رغم وصول فينيا، لم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منها. كانت امرأةً أجنبيةً أصبحت إمبراطورةَ تيسيبانيا قبلَ أسبوعين فقط. زواجها، الذي أحاطتهُ مشاعرُ متضاربةٌ بينَ الترحيبِ و العداء، المصالحِ و الصمت، كانَ مِنَ المُتوقعِ أن يُبقِيها مُقيدةً لبعض الوقت. و معَ ذلك، كانَ أولُ قرارٍ رسميٍّ تتخِذهُ هوَ حضورُ حفلٍ لنقابةِ التجار، خطوةٌ جريئةٌ بـِكُل المقاييس.
في الأجواءِ المشحونةِ بالتوتر، كانَ أولُ من تقدمَ لاستقبالها هوَ الماركيز فينتيرو، مُضيفُ الحفل. بصفتهِ رئيسَ الخزنة، عُرِفَ بلُطفهِ و دماثةِ خلقه، رغمَ أنَّ البعضَ قالوا إنَّ وراءَ ذلك ذكاءَ أفعى مخضرمةٍ في السياسةِ لعقود. اقتربَ من فينيا وألقى تحيّتَهُ ببراعة:
“هذهِ أولُ مرةٍ نلتقي فيها على انفراد. سررتُ بلقائك، ماركيز فينتيرو.”
“وصلني إشعارٌ بحضورِك، لكنني لم أتوقع أن تأتي بنفسك. إنهُ لشرفٌ عظيمٌ لعائلتنا.”
كانَ سؤالهُ مُهذبًا، لكنهُ كانَ واضحَ المغزى، لماذا تحضرُ الإمبراطورةُ حفلًا لم يسبق لأيٍّ من أفرادِ العائلةِ المالكةِ أن وطأتهُ من قبل؟
***
بعد أن تُرِكَت وحدها، أصبحت النظرات الموجهة إليها أكثر وضوحًا و جرأة.
كانَ هذا كافيًا. بلّلت شفتيها بالنبيذِ المر، ثُمَّ وضعت الكأس جانبًا و تحركت.
رغم أن أحدًا لم يتبعها، إلا أن شعورًا ثقيلًا بمُراقبةٍ مُستمرة لم يُفارقها. و بينما كانت تتبادلُ المجاملاتِ السطحيةَ معَ النُبلاء الحاضرين، لم تغِب تلكَ النظرة عنها و لو للحظة، حتّى انتهى الحفل القصير أخيرًا.
و بعدَ حديثها معَ الماركيز فينتيرو، كانت فينيا أولَ من غادرَ القاعة، مُتجهةً إلى الحديقةِ الصغيرة الواقعةِ إلى يسارِ مدخلِ قصرِ الماركيز.
السببُ الذي جعلَ فينيا تصرفُ حُرّاسها و تسيرُ وحدها إلى هذا المكان كانَ واضحًا.
“معذرةً.”
لامسَ أنفها عبيرُ السيجارِ الثقيل. كانَ دُخانُه مُتصاعدًا من أوراقٍ غريبة، نادرةِ الوجود في إمبراطوريةِ تيسيبانيا.
تألّقت عيناهُ الحمراوتين تحتَ ضوء القمر، و التوَت شفتاه بابتسامةٍ ماكرة، كأنّه مُصرٌّ على أسرِ فريسته. كانت عيناهُ تُشبهان عيني رجلٍ حُرّ، و معَ ذلك، يحملُ في داخله خطرًا لا يُستهانُ به.
المسافةُ القريبة بينهُما لم تكُن غريبةً عليها، و إن كانت كذلك بالنسبة له.
“ليالي تيسيبانيا مُظلمةٌ جدًا. تجعلُ مِنَ المُستحيلِ تَجَنُّبِ شخصٍ يقِفُ على هذا القُرب.”
كانت حُجّة واهية. القمرُ المُكتملُ كانَ مُشِعًّا في السماء، مما يجعلُ مِنَ المُستبعدِ تمامًا أن تعجزَ عن رؤية شخصٍ يقِفُ أمامها مباشرةً.
لم يحتمل الرجُلُ الصمتَ الطويل، فخطا خطوةً إلى الوراء و كأنّهُ يستسلم، ثُمَّ هزّ كتفيه بلا مُبالاة.
“إن كُنتِ ترغبينَ في مواصلة التحديق، فعلى الأقل، أخبريني باسمكِ.”
عندَ سؤاله، التفتت فينيا أخيرًا برأسها نحوَه، ملامحُها لا تزالُ هادئة، غير مُتأثرة.
“أنتَ تعرفهُ بالفعل.”
“لكنني أُريدُ سماعهُ منكِ مُباشرةً.”
“تتحدثُ بلهجةٍ غير رسمية.”
“قضيتُ حياتي أعبثُ في البحر بلا قيود، لكن إن رغبتِ، يُمكنني أن أُخاطبكِ بأقصى درجاتِ الاحترام. معَ أنني لا أضمنُ نجاحي في ذلك.”
التعليقات لهذا الفصل "10"