“…….”
“والدتي ليست مثلك. على الأقل، هي لا تتصنع الأمومة أمامي. بدلًا من ذلك، هي أنقذتني من السيدة وجعلتني وريثًا لبيت الجنرال. أليس هذا سببًا كافيًا لأن أعتبرها والدتي؟”
رغم أنه كان يستعيد الماضي في ذهنه، لم يتزعزع “دوها” قيد أنملة. أما “نانهيانغّا” التي أربكتها قسوته في التشهير بالماضي، فما إن ذُكر اسم “السيدة الكبرى” حتى صرخت بصوت مملوء بالسم كأن شيئًا لم يكن.
“تلك المرأة منافقة! إنقاذها لك وتنصيبك وريثًا لم يكن إلا حيلةً لتجنب توريث الفرع الجانبي.
لو لم يمت ابنا السيدة الكبرى في وقت مبكر، لما فكرت حتى في إنقاذك! لذلك، هي لا تستحق احترامك!”
“نعم، ربما يكون كلامك صحيحًا. لكن حتى لو كان كذلك، فهذا لا يمحو فضلها في إنقاذي وتنصيبي وريثًا.”
نظر دوها إلى نانهيانغّا بعينين باردتين بعدما كشفت عن وجهها الحقيقي، منزوعة قناع الأدب.
وبسبب شعورها بأزمة لا تُطاق، صرخت بأعلى صوتها من جديد.
“حتى لو أنكرت فلن يفيدك! أنت ابني. شئت أم أبيت، أنت ابني! ما أحمقك… كيف تنكر هذه الأم من أجل فضلٍ صغير كهذا؟!”
“سيدتي.”
“أم أنك نسيت من تكون؟ هل ستكتفي بهذا القصر الصغير لبيت الجنرال؟ حتى الآن، لو شئنا فقط……”
“كفى!”
عند الصوت الحاد، أطبقت نانهيانغّا فمها بصعوبة.
حدّق دوها بها طويلًا بعينين ممتلئتين بالرغبة في قطع رأسها في الحال، ثم همس بصوت منخفض.
“إن كنتِ ترغبين في البقاء حيّة، فمن الأفضل أن تُبقي فمك مغلقًا.”
“يا… جنرال!”
“دعيني أكرر. لا أنكر أنكِ أنجبتِني. لو لم يكن ذلك صحيحًا، لما تحملت وجودك منذ زمن بعيد، ولكنت قد طردتك أو قطعت عنقك، بدلًا من تركك تعيشين مترفة في الجناح الداخلي.”
اقترب دوها خطوةً إلى الأمام وهو يحدق بوجه بارد، ثم تلاقت عيناه القاسيتان المليئتان بالسم مع عيني نانهيانغّا المرتجفة.
“لكن تلك المرأة مختلفة. أما التي هجرتني معك، فلا أريدها أيضًا. بل أنا من يرفضها. لذلك تذكري جيدًا، حتى لو كان ما يعرفه العالم بأسره صحيحًا، فلا يحق لكِ أن تتفوهي به. لأني لن أعترف به أبدًا.”
“…….”
“اضبطي نفسك. وإن تجرأتِ على قول ذلك مجددًا، فلن أصفح عنك.”
أنذرها بصوت هادئ وواثق. لكن صبره كان قد بلغ أقصى حدوده منذ زمن بعيد.
“ويبدو أنكِ نسيت، لكثرة ما قضينا من وقت معًا، أنني لست رحيمًا بطبعي.
إن تكرر ما حدث اليوم مرة أخرى، فلن أتوقف عند وصيفة تافهة، بل سأُبيد جناح نانهيانغّا بأكمله، بل وحتى أقاربك جميعًا وكل من له علاقة بك.
أما أنتِ، فسوف أُبقيك حيّة وحدك، مع وصيفة واحدة، وأرميك خارج قصر الجنرال. سواء متِّ بعدها أم عشتِ، لا يهمني.”
ارتجف جسد نانهيانغّا كأوراق الحور تحت هبوب الريح، وقد غمرها خوف عميق ينبع من أعماقها. أدركت غريزيًا أنه كان جادًا.
حينما انكمشت وخفضت بصرها، التفت دوها إلى الخادم وأمره بنبرة هادئة.
“بما أن مرض السيدة نانهيانغّا شديد، فلتُحتجز في جناحها لبعض الوقت. يجب أن تستريح بهدوء، لذا قلّلوا عدد الوصيفات والخدم إلى النصف، ومُنع دخول الغرباء.
أما طعامها وملبسها، فليُعاملا وفقًا للآداب، وبأقصى درجات العناية. لا استثناءات أبدًا. هل فهمت؟”
“نعم، جنرال!”
