بعد مضي نصف ساعة، كان “دوها” يحدّق بلا مبالاة في المبنى الفرعي المحترق تمامًا خلف دار الضيافة.
فحص المكان مرارًا، لكن لم تكن هناك أي جثة ترتدي زي الراقصات.
“لقد هربت، إذًا.”
عينا “دوها” لمعتا للحظة بحدة شرسة. كان لديه احتمال ضئيل بذلك، لكنه لم يتوقع أن تهرب حقًا.
لم تكتفِ بأن تثير غضبه وتسخر منه، بل تجرأت على الاختفاء بهذه الطريقة؟ يبدو أنها لا تهمها حياتها كثيرًا.
“هل تنوي أن تخوضها حتى النهاية؟”
حتى الآن، لم يتأكد إن كانت حقًا قاتلة مأجورة، أو ما إذا كان لها علاقة بالهجوم الذي حدث اليوم. دون أن يدرك، مسح شفتيه ببطء.
كلما استرجع الأمر، بدت له تلك المرأة أكثر وقاحة وإثارة للريبة.
“القائد الأعلى.”
“ما مدى الخسائر؟”
سأل “دوها” بوجه بارد عندما اقترب منه “غيون ريونغ”. كانت الجثث تملأ الأفق، لكنه لم يرمش حتى.
“خمسة عشر جنديًا قُتلوا، وأصيب ما يزيد على المئة بجروح متفاوتة. جزء من دار الضيافة احترق بالكامل واختفى.
بالإضافة إلى ذلك، ماتت بعض الراقصات وعدد من سكان القرية الذين لم يتمكنوا من الهرب،
لكن الغالبية تمكنوا من الإخلاء في الوقت المناسب، وساعدهم الجنود، فلم تكن الخسائر جسيمة.
على الأقل، لكونها منشأة حدودية، كان قد تم تجهيز ممرات سرية مسبقًا.”
“……هذا أفضل من لا شيء.”
“جنودنا من نخبة النخبة، بإمكان الواحد منهم التغلب على ثلاثة أو أربعة رجال بمفرده.
يبدو أن بقايا التابعين لـ ‘تايسو’ ظنوا أن عددهم الكبير يمنحهم الأفضلية، لكن هذا كان وهمًا. ولكن……”
تردد “غيون ريونغ” للحظة وكأن الأمر أربكه. وعندما نظر إليه “دوها” من جديد، انخفض رأس “غيون ريونغ” تلقائيًا.
“الفتاة… اختفت. تلك التي احتجزناها في سجن دار الضيافة. عندما ذهبت متأخرًا إلى هناك،
كانت الأبواب مفتوحة والمكان فارغًا. يبدو أنها استغلت الفوضى وهربت. ما الذي علينا فعله؟”
“……”
“بما أن الأمر وصل إلى هذا الحد، هل نعتبر أننا لم نر شيئًا… ونتركها وشأنها؟”
صوته تلاشى سريعًا تحت نظرة “دوها” الجليدية. وعندما لمح الوميض القاتل على وجهه،
انكمش “غيون ريونغ” ولم يستطع حتى أن يتنفس بشكل طبيعي.
“كما توقعت. ظننت للحظة أنها قد تتبعني طوعًا، لكنها لا بد أن تتلقى ضربة لتفهم الأمور.”
“……”
“دوها”، الذي صعد إلى صهوة جواده في لحظة، نظر إلى يده الملطخة بالدماء وضحك بسخرية.
“سأذهب للقبض عليها بنفسي.”
“القائد الأعلى!”
“أنا وحدي كافٍ. لا حاجة لمجيئك. اعتنِ بالمصابين، نظّف الجثث وقم بحرقها. وأيضًا… هناك شيء آخر عليك التحقيق فيه.”
أمر “دوها” بوجه جامد ببدء التحقيق حول المرأة التي اقتحمت غرفة الاستحمام وهي ترتدي زي الراقصات.
كان يرغب في اللحظة نفسها أن ينطلق للقبض عليها بنفسه.
لكن، لم يكن يعرف عنها شيئًا، ومن البديهي أنه لن يجدها بسهولة. لذا، كان من الضروري أولًا تتبع تحركاتها وكشف هويتها،
وفي الوقت ذاته إنهاء المهام الأبسط التي يمكن إنجازها بسرعة.
انطلق بجواده بسرعة. لم يكن بحاجة لرؤية الطريق كي يعرف إلى أين هربت تلك الفتاة. لا يعلم لماذا،
لكن في الآونة الأخيرة، ازداد عدد من يحاولون الإفلات من قبضته.
سيقبض عليهم واحدًا تلو الآخر، ويُريهم الحقيقة.
أنهم مهما حاولوا، لن يخرجوا أبدًا من راحة يده.
“هاه… هاه!”
كانت “لي سو” تلهث، ممسكة بأكمامها الممزقة. أخيرًا، وصلت إلى “أوجوسونغ”. رغم أنها تعثرت وسقطت عدة مرات،
بل وكادت أن تتدحرج من المنحدرات مرتين، فقد وصلت في النهاية، وهذا ما كان يهم.
عندما دخلت أخيرًا أسوار المدينة، زفرت أنفاسًا مرتجفة. كان من الأفضل لو كانت على ظهر حصان،
لكنه كان سيلفت الانتباه بشدة، وفضلًا عن ذلك، لم تكن تعرف كيف تركب.
لحسن الحظ، حدث الهجوم بعد فترة قصيرة من مغادرة مجموعة القائد الأعلى،
وإلا كانت ستحتاج ثلاثة أو أربعة أيام من السير المتواصل للعودة إلى المدينة.
استدارت “لي سو” بسرعة حول زاوية مألوفة، وقلبها ينبض بعنف. لم يتبقَ الكثير، وسيظهر مخبأهم قريبًا.
“لا بد أن الزعيم والآخرين بخير، صحيح؟ أجل، و يانغ وو أيضًا هرب بسلام. لا يمكن أن الزعيم نسيه.
نحن لسنا مجرد أي عصابة… لكن، ماذا لو لم أجد أي علامة؟”
في لحظة، شحب وجه “لي سو”. كان هناك جزء من المال الذي أعطاهم إياه “تايسو” من نصيبها أيضًا.
لكن هذا أمر يمكن التفكير به لاحقًا. ما يهم الآن هو أنهم قد يفترقون للأبد.
أسرعت “لي سو” في خطواتها. حتى لو واجهت أسوأ الاحتمالات، كان لا بد من التحقق بنفسها.
“آه!”
“هيه، لم بتبق وقت! انهض بسرعة! يجب ان نغادر!”
فوجئت “لي سو” عندما رأت بعض أفراد العصابة يقفون أمام المخبأ. كان الزعيم و”يانغ وو” من ضمنهم.
وفور رؤيتهم، شعرت بأن التوتر يغادر جسدها وكادت تسقط من شدة الارتياح.
لكن شعورها بالراحة لم يدم طويلًا. إذ أدركت فجأة أن هناك شيئًا غير طبيعي. في مثل هذا الوقت،
كان ينبغي أن يكونوا قد غادروا وتركوا علامة فقط.
“ما الذي تفعلونه بحق الجحيم؟ كيف لا زلتم هنا؟ لا يمكن أن تكونوا تتساهلون فقط لأن عائلة تايسو ماتت؟ الزعيم فعلًا غير حذر.”
سارت بسرعة نحو الزعيم، عازمة على تحذيره من أن هناك من يلاحقهم، وأنه يجب أن يهربوا الآن ولو اضطروا لترك بعض الأمتعة.
لكن في اللحظة التالية، جمدتها كلمات “يانغ وو”…
“تبًا، هذا مزعج! كم من الأمتعة لدينا أصلًا! زعيم، على كل حال،
تم قطع رأس تايسو، ومن المؤكد أن ذلك اللقيط إي سو قد انتهى أمره بالفعل على يد القائد الأعلى،
فلماذا نُغيّر مخبأنا؟ لماذا نُثير هذه الفوضى؟ ألا يمكننا فقط البقاء هنا والعيش كما كنا؟”
“لا يمكن. يجب اقتلاع بذور الخطر قبل أن تنمو. ماذا لو، على أسوأ احتمال،
عاد ذلك اللقيط إي سو حيًّا؟ عندها كل الخطة التي وضعناها بشق الأنفس ستذهب هباءً.”
“كخخ! معك حق. آه، أشعر بالارتياح. ذلك اللقيط، هل تجرأ على منعي من الانضمام إلى العصابة كما لو أنه ذو شأن؟!
فعلًا، زعيمنا رائع. لقد وضعت خطة عبقرية بنفسك وأنقذتني من عنقها الخانق! لم أعد مضطرًا لرؤية وجهها يتنقل هنا وهناك،
تثرثر كأنها أختي كبرة وتتدخل في كل شيء!”
“وأنا أيضًا! أشعر أن صدري قد انشرح. لقد كانت تثرثر علينا نحن أيضًا بلا توقف. بصراحة، لم نعد نتحملها!”
“نعم! وأنا أيضًا، وأنا كذلك!”
بدأ أفراد العصابة يومئون برؤوسهم موافقين على كلام يانغ وو. وفي تلك اللحظة، تجمّدت إيسو تمامًا. لم تكن تتوقع هذا المشهد.
لم يُفاجئها أن الزعيم قد باعها؛ لقد فعل ذلك مرارًا وتكرارًا من قبل. كلما احتاج المال، كان يبيع الأطفال،
وبعد يوم أو يومين كانوا يتسللون عائدين إلى العصابة.
وكانت إي سو من أشد المتحمسين لذلك. في كل مرة تذكر العصابة أنها تعاني من قلة المال، كانت أول من يرفع يده.
وقد بيعت كخادمة لأثرياء في مقاطعات نائية أكثر من مرة، ثم كانت تهرب وتعود.
لقد أصبحت معتادة على هذا النوع من الحياة.
لكن ما حدث الآن مختلف تمامًا عن مجرد بيعها. لقد وضعوا خطة، وخدعوها عن عمد، جميعهم: الزعيم، العصابة، بل وحتى يانغ وو.
وفي تلك اللحظة، سقط شيء ساخن من عينيها المرتجفتين.
عاشت مع الزعيم منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، ومع أفراد العصابة لأكثر من ثلاث سنوات على الأقل.
أما يانغ وو، الذي ربّته منذ صغره، فلم تفكر فيه ولو لمرة على أنه ليس أخاها الحقيقي.
كانت تعتبرهم عائلتها، لذلك كانت تشاركهم حصتها دائمًا، وكانت مستعدة لفعل أي شيء لحماية العصابة.
ومع ذلك، كانت هذه مكافأتها.
“ثرثرة وتدخّل؟ ارتحتُم بعد أن اختفيتُ؟”
مرت على شفتيها ابتسامة يائسة. الآن فقط فهمت الحقيقة تمامًا.
إي سو كانت تظن يانغ وو والعصابة عائلتها، لكنهم لم يروها أبدًا كذلك. بالنسبة لهم، لم تكن سوى أداة سهلة الاستخدام، لا أكثر ولا أقل.
لقد كانوا يعلمون جيدًا مدى الخطر الذي كانت ستواجهه، ومع ذلك سلموها لتايسو دون تردد. بل وتظاهروا بالخوف وبكوا أمامه ليجعلوها عاجزة عن المقاومة.
كانوا لا يقلون شراسة عن تايسو.
نظرت إي سو بذهول إلى أفراد العصابة، حتى توقفت عيناها على يانغ وو. كانت تحدق في ابتسامته الماكرة، ثم انحنت برأسها ببطء.
كانوا يقولون إن من نشأ في الشوارع له وجهان. يضحكون في وجهك، ويطعنونك في ظهرك.
لم تكن تجهل هذا. لا، بل الآن وهي تفكر بالأمر، تدرك أنها لم تفهمه إطلاقًا.
أي وقاحة جعلتها تصدق بأن يانغ وو والعصابة كانوا صادقين معها، رغم أنهم ليسوا حتى من دمها؟
“ها… هاها!”
بدأت تضحك بسخرية، كما لو أن الهواء يتسرب منها. لكن تلك الضحكة سرعان ما تجمدت في برود قاسٍ.
كانت ترتجف بشدة، وقبضت على يديها بكل قوتها. قبل لحظات فقط، كانت تعتقد أن لقائها بـ”دوها” كان أسوأ ما مرّت به في حياتها.
لكنها لم تتوقع أن يكون ما ينتظرها أسوأ من ذلك.
لكن من تلوم؟ قضت سنوات في الشوارع، ورغم ذلك ظلت ساذجة. كلما فكرت في الأمر، شعرت كم كانت حمقاء.
لم يكن هذا خطأ أي أحد آخر، بل خطأها وحدها. والداها الحقيقيان تخلوا عنها في الشوارع،
فكيف كانت تتوقع ولاءً من غرباء تمامًا؟ يا لها من سذاجة.
حتى بعد أن عادوا إلى الداخل، وقفت إي سو في مكانها، جامدة الملامح. كانت يداها ترتعشان بعنف.
رغم محاولاتها السيطرة على نفسها، كانت الغضب والحنق يتصاعدان بداخلها، يلتهمانها.
لو كان معها سلاح، لا، حتى دون سلاح. لو كان في يدها مجرد شظية من خزف مكسور، لاندفعت في الحال لتمزقهم جميعًا بلا رحمة.
وخاصة الزعيم ويانغ وو، لن تمهلهما موتة سهلة. ستجعلهما يعانيان، ببطء، حتى يتحطم جسدهما بالكامل ويتفتت إلى أشلاء. حينها فقط ربما تشعر بالرضا.
هل تذهب؟ هل تفعلها؟
الغضب كان يغلي في دمها بلا نهاية. ومع تصاعد هذا الشعور، بدأت تفقد وعيها تدريجيًا،
وبدون أن تشعر، خطت خطوة إلى الأمام.
لكن في
تلك اللحظة تمامًا، أحست بحركة غريبة خلفها. كان صوت حوافر حصان.
تنهدت إي سو بقوة، عائدة إلى الواقع. كيف لم تنتبه إلى صوت حصان يقترب؟ لا بد أنها كانت غاضبة للغاية.
عندما التفتت، رأت وجهًا مألوفًا.
إنه… دوها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"