انحبست الكلمات في حلق إي-سو عند سماعها كلام هي-يون.
هل عليها أن تشكرهم حتى على منحها مثل هذه الفرصة؟
لكنها لم تستطع أبدًا التفكير على هذا النحو.
وبينما كانت هي-يون تحدق فيها بهدوء، أشارت هذه المرة إلى أمرٍ مختلف تمامًا.
“هناك أمر آخر. مجرد إحضارك إلى هنا بحد ذاته يُعد نوعًا من المعروف الذي أولاه لك أخي. كان يستطيع أن يجعلك جاريةً له بكل بساطة. لو فعل ذلك، فلن تتمكني أبدًا من الإفلات من أن تصبحي أداة بيد سيدة نانهيانغّا.”
“……”
“في الواقع، من وجهة نظر أخي، لا يوجد فرق كبير بين أن تكوني في المقر الإمبراطوري أو أن تصبحي جارية. لو أصبحتِ جاريةً له، لكان بإمكانه حبسُك لسنواتٍ في مكانٍ لا يعرفه أحد، ولن يجرؤ أي شخص على الاعتراض. بل لكان قد تخلص من الشائعات السيئة أيضًا، وهذا أفضل له. وبالطبع، كل ذلك كان سيجري دون أي اعتبار لرغبتك.”
لم يخطر لها هذا الجانب من قبل. خرج زفير طويل من صدرها بلا وعي. مجرد التفكير في أن تصبح جاريةً كان كابوسًا.
«إذًا، طريقي الوحيد للبقاء هو المقر الإمبراطوري؟»
كانت تعرف ذلك، لكنها لم ترد الاعتراف به. عندها كبحت خوفها وردّت بصوت حاد:
“ربما… قد يكون ما تقولينه صحيحًا. لكن أليس هذا مجرد استنتاجٍ منكِ يا سيدتي؟”
كان صوت إي-سو جافًا، لكنها لم تستطع إخفاء الارتجاف الطفيف فيه. أطلقت هي-يون تنهيدة خفيفة.
“إذا لم تستطيعي الهرب، فلماذا لا تفكرين بالأمر بطريقةٍ مختلفة؟ ربما يكون ذهابك إلى المقر الإمبراطوري فرصةً لك.”
“ماذا؟”
فرصة؟! ابتسمت إي-سو بسخرية وهزت رأسها.
“أي فرصة تقصدين؟ لنفترض بأني نجوت بطريقةٍ ما، وحصلت على التدريب. ماذا سأستطيع أن أفعل؟ أنا مجرد فتاة، لا أستطيع الخروج إلى ساحة المعركة مثل الجنرال الكبير.”
“لا، قولكِ بأن المرأة لا تستطيع الذهاب إلى ساحة المعركة خاطئ. صحيح أن هناك الكثير من العقبات، ولن يكون الأمر سهلاً. لكنه ليس مستحيلاً.
“لكن ساحة المعركة…”
“صحيح، الرجال يملؤونها. لكن في دولة داميانغ، هناك عدد غير قليل من النساء اللواتي أصبحن قائدات بعدما أثبتن جدارتهن في المعارك. حتى أخواتي أصبحن قائدات. وأنا نفسي، قبل الزواج، فكرت جديًّا في دخول المقر الإمبراطوري.”
تسعت عينا إي-سو بدهشة، واقتربت خطوة دون أن تشعر.
كانت تعرف أن داميانغ دولة ذات طبيعة قتالية ومنفتحة، تسمح للنساء بركوب الخيل منذ الصغر.
لكن في أو-جو-سونغ حيث نشأت، لا تزال عادات دولة وول-غوك سائدة، وفكرة أن تصبح المرأة قائدة عسكرية لم تخطر لها يومًا.