“غدًا صباحًا باكرًا، أبلغوا والدتي بكل ما حدث اليوم، واطلبوا منها أن تتولى إدارة شؤون البيت.”
صرخت نانهيانغّا محتجة بأعلى صوتها، لكن دوها لم يلتفت إليها حتى.
كانت كلماته تبدو لائقة، لكنها في الحقيقة لم تكن إلا حكمًا بالسجن، كي لا تعبث مرة أخرى. أما قوله بمعاملتها وفقًا للأعراف، فمعناه أنها لن تنال إلا ما يُمنح للجواري والزوجات الثانوية من نصيب ضئيل من المال.
ومع كون السيدة الكبرى هي المسيطرة على البيت، فلن يكون بمقدور نانهيانغّا أن تحيا حياة الترف كما اعتادت.
استدار دوها بوجه بارد. لقد بقي معها طويلًا حتى بدأ رأسه يؤلمه.
ومع عبير الورد الثقيل، تدفقت ذكريات الماضي البغيضة، فلم يعد قادرًا على الاحتمال أكثر، وخطى بعيدًا مسرعًا، متمنيًا في قرارة نفسه ألا يضطر إلى العودة إلى هذا المكان مرة أخرى.
………
مع بزوغ فجر اليوم التالي، أركب دوها “إي-سو” على ظهر حصان. كانت إيسو تظن أنهم متجهون إلى المقر الإمبراطوري، فشدّت على شفتيها بقلق شديد. بدا الأمر غريبًا قليلًا أن يتحرك دوها بنفسه بدلًا من الخادم أو غيره.
لكن حين وصلوا، كانت الوجهة مختلفة تمامًا عما توقعته.
“ما هذا المكان؟”
“إنه بيت الجنرال “يون غيون-ر يونغ” الأصلي. خلال أيام قليلة سيأتي من يأخذك إلى المقر الإمبراطوري، لذا ابقَ هنا في هذه الأثناء.”
ارتسمت الدهشة على وجه إيسو حين وقع بصرها على القصر الكبير، البسيط والأنيق في الوقت نفسه.
لم يكن فخمًا ومهيبًا كقصر دوها، لكنه كان يحمل طابعًا عسكريًا قويًا.
أن يكون هذا بيت غيون-ر يونغ الأصلي! كان يظنه من عامة الشعب لافتقاده كبرياء النبلاء، لكنه اتضح الآن أنه من عائلة نبيلة ذات شأن.
(لكن لماذا هنا بدلًا من المقر الإمبراطوري؟ آه… ربما بسبب السيدة نانهيانغّا؟)
رمقت إيسو دوها بنظرة جانبية، ولم تستصعب فهم سبب إحضارها إلى هذا المكان.
لقد سمعت أن الجناح الداخلي انقلب رأسًا على عقب بعد أحداث الأمس. ودوها، خشيةً من أن تدبر نانهيانغّا شيئًا بدافع الحقد، قرر إحضارها إلى هنا.
وبعد أن أعلن دوها عن هويته، قادهم خادم القصر إلى القاعة الرئيسية.
وكان القصر من الداخل أوسع بكثير مما توقعت. ومع كل رواق مروا به، اتسعت عينا إيسو دهشة، وانفتح فمها أكثر فأكثر.
أكثر ما لفت الانتباها كان ساحة التدريب التي كانت أوسع بثلاثة أضعاف تقريبًا من تلك الموجودة في قصر الجنرال.
مجرد وجود مساحة كهذه داخل القصر يكفي ليدل على مدى اهتمام عائلة “يون” بالفنون القتالية.
(حقًا، يبدو أنهم عائلة عسكرية تقليدية. حسنًا، إن قلناها بلطف فهي عائلة تزخر بالتاريخ والتقاليد، وإن قلناها بسوء فهي عائلة عتيقة ومملة ومخنوقة بالقيود…)
أمالت “إيسو” رأسها بوجه غير مكترث. ولحسن حظها أنها لن تبقى هنا طويلًا. كان واضحًا أن عائلة كهذه ستزدري لصّة صغيرة مثلها بلا شك.
“ابقي في الخارج أولًا.”
أوقفها “دوها” أمام القاعة الكبرى، ثم دخل إلى الداخل. أطاعت وألصقت ظهرها بالجدار. لكن ذلك لم يدم طويلًا، فما لبثت أن التفتت محاولة التلصص إلى الداخل.
كان دوها ينتظر الشاي ويتحدث بجدية مع “غيون-ر يونغ”. لكنهما كانا يتعمدان خفض أصواتهما كثيرًا، فلم تستطع مهما حاولت أن تلتقط سوى كلمات قصيرة متناثرة.
“ماذا؟ تقول إن تلك الطفلة فتاة؟ بل وكانت حتى قاتلة مأجورة في ذلك النزل؟! ومع ذلك تنوي إرسالها إلى المقر الإمبراطوري؟”
“إي-سو وافقت بنفسها.”
“هي… وافقت؟!”
نظر غيون-ر يونغ إلى إي-سو الواقفة في الخارج نظرة سريعة، ثم أعاد بصره إلى دوها. أعاد سؤاله بنبرة خالية من اليقين.
“تدريبات المقر الإمبراطوري قاسية للغاية. والفتيات اللواتي ينجون منها قلة نادرة. أهناك فعلًا حاجة… لإرسالها إلى هناك؟”
لم يستطع أن يقولها صراحة، لكن عينيه كانتا تسألان بوضوح: أليس من الأجدى، بل ومن الأرحم، أن تُقتل مباشرة بدلًا من أن تُرمى هناك؟
“طبعًا، قتلها سيكون أسهل بكثير.”
لم يتكلف دوها عناء المواربة. فتجمد غيون-ر يونغ أمام البريق المخيف الذي ومض في عينيه.
“لكنني منحتها خيارًا صريحًا. هي من اختارت المقر الإمبراطوري. لذلك سأرسلها كما اتفقنا منذ البداية.”
اتسعت عينا غيون-ر يونغ فجأة. كان في داخله رغبة شديدة أن يثنيه عن قراره، لكن دوها إن اتخذ قرارًا لا يتراجع عنه بسهولة.
فآثر أن يلتزم الصمت. فكلما حاول الاعتراض أكثر، زاد دوها عنادًا، ولن يعود ذلك بالنفع على إي-سو، بل قد يجعل مصيرها أسوأ مما هو متوقع.
أكمل دوها بوجه خالٍ من التعابير:
“بما أن هناك بعض الظروف، فلن تأخذ الطفلة إلى المقر الإمبراطوري فورًا. لذلك أود أن تترك عندك مؤقتًا. أما الجنرال الكبير يون والسيدة الكبرى فسأذهب بنفسي إليهما لأخبرهما بذلك.”
“إن كان الأمر كذلك، أليس من الممكن إبقاؤها في قصر الجنرال فحسب؟”
“لقد حدثت بعض المشاكل. ولم يخطر ببالي مكان آخر غير هذا.”
وسرد بإيجاز ما افتعلته نانهيانغّا. فأطلق غيون-ر يونغ تنهيدة خفيفة. فمع أنه لم يلتقها كثيرًا، إلا أنه كان يعرف تمامًا كم هي متهورة.
“إن كان ما تقوله صحيحًا، فإبقاؤها هنا هو الأفضل.”
أما إي-سو الواقفة أمام القاعة الكبرى فقد كانت تنفخ وجنتيها بامتعاض. كلمات دوها الأخيرة لم تسمعها جيدًا لأنه همس بها بخفوت شديد، لكن بضع كلمات تسربت من حديث غيون-ر يونغ كانت كافية لتدرك أن كلام دوها عن المقر الإمبراطوري لم يكن كذبًا.
واغرورقت عيناها بالدموع في لحظة.
(ما الذي فعلته من خطأ كبير حتى أتعرض لمثل هذا؟)
أُجبرت على الاختيار بين الموت والكابوس، فاختارت الكابوس. لكن ما إن اقترب الواقع منها، حتى اجتاحها شعور عارم بالظلم.
كل ما فعلته في حياتها لم يكن سوى محاولة البقاء، تتخبط من مكان إلى آخر.
(لا… تمالكي نفسك! تمالكي نفسك!)
بصعوبة بالغة تماسكت. فهي تعرف أن فقدان عقلها لن يقود إلا إلى ندم لا رجعة فيه.
(لا بد أن أجد مخرجًا. لا بد… كيف يمكنني النجاة؟)
أجهدت عقلها في التفكير، لكن مهما حاولت وأعادت التفكير لم تجد حلًا.
(لو كان هذا هو المصير، فبدلًا من خوض عذاب طويل ينتهي بالموت، ألن يكون أفضل أن أطلب منهم الآن أن ينهوا حياتي سريعًا؟)
“هوهو! هل هذه هي الطفلة التي ستذهب إلى المقر؟ يا له من أمر ممتع! لم أتوقع من الأخ دوها أن يتكفل بفتاة صغيرة!”
باغت صوت أنثوي رقيق الأذن، فجفلت إي-سو على الفور. كان صوتًا مفعمًا بالحيوية لدرجة أنه نشر الصمت في الأجواء.
ومن بعيد، كانت هناك امرأة شابة مقبلة بخطى سريعة نحو القاعة الكبرى. جسدها كان رشيقًا، ملامحها مستديرة لطيفة، ولم يبدُ أنها تجاوزت السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، أي في عمر قريب من عمر إي-سو.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات