَ اقتربَ منها بعرضٍ قائم على رهان، طالب بثمن، و كانت نظراته حينها تشبه ما تراه الآن.
“إنها جوهرة أسطورية، لذا يجب أن أحصل على شيء مقابلها، ألا تعتقدين؟” قالَ بالاك
“لم تعد أسطورة، بل صارت شيئًا حقيقيًا”.
ارتجف بالاك من لمستها، و خفض قبضته المشدودة. صبّت الشاي الدافئ في الأكواب.
” ما أريده هوَ معلومات عن سيفيتيانا. أحتاج إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات، حتّى عن عمّال المعبد الذين دفنوها.”
“هل لي أن أسأل لماذا قصدتِني؟ كانَ من الأفضل أن تبحثي في نقابة معلومات، لا شركة تجارية تتعامل بالأحجار الكريمة.”
“تركت انطباعًا قويًا. تلك الليلة، لم تتمكن حتّى من إخفاء نفسك جيدًا في الظلام و أنتَ تتوسل المغفرة. أردت أن أرى كيف ستتعامل معَ طلبي.” قالت بابتسامة باهتة.
أدار بالاك رأسه بسرعة بعيدًا.
معَ أنه أجرى عددًا لا يُحصى من الصفقات، و كانَ يفتخر بقدرته على الحفاظ على رباطة جأشه، إلا أن ذكرى تلك الليلة، حينَ اقترب منها كـفتى مندفع، جعلت عنقه يسخن. راقبت فينيا احمرار بشرته الداكنة، متظاهرة بعدم الانتباه، و هيَ ترتشف من شايها.
“أعتذر بصدق عن تلك الليلة …” قال بصوت منخفض
“إذًا، هل يمكنك تلبية طلبي؟ إن لم تستطع، يمكنك مغادرة القصر.”
كانَ القول إن الشركة لا تستطيع تنفيذ الطلب مجرد ذريعة. فـشركة فاليتا التجارية تتعامل تقريبًا معَ كل الأحجار الكريمة المعروفة. و لكي تتمدد أكثر، كانت تحتاج إلى شيء أكثر تميزًا من غيرها، مثل الجوهرة الأسطورية سيفيتيانا.
لم يكن بالاك يظن حقًا أنه سيحصل على سيفيتيانا الحقيقية. فـامتلاكها سيجلب عليه سيوف إمبراطوريتين، و لم يكن أحمق كفاية ليطمع بما لا يستطيع احتماله. كل ما أراده هوَ رؤيتها بعينيه مرّة واحدة. أن يلتقط زواياها، و شفافيتها، و انعكاسها، و لونها، ثُمَّ يصنع نسخة طبق الأصل منها ليجعلها جوهرة الشركة الأساسية.
لذا جمع كل ما يمكن من معلومات عنها، و سعى خلف أي شخص قد يكون قد رآها. و كانت شركته تمتلك من المعلومات ما قد يضاهي البلاطين الإمبراطوريين، بل ربما أكثر و فينيا كانت تدرك هذا، و لهذا احتاجته.
حدّقَ بالاك في انعكاسه في كوب الشاي قبل أن يرفع رأسه.
“إن أعطيتكِ المعلومات عن سيفيتيانا، فـماذا سأحصل في المقابل؟”
كانَ يأمل، لو تمكن بطريقة ما من تقديم سيفيتيانا لها، أن تقبله بالمقابل. لكن فينيا وضعت كوبها بهدوء، و تحدثت بنبرة خالية من الاهتمام:
“لا حاجة لي بحجر لا نفع له. كل ما أريده هوَ المعلومات، و سأعوّضك كما ينبغي.”
وصفها لسيفيتيانا بأنها حجر عديم النفع صدم بالاك، لكنه أخفى دهشته و أومأ برأسه.
“مفهوم، سأجمع المعلومات عن سيفيتيانا.”
“لكن، أن أطلب منك هذا مقابل اعتذار فقط، فهذا كثير. هل هناك شيء معين تريده بالمقابل؟”
تردد بالاك قليلاً قبل أن يجيب.
“اسمكِ … أريد أن أتمكن من مناداة جلالتك باسمك.”
فينيـا، حبيبتي. عادت إلى ذهنها ذكريات بعيدة، همسات بصوته قرب أذنها، جعلت عينيها تغيم.
للأسماء وقع خاص، فـهي تربط بين الناس. و كانَ حبيبها السابق يهوى مناداة اسمها حينَ يكونان بمفردهما.
“إن أحضرت المعلومات، فحينها يمكنك فعل ذلك.”
“مفهوم.”
سادَ الصمت بينهما، فـلم ينطق أحدهما أولًا.
كانت فينيا تغوص في ذكرياتها معه، بينما كانَ بالاك يتأمل حاضِرها. و عندما كادَ الشاي أن ينفد، أخرج بالاك علبة صغيرة من معطفه.
“حضّرت هدية بسيطة، هل لي أن أضعها عليكِ بنفسي؟”
لم يكن من الغريب أن يُحضر الزائر هدية للإمبراطورة، و أحيانًا يقوم الشخص بإلباسها لها بنفسه. لم يكن هناك سبب للرفض.
عندما أومأت فينيا، دار بالاك حول الطاولة و ركع على ركبة واحدة. حتّى و هوَ راكع، كانَ طوله يقارب طولها و هيَ جالسة.
عند فتح صندوقٍ مخمليٍّ أرجواني، انكشفَ بروشٌ مرصّعٌ بياقوتةٍ حمراء نادرة الطراز، تحيط بها ألماساتٌ مصقولةٌ بعناية لا تشوبها شائبة. لم يكن هديةً متواضعة بأي حال.
و حينَ اقتربَ بالاك ليثبّت البروش، تلامست أنفاسهما، فـالمسافة بين وجهيهما ضاقت حتّى أصبحت شبه منعدمة. و رغم جرأته، تجنّب نظره عيني فينيا، مركزًا على ألا ترتعش يده أثناء تثبيته.
و في اللحظة التي أمالت فيها فينيا رأسها لتتفحص البروش، انسدلت خصلات شعرها البلاتينيّ على يد بالاك المرتجفة.
رفعَ عينيه الحمراوين المرتبكتين، ليتقابل بصره معَ زرقة عينيها العميقة، فـاختنق نَفَسه للحظة، و انزلق البروش من يده و سقط أرضًا. التقطه بسرعة، يلعن نفسه بصمت.
‘بالاك أوتار، يا لكَ من أحمق …’
كم بدا ساذجًا في تلك اللحظة. أغمض عينيه لبرهة، ثُمَّ وضع البروش على الطاولة و انحنى بأدب.
“أعتذر، لقد خانتني يداي. سأُحضِر آخر جديد في زيارتي القادمة.”
لكن فينيا وقفت بصمت، التقطت البروش، و ثبّتته بنفسها على فستانها، في نفس الموضع الذي لامسته فيه يده.
“لا حاجة، هذا كافٍ.”
لم يستطع بالاك أن يُبعد عينيه عن فينيا و هيَ ترتدي البروش الذي قدّمه لها. الياقوتة الحمراء المتألقة على شعرها الذهبي و فستانها الأزرق بدت متفرّدة بين كل زينتها.
لونٌ يشبهه. حتّى وسط ارتباكه، شعر برضى خافتٍ لأنه اختار أغلى قطعةٍ من المتجر الجديد في العاصمة على عجل.
“أشكركِ على قبول الهدية، سأغادر الآن.”
غادرَ بالاك المكتب، تاركًا خلفه سكونًا تامًا. لا صوت حتّى لحركة أكواب الشاي. و فجأة، عادَ الإرهاق الذي كانت تؤجله فينيا لتثقل كاهلها من جديد.
رجلان أرهقاها في يومٍ واحد، من تاتار إلى بالاك.
أناملها لامست البروش بخفة.
“لم أتوقّع أن أرى هذا مرة أخرى،” تمتمت.
