شعرت إي سو فجأة بإرهاق هائل يجتاحها. كانت تبعات الركض المتواصل تتدفق عليها متأخرة.

في تلك اللحظة بالذات، شعر جون هوي بنظرة دوها، فابتسم بلطف وانحنى له بأدب و احترام.

«يشرفني مقابلة الجنرال جونغ وون. أنا أوو جون هوي، المسؤول عن إدارة ضيعة القصر الإمبراطوري».

كما يحدث مع معظم النبلاء الشباب، كان على وجه جون هوي يظهر مزيج من الرهبة والإجلال الخفيف تجاه بطل مملكتنا. 

نظر دوها إلى جون هوي الذي عرفه من النظرة الأولى للحظة، ثم سأله:

«هل سبق لك أن رأيتني؟»

«نعم، بما أنني في منصب حكومي، فقد سنحت لي فرصة رؤية الجنرال جونغ وون من بعيد ولو لمرة».

أومأ دوها برأسه بلامبالاة. بدا هادئًا من الخارج، لكن عينيه التي تنظران إلى جون هوي – رغم تلقيهما نظرات الإجلال – كانتا باردتين بطريقة غامضة.

لو رآهما شخص غريب لظن أنه يكره جون هوي.

لكن إي سو لم تفهم الأمر على الإطلاق. من الواضح أنهما يلتقيان للمرة الأولى.

لا يوجد سبب يدفع دوها لكره جون هوي، فضلاً عن أن جون هوي يبدي إعجابه الصريح بدوها بكل جسده.

قررت إي سو، بدلاً من البحث عن السبب، أن تخرج بسرعة من هذا الموقف المحرج، فانحنت مسرعة وقالت:

«إذن، سننصرف الآن».

قبل أن يتمكن من فتح فمه، أمسكت إي سو بأكمام جون هوي بسرعة وخطت خطواتها.

حينها فقط شعرت أنها تستطيع التنفس. كلما ابتعدت عن دوها، تدفقت عليها موجة من الارتياح.

لكنها لم تكن تعلم.

أن عيني دوها كانتا تحدقان بحدة لفترة طويلة في ظهرها وهي تمسك بأكمام جون هوي.

* * *

بعد قليل، دخلت إي سو وجون هوي غرفة الضيوف المميزة في مطعم بونلو.

لكن ليس بمفردهما، بل مع ضيف لم يتوقعاه على الإطلاق.

كان هو دوها نفسه الذي التقياه أمام بونلو.

لو كان الأمر مجرد لقاء عابر لكان أهون. لكن الغرفة التي دخلوها لم تكن الغرفة التي حجزها جون هوي، بل غرفة دوها.

قال جون هوي إنه حجز غرفة، لكن حدث خطأ ما، ولم يتبقَ أي غرفة فارغة.

عندما علم دوها بالموقف، قال إن ضيوفه لم يحترموا الموعد، ونقل لهم اقتراحًا: «إن أردتم، فلمَ لا نشرب معًا؟»

«لنذهب فقط».

«لا، يجب أن نشرب كأس التهنئة على الأقل. الجنرال جونغ وون دعانا بنفسه، فكيف يمكننا الرفض؟ ما كنتُ أريد قوله سنؤجله لاحقًا. اليوم سنشرب فقط».

كانت إي سو تتمنى لو تهرب فورًا. لكن كلام جون هوي كان صحيحًا. 

رفض دعوة دوها مستحيل. في النهاية، لم يكن أمامها خيار سوى أن تصعد مع جون هوي إلى غرفة دوها.

ابتسمت ابتسامة متكلفة، ولم تستطع الجلوس فورًا، فاتجهت بنظرها نحو النافذة.

«لم أكن أتخيل يومًا أنني سأجلس وآكل مع الجنرال جونغ وون. ألن أصاب بعسر هضم خطير اليوم؟»

«إي سو، ماذا تفعلين؟ هيا اجلسي أنتِ أيضًا».

«حسنًا… الأمر أنني…».

نظرت إي سو بتردد إلى المقعد المتبقي.

أن تجلس بجانب دوها، أم بجانب جون هوي؟

كان الفرق بين أن تغمض عينيها عنه لكن تشعر به بكل حواسها الأخرى، أو أن تتحمل نظراته المتوحشة لكن تبقى حواسها الأخرى حرة.

بالطبع كلا الخيارين كان مزعجًا إلى درجة لا يمكن تفضيل أحدهما على الآخر.

بعد تردد، قررت إي سو أخيرًا وجلست بجانب جون هوي.

بدا لها أن وجوده في مكان يمكنها رؤيته وتوقع تصرفاته أفضل من أن تشعر بأنفاسه بجانبها وتتوتر.

لكن في اللحظة التي جلست فيها، ندمت على قرارها فورًا. 

لأن دوها حدّق بها بحدة كأنه يريد التهامها. كانت عيناه مرعبة كمن يواجه مجرمًا ارتكب جريمة شنيعة.

كادت تختنق من التوتر حتى كادت تفقد وعيها.

لولا دخول الخادم في اللحظة التالية حاملاً الأطباق والخمر، لوقعت كارثة كبرى. 

بفضل الخادم الذي حجب نظر دوها وهو يضع الأطباق، استطاعت إي سو أخيرًا أن تتنفس الصعداء.

«يا إلهي، هذا!»

ما إن رأت الخمر الذي جاء به الخادم مع الأطباق حتى اتسعت عينا إي سو ضعف حجمهما. 

الخمر الذي طلبه جون هوي كان «فو يوك تشون» الغالية جدًا.

لكن في تلك اللحظة، أخرج دوها – كأنه يتنافس – زجاجة خمر أخرى من كمه، فذهلت إي سو تمامًا.

فو يوك تشون التي طلبها جون هوي خمر رائعة بالفعل، لكن «جانغ مي رو»التي أحضرها دوها كانت من مستوى مختلف تمامًا. 

خمر إمبراطوري لا يمكن شراؤه بالمال، يُشرب في القصر الإمبراطوري فقط.

ليس بمستوى «يانغ غاو جو» (خمر مصنوع من لحم الضأن) الذي يمنحه الإمبراطور بكأس واحدة فقط في المناسبات الخاصة لأنه أغلى وأندر،

لكن بالنسبة لشخص في مرتبة إي سو، فإن جانغ مي رو أيضًا خمر قد لا تذوقه مرة واحدة طوال حياتها.

من الواضح أنه خمر منحه إياه جلالة الإمبراطور، فلماذا أحضره الجنرال جونغ وون إذن؟

من كان ينوي استضافته بها؟ لو لم يحضر الضيف لأعادها فقط، فكيف يضع شيئًا ثمينًا كهذا بهذه البساطة على الطاولة؟

شعرت إي سو فجأة بدوخة شديدة فأغمضت عينيها بقوة. 

صحيح أن قدرتها على شرب الخمر انخفضت قليلاً بعد ثلاث سنوات في الضيعة، لكن شغفها السابق باحتساء الخمر بجرأة لم يختف تمامًا.

«اختاري أنتِ. أيّهما تريدين أن تشربي أولاً؟»

كان سؤال دوها حلوًا وخطيرًا في الوقت نفسه، كأنه همس شيطان شرير. 

نظرت إي سو إلى دوها ثم إلى جون هوي، ثم حدّقت في الزجاجتين أمامها. 

لو كان بإمكانها لسرقت الخمر والأطباق واختفت في الحال.

«بما أنها خمر نادرة لا تُذاق بسهولة، فلا بأس أن نبدأ بـ«جانغ مي رو» أولاً».

كأن جون هوي قد أدرك صراعها الداخلي تمامًا، فشعرت إي سو بالحرج للحظة.

«هااه، بما أن الأمر وصل إلى هنا، فلنأكل ونشرب أولاً!»

بعد تفكير عميق، مدّت إي سو كأسها أولاً نحو دوها. صبّ دوها الخمر بوجه راضٍ تمامًا. تنفّست إي سو الصعداء بهدوء.

كانت تشعر بالأسف تجاه جون هوي، لكن هذا التصرف كان في الحقيقة نتيجة حسابات دقيقة.

جون هوي لن يسحب «فو يوك تشون» لمجرد أنه تلقّى خمر دوها أولاً، أما دوها فكان مختلفًا. كان من النوع الذي يمكنه أن يزيح «جانغ مي رو» تمامًا بحجة أنها شربت «فو يوك تشون» أولاً، وسيفعل ذلك دون تردد.

ابتلعت إي سو «جانغ مي رو» بسرعة. ما إن تدفقت القوة الحارّة والعطرية في حلقها حتى شعرت بدفء يغمر جسدها كله، واحمرت خدّاها.

«هااا!»

أفرغت إي سو كأس «جانغ مي رو» دفعة واحدة، ثم مدّته نحو جون هوي. كانت تنوي هذه المرة تجربة «فو يوك تشون». 

بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فقد قررت أن تشرب قدرًا وافرًا من الخمر على الأقل.

«لا يُفضَّل مزج جانغ مي رو مع خمر أخرى».

في اللحظة التي أراد جون هوي أن يصبّ فيها الخمر، مدّ دوها يده فجأة واعترض طريقه

أومأت إي سو برأسها مضطرة. لكنها تساءلت: هل يبدو الأمر وكأنه لا يكره مزج الخمر، بل يكره مجرد شربها خمرًا يصبّها جون هوي؟ أم أنها تتوهّم فقط؟

لم يبتسم دوها ابتسامة مرّة إلا بعد أن رأى إي سو تفرغ الكأس الثانية. 

ثم، وبينما يصبّ لها الكأس الثالثة، فتح فاه موجهًا كلامه إلى جون هوي:

«لديك خمرك الخاص، لذا لن أعرض عليك من خمري»

«هاه؟ آه، نعم».

كان تصرفًا يمكن اعتباره وقحًا، لكن دوها كان واثقًا تمامًا، وجون هوي لم يعترض. 

صبّ دوها لنفسه أيضًا، ثم التفت إلى إي سو وقال:

«أهنئك بتعيينك مرشحة لمنصب نائب القائد».

«آه، وأنا أيضًا أهنئك».

قال جون هوي بصوت حنون لإي سو:

«…نعم».

بعد ذلك، أفرغوا الكؤوس عدة مرات في صمت. 

عندما مدّت إي سو كأسها مجددًا، انفجر دوها بضحكة مشرقة وقال:

«قدرتك على الشرب لم تتغير إطلاقًا. شعرت بذلك من قبل أيضًا، كان يجب أن تولدي رجلاً لا فتاة. يبدو أن الخمر سينفد، فإذا أردنا أن نشرب بوفرة علينا أن نطلب زجاجتين أو ثلاثًا إضافيتين على الأقل».

«شكرًا لك. لكن حتى لو لم أكن رجلاً فأنا قادرة على شرب الخمر هكذا، فلماذا الحاجة إلى ذلك؟ أنا راضية تمامًا كما أنا الآن!»

مع بدء تأثير الخمر، انفرجت عضلاتها المتوترة قليلاً.

ردّت إي سو على كلام دوها بمرح، ثم التهمت قطع اللحم الحار المقلي أمامها حتى امتلأ فمها. صبّ دوها لها الخمر مجددًا.

«اشربي كما يحلو لكِ»

«شكرًا جزيلاً، سموّك».

بعد ذلك، لم يُلقِ دوها ولو نظرة واحدة لجون هوي، بل ظلّ يركز على إي سو فقط، يصبّ لها الخمر كلما أفرغت كأسها. 

لم تُتَح لجون هوي أدنى فرصة ليصبّ لها.

هنا فقط شعر جون هوي أن تصرفات دوها غريبة، فحدّق إليه بوجه متجهم. كان سلوك دوها مريبًا.

الرغبة الشديدة في التملّك التي تنبعث من عينيه لم تكن من النوع الذي يظهر بين رئيس ومرؤوس عاديين.

لو لم يكن الرجل أمامه هو دوها نفسه، لكان جون هوي اقتنع تمامًا بأن هذا الرجل واقع في حب إي سو.

مستحيل أن يكون الأمر كذلك.

تبادل جون هوي النظرات بين دوها وإي سو. لم يكن يريد تصديق ما خطرت له من أفكار على الإطلاق. 

لكن لا شيء آخر كان يفسر الوضع الحالي سوى ذلك.

عندما بدأ جون هوي نفسه يشعر بالغرابة من تصرفات دوها المبالغ فيها وبدأ يرمقهما بنظرات جانبية، تنهدت إي سو في سرّها.

كانت تنوي أن تشرب الخمر دون تفكير وتنصرف، لكن يبدو أن ذلك صار مستحيلاً.

هي نفسها كانت تجد تصرفات دوها اليوم غريبة جدًا، فكيف بالآخرين إذن.

كان كأنه ليس ذات الرجل الذي عرفته.

كان دوها يراقب كل حركة وكل نفس تتنفسه، ويبدو منزعجًا إذا لم يتمكن من لفت انتباهها.

حاولت إي سو عمدًا ألا تنظر إليه، لكن انتباهها صار منذ لحظة معينة متعلقًا به تمامًا. كانت تشعر به وهو يحدّق فيها بحدة.

بهذا لم يعد لجلوسها بعيدًا أي فائدة. 

محاصرة بنظرات دوها، حتى «جانغ مي رو» العطرية صارت تشبه في مذاقها خمر الشارع الرديئة.

واصلت إي سو سكب الخمر في فمها دون أن تشعر برائحتها أو طعمها. 

في تلك اللحظة، وبما أنها رأت أنها تشرب الخمر فقط دون طعام، اق

تربت عودان من طبقها في الوقت نفسه:

«تفضلي».

«لا تشربي الخمر فقط، كلي بعض المقبلات أيضًا».

حدّقت إي سو مذهولة في قطع الخيزران واللحم الحار المقلي التي وُضعت في طبقها. لم تكن تفهم أي شيء مما يحدث على الإطلاق.