قبل أن يمضي وقت كوب شاي، كان دوها قد خلع درعه ورتّب زيه الرسمي، ثم انطلق إلى القصر.
خلال ذلك، أمر كبير الخدم أحد الخدم بإرشاد إي سو إلى إحدى الغرف الجانبية القريبة من البوابة.
راحت إيسو تتفحص الغرفة التي ستقيم فيها بعينين فضوليتين.
كانت غرفة صغيرة لا تحوي سوى سرير وخزانة صغيرة وكرسي، ولا أثر فيها لأي شخص آخر.
ما يعني أنها ستحصل على الغرفة بالكامل لنفسها.
انبثقت ضحكة خفيفة من فمها. صحيح أنها ستقيم هنا مؤقتًا، لكنها كانت “غرفتها”.
بالنسبة إلى إيسو، التي اعتادت النوم في الأزقة أو داخل بيوت متهالكة مع يانغ وو أو مجموعة من الصبية، فهذا المكان لم يكن أقل من الجنة.
“ياااه!”
صاحت وهي تلقي بنفسها على السرير. كان لينًا إلى حد جعلها تشعر بالنعاس فورًا. ثم جاء الطعام الذي أُرسل إليها من كبير الخدم.
بضع أطباق نباتية بسيطة مع أرز، وجبة متواضعة لكنها وفيرة. أكلته بنهم حتى لم تبقِ شيئًا.
كما طُلب منها، وضعت الصينية خارج الباب، ثم عادت لتستلقي من جديد وتحدّق بالسقف وهي ترمش بعينيها. امتلاء المعدة جلب معه النعاس مجددًا.
“ما هو عملي في الحديقة الإمبراطورية؟”
مهما فكّرت، لم تجد إجابة.
ورغم أن دوها أنكر ذلك، إلا أنها شكّت في بداية الأمر بأنه قد يكون من أولئك الذين يميلون إلى الفتيان.
رغم أن قبلة دار الضيافة كانت قوية، إلا أنه من يعلم؟ ربما كان من النوع الذي يحب الطرفين.
لكنها لاحظت أن دوها لم يُظهر أي ميل نحو الرجال.
بل، طوال الطريق إلى العاصمة، لم يلمسها، ولم يقترب من أحد، لا رجلًا ولا امرأة. حتى حين جلس مع فتيات التسلية، كان الأمر لا يتعدى أمسية واحدة.
“يبدو أنه لا يفكر بهذه الطريقة أصلًا، وهذا مريح… أو، هل هو كذلك فعلًا؟ حتى لو كان يميل للنساء، فهذا لا يجعل الأمر أفضل. ألم ترَ كيف يُرسل كل تلك الرسائل بحثًا عن راقصة دار الضيافة؟”
فجأة، اختفى النعاس. عقدت إيسو حاجبيها وهزت رأسها.
في البداية ظنت أنه سيتوقف عن البحث مع الوقت. لكنها تفاجأت باستمرار إرسال الرسائل حتى أثناء رحلتهم إلى العاصمة. ما جعلها تشعر بالتوتر الشديد.
من كان يتوقّع أن يكون دوها بهذا القدر من الإصرار؟
راودها خاطر أن تعترف له: “أنا تلك الراقصة”.
لكن مهما يكن، فقد خدعته، وإن عرف الحقيقة، هل ستظل رقبتها على جسدها؟
مرّت أصابعها على شفتيها ثم على عنقها، وارتجفت فجأة. فقط التفكير بذلك أرعبها. كيف تمكنت من تقبيله في دار الضيافة؟ لم تفهم حتى الآن.
“الأفضل أن أبقى وكأنني ميتة. ما الفائدة من كشف الأمر؟ سيملّ قريبًا.”
أومأت برأسها موافقة على قرارها الداخلي. كانت تدرك تمامًا حدودها.
دوها ليس رجلًا يمكنها مواجهته. ما حدث في دار الضيافة كان زلزالًا لا تود تكراره.
عليها أن تتراجع. ألا تفكر مجددًا.
تُنسى الحادثة، وتعيش كأحد أتباعه المخلصين.
ولحسن الحظ، ما رأته منه أثناء الرحلة أوحى بأنه، رغم طباعه القاسية وجنونه أحيانًا، لا يخون أتباعه أو يستخدمهم عبثًا.
“صحيح، استعدت نصف الفضة، والعمل مع القائد الأعلى ليس فرصة تتكرر. أقسمت له الولاء، فلأقم بأي شيء يُطلب مني. أفضل ألف مرة من موت تافه.”
ضحكت إيسو وهي تشدّ على حزمة الفضة التي لم تفارق يدها طوال الطريق.
رغم صعوبة الوضع، لم يكن أسوأ سيناريو. شيئًا فشيئًا، استعادت هدوءها.
وما إن بدأت ترتخي أعصابها، عاد النعاس. ربما كان التعب من السفر قد تراكب أخيرًا.
“هاااااااااااام!”
تثاءبت حتى دمعت عيناها، ثم أُغلقت جفونها ببطء. لم يكن بيدها شيء الآن.
و دوها، الذي ذهب إلى القصر، لن يعود بسرعة. فلتغفو قليلاً إذًا.
استسلمت إيسو للنعاس. التفكير بالقلق، مؤجل حتى بعد عودته.
………….
دخل دوها القصر الملكي بخطوات هادئة أنيقة.
وبينما كان يمرّ، وقعت أنظار وصيفات القصر عليه، فتوقفن لحظة، مأخوذات بهيبته.
لكنه، بينما يرمق القرميد الذهبي والبنايات التي لا نهاية لها، لم يُبدِ أي تعبير، ظلّ باردًا، جامدًا كعادته.
ما إن وصل إلى قاعة الاستقبال، حتى نهض الإمبراطور من مكانه بفرح لا يخفيه.
كان الإمبراطور قد صعد العرش منذ ثلاث سنوات فقط، ويصغر دوها بعامين. ملامحه لا تزال شابة، لكنه يتمتع بوسامة وقوة هادئة تسري من نظرته.
“أخيرًا وصلت؟”
“أنا لي دوها، القائد الأعلى، أحيي جلالة الإمبراطور.”
“لقد تأخرت أكثر مما توقعت. هل من اللائق أن يُقال إنك أعظم جنرال في مملكة داميانغ هكذا؟”
“أعتذر، يا مولاي.”
كان واضحًا أن التأخير سببه التعامل مع تايسو حاكم “أوجوسونغ”، لكن نبرة الإمبراطور كانت تحمل شيئًا من المزاح الاستفزازي.
مع ذلك، لم يُظهر دوها أي انزعاج، بل انحنى ببساطة بعينين ثابتتين وباردتين.
تأمل الإمبراطور دوها مطولًا، ثم ابتسم وهزّ رأسه ببطء.
“حقًا، ما زلت مملًا كما أنت!”
“لقد خضعت مملكة وول تمامًا. لن تجرؤ مجددًا على التفكير بسوء في جلالة الإمبراطور.”
“حسنًا، أحسنت صنعًا. لقد أعددت شايًا نفيسًا خصيصًا لك، فلننتقل لمكان آخر لنتحدث عن التفاصيل.”
عندما بدأ الإمبراطور بالسير، تبعه دوها”
بصمت. وما إن وصلا إلى الحديقة الخلفية، حتى جلسا معًا وتذوقا رائحة الشاي برهة.
“سمعت أنك أخذت صبيًا معك في طريق العودة؟”
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
“ويُقال إنه دخل إلى غرفتك، أليس كذلك؟ تحت أمر من حاكم أوجوسونغ، دس السم في شرابك، بل ووجّه إليك خنجرًا؟”
“صحيح، هذا ما حدث.”
حتى قبل أن يقدّم تقريره، كان الإمبراطور يعرف كل شيء بدقة.
لكن دوها لم يُبدِ أي انفعال. كان يعلم أن عيون الإمبراطور منتشرة في كل أرجاء مملكة داميانغ، وكان هو نفسه من درّبها.