بعض اللحظات في الحياة تبدو كما لو أنها مكتوبة سلفًا، مهما اختلفت الاختيارات، كهذا البروش. لقد كانَ هديّةً من بالاك في حياتهما الرابعة و الثلاثين، الحياة التي جمعتها به للمرة الأخيرة … و ودّعته فيها.
‘فعلتُ كل شيء لأجلك، فينيا. ألم تكوني أنتِ من أراد الهروب؟ من هذا القصر، من الإمبراطور، من كل ما يقيدك؟’
كانَ اعترافًا يجمع بين الحب و الرعب. ذكرى لا ترغب بتذكّرها، حتّى الآن، و قد فقدت معناها. آخر مرّة لامست فيها هذا البروش كانت عندما نزعته عن صدرها بحدّة و قذفته في وجهه.
رؤية لحظاتٍ مشابهة بلونٍ مختلف كانت دائمًا ما تزرع في قلبها شعورًا بالقلق.
نبذت أفكارها، و توجهت إلى غرفة نومها. و ما إن فتحت الباب، حتّى رأت شخصًا مستلقيًا على سريرها و كأنه ملكٌ له. التفتت، لتجد ديرون، معاون تاتار، الذي كانَ يلاحقه طوال اليوم.
ما إن رأى فينيا، حتّى انحنى احترامًا.
“أرجو المعذرة، صاحبة الجلالة. ثمة الكثير من الوثائق، و قد أصرّ جلالته على العمل هُنا.”
“لا بأس. لكن هل يمكنك أن تتركنا للحظة؟ لدي أمرٌ عاجل أودّ مناقشته مع جلالته.”
“كما تأمرين.” ثُمَّ خرجَ سريعًا. أما تاتار، الذي كانَ يعالج الوثائق بسرعة مدهشة، فقد رفع رأسه أخيرًا.
“أسرعتِ في العودة.”
“كل ما احتجته هوَ وقتٌ لكوب شاي،” ردّت.
ألقى تاتار بالأوراق جانبًا، و اقترب منها، و مرّر أنامله على البروش المُثبّت عند صدرها.
“هدية، مثلي تمامًا. خرقاء و غير لائقة بك. دعيني أحضر شيئًا من الخزينة الملكيّة … شيئًا يليق بك.”
كانَ يتحدث و هوَ يراقب تعابيرها، باحثًا عن أي أثر لترددها. و لم تكن فينيا بحاجة لأن تشرح له قصة الجوهرة. يكفيه حدسه الحيواني ليشعر بأن هذا البروش لم يكن مجرد زينة عابرة.
فـنزعته بهدوء من فستانها ووضعته في يده.
“افعل ما تشاء.”
و حينَ رأى طاعتها، بدت عليه علامات الرضا، فـألقى بالبروش بإهمال على الرف. غير أن شيئًا آخر لفت انتباهه. أمسك بيدها و لاحظ خاتم الزواج في إصبعها، خاتم نادرًا ما ترتديه خارج المهام الرسمية.
تاتار، الذي كانَ يحاول فهم دلالات تصرفها، ابتسم أخيرًا بشيء من الرضى. رفع يدها و قبّل الخاتم بحزم، قبلة كانت أشبه بإعلان ملكية.
“فـما ثمن الرقص في كفّ الإمبراطورة؟”
تنهدت فينيا بهدوء. لماذا تُنهكها المطالب في هذا اليوم تحديدًا؟ و معَ ذلك، بدا ما يطلبه تاتار أبسط بكثير مقارنة بما أراده بالاك.
و رغم إرهاقها، لطالما كانت تجد في المتع الغريزية وسيلةً فعّالة للهروب من الواقع. بل الأهم من ذلك، أنها كانت ترغب بمحو الذكريات الكريهة التي نبشها لقاؤها الأخير ببالاك، بأسرع ما يمكن.
حُسم قرارها بسرعة، و جاءت أفعالها أسرع. رفعت يدها و دفعته من صدره، فـاختل توازنه و سقط على السرير، متناثرةً حوله الأوراق كـريش الطيور.
ثُمَّ بدأت تفكّ الشريط خلف فستانها، و اعتلت جسد تاتار، الذي كانَ يحدّق بِها بعينين تتقدان لهبًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"