ورأت هي-يون اهتمام إي-سو، فرفعت صوتها بحماس:
“أي فارق يصنعه ما إذا كان أخي يرسلكِ إلى المقر الإمبراطوري بدافعٍ خفي؟ المهم أن تعيشي أولاً. أنتِ تملكين من العزيمة ما يكفي. التقطي كل ما يعلمونكِ إياه، واجعليه ملكك. هذا سيكون قوتك فيما بعد. إذا تدربتِ جيدًا، يمكنك حتى الترشح لتصبحي ضابطة مساعدة.”
“لكن… هل أستطيع حقًا أن أنجو؟”
“بالتأكيد تستطيعين. إن تخرجتِ من المقر الإمبراطوري وأصبحتِ ضابطة، فلن يسعى أخي إلى قتلك بعد ذلك. عندها ستحققين مكانة عالية، ويمكنكِ أن تفعلي ما تشائين. وحتى لو لم تصبحي قائدة، فستكونين في وضع أفضل بكثير مما أنتِ عليه الآن. بل ويمكنكِ لاحقًا أن تصبحي حارسة في أسرةٍ نبيلة إن أردتِ.”
اهتز بريق عيني إي-سو بوضوح.
لو كان كلام هي-يون صحيحًا، فإن اجتياز المقر الإمبراطوري قد يكون وسيلةً عظيمة حتى للانتقام.
وسط يأسها الطويل، لمحت لأول مرة بصيصًا من الأمل. وإن كان ما ينتظرها يحمل مخاطر، فالفوائد المحتملة كانت أكبر بكثير.
وبينما غرقت إي-سو في التفكير، انسحبت هي-يون بهدوء. لقد قالت كل ما في جعبتها، وأرادت أن تمنحها وقتًا للتفكير.
“إذن… فلنجرّب؟”
مرت فترة، ثم حكّت إي-سو رأسها وهمست:
«حسناً، فلأذهب. أما البقية فسأفكر فيها إذا نجوت!»
وهكذا عزمت إي-سو على الصمود في المقر الإمبراطوري. فلم يكن هناك خيار أفضل أمامها.
في اليوم التالي، وصل خبرٌ من المقر الإمبراطوري: سيأتي شخصٌ بعد يومين ليصطحبها. أومأت إي-سو برأسها بهدوء.
شعرت بجسدها كله يتصلب تحت وطأة التوتر، فأجبرت نفسها على أن تأكل حتى الشبع، ثم نامت نومًا عميقًا.
كانت تلك آخر رفاهية تستطيع التمتع بها قبل دخول المقر الإمبراطوري. وقد عقدت العزم على أن تستمتع بها إلى أقصى حد.
….
قبل أيام قليلة، كان البلاط الإمبراطوري يغلي كما لو أصابه الجنون.
والسبب: مسألة تنصيب الجنرال الكبير “لي دوها” بلقب كونهو
وبينما كان الإمبراطور يتجه إلى القاعة الداخلية بعد انتهاء المجلس، عقد جبينه متذكرًا الوزراء. بدا أن الأمر لن يُحسم إلا بعد أيام.
وما إن دخل القاعة حتى تقدمت هوا-يوم التي كانت بانتظاره مسبقًا، وقدمت تحيتها.
نظر الإمبراطور إليها بوجه متصلب. كان يعلم أن مواجهةً مهمة أخرى تنتظره.
لو أصدر أمر الزواج… كيف ستكون ردة فعلها؟
ظل الإمبراطور صامتًا يحدق بها. أما هي فابتسمت ابتسامةً مشرقة وهي تنحني.
“الفتاة هوا-يوم تحيي جلالتكم الإمبراطور.”
“لقد اخترتُ لكِ زوجًا.”
اختفت الابتسامة من وجهها عند سماعها هذا القول المفاجئ.
وبعد لحظة صمت، سألت بصوت جاد:
“ومن هو ذلك الرجل المحظوظ؟”
“الجنرال الكبير لي دوها، الذي سيُمنح قريبًا لقب كونهو.”
“لي دوها؟”
خطت هوا-يوم خطوة إلى الأمام بعينين متسعتين من الدهشة.
“جلالتكم، كيف يمكن أن تختاروا مثل هذا الرجل! أنتم تعلمون كم هو متوحش! وفوق ذلك، تلك الشائعات… ووالده…!”
ترددت هوا-يوم ولم تستطع أن تتفوه بالكلمات الأخيرة.
كان يُعرف عن دوها أنه الابن غير الشرعي لذلك الجنرال العجوز. لكن لم يكن مؤكدًا إن كان حقًا من دمه.
فـ “نانهيانغ-غاك” أنجبته بعد سبعة أشهر فقط من حملها.
وإن كان الناس لا يجاهرون بالأمر، فذلك فقط لأن دوها ينال مكانة لدى الإمبراطور، أما دم تلك المرأة الفاسدة “نانهيانغ-غاك” فلم يختفِ في أي مكان.
“مولاي، أرجوك! لو كان غيره، لتزوجت بلا اعتراض. لكن دوها… لا أريده.”
رجت هوا-يوم الإمبراطور بوجه متشنج وقد امتلأ بالتقزز. لكنها، مهما توسلت، لم يكن في الأمر ما سيتغير.
أعرض الإمبراطور بوجه متجهم وقال وهو يدير بصره عنها:
“الأمر قد حُسم بالفعل. لا أقول إنك ستتزوجينه في الحال، عودي وفكري جيدًا. هذا قرار فيه عون لي، وفيه نفع لبلادنا.”
انسابت الدموع من عيني هوا-يوم، ولم تفارق وجهها حتى حين غادرت قاعة المجلس.
لكن ما إن غابت عن ناظر الإمبراطور، حتى مسحت دموعها بوجه متكبر متعجرف.
“دوها؟ كيف يجرؤ مثل هذا الرجل أن يصبح قريني؟”
ثم استدارت بجسدها متعالية، مفعمة بالكبرياء.
كانت هوا-يوم الابنة الشرعية للملك “جين-بيونغ”، الأخ بالدم للإمبراطور الراحل، ولها مكانة كونجو (أميرة إقطاعية).
بجانب مكانتها المرموقة، كانت ذكية وجميلة، حتى عُدت أفضل عروس مرشحة في كل دولة داميانغ.
فأن تُقرن بمثل دوها؟!
لن تسمح بهذا الزواج مهما كان الثمن. فلتُقتل ألف مرة، ولا ترتبط بمثل هذا الرجل، لتتمرغ في الوحل إلى جانبه.
ساد الصمت القاعة بعد خروجها. جلس الإمبراطور مطرقًا على كرسيه وأطلق تنهيدة، لكن وجهه تجمد حين فُتح باب الغرفة الجانبية.
“هل سمعتَ؟”
“……”
“كل هذا خطئي. كنتُ قد أمرت بأن يُؤذن لك بالدخول من الغرفة الجانبية مباشرة دون إبلاغي، ونسيتُ ذلك. فسمعتَ ما لم يكن ينبغي أن تسمعه.”
“لا بأس يا مولاي.”
أجاب دوها بهدوء وهو يهز رأسه، لكن ملامحه بقيت متيبسة.
(أن تجاهر هكذا بمخالفة أمر الإمبراطور… يليق بها أن تكون ابنة الملك جين-بيونغ بالفعل).
لم يكن الأمر مفاجئًا له، لكنه شعر باستياء أكبر مما توقع.
ابتسم دوها بسخرية طفيفة.
ما أهمية ذلك؟ لم يكن هذا سوى بداية الطريق. سيفرض نفسه حتى يُجبر الجميع على الاعتراف به.
خطوة بعد خطوة، سيصعد إلى أرفع منصب يمكن أن يبلغه تابع للإمبراطور. وسيمسك بزمام كل ما في دولة داميانغ بيديه.
كثيرون كانوا يتوجسون منه، يتساءلون ويشكّون:
(ألا يطمع هذا الرجل بالعرش، مستغلًا صلة الإمبراطور الراحل بـ “نانهيانغ-غاك”؟)
لكن، منذ البداية، لم يكن ذلك ما يريده دوها.
ما كان يصبو إليه هو القوة الحقيقية. سلطة مطلقة، لا يستطيع أحد – حتى الإمبراطور نفسه – أن يتجاهلها. ولأجلها، لم يكن يتردد في التضحية بأي شيء.
وكان الإمبراطور يثق فيه ويخصه بالرعاية لأنه يعرف نوايا دوها تلك حق المعرفة.
وحين بقي صامتًا عاقدًا شفتيه، ظن الإمبراطور أنه متألم من موقف هوا-يوم، فتنهد وقال:
“لقد أُهنت أمامك مباشرة، فأشعر بالحرج حتى لا أستطيع رفع رأسي. سألينُها بالكلام، فلا تدع الأمر يجرحك أكثر مما ينبغي.”
لكن تلك الكلمات كانت أشبه بصب الزيت على النار. فما إن تذكر دوها وقاحة هوا-يوم حتى ومضت عيناه بنظرة قاتلة، ثم ابتسم ابتسامة مرة وقال:
“إن كانت الأميرة جين لا تود الأمر، فلا بأس بإلغاء هذا الزواج. وأنا أيضًا، لا رغبة لي في الزواج قسرًا بمن تكرهني.”
كان صوته باردًا متعالياً. ولم يكن يقصد حقًا أن يُبطل الزواج، بل أراد فقط أن يوقف غطرسة هوا-يوم عند حدها.
دهش الإمبراطور من قوله، ثم هز رأسه بحزم:
“لا. هذا الزواج قد تقرر بالفعل، وسترضى به الأميرة عاجلاً أم آجلاً. بعد ثلاث أو أربع سنوات سيُعقد بلا شك.”
“أمر مولاي مطاع، إذن لن أزيد كلمة أخرى وسأذعن.”
كان جوابه مهذبًا، لكن ملامحه بقيت جامدة. راح الإمبراطور يفكر في وسيلة لتخفيف ما في صدره، ثم قال:
“لكن أعِدك بهذا: حين يحين الوقت، أي امرأة تشاء – أياً كانت – إن طلبتَها، سأسعى لأجعل الزواج بك قائمًا. إن كانت من أسرة عظيمة، رفعتُ مكانتك لتكافئها. وإن كانت من أدنى طبقة، منحتُها لقبًا يرفعها إلى مصاف الأشراف. سواء أردتها زوجة ثانية أو جارية رفيعة (محظية نبيلة)، سأنفذ لك ما تريد.”
“أشكركم، يا مولاي الإمبراطور.”
كان عرضًا مثيرًا. فلم يكن دوها ينوي الاكتفاء بزوجة رسمية واحدة، حتى وإن كانت هوا-يوم.
وكان يعلم أن بنات الأسر النبيلة، اللاتي ينفعن مستقبله ومسيرته، أكثر من أن تُحصى.
لكن الإمبراطور هز رأسه نافياً وكأنه قرأ أفكاره وقال:
“لا، لم أقصد ذلك.”
“مولاي؟”
“ابحث لك عن امرأة تُحبها بحق، لا عن واحدة تنفعك أو تنفع عائلتك. بعد زواجك من “يوم”، ستزداد مكانتك رسوخًا، وحينها سيكون حسنًا أن تجد امرأة تُشبع قلبك وتمنحك السلوى.”
ارتسمت على شفتي دوها ابتسامة رفيعة التوتر سرعان ما اختفت.
(الحب؟ لم أتوقع أن أسمع مثل هذه الكلمة من فم الإمبراطور).
“سأضع كلمات مولاي في الحسبان.”
انحنى برأسه، فلا مجال لرفض كلام الإمبراطور. لكن هو، والإمبراطو
ر نفسه، كانا يعلمان جيدًا أنه لن يسير وفق ذلك.
ربما يستخدم بعض النساء لتجميع القوى، وربما يمنح إحداهن عطفًا يسيرًا. لكن أن يُسلم قلبه لمشاعر الحب، فيخسر مخططاته التي بناها طوال عمره؟ لم يكن ليخطر بباله مطلقًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات