نظر إليها دوها بعينين باردتين. وفي عينيه الحادتين التي بدت وكأنها ستقطعها في أي لحظة، تراجعت إيسو سريعًا خطوة إلى الوراء. لكنه لم يحاول حتى أن يخفي طاقته القتالية المتأججة، بل تحدث ببرود:
“سأكون صريحًا. كنت أظنك فتى، وأرسلتك إلى معسكر التدريب الإمبراطوري لأصنع منك جنديًا خاصًا في خدمة جلالة الإمبراطور. لكن إن كنتِ فتاة، فالأمر يختلف.”
“ما هذا الهراء…؟”
“لو كنت أعلم من البداية أنكِ فتاة، لما عقدت صفقة معك أصلًا.”
“بمعنى أنك كنت ستقتلني من البداية، أليس كذلك؟”
أومأ دوها برأسه ببرود، دون أن تظهر أي مشاعر على وجهه.
“لكن في هذه القضية، لم أتأكد جيدًا، لذا لا أستطيع أن ألومكِ وحدكِ. لن أنقض الاتفاق من جانبي. إن رغبتِ، سأمنحكِ الفرصة كما هي، القرار بيدك.”
“…”
“هل ستذهبين إلى معسكر التدريب؟”
ارتعد جسدها من صراحته المتغطرسة، حين قال أمامها إنه ما كان ليعقد اتفاقًا معها لو عرف أنها فتاة.
لكنها لم تستطع رفض العرض مباشرة. فقد أحست أنه لو فعلت، فسيقطع رأسها فورًا.
فتظاهرت إيسو بالجهل وابتسمت بتصنع، وسألت:
“وما المشكلة إن كنت فتاة؟ ما الذي سيتغير؟ هل جلالة الإمبراطور نبيل لدرجة أنه لا يدرب الفتيات كجنود خاصين؟”
“لا، هناك فتيات أيضًا.”
رغم سخرية إيسو الواضحة، أجاب بجدية. وبدأت ملامحها تفقد الابتسامة شيئًا فشيئًا. وحين عقدت حاجبيها وهزت رأسها، تابع شرحه بجفاف.
“لكنك على الأرجح لن تصمدي هناك.”
“ماذا؟”
“سواء كنتِ فتى أم فتاة، لا استثناءات في معسكر التدريب الإمبراطوري. البيئة قاسية. الموارد محدودة.
وخلال أول نصف عام، تحدث معارك تشبه الشغب يوميًا. الجوع أمر معتاد، ولن يمر يوم دون توتر أو دماء.”
“يبدو أن الكثيرين… يموتون أثناء التنقل من مكان لآخر؟”
“صحيح.”
أصابته في الصميم، فهز رأسه موافقًا. عندها فقط، أدركت إيسو أن الأمر لا يتعلق بالتمييز، بل بالاحتمالات. لأن احتمال بقاء الفتاة هناك ضئيل، لم تعد ذات قيمة.
بصوت مرتجف، سألت إيسو السؤال الأخير:
“وإن رفضت الذهاب إلى المعسكر، ماذا سيحدث؟ هل ستتركني أرحل؟”
لم يجب دوها. لكن ما إن التقت عيناها بعينيه الباردتين، حتى أدركت أن ظنها لم يكن خاطئًا. لم يكن أمامها أي خيار.
(إذًا، سواء وافقت أو رفضت، في النهاية سأموت. تبًا، أي نوع من الخيارات هذا؟)
كانت الإجابة معروفة مسبقًا. كانت ستموت، في كل الأحوال. فقط عليها أن تختار: تموت في المعسكر بعد معاناة، أم تموت هنا بضربة واحدة.
(ها، هاها! يا لها من رحمة عظيمة!)
ضحكت بسخرية لا إرادية. في النهاية، كانت النتيجة واحدة: الموت.
فأطبقت شفتيها بقوة، وحدّقت في دوها دون خوف. لم يعد هناك ما تخسره. فالموت أمام عينيها، ولم يعد يبدو مرعبًا.
“حسنًا، إن كنت تصر على ذلك، فسأذهب إلى المعسكر الإمبراطوري!”
أعلنت إيسو قرارها بوضوح. لم يكن أمامها طريق آخر. فإما الموت، وإما كابوس قد تبقى على قيد الحياة بعده. فاختارت ما قد يُبقيها حيّة.
(لقد نجوتُ بصعوبة، فكيف أستسلم بهذه البساطة؟ يجب أن أعيش، لأنتقم من الزعيم ويانغ وو، ولأعيش حياة جيدة. علي أن أتشبث بالحياة وأصمد حتى النهاية!)
