“آه!”
لم يكن يعلم حتى هو نفسه ما هذه المشاعر المتأججة في داخله.
حتى اللحظة التي رآها فيها، كان قد أقسم أنه، ما إن يقبض عليها، سيكشف هويتها فورًا ويؤدبها بشدة لجرأتها على عصيان أمره.
ولكن حين واجه وجهها فعليًا، لم يخطر بباله سوى أمر واحد فقط.
كان عليه أن يمتلكها.
بعقل فارغ تمامًا، انزلقت شفتاه ببطء إلى الأسفل. وكأن يوم دار الضيافة استمر ليصل إلى هذه اللحظة. بلا تردد، مرر يده على ظهرها، ثم داعب أردافها.
دوها ارتجف بجنون وهو يشاهد العلامات الحمراء تنتشر شيئًا فشيئًا على جسدها. شعر أنه، حتى لو جاء أحد ليوقفه الآن، فلن يستطيع التوقف.
“آه، لا…”
الشيء الوحيد الذي أوقفه كان أنينها القصير. في تلك اللحظة، رفعت آخر خيوط العقل رأسها.
(لكن، لماذا هذه المرأة هنا الآن…؟)
في لحظة، برد جسده كله. عندها فقط أدرك وجود شيء غير طبيعي. امتلأت الغرفة بعطر قوي، فخم وكثيف.
عندما رأى مبخرة على الطاولة، فهم الوضع على الفور. أسرع إلى فتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها، ثم سكب الماء على المبخرة بلا تردد وألقاها خارج الباب.
ما إن ملأ الهواء البارد الغرفة، حتى هدأ قلبه المضطرب قليلاً، وأصبح قادرًا على التماسك.
كان قد وجد الأمر غريبًا عندما أرسلت السيدة الكبرى شخصًا إلى القصر بالأمس لتسأل عن موعد عودته إلى المنزل.
لكنه الآن أدرك أن من أرسل ذلك الشخص لم تكن السيدة الكبرى، بل نانهـيانغـغاك (جناح نانهـيانغ).
تجهم وجه دوها فجأة وهو يستوعب الوضع. لم يكن بحاجة حتى ليسأل ليدرك ما حدث. نانهـيانغـغاك كانت قد أعدّت ترحيبًا فخمًا للغاية.
(كان عليّ أن أقطع رأس تلك الساحرة منذ البداية!)
حين نظر إلى الزينة الفاخرة لدرجة الابتذال في الغرفة، أحس أنها آثار نانهـيانغـغاك، مما أشعل غضبه حتى بلغ ذروته.
بدأ بتمزيق الزخارف الذهبية والستائر الحمراء التي لفتت انتباهه، ورماها خارجًا بعنف. ولم يوجّه نظره نحو السرير من جديد إلا بعد أن تخلّص من كل شيء.
“أنتِ!”
هذه هي المرة الثانية بالفعل. أن تستهزئ به دون أن تظهر حتى وجهها. وكلتا المرتين كانتا مليئتين بالغموض.
فقط فكرة أنها مرتبطة بـ نانهـيانغـغاك كانت لا تُطاق، ومثيرة للاشمئزاز. خشي أنه، إن هو فقد السيطرة قبل أن يسألها عمّا يريد، قد يقتلها.
لذا أدار وجهه عن السرير، وصرخ بصوت حاد:
“أنتِ حقًا مدهشة. من دار الضيافة إلى هنا! حين كنت أبحث عنكِ لم تظهري، وها أنتِ تظهرين بهذه الطريقة؟ هل تحالفتِ مع نانهـيانغـغاك هذه المرة؟”
“أوو…!”
المرأة لم تستطع قول شيء، مكتفية بإصدار أنين صغير، وكأنها مذعورة. منظرها المرتبك أثار غضب دوها أكثر.
“عندما لم تسر الأمور كما أردتِ، تحاولين التظاهر بالضعف لكسب الشفقة، أليس كذلك؟”
دوها سحب سيفه ببطء من خصره.
“هذا مقرف فعلًا. لم أعد أستطيع تحمل النظر إليكِ.”
“أوو… أأأ…!”
حين أدركت ما ينوي فعله، بدأت تهز رأسها بيأس، محاولة قول شيء ما، وهمهمت بعنف. نظر إليها دوها ببرود وضحك بسخرية.
“أجل، لا بد أن لديكِ شيئًا لتقوليه قبل أن تموتي. حسنًا، فلنرَ وجهكِ على الأقل قبل النهاية!”
أعاد سيفه إلى غمده، ثم التقط المصباح بيده، وباليد الأخرى أزاح القماش الذي يغطي وجهها.
وببطء، بدأ وجه المرأة يظهر. ولكن، ويا للدهشة، كان فمها مغلقًا بلجام. نظر إليها بذهول، ثم على عجل فكّ اللجام.
كان وجهها المألوف قد ظهر جزئيًا، وكان مألوفًا للغاية.
“القائد الأعلى!”
“أنتِ… إيسو؟”
حدق فيها لفترة طويلة، ثم سأل وكأنه لا يصدق ما يراه. وتحت ضوء المصباح الخافت، بدأ يشك مرة أخرى.
كان واثقًا أنها القاتلة من دار الضيافة، لكن ها هي إيسو… هل خدعه الضوء مجددًا؟
“نعم، أنا. القائد الأعلى!”
كان يراها بعينيه، لكن عقله رفض قبول الحقيقة. وما إن سمع صوتها، حتى تراجع خطوة إلى الوراء دون وعي.
وفي اللحظة التالية، بدأت كل قطع الأحجية تتجمع بسرعة في ذهنه.
“كيف لكِ أن تكوني بهذه الهيئة…؟ أنتِ، هل كنتِ متنكرة كرجل؟”
“ماذا؟! هاها!”
فوجئت إيسو بالسؤال غير المتوقع وضحكت لا إراديًا. لكن تلك الضحكة لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما أصبحت نظرات دوها باردة كالجليد.
فسارعت لتفسير الموقف.
“ليس كذلك! لم أكن متنكرة كرجل، بل…”
“إذًا، فأنتِ لستِ رجلًا، بل امرأة حقًا.”
لم يدم شعور الدهشة طويلًا، فقد أدرك دوها كل شيء قبل أن تتمكن إيسو حتى من الرد. أما هي، التي وجدت صعوبة في النطق بكلمات، فاكتفت بإيماءة صامتة برأسها.
“إذًا، لم تكن عيناي تخدعاني. أنتِ أيضًا كنتِ تلك القاتلة التي التقيت بها في دار الضيافة. حينها، لم تخبري من تكونين خشية أن تُكشفي، أليس كذلك؟”
“… نعم.”
“كنتُ أحمقًا إذن. لو كنتِ امرأة، لكان يمكن تفسير كل تلك الفوضى، لكنني كنت أبحث عن القاتلة في مكان آخر.”
لم يرفع صوته أبدًا. ومع ذلك، كلما خفض نبرته، ازداد القلق الرهيب الذي اجتاح إيسو.
حتى لو كان لديها ظروف تبرر موقفها، فقد خدعته في النهاية. ولو قرر قتلها بسيفه في هذه اللحظة، لما كان لها ما تقوله.
فكّرت إيسو أن عليها على الأقل قول ما يجب قبل أن تُقتل، وبدأت تسرد كل ما تعرفه.
لم تستطع تبرير ما حدث في دار الضيافة، لكنها كانت مضطرة لتفسير ما يحدث الآن. لم يكن بمقدورها تحمل كل اللوم وتموت وحيدة.
“هذا… هذا الوضع ليس بسببي. سيدة نانهـيانغـغاك فجأة أخذتني إلى الجناح الداخلي وقدمت لي شايًا. بعد أن شربته، فقدت الوعي، وعندما استيقظت… وجدت نفسي في هذه الحالة.”
“…”
“سيدي القائد؟”
كان ينظر إلى الفراغ، وكأنه غارق في التفكير، ثم التفت إليها عند سماع صوتها. لكن قبل أن ينطق بشيء، توقفت عيناه لا إراديًا على جسدها الذي بالكاد كان مغطى.
عندها، استدار فجأة ونادى على إحدى الخادمات.
“ارتدي ملابسك أولًا. ثم سنتحدث.”
أخذت إيسو الملابس من الخادمة، وأسرعت تنظر حولها ثم دخلت خلف الستار في الزاوية.
كان ذلك هو المكان الذي يبدل فيه دوها ملابسه عادةً.
عندها فقط، حول دوها نظره.
لكن اختفاؤها من أمام عينيه لم يكن كافيًا ليشعر بالراحة. فقد بدا ظل جسدها واضحًا تمامًا من خلف الستار الشفاف المضاءة خلفه المصابيح. فجأة تجمد وجه دوها.
الخطوط الممتدة من صدرها الممتلئ إلى خصرها النحيف ثم أردافها المستديرة، بدت أكثر إثارة ووضوحًا من رؤيتها مباشرة.
نقر دوها لسانه بخفوت واستدار. لكن عينيه كانتا قد امتلأتا بالفعل بجسدها.
لا بد أنه كان يعاني من حرمان شديد منذ مدة. أن يُفتن هكذا بجسد فتاة شابة خالٍ من أي حيلة أو إثارة كان تصرفًا لا يشبهه أبدًا.
“القائد الأعلى.”
استدار عند سماعه صوتها. كانت ترتدي ملابس الرجال. ظهرت مرة أخرى بشكل الفتى الجميل الذي رآه أول مرة. شعر بشيء من الراحة، فأشار لها بالجلوس.
لكن إيسو لم تقترب للجلوس. تجاهل ذلك، وصبّ الشاي لنفسه، ثم سأل بنبرة باردة:
“لماذا لم تخبريني منذ البداية؟”
“لم تسألني، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“لم أقل أبدًا أنني لست امرأة. أنت فقط من ظنّ أنني رجل.”
“إذاً، هذا خطئي أنا؟”
“ليس تمامًا، لكن لا يمكنك إلقاء اللوم عليّ أيضًا. ما حدث في دار الضيافة كان مجرد حادث، دخلت بالخطأ أثناء الهروب، ولم تكن هناك أي نية مسبقة.”
في الحقيقة، أنت من بادر بتقبيل، أليس كذلك؟ لم تجرؤ على قولها بصوت عالٍ، لكنها كانت تنطق بها من خلال عينيها. كل شيء حدث صدفة، ولم يكن خطأها.
تنهد دوها وهو يحبس أنفاسه. للوهلة الأولى، لم تكن هناك ثغرة في ما قالته. لكنه لم يكن ساذجًا لدرجة أن ينخدع بذلك المنطق الملتوي.
“حسنًا. يبدو أننا بحاجة للبدء من جديد.”
“ماذا؟”
“سأمنحك فرصة واحدة فقط. قولي الحقيقة. هل اسمك فعلًا إيسو؟ وكم عمرك؟”
في تلك اللحظة، أدركت إيسو ما الذي يشك به، فصرخت بغضب:
“أنا لم أكذب أبدًا! قلت كل شيء بصدق. إذا كنت تريد التحقيق، فافعل!”
“بالطبع سأحقق. ومن البداية، بدقة تامة، دون أن أترك شيئًا. لأنني الآن، لا أستطيع تصديق كلمة واحدة مما تقولينه.”
أطبقت إيسو قبضتها وبدأ جسدها يرتعش من الغضب. كان ذلك لا يُطاق، لكنها لم تستطع أن تلومه. فالأحداث التي تورطت فيها كثيرة، وكان من الطبيعي أن يشك.
ثم سأل فجأة بنبرة حادة:
“آه، كنت سأغفل عن أهم سؤال. هل ترغبين في أن تصبحي محظيتي؟”
حدّقت إيسو فيه بدهشة وذهول، كأنها لا تصدق ما سمعته. لكنه كان جادًا، لم تتغير ملامحه أبدًا. عندها، صاحت بصوت حاسم:
“لا، أرفض! لن أقبل أبدًا! حتى لو مت، لن أصبح محظية القائد الأعلى، لذا لا تسألني مجددًا!”
“أحقًا؟ حسنًا، هذا مطمئن على الأقل.”
“ها… هاها!”
يا للوقاحة! شعرت بأن رأسها سينفجر من الضيق. لكن دوها، كأنه لم يلاحظ شيئًا، استأنف كلامه بجدية:
“بما أننا أنهينا ما يجب، فقد حان وقت التفكير مليًا.”
“تفكير؟ لا تقل لي…”
ارتجف صوت إيسو لا إراديًا، وهي تتخيل أسوأ الاحتمالات.
“هل تنوي إلغاء الاتفاق بيننا؟”
“الأوضاع تغيرت، أليس من الطبيعي أن نعيد النظر في الصفقة؟”
“سيدي القائد!”
رفعت صوتها مرتبكة بعدما تحقق أسوأ مخاوفها. لكن دوها لم يبدِ أي تفاعل.
“الفرصة التي منحتُها، كانت لرجل، لا لفتاة.”
“أنا كنت إيسو حينها، وما زلت إيسو الآن. أنت من مددت يد
ك أولًا، فلماذا تريد الآن التراجع؟ ما الذي تغيّر؟”
ارتفع صوت إيسو دون أن تشعر. لم يعد هناك وقت للمجاملات، فالأمر متعلق بحياتها. إنهاء الاتفاق يعني الموت. وإن أدار ظهره لها، فلن يبقى لها شيء سوى النهاية.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات