1
المجلد الأول : خلعُ فُستان الزفاف
الفُستانُ الأبيضُ الناصعُ المُطَرَّزُ بخيوطٍ دقيقة، وتِيجَانُ الألماسِ اللامعة، والأزاهِيرُ زاهيةُ الألوان.
كان الجميعُ داخلَ القصرِ مَشغُولًا بالتحضيرات لحفلِ الزفافِ المُنتظَرِ غدًا. لكنَّ العروسَ الوحيدةَ التي كانت تَحيا في دَعَةٍ وسَكِينةٍ هي بيليتا.
تثاءبت بيليتا تَثاؤُبًا خَفِيفًا لِتَطرُدَ السَّأمَ والملل. وهي تقرأ كتابَها، لم يَعترِها أيُّ شعورٍ بالقلقِ أو الحماسة، بل كان يَغشَاها الخُمولُ والصَّمتُ فحسب. وما كاد هذا الهدوءُ يَكتَمِلُ حتى اقتحمَ شقيقُها الأصغرُ راييل الغُرفةَ فَاتِحًا البابَ بِعُنفٍ. أسرعت بيليتا لإخفاءِ الكتابِ قبل أن تتنهَّدَ بارتياحٍ حين أدركت أنهُ راييل.
“يا أُختي! أأنتِ عازمةٌ حقًّا على إتمامِ هذا الزواج؟”
“أين بِعتَ أدبَ الاستئذانِ وطَرَقَ البابِ؟”
“… أنا آسف. لكن يا أُختي، أرجوكِ أعيدي النظرَ مرَّةً واحدة.”
“وماذا سَيُجدي إعادةُ نظري؟ لَنْ يَلغي حفلَ الغد، وهل لي من خيارٍ آخرَ؟”
“لكنَّهُ ذاكَ … الكونتُ الأجْرَبُ، أليس كذلك؟ كلَّما فكَّرتُ في الأمر، أيقنتُ أنَّهُ زواجٌ غيرُ صائب.”
ملاحظة : الأجرب يعني عنده مرض الجرب اللي بيكون طفح جلدي و يصاحبه حكة شديدة، و ممكن بردو تتقال على شخص وجهه مشوه
أحنى راييل رأسَه قابضًا على قبضتِهِ بشدَّة. نظرت إليه بيليتا بعينين خاليتين من أيِّ تعبير، ثم نهضت من مكانها ومسحت على رأسه برِفق.
“ما الذي يُقلقُكَ يا تُرى؟ وماذا يضيرُ الكونت إيرتين إن كان أجربَ؟ أليس الأهمُّ أنَّني لا أرى في الأمرِ حرجًا؟ وقد كررتُ عليكَ القولَ مرارًا، أنَّ الحديثَ عن مظهرِ الآخرين بتلك الطريقةِ لا يليقُ أبدًا. أنتَ تعلمُ كم هو مُهينٌ ذاكَ الوصفُ الرَّكيكُ الذي أطلقتْهُ عليه الأوساطُ الاجتماعية، أليس كذلك؟”
“أعلم. لكِن قد أذهبُ ولن أراكِ بعدها أبدًا. أنتِ تعلمين أنَّ الكونت إيرتين لا يبرحُ قصرَه ولا يختلطُ كثيرًا بأهلِ المُجتمع، فماذا سيَحدُثُ إن أصبحتِ زوجتَهُ؟”
“بل هذا أفضل؛ سأتمكَّنُ من العيشِ في سلامٍ وهدوء، كما تمنَّيتُ دائمًا.”
“يا أُختي!”
“لا تقلقْ. سأظلُّ على تواصُلٍ دائمٍ معكَ أنتَ بالذَّات. وما هي القوةُ التي سَتمنعُ أُختًا من رؤيةِ شقيقها الوحيدِ؟”
“… يا أُختي.”
“أنا في الواقعِ مُتحمِّسةٌ لهذا الأمر. فالإشاعاتُ تقولُ إنَّ الكونت إيرتينَ مُولعٌ بشراءِ كُتُبٍ مُتنوعةٍ وجمعها، ويَخفِقُ قلبي شوقًا لمعرفةِ مَدى اتِّساعِ مكتبتِه!”
“أنتِ لن تتزوَّجي كتابًا!”
“سأتزوَّجُ رجلًا قادرًا على إغرائي بشراءِ الكثيرِ من الكتب.”
“يا أُختي، حَقًّا…”
“يا راييل، الزواجُ أيًّا كان لن يُغيِّرَ شيئًا في الواقع، فليس بيدي أن أُقرِّر.”
سَمِعَ راييل كلامَها، وجلسَ على الكرسيِّ في يأسٍ وكأنهُ استسلَمَ للأمر.
“يا ليتني وُلِدتُ الابنَ البِكرَ!”
“لا تصبح مجنونًا، فلو أصبحتَ أنتَ اللورد، لَزادَ ذلكَ من متاعبك. ابحثْ عن الوقتِ المُناسبِ لِتَرحَلَ إلى العاصمةِ، وتُقدِّمَ اختبارَ كاتبِ الدولةِ، وتنجوَ من هذا المنزلِ. تلك هي الطريقةُ الأكثرُ حِكمة.”
“حكمةً! أنا لستُ ذكيًّا مثلكِ يا أُختي، ولا أُدركُ هذهِ الحكمةَ جيِّدًا. هل أن نعيشَ خاضعينَ لأبينا، ثم نُباعَ أنا وأنتِ أو نهربَ، هو حقًّا العيشُ بحكمة؟”
“سنعيشُ بالطريقةِ التي يُريدُها هو لبعضِ الوقت، ثم نستردُّ حياتَنا. إنَّنا نُقدِّمُ لهُ مصلحةً مُناسبةً لِعائِلتهِ التي يَتمسَّكُ بها، وفي المقابلِ نَحظَى بفرصةِ العيشِ كما نُريد. ألم تُوصِنا أمُّنا بالبقاءِ على قيدِ الحياةِ؟ إذًا يجبُ أن نَفعَل.”
“ألا زِلتِ لا تستطيعينَ أن تغفري لأبينا ولأخينا الأكبر…؟”
“غفران! لا سببَ يدعوني لأُكنَّ أيَّ عاطفةٍ لذلكَ الأحمقِ الذي يفعلُ أيَّ شيءٍ في سبيلِ تحقيقِ مطامعهِ الذاتية.”
شبكت بيليتا ساقيها وابتسمت ابتسامةً رقيقة. كانت تبدو ابتسامةً وديعةً للغاية، لكنَّ راييل لم يكن ليَجهلَ ما تحويهِ من مرارةٍ وحِقد. لكنه لم يَستطِع أن يُعاتِبَها على كذبتها؛ فكلاهما كان مضطرًّا للعيشِ كأبناءٍ صالحينَ ومُطيعينَ ومُفيدينَ للعائلةِ أمامَ أبيهما كي ينجو.
“فهل أنتِ مُصرَّةٌ على هذا الزواجِ إذًا؟”
“يا إلهي، لقد عدنا إلى نُقطةِ البدايةِ مُجدَّدًا. أنا أرى أنَّه لا توجدُ شروطٌ أفضلُ من هذه؛ فلو بقيتُ في العاصمةِ لَبقيتُ خاضعةً لِتدخُّلهم حتى ولو بشكلٍ غير مباشر.”
“… حقًّا أنتِ مُختلِفةٌ يا أُختي.”
“بالطبع! أنا فقط أُريدُ أن أسترخيَ في سلامٍ، وأقرأ كُتُبي المُفضَّلةَ طوالَ حياتي. لِأكُن صريحةً معك، أُريدُ أن أُنهيَ هذا الزواجَ بمُجرَّدِ توقيعِ الأوراقِ في الكنيسة، لكنَّها المرةُ الأخيرةُ، فيجبُ أن أتظاهرَ بالطاعةِ حتى النهاية. فبمُجرَّدِ أن أغادِرَ قاعةَ الحفل، سأكونُ حُرَّة.”
على كلماتِ أُختِهِ التي لا تحملُ أيَّ توقُّعٍ لزواجها، هزَّ راييل رأسَهُ يأسًا.
“حَسَنًا.”
“إذًا اذهَبْ. أليسَ لديكَ عملٌ في استقبالِ الضيوف؟ أمَّا أُختُكَ هذه، فيجبُ أن تُطهِّرَ قلبَها قبل الزفافِ، لذا لا يُمكنها مُغادرةَ هذه الغرفة.”
“هل تتظاهرينَ بدورِ العروسِ هذهِ المرةَ فقط؟”
أشارت بيليتا بِيَدِها بِملل، فنظر إليها راييل مُتجهِّمًا ثم قامَ من مقعده. التفتَ إلى الكتابِ الموضوعِ على الطاولة؛ لولا الورقُ المُغَلَّفُ على حوافِّ الغلاف، لَكانَ الكتابُ قد تَمزَّقَ من كثرةِ القراءةِ.
هذا الكتابُ القديمُ والسَّميكُ هوَ دِراسةٌ في العلومِ السياسية كتبه “هِيتارت”، الذي يُعتَبرُ أعظمَ وزيرٍ في تاريخِ المملكة.
بصراحة، لا يوجدُ في الإمبراطوريةِ إلَّا قِلَّةٌ قليلةٌ ممَّن يستطيعونَ فهمَ هذا الكتابِ بالكامل. لكنَّ راييل هو مَن سَرَقَهُ من المكتبةِ خِفيةً وأعطاهُ لبيليتا، بينما كانَ سائرُ النُّبلاءِ يَضعونَ هذا الكتابَ على رفوفِهم دونَ قراءتِه.
‘عبقريةٌ وُلِدتْ في زمانٍ ومكانٍ غيرِ مناسبين’
لم تُمنَح بيليتا الفرصةُ لِتَتعلَّمَ ما يتجاوزُ الثقافةَ العامة؛ فبمُجرَّدِ أن أظهرت عبقريةً تتفوَّقُ على شقيقِها، قامَ والدُها بمنعِها من دخولِ المكتبة. ولأجلِها، كان راييل يَسرِقُ الكُتبَ من المكتبةِ أحيانًا، أو يَهدِيها كُتبًا اشتراها باسمِهِ. لذلك، لم يكن لديها سوى عددٍ قليلٍ من الكُتب.
لكنَّ هذهِ الكُتبَ التي قرأتها عددًا لا يُحصَى من المرَّاتِ لدرجةِ اهتراءِها، والتي لم تستطع أن تتخلَّصَ منها، كانت هي سَنَدَها الوحيد. فَرَغمَ أنَّ هذهِ العبقريةَ مُتواجدةٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، إلَّا أنَّ راييل شعرَ بالأسفِ الشديدِ لِكونِها أُختَه.
***
“أُعلِنُكُما الآن زوجَينِ لِيَعيشا سويًّا ما بَقِيَ من عُمرِهما.”
‘آه، انتهى الأمرُ أخيرًا. لِمَ يقرؤونَ هذهِ الصلاةَ الطويلةَ والمُملَّةَ؟ اجعلوها قصيرة، قصيرة! كانت ثالثَ أطوَلِ صلاةٍ في الكنيسة.’
لم أكترِثْ بأنَّ هذهِ الصلاةَ هي المُتَعارَفُ عليها في مراسمِ الزواج، بل ظللتُ أشتُمُ في داخلي. كنتُ جائعةً، ورأسي ثقيلٌ بِسَببِ التاجِ غيرِ المُعتاد. أردتُ أن أتخلَّصَ منهُ في أسرعِ وقتٍ مُمكن.
“والآن، قُبلةُ العهد.”
استدرتُ نَحوَ الكونت إيرتين، الذي أصبحَ زوجي للتوِّ، وانتظرتُ بِهدوءٍ أن يَرفعَ الطرحة عن وجهي. وما إن زالَتِ الطرحة التي كانت تَحجُبُ رُؤيتي، حتى ظَهرَ وجهُهُ المُغطَّى بِقناعٍ أبيض. لم أستطع رؤيةَ وجهِهِ كامِلًا، فَقناعُهُ لم يَكشِفْ إلَّا فمَهُ، لكنِّي لمحتُ بعضَ النُّدوبِ المُتجَعِّدةِ على عُنُقهِ التي لم يُغطِّها المِنديل.
نظرتُ إلى آثارِ الجُروحِ دونَ أيِّ انفعالٍ، ثم الْتَقَتْ عيناي بِعَينَيه.
“آه…”
عيونٌ خَضراءُ قاتمةٌ كَغاباتٍ كثيفة، “أين رأيتُ هاتينِ العينينِ من قبلُ؟” وفي اللحظةِ التي كادَ فيها هذا السؤالُ يُراوِدُني، اقتربَ القناعُ الأبيضُ. قبَّلني قُبلةً خفيفةً ثم ابتعدَ، فَعُدتُ لأرى العَينينِ الخَضراوَينِ القاتمتَينِ بوضوحٍ.
‘هل كان هذا مجرد وهم؟’
خفضتُ بَصري تَجنُّبًا لعينيهِ. كانتْ عيناهُ الخَضراوَانِ القاتمتانِ، واللتانِ تَبدوانِ قَوِيَّتينِ، ليستا سيِّئتَينِ كما ظننتُ.
‘إنَّهُما تُعجِباني، جِدًّا.’
أنا الآن في حالةِ ذهولٍ شديد. لم يسبق لي قطُّ، أو بالأحرى، لم يحدثْ أبدًا أن يَرُوقَ لي شخصٌ من أوَّلِ نظرة. كان شُعورًا غريبًا. ولأتأكَّدَ مرَّةً أُخرى، رَفَعتُ رأسي. كانتْ عيناهُ الخَضراوَانِ القاتمتانِ لا تَزالانِ تُحدِّقانِ فيَّ.
“….”
عَمَّ التَّصفيقُ في الكنيسة. مَدَّ الكونت إيرتين، الذي أصبحَ زوجي رسميًّا الآن، يدَهُ. وَضعتُ يدي على يدِهِ. بينما كانَ يقودُني، رأيتُ الاضطرابَ حولي من بتلاتِ الزهورِ المُتناثرة.
ورأيتُ وجهَ الفيكونت جولان المألوف، وهو يصفِّقُ بابتسامةِ رضا تامَّة. وما إن رأيتُ وجهَهُ، حتى شعرتُ بِغَثَيانٍ شديدٍ فَقَبضتُ يدي على غِلافِ الكتابِ بقوةٍ دونَ أن أشعر.
“أرجو أن تتحمَّلي قليلًا، رُغمَ التَّعَب.”
“…”
ساندني الكونت إيرتين وقادَني بِلُطف. ثم رأيتُ نهايةَ الممرِّ الطويلِ المُؤَدِّي لمذبح الزواج. انبعثت مني ضحكةٌ خافتةٌ ساخرة. فوالدي، الذي لا أعتبرُهُ عائلتي رغمَ أنَّ دَمي يجري في عُروقه، سعيدٌ لِبيعِ ابنتهِ لِتتزوَّجَ بصفقةٍ جيِّدة، وأنا أعتمدُ على زوجي الذي التقيتُ به للتوِّ لأهربَ من أبي. يا لهُ من مَشهَدٍ سَخيف!
‘تَبًّا، تحدَّثتُ لراييل بِكُلِّ فَخْرٍ…’
قُلتُ إنَّني لا أحملُ أيَّ مشاعر، ولكنَّها كانت كذبة. لقد كنتُ في الماضي أشعرُ بالكراهية فحسب، أمَّا الآن فصارَ الاشمئزازُ هو الطاغي.
‘نعم، مُقَرِّف.’
“لا تبدينَ في حالةٍ جيِّدةٍ، هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير. اليومَ يومٌ مُبهِج.”
“لا حاجةَ لكِ لِقولِ هذا.”
“لماذا؟ أنا سعيدةٌ جِدًّا الآن!”
ضيق عينيه دَهشَةً كأنهُ لم يَفهمْ جوابي. عندما الْتَقَتْ نظراتُنا مرَّةً أُخرى، أدارَ رأسَهُ سريعًا. عَقَدتُ حاجبي لِلَحظةٍ، ثم نظرتُ إلى الأمام.
‘حسَنًا، لدينا الوقتُ الكافي لِلحديث.’
لقد أصبحنا زوجَينِ يجبُ أن نعيشَ معًا طَوالَ حياتنا. أيًّا كانت طبيعةُ علاقتنا، لم تكن لديَّ نيَّةٌ للتَّعجُّلِ.
‘الوضعُ يبدو جيِّدًا، على أيِّ حال.’
“في خِدمتِكِ يا سَيِّدتي.”
كان لقبُ “سَيِّدتي” غريبًا، لكنَّني وضعتُ يدي على ساعد الخادمةِ دونَ أن أُظهِرَ شيئًا، وبدأتُ بالمشي. بِمُجرَّدِ أن أنهيتُ مَمشى العرسِ بالكامل، أصبحتُ بيليتا إيرتين، زوجةَ الكونت إيرتين.
الآن يجبُ أن ننتقلَ إلى قصرِ الكونت إيرتين في العاصمةِ، وننتظرَ الليلةَ الأولى في غرفةِ العُرس، بينما تقامُ مأدبةُ العشاء.
‘بهذا الفُستانِ المُزعجِ، يا لَلشقاء.’
