كانت هذه أول رحلة رسمية خارجية للإمبراطورة حيثُ حضرت بمفردها.
كانَ هُناكَ الكثير من الحديث حولَ الإمبراطورة، التي بالكاد كانت تهتم بشؤون القصر الداخلية، و فجأة قررت زيارة فرسان الحدود. و معَ ذلك، كانَ الناس يراقبون رد فعل الإمبراطور بحذر و يحتفظون بالصمت حيال ذلك.
و بمُجرّد تسرب جدول أعمال الإمبراطورة، طلبَ العديد من النُبلاء الانضمام، مبررينَ ذلك بأسباب مختلفة.
و اليوم، تجمع النُبلاء الذين تمَّ السماح لهم بالانضمام إلى الجدول في قصر الإمبراطورة. و كانَ لديهم هدف واحد : محاولة إقامة علاقة معَ الإمبراطورة من خلال هذه الفرصة.
و معَ تجمع الناس، تدفقت الأحاديث، و معَ اختلاط الأصوات، برزت بالطبع الأحاديث عن صاحبة القصر.
“المأدبة التي حضرتها جلالتها الإمبراطورة مؤخرًا كانت فوقَ مستوانا للتمكن من حضورها.”
“سمعتُ أنَّ المأدبة كانت لعدد من التجار و أنَّ نصف الحضور كانوا من العامة.”
“يبدو أنها شخص فريد من نوعه. كانَ من المتوقع أن تُنظم تجمعًا الآن، لكنها تبقى في القصر و لا تُظهر نفسها أبدًا.”
“بالفعل. و تلكَ الشائعات أيضًا. كيفَ يمكنها فعل ذلك… تجاه جلالته الإمبراطور…”
معَ طول الحديث، بدأت الكلمات غير الضرورية تتسرب.
الخدم، الذين كانوا على دراية تامة بالحالة الحالية في القصر، خفضوا رؤوسهم و خرجوا مسرعين من مواقعهم، خوفًا من أن تسمع صاحبة القصر ما يُقال.
وسطَ الهرج، كانَ هُناك مجموعة هادئة تجمعت في زاوية. كن شابات غير متزوجات دخلن القصر الإمبراطوري معَ أمهاتهن.
“هل هذا حقًا مناسب؟ حتّى لو حصلنا على إذن، لا بُدَّ أنَّ جلالتها الإمبراطورة لم تكن تتوقع حضور هذا العدد الكبير من الناس…”
بينما كانت بعض الفتيات الشابات يتفحصن محيطهن بحذر و قلق، كانت أخريات يملؤهن التوقع و الترقب.
“هل هُناكَ أحدٌ لا يعرف أن هذه الزيجة الملكية كانت عقدًا بينَ الإمبراطوريتين؟”
“صحيح. قد يكون الأمر مبكرًا بعض الشيء، لكنني أعتقد أنهُ يجب أن يكون هناك شخص من تيسيبانيا إلى جانب جلالته الإمبراطور.”
“أتفق. يجب أن يكون الأمر كذلك، من أجل مصلحة العائلة الإمبراطورية.”
كانت نظرات الشابات اللواتي قُلن هذا موجهة إلى مكان واحد. شابة تقف وحيدة، منتصبة الظهر ضد الجدار في الزاوية الأكثر انعزالًا : يورين كاستالو.
إذا كانَ هُناك زهرة زنبق أنيقة مغطاة بندى الصباح، هل كانت ستبدو هكذا تمامًا؟ رغم أنها جاءت وحدها دون رفقاء، لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها بسهولة.
و كانَ هذا جزئيًا بسبب أنها، على عكس الابن الأكبر لعائلة كاستالو، نادرًا ما كانت تظهر في الدوائر الاجتماعية، و جزئيًا بسبب الشائعات المحيطة بدوقة كاستالو.
كانت السيدات اللواتي جلبن بناتهن يتفحصن يورين، التي كانت ترتدي فستانًا هادئًا باللون الأخضر الفاتح و تحافظ على نظرها منخفضًا.
“لا أفهم ما يحدث. كيف يمكن للدوقة، التي كانت تعز ابنتها لدرجة أنها بالكاد قدمتها بشكلٍ صحيح، أن تسمح لها بالخروج؟”
“لن تتمكن من الجلوس في مقعد الإمبراطورة على أي حال، فلماذا جاءت إلى مكان كهذا؟”
“شش! سيدتي، ألا تعلمين ما حدث لأولئك الذين تحدثوا عن تلكَ الشائعة؟”
عشيقة الإمبراطور الأسبق. ماذا حدثَ لأولئكَ الذينَ تجرأوا على التحدث عن الشائعات حولَ دوقة كاستالو؟ دونَ استثناء، كانوا إما غير قادرين على العودة إلى الإمبراطورية مرة أخرى أو عاشوا حياة تعيسة. كانَ من المعروف أن الإمبراطور الأسبق نفسه هو من تعامل معهم.
ساد الصمت بين السيدات النبلاء، و هن يراقبن كلماتهن بحذر.
على الرغم من أنه لم يكن من الممكن أن تكون يورين غير مدركة لهمسات و النظرات الموجهة إليها، إلا أنَّ تعبيرها بقي على حاله. سواء كانت غارقة في التفكير أو تنتظر شيئًا ما، كانَ من الصعب تحديد ذلك.
لم تتحرك نظرتها الثابتة إلا عندما وصلَ الخبر بأن صاحبة القصر قد وصلت.
“جلالتها الإمبراطورة تدخل.”
توجهت الأنظار جميعها نحوَ الشكل الذي كانَ يهبط من الدرج العالي.
مرتدية بنطال خفيف مناسب لركوب الخيل و قميص واسع، و شعرها الطويل مربوط بشكل ذيل حصان، كانَ مظهر فينيا بسيطًا بشكلٍ غير معتاد بالنسبة للإمبراطورة، و معَ ذلك، كانت هيئتها المهيبة إلى حدٍ ما تجذب الأنظار بقوة.
السيدات اللواتي حضرن حفل الزفاف تذكرن بشكلٍ طبيعيّ القبلة بينَ الإمبراطور و الإمبراطورة في يوم زفافهما. قبلة كانت شديدة العاطفة لدرجة أنها لم تكن مجرد تمثيل، و معَ ذلك، كانَ كلاهما جميلين للغاية.
فكرت السيدات النبلاء أنَّ الشائعة الأخرى – تلكَ التي تقول إنَّ الإمبراطور قد وقع َفي حُب مظهر الإمبراطورة الجميل من النظرة الأولى – قد تكون صحيحة بعدَ كل شيء.
بينما كانت ترتدي القفازات الجلدية التي جلبتها، مسحت فينيا بصرها على أولئك الذين كانوا يرفعون رؤوسهم باتجاهها. نظرتها لامست لفترة قصيرة شعر يورين الأزرق السماوي في الزاوية قبلَ أن تتحول بعيدًا.
“إذن، جميعكن ترغبن في مرافقتي في جدولي.”
عندَ أولى كلمات فينيا، تقدمت أكبر سيدة نبيلة بينَ الحاضرين. كانت زوجة فيسكونت تاليو، نائب قائد فرسان الفجر المكلفين بحماية الحدود.
“تحياتي لكِ يا مجد تيسيبانيا. أنا بيرسانا تاليو، سيدة فيسكوتية تاليو.”
بينما كانت تقف منتصبة، أومأت بإيماءة خفيفة لابنتها التي كانت تقف معَ باقي الفتيات الشابات. و عند تلكَ الإشارة، اقتربت ابنتها.
لم تكن قد تجاوزت العشر سنوات من عمرها. و كانت عيونها، التي كانت ترفعها بخوف، تبدو خالية من أي غرض سياسي أو مصلحة ذاتية.
استمرت السيدة الكبيره، التي وضعت ابنتها الصغيرة أمامها، في الحديث.
“في الحقيقة، زوجي هو نائب قائد فرسان الفجر، و مُنذُ وقتٍ طويل لم ترَ الطفلة والدها. لذلك، تجرأتُ على طلب مرافقتكِ، رغم ما قد يراه البعض غير لائق.”
كانَ السبب معقولًا. زوج في الحدود، وزوجة و ابنة صغيرة تفتقدانه.