زفرت إيسو بعمق، وقبضت يدها بإحكام. أولاً، عليها النجاة من المعسكر مهما كلف الأمر.
ثم عليها أن تصبح ضابطة، وتجعل هذا المجنون، لي دوها، لا ينطق بكلمة “موت” أمامها مجددًا.
…..
أرسل دوها أحد الخدم ليُعيد إيسو إلى سكنها. أما هو، فقد توجه إلى جناح نانهـيانغ برفقة مدير المنزل وبعض الجنود.
لم يكن قد زارها حتى قبل ذهابه إلى الحرب مع مملكة وول، لذا كانت هذه أول مرة يأتي فيها إلى هناك منذ خمس سنوات تقريبًا.
بفضل انعزال السيدة الكبرى في جناحها للتعبد داخل معبد صغير في الجناح الداخلي، وانشغال دوها بالحروب، ظل جناح نانهـيانغ يسيطر على مقر القيادة بعد وفاة القائد الأعلى السابق، وتنعّمت سيدته بالسلطة والترف بلا قيود.
رغم أن معظم الجناح الداخلي غارق في الظلام، كان جناح نانهـيانغ وحده مستثنى. بعد عدة توسعات، أصبح المبنى أكبر وأكثر فخامة مما يتذكر.
كانت جالسة في الحديقة الخلفية تتأمل القمر، حين تفاجأت بقدومه، ثم ابتسمت بابتسامة مشرقة.
“القائد الأعلى، لم أكن أتوقع أن تأتي لرؤية والدتك بهذه السرعة. ظننتك غارقًا حتى الثمالة في الهدية التي أرسلتها لك الآن.”
“هدية؟ إذًا تلك كانت هدية من السيدة؟”
كان صوت دوها هادئًا للغاية. لم يكن هناك أي أثر لمشاعر في عينيه وهو يحدق في نانهـيانغـغاك.
فمنذ زمن بعيد، كان قد تخلّى تمامًا عن أي أمل فيها.
أحضرت إحدى الخادمات الشاي على الفور، لكن دوها لم يتناوله. وبدلاً من ذلك، أمر مدير المنزل قائلاً:
“فتّشوا!”
انتشر مدير المنزل مع الخدم فورًا في أنحاء المبنى. وسحبوا الخادمات والخدم إلى الخارج، ثم قلبوا المكان رأسًا على عقب دون أن يتركوا زاوية واحدة.
وفي لحظة، امتلأ جناح نانهـيانغ بالصراخ.
“القائد الأعلى، ما هذا الذي…!”
ألقى دوها ستارة حمراء وزينة مذهبة كان يحملها أمام نانهـيانغـغاك بلا تردد.
“بما أنكِ اعترفتِ بأنكِ من أرسل الهدية، فلا حاجة لشرح معقد. بعد تلقي هدية بهذا السخاء، لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين، أليس كذلك؟”
“القائد الأعلى، هذا لا يجوز. كيف تجرؤ على إذلالي بهذا الشكل!”
كان صوت نانهـيانغـغاك يائسًا، لكن دوها لم يرمش حتى بعينه.
وبعد لحظات، عاد مدير المنزل ممسكًا بإحدى خادمات نانهـيانغـغاك المقربات، وأجبرها على الركوع، ثم قدم لدوها شيئًا عثر عليه في غرفتها.
تصلب جسد نانهـيانغـغاك، التي كانت تصرخ في نوبة من الغضب، حين رأت ما في الظرف الورقي الذي أحضره مدير المنزل. شحب وجهها تمامًا.
“سمعتُ أن هناك من سرق من صيدلية مقر القيادة. وحين علمتُ أن المهدئات اختفت، أمرتُ بالتحقيق. ويبدو أن السارقة كانت هنا. خادمتكِ هي من سرقت الدواء وخلطته في شاي إيسو.”
نظر دوها بهدوء إلى الخادمة المرتعشة، ثم استل سيفه فجأة ولوّح به.
“آااااااه!!”
“آه!”
لم تُتح لها فرصة للبكاء أو حتى الدفاع عن نفسها. تحولت إلى جثة في لحظة، ومع رؤية ذلك، تجمد كل من في جناح نانهـيانغـغاك على الأرض وهم يرتعدون خوفًا.
وخصوصًا أولئك الذين لم يسبق لهم رؤية دوها لأنه كان دائمًا في ساحة المعركة، كانوا على وشك الإغماء من شدة الصدمة.
قال دوها بوجه خالٍ من التعابير:
“خادمة تجرؤ على سرقة دواء من صيدلية القيادة الملكية وتقوم بمكيدة؟ لا بد أن تدفع الثمن.”
“القائد الأعلى!”
صرخت نانهـيانغـغاك وقد أصابها الذعر، لكن دوها لم يفعل سوى أن يمسح الدم عن سيفه بلا اهتمام وهو ينظر إليها.
“أخبرتكِ عندما أصبحتُ سيد هذا البيت. أنا لستُ والدي الذي كنتِ تتلاعبين به، لذا لا تتجاوزي حدودك. وقلت لكِ أن تكتفي بالترف والرفاهية في الجناح الداخلي، أليس كذلك؟”
“…”
“تذكري هذا جيدًا. إن واصلتِ هذه التصرفات، سأضطر أنا أيضًا إلى إعادة النظر في الأمور.”
“إعادة النظر…؟ ماذا تقصد؟”
سألت نانهـيانغـغاك بنظرات قلقة، فأجابها دوها بابتسامة مشرقة.
“بحسب أعراف مملكة داميانغ، إذا توفي الزوج، تتبع الزوجات أبناءهنّ أو يدخلن معبدًا أو دار عبادة لتكريس أنفسهن للتأمل. لماذا لا تفعلين الشيء نفسه؟ سأحرص على إرسال الفضة لكِ بانتظام من أجل راحتك.”
“مـ… ماذا تقول؟!”
في لحظة، فهمت نانهـيانغـغاك ما الذي كان يفكر به، فشحب وجهها وانحنت.
“القائد الأعلى، لا… أرجوك لا تفهمني خطأ. كيف يمكن لأم أن ترحل وابنها موجود هنا؟ أنا فقط… فقط أردت أن تقضي وقتًا ممتعًا مع تلك الفتاة لأنك بدوت معجبًا بها…”
“هاه!”
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي دوها. لم تزد تصرفاتها إلا أن أثارت اشمئزازه.
“كلانا يعلم أن هذا ليس صحيحًا، أليس كذلك؟”
“القائد الأعلى!”
“كفى أعذارًا واهية. ما كنتِ تحاولين فعله هو زرع فتاة من خلفية متواضعة، يسهل التحكم بها، بجانبي قبل أن تأتي زوجتي الشرعية، لتبقي على سيطرتك على مقر القيادة. لذلك وضعتِ تلك الفتاة في جناحي دون أن تفكري إن كنتُ أريد ذلك أصلاً أم لا.”
لم تستطع نانهـيانغـغاك قول شيء، واكتفت بالارتجاف وهي تحدّق فيه بعينين مليئتين بالسم. لكن دوها استمر في الحديث دون اكتراث:
“وبما أننا فتحنا هذا الموضوع، يجب أن نوضح أمرًا واحدًا بجلاء.”
“ماذا تقصد؟”
“كان الأمر يزعجني منذ لحظة وصولي. من قال إنكِ أمي؟”
“القائد الأعلى!”
“أنا مسجل في السجلات الرسمية كابن ثالث للسيدة الكبرى، وهي الوحيدة التي لي الحق أن أدعوها أمي.”
“لكنني أنا من أنجبتك! أنا أمك! تلك المرأة مجنونة بالدين ولم تهتم بك يومًا!”
“صحيح، أنتِ أنجبتني. لا أنكر ذلك. لكنكِ تخلّيتِ عني. لا تقولي إنكِ نسيتِ ذلك بالفعل.”
قال دوها ببرود صارم، ممسكًا بزمام الموقف. كانت وقاحة نانهـيانغـغاك، التي تحاول فجأة أن تأخذ مكان الأم، مثيرة للغثيان.
والآن أدرك أنها كانت تستغل صفتها كأمه الحقيقية للسيطرة على مدير المنزل والخدم داخل المقر.
لأنه كان بعيدًا في ساحات المعارك، لم يتمكن من الإشراف على البيت، وها هي نانهـيانغـغاك تسيطر عليه وتغرقه في الفوضى. لقد أدهشته براعتها في التلاعب.
توقفت نانهـيانغـغاك
للحظة، لكنها سرعان ما مدت يدها إليه وقالت:
“القائد الأعلى، أنا… حسنًا، آسفة. لكن حينها لم يكن لدي خيار…”
“لم تكتفِ بالتخلي عني، بل كدتِ تخنقينني حتى الموت وأنا لا أزال طفلًا!”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات