اشتعلت نار الخوف في جسد هويوم في تلك اللحظة فأصبح كل جسدها باردًا كالثلج.
الشخص الذي يقف أمام عينيها لم يعد ذلك الأخ الكبير المألوف الودود الذي عرفته دائمًا، بل كان الإمبراطور.
إمبراطورًا يكبح غضبه بالكاد.
لو نطقت بكلمة واحدة أخرى، فقط كلمة واحدة فقط، فقد تُقطع رقبتها في تلك اللحظة ذاتها.
«أ… أنا…»
هي التي لم تتعرض يومًا لمعاملة قاسية من الإمبراطور ولو لمرة واحدة، تلعثمت في كلامها من شدة الارتباك.
احمرت عيناها في لمح البصر.
«أنا… أعتذر بشدة، جلالتك.»
«هويوم.»
«لقد أخطأت الفتاة الصغيرة. سأنسحب الآن.»
دارت هويوم على عقبيها وهربت قبل أن يتمكن الإمبراطور من قول أي شيء آخر.
نظر الإمبراطور إلى ظهرها المبتعد وعبس وهز رأسه.
«انسى كل ما قالته هويوم. إنها لا تزال طفلة. اعتقد أن طفلة جاهلة قد ثارت للحظة. كن متسامح…»
نظر دوها إلى الفراغ بهدوء ثم أردف:
«متسامح؟ نعم، قد يكون ذلك ممكنًا.»
كان جوابًا سريعًا جدًا ومطيعًا جدًا من دوها. في تلك اللحظة، تجمد صوته كالثلج.
«لكن الاميرة يجب أن تتعلم آداب البلاط من جديد.»
«……»
«لقد أهانتني الاميرة مرتين بالفعل. بل إن إحداهما كانت أمام عيني مباشرة. في المرة الأولى، اعتبرت الأمر تساهلاً لأنني كنت القائد الأعلى حينها، لكن حتى بعد أن حصلت على لقب هوو لاحقًا وهي لا تزال تتعامل معي هكذا، يبدو أنها لم تكن تنوي احترامي من الأساس. يبدو أن آداب داميانغ ومكانتها لا تعني شيئًا للاميرة.»
«جونغ وون هوو، هل تقصد…؟»
«لا تقلق. مهما غضبت، هل تعتقد أنني سأقتل الاميرة؟»
كان صوت دوها منخفضًا وهادئًا، مما جعله أكثر رعبًا.
أدرك الإمبراطور حينها فقط أن ما تجاوزته هويوم كان كبيرًا جدًا ليُغطى بكلمات «فقط انسه».
«حسنًا. سأبلغ الملك جين بيونغ بهذا الأمر وأطلب منه أن يضبط الاميرة بصرامة.»
ابتسامة خفيفة مرت على وجه دوها وهو ينظر إلى وجه الإمبراطور المتجهم.
«بما أنها اميرة التي يُقدّرها جلالتك، فسأتجاوز الأمر مرة أخرى. لكن رحمتي تنتهي اليوم.»
نظر إليه الإمبراطور طويلاً ثم أومأ برأسه وابتسم ابتسامة مريرة.
انتهى الأمر بذلك. لم يسأل الإمبراطور عن معنى كلام «لن أتزوج من هويوم»، ولم يُقدم دوها أي تبرير.
لقد كانت الإهانة التي ارتكبتها هويوم كافية لتعوض كل شيء وتزيد.
إذا استمرت على هذا المنوال، فحتى لو رفض الزواج فعلاً، لن يكون للإمبراطور ما يقوله.
«هيا بنا. لقد أعددت الخمر!»
جذب الإمبراطور دوها بيديه ووجهه متعب. سار دوها بصمت بوجه خالٍ من التعبير.
يبدو أن جلسة الشراب ستطول أكثر بكثير مما كان متوقعًا، بفضل هويوم.
* * *
كان ذلك مساء اليوم الثالث منذ أن حبس اي سو نفسها في النزل.
فجأة، جاء جون هوي الذي كان قد ذهب إلى الأقاليم في مهمة رسمية إلى النزل.
اغتسلت اي سو بسرعة ونزلت لاستقباله.
كان جون هوي يجلس بانتصاب وأناقة على الكرسي يرتدي ثوبًا أبيض بأكمام طرفها مصبوغ بالأزرق الفاتح، ويشرب الشاي.
«سيد جون هوي! سمعت أنك ذهبت إلى الأقاليم، ظننت أنني لن أراك هذه المرة!»