نظرًا لأن الإمبراطورة كانت تستخدم دائرة السحر المثبتة في القصر الإمبراطوري لزيارتها، كانت فرصة جيدة للقاء زوجها دون الحاجة للسفر في الطريق الخطير.
سواء كانَ ذلك هو قصدها الحقيقي أو إذا كانت لديها دوافع أخرى، فإنها هي الوحيدة التي تعرف.
رفعت فينيا رأسها قليلاً و مسحت بأعينها على باقي النُبلاء.
“يبدو أنهُ يمكنني تنظيم رحلة استكشافية بدلاً من تفقد فرسان الفجر.”
من الواضح أنَّ أسماء السيدات النبلاء فقط كانت قد كتبت في الرسائل التي طلبت مرافقتها، و معَ ذلك، عندَ الوصول، لم يكن من غير المألوف أن يُشاهد أنهن قد جلبن معهن بناتهن، أو قريباتهن، أو أبناء أخواتهن أيضًا.
عندَ كلمات فينيا الساخرة، تجنبَ النُبلاء النظر إليها بخجل.
“ك-كيف لنا أن نتجرأ، جلالتك؟ على الإطلاق.”
تقدمت فيسكوتية تاليو، و لكن كانَ من الواضح أن حالتها المتوترة لا تخفى على أحد. كانت هي أيضًا تعرف جيدًا كيف يبدون الآن.
و معَ ذلك، كانت بحاجة ماسة لهذه الفرصة. رغم أنها تقدمت كـممثلة لذلك بسبب إصرار السيدات النبيلات الأخريات، متى سيكون لديها الفرصة لرؤية زوجها الذي تمركز في الحدود معَ ابنتها الصغيرة إن لم يكن الآن؟
في تلكَ اللحظة، تقدمت يورين، التي كانت تقف بهدوء في الزاوية. و رغم أنَّ جميع الأنظار توجهت إليها، رحبت فينيا بها، دونَ أن تبدو عليها أي علامة من التوتر.
“تحياتي الى مجد تيسيبانيا. أنا يورين كاستالو، ابنة دوق كاستالو.”
أُظلمت عيون فينيا عندَ رؤية هذه الصلة المتواصلة المشؤومة التي واجهوها مرة أخرى.
“عذرًا، و لكن لدي شيء لأقوله.”
“تحدثي.”
“أعتقد أنه كان من المزعج لكم طلباتنا الوقحة. قد تكون هناك أسباب متنوعة، لكنني أعتقد أن أقوى رغبة كانت أننا لم نرد أن نفوت هذه الفرصة لرؤية جلالتك عن قرب، حيث لم نكن قد حصلنا على مثل هذه الفرصة حتّى الآن.”
ألم يكن السبب في أنهم لم يحصلوا على فرصة لرؤية الإمبراطورة عن قرب هو أنها كانت في عزلة منذ ظهورها المفاجئ في مأدبة التجار؟
و معَ ذلك، لم تُشر يورين إلى هذا بوضوح، و لم تثير أي استياء، بل لفّت كل شيء كـرغبة نبيلة في رؤية الإمبراطورة. بعض الفتيات الشابات نظرن إلى يورين بإعجاب.
“أرجو أن تأخذوا مشاعرنا بعين الاعتبار، و إذا كانت الظروف غير مواتية، فـسننسحب و ننتظر اليوم الذي تدعونا فيه جلالتكم رسميًا في المرة القادمة.”
كانَ هذا تصرفًا محترمًا خاليًا من أي إشارة إلى الوقاحة.
الآن كانَ القرار بيد فينيا. السيدات الأكبر سنًا اللاتي تمَّ تورطهن في هذا الموقف معَ الإمبراطورة انحنين بأجسادهن، غير مرتاحات لكن ليسَ لديهن خيار آخر.
بعد صمتٍ قصير، تحدثت فينيا.
“أفهم. يمكنني فهم سبب تجمعكن هكذا، حيث لم أقم بعقد حتّى وليمة عادية واحدة. بناءً على أوامر جلالته، يتمّ بناء الحديقة. كنت أخطط لبدء الأنشطة الاجتماعية بشكلٍ كامل بمُجرّد أن يتمّ الانتهاء من البناء.”
سألت فيسكوتية تاليو بحذر.
“بناءً، تعنين…؟”
“عندما ذكرتُ أنني أُعاني من صداع بسبب رائحة بالوا، قالَ إنهُ سيقومُ بحفر الحديقة بالكامل و إنشاء غابة صغيرة و بركة.”
أتت من حولها شهقة مفاجئة.
بالوا، ما نوع الزهرة تلكَ مرة أخرى؟ كانت الزهرة التي كانت الوالدة الإمبراطورة الراحلة تعزها أكثر من أي شيء آخر. جُلبت من أرض بعيدة عبر البحر، و كانت شديدة الرقة لدرجة أنها تذبل فورًا بمجرد قطفها. لهذا السبب، كانت كل زهرة حية تساوي وزنها ذهبًا.
بينما كانت وجوه الناس مليئة بالدهشة، كانَ شحوب وجه يورين يبرز بوضوح.
نظرة فينيا القصيرة سقطت عليها.
شفتيها المغلقتين بإحكام، قبضتها المشدودة، و كتفيها المرتجفين كانت كلها تدل على حالتها النفسية الحالية.
لا بُدَّ أنها كانت تشعر بعدم الراحة. الغضب كانَ يتصاعد بداخلها. و لكن و ماذا في ذلك؟ ماذا يمكنها أن تفعل؟ حديقة بالوا، التي كانت غارقة في ذكرياتها الطفولية، لم تكن لها منذ البداية.
رفعت فينيا نظرها عن يورين بوجه غير مبالي.
“أسمحُ لكِ بمرافقتي.”
معَ هذه الكلمات القصيرة، دارت فينيا حولها.
و كأنها تُذكر الجميع مرة أخرى من هيَ صاحبة هذا القصر، فقد انبعثت هالة لا يمكن إنكارها من ظهرها النحيل.
تبِع الجميع فينيا ببطء، مراقبين ردود أفعال بعضهم البعض. فقط يورين بقيت واقفة في القاعة المركزية لقصر الإمبراطورة الفارغ الآن، عيونها ثابتة على ظهر فينيا حتّى اختفى تمامًا.
عندما غادر الجميع تمامًا، استرخت يورين، التي كانت قد أجبرت نفسها على الابتسام، و أرخَت تعبير وجهها و عضت شفتها السفلى بشدة.
“أخي تاتار، لماذا الحديقة…؟”
أي نوع من الحدائق كانت تلك؟ كانت المكان الذي أمضت فيه وقتًا مع الوالدة الإمبراطورة الراحلة و هو.
ما زالت ذاكرة لحظة وضعه لتاج الزهور على رأسها، قائلاً إن بتلات بالوا الزرقاء السماوية تشبهها، حية و واضحة في ذهنها.
“كانَ بسبب العقد، بسبب الواجب. لم يكن من الممكن تفادي ذلك، أليس كذلك؟ هذا هوَ، أليس كذلك، أخي…؟”
أغلقت يورين عينيها بإحكام ثمُّ فتحتهما مرة أخرى بتعبير مليء بالألم. ثمُّ استرجعت مرة أخرى وجه الإمبراطورة التي قابلتها بشكلٍ صحيح لأول مرة اليوم.
المكان الذي وقفت فيه الإمبراطورة، الحديقة التي أزالتها الإمبراطورة، هذا القصر، و حتّى المكان بجانبه. كانت كل هذه الأشياء يجب أن تكون في يديها في الأصل.
“أرسلتُ رسالةً أقولُ فيها إنني قادمة إلى هُنا…”
حتّى الآن، كانت الرسائل التي تحمل اسم يورين كاستالو تصل إليه مُباشرةً دونَ أن تمر بفحص. كانَ هذا نوعًا من الامتياز. دليلًا و امتيازًا على أنهُ كانَ يعتبرها مميزة.
لكن في مرحلة ما، توقفت الردود على الرسائل التي لم تكن تُتجاهل من قبل.
بعدَ أن تزوج، بعدَ أن دخلت تلكَ المرأة هذا القصر.
شعرت يورين بالغثيان. كانَ كُلَّ شيء فوضى. كما لو أنَّ شخصًا ما كانَ يهز القدر عن عمد.
دموعها من عيونها الخضراء المظلمة، سقطت كـدموع بطلة مأساوية في قصة خرافية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "13"