5
كانت محاولة اغتيال القائد العام جريمة كبرى، لكن الخيانة كانت بلا شك في مستوى مختلف تمامًا.
المشكلة أن الأدلة التي أُثبتت تواصله مع مملكة وولگوك لم تُدرج اسم تايسو وحده، بل تضمنت أيضًا أسماء عدد من النبلاء الذين كانت له بهم علاقات وثيقة.
وهكذا، امتدت الشبهات فجأة لتشمل مدينة أوجو سونغ بأكملها.
“آآآآآاه!” “أووووه! أنقذوني! أرجوكم، أرجوكم أنقذوني!”
كانت الأوضاع تتدهور بشكل متسارع يومًا بعد يوم. التعذيب الدموي والصراخ لم يتوقفا لحظة.
وكانت إيسو وسط هذا الجحيم، كأنها واقفة في عين العاصفة. جسدها كان يرتعد تلقائيًا مع كل أنّة يائسة من أفواه الضحايا.
وكأنها كانت تُعذَّب معهم. ومع ذلك، لم يُقابلها دوها أبدًا بتايسو حتى بعد مرور عدة أيام.
(هل ينوي قتلي مثلهم؟ أم أن هذا الكلب المجنون قد نسي أمري بالفعل؟)
لا، لا، كانت تتمنى لو أنه نسيها، لكنها تعلم أن هذا مستحيل. ومع ذلك، لو كان سيحدث شيء، لكان قد حدث بالفعل. لماذا إذًا يُبقيها على هذا النحو، معلقة؟
بلغ بها الشك حدّ أن الدم جفّ في عروقها، واقتنعت بأنها ستموت هنا، مستسلمة، حين فُتح باب الزنزانة.
وهكذا، خرجت إيسو أخيرًا من السجن.
مرّ عشرة أيام منذ اليوم الذي أُحضرت فيه إلى التايسو، وبعد أن أُبيدت أسرته وبعض عائلات النبلاء المرتبطة به.
“ماذا؟! كنتم تعرفون أن تايسو يدبّر مكيدة منذ البداية؟ وتعمدتم التظاهر بالجهل، رغم أنه كان واضحًا أنه سيحاول قتل القائد العام؟”
“نعم. كان لا بد من أن أظهر له ثغرة، كي يتحرك بثقة.”
“هاه… لكن رجاءً، أعلِموني بذلك المرة القادمة، كي أكون مستعدًا. أن تقولوا لي فجأة وسط مأدبة… أقصد، آسف.”
تحت نظرات دوها الحادة، انخفض رأس غيون-ريونغ وهو يتصبب عرقًا. ثم حاول التظاهر بالتماسك وغيّر الموضوع.
“لقد واجهنا مقاومة كبيرة. ماذا لو ساءت الأمور؟”
دوها ظل يرمقه بنظرات حادة، ثم ابتسم بهدوء.
“تايسو أوجو سونغ، كونه نبيلًا من بلادنا، كان من المفترض أن يكون مخلصًا لها، لكنه تجرأ على بيع معلومات لمملكة وولگوك ليكسب المال
ونبلاء المدينة الذين سكتوا عن ذلك وسايروه، لا يختلفون عنه. كيف لي أن أترك مثل هؤلاء دون عقاب؟
حتى إن بدت الطريقة قاسية، فلا مشكلة. حتى لو توسّل مسؤولو الرقابة، جلالة الإمبراطور لن يتزحزح قيد أنملة.”
“سيدي القائد العام…!”
حقًا، كان يستحق مكانته كالرجل الأقوى في داميانغ، ومستشار الإمبراطور المفضل. لا أحد سواه كان بوسعه تنفيذ مثل هذه الخطط الجريئة.
“كان أداءك رائعًا. حتى الشائعات عن ميولك… أفادتنا في نهاية المطاف، هه!”
عند سماع هذا التعليق من الخلف، شحب وجه غيون-ريونغ فورًا. فحتى لو كان الأمر صحيحًا، هناك أشياء لا يجب التلفظ بها.
تساءل بامتعاض عن الأحمق الذي نطق بذلك، فوجد أنه أحد المرشحين الجدد لمنصب مساعد القائد،
انضم مؤخرًا من المناطق الحدودية. قيل إنه ابن مسؤول رفيع أدخله من الباب الخلفي دون المرور بالأكاديمية الملكية.
بدا عليه حب الكلام منذ البداية، ويبدو أن هذه الجملة، التي كانت موجهة لرفاقه،وصلت إلى الأمام بسبب الهدوء المحيط بهم.
تجمّدت الوجوه، وانخفضت رؤوس الضباط والمساعدين من شدة الإحراج. وظل دوها يحدق في ذلك الشاب بصمت،
ثم أدار وجهه دون قول شيء. عندها أشار غيون-ريونغ إلى الحرس بصمت.
“آاااه! لماذا تفعلون بي هذا؟! أنا لم أكن من أطلق تلك الشائعات أصلاً!”
ظل يصرخ وهو يُسحب بعنف. غيون-ريونغ لم ينبس بكلمة، لكنه نقر لسانه بضيق.
يبدو أن النعمة التي نشأ فيها هذا الفتى جعلته غير قادر حتى الآن على فهم ما يجري.
(لو أنه أطاع بصمت، لانتهى الأمر بعقوبة تأديبية لبضعة أيام، أما الآن… قد يُقطع له أحد أطرافه!)
كان غيون-ريونغ يعلم تمامًا مدى احتقار دوها لأبناء النبلاء عديمي الكفاءة الذين لا يجيدون سوى الكلام.
وكما توقّع، لم ينبس دوها بأي كلمة، بل امتدت يده ببطء إلى مقبض سيفه عند خاصرته. وعندها فقط، بدأ الفتى يرتجف وأغلق فمه بإحكام.
وفي اللحظة التي كاد فيها الدم أن يتفجّر، جاء صوتٌ من بعيد، صوتٌ صاخب غاضب.
“اللعنة! إن كنتم ستقتلونني، فافعلوها! لماذا تجرّونني هكذا؟! ما الذي تفكرون فيه بحق الجحيم؟!”
صرخة الصبي اخترقت الأجواء، وللحظة، تكسّرت النظرة الشرسة في عيني دوها. لم يضيع غيون-ريونغ الفرصة، فسارع بالكلام:
“أيها الوغد، أظننت نفسك في بيتك؟ ألا تدرك ما فعلت؟ كيف تجرؤ على التبرير بدل أن تحاسب نفسك؟
أمثالك لا مكان لهم بين جنودنا! ستُجلد عشرين جلدة لطعنك قائداً، ثم تُطرد. ماذا تنتظرون؟ خذوه فورًا!”
عندما أمر غيون-ريونغ، نظر الجنود الذين يمسكون بالمساعد المرشح إلى دوها مترددين.
ألقى دوها بنظرة جانبية نحو غيون-ريونغ، ثم أومأ بهدوء دون اعتراض. وهكذا، سُحب المرشح خارجًا، وساد الصمت مرة أخرى.
عندها، التفت غيون-ريونغ نحو العربة البعيدة وغيّر الموضوع:
“آه، ما أكثر صراخه ذاك الصغير. لا يكف عن التذمر للحظة واحدة!”
“……كان أكثر نشاطًا مما توقعت.”
لا يُعلم إن كانت مبادرة غيون-ريونغ قد نجحت، أم أن دوها قرر تجاهل الأمر، لكنه رد عليه بسهولة غير معتادة.
كانت عيناه أيضًا تتجهان نحو العربة التي حُبس فيها الصبي.
أخذ دوها يحدّق بصمت نحو العربة، ثم انفرجت شفتاه بابتسامة مشوهة، وتلاشى بعض من هالته القاتلة أخيرًا.
في البداية، سمح لذلك الصبي بأن يتبعهم من الخلف. لكنه كان يحاول الفرار مرارًا، مما اضطرهم إلى تقييده بإحكام وحبسه في عربة مغلقة.
ومنذ ذلك الحين، لم يكف عن الصراخ.
“هل تنوي حقًا اصطحاب ذلك الفتى معك، سيدي؟”
استغل غيون-ريونغ اللحظة المناسبة، وسأل أخيرًا ما كان يؤرقه. دوها أومأ برأسه بغير مبالاة:
“في البداية، كنت أنوي قتله مع عائلة تايسو. لكن بعدما حققت قليلاً، اتضح لي أنه ليس سوى نشالٍ صغير تورّط بالصدفة. لم يكن له يد في خيانة تايسو.”
“إذا لم يكن متورطًا، فلماذا لا تطلق سراحه ببساطة؟”
حين ومضت نظرة دوها الحادة فجأة، ارتجف غيون-ريونغ وتراجع خطوة إلى الخلف بدهشة.
“لا يمكن ذلك. حتى لو جرفته الأحداث، لا يمكن إنكار أن ذلك الفتى كان جزءًا من خطة تايسو.
أضف إلى ذلك، أنه وضع المنوّم في الشراب، وحاول سرقة ختمي الإمبراطوري، وكلها حقائق. فكيف لي أن أُطلق سراح شخص كهذا؟”
“إذاً، لا تقل لي… هل تنوي إرساله إلى الأكاديمية الإمبراطورية؟”
دوها لم يُجب بسرعة، بل ظل يحدق بصمت نحو العربة.
وفي اللحظة التالية، ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة، تخيف لمجرد التفكير بما قد تعنيه.
كان ذلك كافيًا ليُدرك غيون-ريونغ نية دوها. بما أنه لا يمكنه قتله بنفسه ولا إطلاق سراحه،
فالأكاديمية الإمبراطورية كانت البديل الأنسب. بالنسبة لدوها، كانت تلك طريقته الخاصة في إظهار “الرحمة”.
هز غيون-ريونغ رأسه في صمت. صحيح أن الأكاديمية تُعِدّ مرشحين لمناصب الضباط، لكنها كانت مشهورة بقسوتها،
إذ يموت نصف المستجدين فيها خلال أول نصف عام. وهل يمكن اعتبار إرسال أحدهم إلى هناك “رحمة”؟
(أرجوك توقف! كلما ضممتَ إليك فتىً جديدًا بهذه الطريقة، تتفاقم الشائعات حول ميولك! هذا سبب انتشار الشائعات عنك بأنك تميل إلى الغلمان!)
كان غيون-ريونغ يغلي داخليًا، راغبًا بالصراخ بذلك فقط لإنقاذ إيسو. لكن تحت وطأة نظرة دوها الشرسة، اضطر إلى كبح جماحه.
حتى وإن كان زوجًا لقريبة دوها من الدرجة السادسة، لم يكن هناك أي ضمانة أنه سيصفح عنه.
(وجه وسيم، علم، نسب، لا ينقصه شيء… كيف بدأت تنتشر عنه مثل هذه الشائعات؟ لم يعد هناك أي عائلة تقدم على الخطبة له!)
ضغط غيون-ريونغ على أسنانه في صمت. لم يكن بوسعه إلا أن يشعر بالأسى.
لاحظ دوها ما يدور في ذهنه، فابتسم بمرارة. كان غيون-ريونغ يظن أنه لم يقل شيئًا، لكن عينيه، اللتين لا تعرفان الكذب، فضحتا كل شيء. شعر دوها وكأنه سمع شكاوى تدوم نصف نهار كامل.
“آآآآااااه!”
عادت صرخة إيسو لتدوّي، فعاد ذهن دوها إليها تلقائيًا.
(في الحقيقة، سواء بإرادتها أو لا، لقد تورطت في الخيانة. سيكون من الأنظف أن أقتلها.)
في ظروف أخرى، لم يكن ليتردد. لكن ما أيقظ جانب “الرحمة” فيه، كانت نظرة الصبي تلك، حين قال إنه يريد أن يعيش.
(هل سينجح؟)
دوها، وهو يتأمل فكرة إرسال الصبي إلى الأكاديمية الإمبراطورية، ابتسم بمرارة. هو يعرف جيدًا مدى قسوة ذلك المكان.
أغلب من أرسلهم إلى هناك، لم يَعُدْ يراهم مجددًا.
كان واضحًا أن الصبي سيثور غضبًا لو عرف ما ينتظره هناك، لكنه لم يهتم. يكفي أنه لم يقتله في أوجو سونغ،
وهذه وحدها نعمة كبرى. بعد هذا، إن مات أو عاش، لم يعد يهم.
حتى لو عاد إلى عصابته، لن يكون في وضع جيد. لذا، ربما يكون هذا الخيار أفضل له.
ابتسم دوها ساخرًا وهو يتذكر ما اكتشفه أثناء التحقيق بشأن الصبي. ورغم أن ما توصل إليه كان مجرد تخمين،
لكنه على الأرجح لم يكن بعيدًا عن الحقيقة.
“اللعنة! افلتني! قلت لك افلتني! فكّني حالاً!”
وصلت الشتائم مرة أخرى إلى أذنه، فقرر دفن كل تلك الأفكار مؤقتًا. لا فائدة من التحدث إلى أحد لا ينوي التصديق.
وبتلك الطباع المتمردة، لا شك أنه سيثير مشكلة عاجلًا أو آجلًا، لذا من الأفضل أن يراه بعينيه وهو يعاني في الأكاديمية.
“كثير الكلام. ضعوا كمّامة على فمه.”
أمر دوها، فاندفع الجنود نحو الصبي. وبعد بعض الفوضى، عادت العربة إلى السكون، فصعد دوها على صهوة جواده.
قد يبدو هذا جنونًا، لكن سماعه لشتم الصبي أراحه بطريقة غريبة. على الأقل، لن تكون رحلته القادمة مملة.
“هُب… هُب! هفّماا!(هيه! أيها اللعين!)”
كانت إيسو تتلوى وتصرخ، لكن فمها كان مكممًا، فلم يكن لصوتها أي فائدة. تنفست بصعوبة، يائسة.
(هاه…!)
كان مخططها بسيطًا. أن تصرخ، وتنادي دوها، وتستجوبه.
لم تُقدَّم لها أي تفسيرات حتى الآن، وكانت على وشك الانفجار من القلق. لم يهمها إن قالوا عنها مجنونة، كل ما أرادته هو أن تفهم ما يجري.
لكن حين فكرت الآن في الأمر، بدت ساذجة للغاية. لم تتوقع أنه سيردّ على صراخها بتقييدها ووضع كمامة على فمها.
كانت عيناها ترتجفان بالذعر. لو كان ينوي قتلها، ألم يكن الأجدر به أن ينهي الأمر في أوجو سونغ؟ لماذا إذًا أخذها إلى العاصمة؟
“مممف! آآاااه!” “هذا الولد اللعين! حتى وهو مكمّم لا يهدأ؟! ما الذي تتوهمه؟ أظن أن القائد العام سيبقى يسامحك إلى الأبد؟ هل جننت؟”
صرخ أحد الجنود الذي كان يسير قربها بحدة، وقد نفد صبره.
وفي تلك اللحظة، استعادت إيسو
وعيها فجأة. كان كلامه صحيحًا. مجرد أنه لم يقتلها حتى الآن لا يعني أنه لن يفعل لاحقًا.
دوها الذي رأته، لم يكن بطلاً، بل أقرب إلى شيطان قاتل متعطش للدم.
الاستمرار في الصراخ لن يجلب لها سوى الموت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"