«أهنئك بأن أصبحتي مرشحة نائب قائد. أردت أن آتي مبكرًا، لكن حدث أمر قبل مقابلتك فاضطررت للذهاب إلى الأقاليم وتأخرت.»
«لا بأس. المهم أنني رأيتك الآن.»
لمعَت عينا اي سو الصافيتان كالنجوم،
فانتشرت ابتسامة على شفتي جون هوي.
نظر إليها قليلاً ثم أخرج صلب الموضوع الذي جاء من أجله بهدوء:
«الراحة جيدة، لكنك لا تنوين قضاء كل إجازتك هنا، أليس كذلك؟ سأصطحبك للتجول في السوق، هيا بنا.»
«التجول؟»
«أجل، سنتجول في السوق، ثم نحتفل بترشحك لمنصب النائب بوجبة لائقة وخمر في مطعم بانلو. لدي أيضًا كلام أريد قوله لك.»
كانت نظرة جون هوي التي تقول «لدي كلام أريد قوله» تحمل معنى عميقًا ما.
لكن اي سو كانت منشغلة بالجزء الأول فلم تعر الجزء الأخير كبير انتباه.
لم تفهم «التجول» جيدًا، لكنها كانت تريد شرب الخمر.
«أنا موافقة تمامًا، لكنك عدت للتو، أليس كذلك؟ ألن تكون متعب ويجب أن ترتاح؟»
«لا تقلقي. أنا لست ضعيفًا لأنهار من جدول كهذا.»
مد جون هوي يده، فلم تستطع اي سو المقاومة أكثر وأومأت برأسها.
صعدت إلى غرفتها، غيّرت ملابسها بسرعة وعلى عجل، ثم تبعته.
كان السوق لا يزال مضاءً بأشعة الشمس المتبقية وكان مزدحمًا بالناس. تجولت اي سو وجون هوي طويلاً بين الحشود.
كان في السوق كل شيء: من الحرير الملون الجميل والمجوهرات إلى السيوف والفؤوس الحادة، وكانت الأطعمة اللذيذة متناثرة في كل مكان.
رأوا عدة مرات بهلوانات ينفثون النار ويسيرون على الحبال، وآخرين يعرضون مسرحيات العرائس، فتوقفوا عدة مرات للمشاهدة.
وفي إحدى محال الشاي التي دخلوها للراحة، استمعوا مفتونين إلى راوٍ يروي بذكاء بطولات دوها.
بعد أن خرجت فعليًا، أصبحت اي سو مسرورة جدًا وهي تنتقل من مكان لآخر.
عندما فكرت في الأمر، كانت هذه أول مرة تتجول في السوق بهذا الترفيه منذ وقت طويل.
والأهم أن جون هوي كان رفيقًا ممتعًا جدًا، فاستطاعت أن تتجول وتتحدث بارتياح دون أن تهتم كثيرًا.
«حسنًا، لنذهب إلى بانلو الآن. لقد حجزت مكانًا مسبقًا. وكما قلت سابقًا، لدي كلام يجب أن أقوله لك اليوم بالتأكيد.»
«آه، نعم!»
كانت جائعة تمامًا في تلك اللحظة. دارت اي سو دون تردد خلف جون هوي.
لكن قبل أن تتمكن من التفكير بعمق لماذا كان متجمدًا هكذا، وما هو الكلام الذي يريد قوله بحجز مكان منفصل في بانلو، حدث الأمر.
«آه؟ محفظتي!»
في اللحظة التي اصطدمت فيها بشخص ما، أدركت اي سو أن شيئًا ما قد ساء.
نظرت بسرعة إلى خصرها، وبالفعل، اختفت محفظة نقودها.
على الأرجح، انتزعها في لحظة الاصطدام. عندما نظرت حولها، رأت صبيًا يشق الحشد ويهرب.
في تلك اللحظة، عضت شفتها بقوة حتى كادت تنزف.
كانت هي نفسها تعرف لصوص الجيوب أكثر من أي أحد. كان يجب أن تكون مستعدة مسبقًا، لكن أن تُسرق بهذه البساطة…
يبدو أن الثلاث سنوات التي قضتها في القصر جعلتها تفقد حدتها تجاه مثل هذه الأمور.
قالت اي سو بسرعة لجون هوي:
«سأسترد محفظتي!»
اندفعت اي سو قبل أن تسمع رد جون هوي. كان واضحًا أنه سيمنعها على أي حال، لذا قررت أن تسترد المحفظة أولاً ثم تتلقى التوبيخ لاحقًا.
الصبي الذي سرق محفظة اي سو سلمها فورًا إلى شخص آخر، ثم بدأ يدور في الزقاق الضيقة هنا وهناك محاولاً التخلص منها.
لكن اي سو كانت قد فهمت كل شيء مسبقًا. طاردت العصابة أولاً واستعادت المحفظة، ثم بدأت تبحث حولها عن الصبي نفسه.
«يا لك من فتى لطيف، هيا لنرَ من منا أسرع!»
وجدت أثر الصبي بسهولة وأسرعت خطواتها. تجرؤ على سرقة محفظة مرشحة نائب قائد؟ لنرى إلى متى تستطيع الهروب.
كلما دارت في الزقاق المعقدة، لمعت عينا اي سو بحماس التنافس.
إنها نفس الحيل التي كانت تمارسها بنفسها سابقًا. شيء كهذا بالنسبة إليها كان أسهل من أكل حساء بارد.
لكن اي سو، منشغلة تمامًا بلعبة «الاختباء والبحث» بعد غياب طويل، لم تلاحظ أن هناك شخصًا يراقبها من بعيد منذ قليل.
كان ذلك الشخص هو دوها بالذات، الذي كان يمر بالسوق.
عندما أمسكت اي سو أخيرًا بتلابيب رقبة الصبي بعد أن ركضت في كل الاتجاهات، لمعت عينا دوها.
«هل الحوادث تتبع ذلك الفتى، أم أن الفتى هو من يصنع الحوادث…؟»
رسمت ابتسامة مريرة على شفتي دوها وهو يتابعها بعينيه طويلاً.
لم يكن يتخيل أبدًا أن يلتقي بها في السوق. لهذا السبب كان اللقاء أكثر سرورًا.
رغم اختلاف الظروف، إلا أنه شعر وكأنه عاد إلى تلك اللحظة الأولى التي رآها فيها في مدينة أوجو.
نظر إليها بهدوء وتفحصها.
باستثناء وجهها الجميل الناعم، لم يكن فيها شيء خاص فعلاً.
بنطالها القرمزي وقميصها الأسود عاديان جدًا، وكذلك شعرها ووجهها. ربطت شعرها بإحكام دون أي زينة من الخرز الشائعة.
ومع ذلك، لم يستطع أن يرفع عينيه عنها ولو للحظة.
نظر إليها دوها بنظرة معقدة، ثم بدأ يتبعها بخطوات بطيئة كوحش ضاري يقترب من فريسته.
اي سو، غير مدركة لشيء، كانت تمسك الصبي من رقبته بقوة وتحمل المحفظة بيدها الأخرى وهي عائدة إلى جون هوي.
* * *
كان جون هوي لا يزال ينتظرها في المكان نفسه. وعندما رأى اي سو تمسك الصبي بقوة وتتقدم، اقترب وسأل:
«هل أنتِ بخير؟»
«نعم، سيد جون هوي. لقد استعدت المحفظة أيضًا.»
نظر جون هوي إلى ابتسامتها وهي تعتصر المحفظة بيدها، تردد قليلاً ثم فتح فمه:
«ألم يكن الأمر خطيرًا؟ في المستقبل لن تحتاجي للمطاردة بهذا الشكل.»
«لا بأس. أنا أعرف كل حيل هؤلاء الأطفال.»
هزت إي سو رأسها كأن الأمر لا يستحق. كان وجه جون هوي يبدو وكأنه يريد قول شيء، لكنه لم يُخرجه وغيّر الموضوع:
«سلّمي الصبي إليّ واذهبي أولاً إلى مطعم بانلو. سأسلمه إلى دار الحكومة وألحق بك.»
«آه، انتظر لحظة!»
منعت إي سو جون هوي الذي كان يحاول أخذ الصبي منها، ثم انحنت باحترام:
«بالطبع يجب أن يُعاقب. لكن إذا سلمناه إلى دار الحكومة فسوف يُسجن، والسجن قاسٍ جدًا على لص جيوب صغير في السن. دعه يتلقى عقوبة بطريقة أخرى من فضلك.»
«لكنه ارتكب جريمة.»
«سيد جون هوي.»
عندما انحنت اي سو مرة أخرى بنية الطلب، تردد جون هوي قليلاً ثم أومأ أخيرًا:
«حسنًا، إذن سنعاقبه بطريقة أخرى. ماذا لو جعلناه ينظف عربة لعدة أيام؟»
«نعم، هذا جيد. إذن من اليوم…»
«هذا خفيف جدًا. أعتقد أن قانون مملكة داميانغ ينص على قطع معصم لص الجيوب، أليس كذلك؟»
فجأة، انطلق صوت من الخلف فالتفتت اي سو مذهولة.
كان دوها واقفًا هناك على حين غرة، ووجهه متجهم كمن يشعر بانزعاج شديد.
من أين ظهر فجأة؟
استعادت اي سو وعيها متأخرة وهزت رأسها:
«لكن مهما كان، قطع المعصم مبالغ فيه…»
«نعم، قد يكون المعصم مبالغة. لكن هذا الصبي يجب أن يذهب إلى السجن على الأقل. أليس كذلك؟»
«جونغ وون هوو.»
«تجرأ على سرقة محفظة مرشحة نائب قائد. مجرد تنظيف عربة؟ هذا غير مقبول.»
كان صوت دوها الحازم يحمل قوة لا تُقاوم.
ندمت اي سو لأول مرة على خروجها للتجول في السوق.
أن ترى وجه دوها حتى في إجازتها، كان يجب أن تبقى في النزل وتنام بدل الاحتفال والخمر.
بغض النظر عما إذا كانت تنظر اليه بغضب أم لا، لم يهتم دوها وفتح فمه موجهًا كلامه للصبي اللص:
«لكن بما أن صاحبة المحفظة تطلب الرأفة، فلا يمكن إرساله إلى السجن. مشكلة صعبة، ارتكب جريمة فلا يمكن تركه هكذا، لكن السجن والعربة كلاهما غير مناسبين.»
«إذن…»
«ماذا عن قصر الإمبراطورية؟!»
صُعقت اي سو من الكلمة المفاجئة ونظرت إلى دوها. قصر الإمبراطورية فجأة؟ هناك خيارات كثيرة، لماذا بالذات القصر؟
بالطبع، قد يبدو للبعض خيارًا مناسبًا. لكن بالنسبة لإي سو التي تعرف مدى خطورته، كان عقابًا أثقل من السجن بكثير.
عندما رأت دوها يسأل بكل براءة وكأنه لا يوجد شيء، تذكرت اي سو أول لقاء لهما قبل ثلاث سنوات، فشعرت بقشعريرة في ظهرها.
يا للأسف، لقد أمسكت بالصبي بدون داعٍ، كانت تنوي توبيخه قليلاً فقط، والآن ندمت متأخرة.
قررت أن تمنعه بأي طريقة ممكنة، فهزت رأسها بسرعة:
«من الأفضل أن نختار طريقة أخرى.»
«لماذا؟ مقارنة بالسجن، قد يتمكن من التقدم في المستقبل، أليس خيارًا سيئًا؟ آه، دع اللص نفسه يختار. السجن أو قصر الإمبراطورية. أين تريد أن تذهب؟»
«القصر! سأذهب إلى القصر!»
قبل أن تتمكن اي سو من قول شيء، خرجت الكلمة من فم الصبي أولاً. فتحت اي سو فمها مذهولة ثم أغلقته بإحكام.
«بما أنه هو من اختار، فستقبلين ذلك دون اعتراض، أليس كذلك؟»
«……نعم.»
تنهد الصبي الذي نجا من السجن براحة، لكن وجه اي سو لم يكن مشرقًا على الإطلاق.
«لا مفر من ذلك. آسفة، لكن هذا اختيارك، فلا تلوميني هناك. على الأقل إذا نجوت، سيكون أفضل من العيش في السوق!»
قدمت اي سو في قلبها تعازيها للصبي الذي يرتاح وهو لا يعرف شيئًا.
اختار أمام دوها بالذات، فلا يمكن التراجع الآن. شعرت برغبة عارمة في مساعدته لأنه يذكرها بماضيها، لكن لم يعد هناك حل.
سرق النقود حقيقة، واختار القصر بنفسه، فمهما كان مؤسفًا، عليه أن يتحمل ذلك بنفسه.
عندما جاء الجنود الذين استدعاهم دوها وأخذوا الصبي، انهار جسد اي سو مرتخيًا.
وفجأة، خرجت منها ابتسامة مرير
ة وهي تنظر إلى دوها الواقف بثقة.
مهما بدا الأمر غير منطقي، إلا أنه كان يشبه كلبًا أسود كبيرًا يطلب المداعبة لأنه قام بعمل طيب.
بالطبع، ليس بالضبط كلبًا صغيرًا، فدوها كان شرسًا ومخيفًا جدًا.
و الأسوأ أنه الآن، كأنه ابتلع شيئًا خاطئًا، ينفث هالة عدائية ومميتة باتجاه جون هوي.
التعليقات لهذا الفصل " 41"