أشعرتني الكورسيهُ الضيِّقةُ بصعوبةٍ في التنفُّسِ، وصارَ صَدري يؤلمني. قبضتُ على باقةِ الوردِ التي أحملُها بشدَّةٍ لأحافظَ على تَعابيري الخاليةِ من الانفعال. دَفعتُ ذيلَ الفستانِ بالكاملِ داخلَ العربة، وجلسَ الكونت إيرتين في المُقابل. بدأتِ العربةُ تتحرَّك، فتمكَّنتُ أخيرًا من إخراجِ الزفيرِ الذي كنتُ أحبسُه.
على الرغمِ من أنَّ العربةَ كانت واسعةً نوعًا ما، إلَّا أنَّ مقعدي لم يكن بهِ مساحةٌ كافية. تحرَّكتُ مُتَمَلْمِلةً بِعناءٍ لأجلِسَ براحةٍ، محاولةً ترتيبَ ذيلِ الفستان.
“هل أنتِ مُتعَبة؟”
“نعم، مُتعَبة.”
أدركتُ أنَّ الجلوسَ لن يختلفَ كثيرًا مهما فعلتُ، فاستسلمتُ سريعًا وركَّزتُ على حذائي. حركتُ قدمي بِحَذرٍ، وتمكَّنتُ بالكادِ من خَلعِ حذاءٍ واحد، وشعرتُ وكأنَّ قدميَّ تنفستا الصُّعَداءَ، ولو قليلًا.
“إذا كنتِ مُتعَبةً جِدًّا، فما رأيكِ أن تَخلَعي حذاءَكِ؟”
“أنا أحاولُ خَلعَهُ الآن.”
عندما خَلعتُ الحذاءَ الأوَّلَ، ثبَّتتُ الكعبَ بالكعبِ ثم خَلعتُه، لكنَّ الحذاءَ الثَّاني لم يخرُجْ بسهولةٍ؛ فبمجردِ أنَّ قدمي لم يعد عليها سوى جوربِ الدانتيلِ الرَّقيق، لم يعد بإمكاني تثبيتُه.
شاهدني الكونت إيرتين وأنا أتحرَّكُ مُتَمَلْمِلةً لِلَحظاتٍ، ثم رفعَ طرفَ فُستاني، وخلعَ عنِّي الحذاءَ الآخَر.
“سأُعيدُه لكِ عندَما نَصِل.”
وضعَ الكونتُ حِذائي على المِقعدِ المُجاوِرِ لهُ بكلِّ نِظام. تسرَّبَتِ البسمةُ إلى داخلي؛ لأنَّ تصرُّفاتِه بدأت تروقُ لي باستمرار.
“وهناك شيءٌ واحدٌ أُريدُ أن أقولَهُ لكِ: إذا كُنتِ غيرَ مُرتاحة، فلن آتي إليكِ هذهِ الليلة.”
“… ماذا؟”
“يمكنني النومُ في غُرفتي الخاصة، لذا لا تَقلقي، ونامي بِراحة.”
“ماذا تَعني؟ كيفَ سأرتاحُ إذا لم تأتِ، يا كونت؟”
“لكن، بما أنَّكِ تزوَّجتِ شخصًا مثلي، لم أُفكِّرْ في إجبارِكِ على قضاءِ الليلةِ الأُولى…”
“ليلةً أُولى أو غيرَها، لن أستطيعَ خَلعَ هذا الفستانِ وحدي.”
“عَفْوًا؟”
“وفي الأصل، لا يَنزِعُ فُستانَ الزفافِ إلَّا العريس. هل تُريدُني أن أبيتَ ليلتي وأنا أرتديهِ مع الكورسيه؟ سأكونُ محظوظةً لو لم يَعثُروا عليَّ جُثَّةً في صباحِ الغدِ مِن ضيقِ التنفُّس. وبالإضافةِ إلى ذلكَ، لم آكُلْ شيئًا سوى الماءِ طوالَ اليوم. من المُستحيلِ أن آكُلَ وأنا على هذا الحال، وأنا أُصبِحُ شديدةَ الحساسيةِ عندما أجوع. لذا، إذا لم تكنْ تُريدُ أن تبدأ حياتَنا الزوجيةَ بِشِجارٍ عنيف، فمِنَ الأفضلِ أن تأتيَ هذهِ الليلة.”
التعليقات لهذا الفصل " 1"