تنهد الإمبراطور طويلًا أمام ردّ فعله الهادئ.
“هذا ليس من طبعك.”
“… أعلم.”
“حتى الآن، لم يفت الأوان. اقتله.”
كانت نبرة الإمبراطور ناعمة، لكنها حادة كالسكين.
“ما حصل مع حاكم أوجوسونغ كان بعلمي الضمني، لذا لا ألومك رغم أن الأمور خرجت عن السيطرة أكثر مما توقعت.
لكن هذا الصبي… إنه مختلف. أليس جاسوسًا للتايسو؟ كان عليك قتله فورًا.
من غير المقبول ترك من يجب أن يُقتل على قيد الحياة!”
حتى مع هذه الكلمات الحادة التي لا تخلو من اللوم، بقي دوها صامتًا، ثم تحدّث بهدوء دون أن يرفع صوته:
“لا يمكن الجزم إن كان حقًا جاسوسًا. قال بنفسه إنه دخل إلى فراشي بأمر من التايسو، لكنه أنكر كونه جاسوسًا.”
“وهل تصدق ما قاله؟”
“أصدق؟ لست متأكدًا.”
“…؟”
“سواء كانت كلماته صادقة أو كاذبة، لا يهم. المهم أنه حاول قتلي، ثم دخل القتلة بعده. لكن، ولأن هناك أمرًا مريبًا، لم أستطع أن أعدمه ظلمًا. لذلك قررت منحه فرصة.”
“فرصة؟”
“سأُدخله الحديقة الإمبراطورية.”
صُدم الإمبراطور لوهلة من هذا التصريح غير المتوقع. لكنه، بالتفكير قليلًا، لم يجد في ذلك ما لا يتماشى مع أسلوب دوها. فقد ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهه.
“أفهم ما يقلق جلالتكم. لكن لا داعي للقلق. أنتم تعلمون كما أعلم أن جميع من أحضرتهم يذهبون إلى الحديقة الإمبراطورية لتلقي التدريب. وهذا الصبي أيضًا، حصل على نفس الفرصة.”
“…”
“وكما تعلمون، هناك تنتظرهم فرص عظيمة. إن خرج من هناك وصار مساعدًا أو قائدًا، تُفتح أمامه طريق النُبل. ولكن، التدريب في الحديقة الإمبراطورية قاسٍ جدًا. معظم الأطفال لا يصمدون نصف عام. ومن يصمد أكثر من ذلك، قد لا يتجاوز واحدًا من بين كل مئة.”
عندها فقط أدرك الإمبراطور أن “الفرصة” التي منحها دوها ما هي إلا شكل آخر من العقاب القاسي.
فهزّ رأسه بلا تصديق، بينما ظلّ دوها بلا أي تغيير في تعبيره.
“كان من المفترض أن يموت في أوجوسونغ. وما منحته له ليس إلا هدية زائدة عن استحقاقه. وإن لم يصمد، فذلك مصيره.”
“وإن نجا؟”
“إن نجا، فهذا يثبت كفاءته. وفي ذلك الوقت، لن يكون هناك حامٍ لبقايا التايسو، ولا من يجرؤ على الاعتراض. من سيهتم إن أصبح عبد بلا نسب نائبًا؟”
نظر الإمبراطور إليه بعينين لامعتين، ثم أومأ برأسه على مضض. بدا أن الأمر يستحق الانتظار.
وإن شكّل تهديدًا، فـ دوها لن يتردد في التخلص منه.
“حسنًا، إن كنت ترى ذلك صوابًا، فافعل كما تشاء.”
“ممتن لجلالتكم، مولاي.”
وقف دوها وانحنى استعدادًا للمغادرة، لكن الإمبراطور أوقفه بإيماءة:
“ما العجلة؟ مرّ نصف عام منذ لقائنا الأخير. سأطلب تجهيز العشاء، وأود سماع ما حدث في مملكة وول، وما فعلته مع التايسو بتفصيل. أرغب بسماع ذلك منك.”
“… كما تأمرون.”
رغم أن تقارير الظل قد نقلت له كل شيء، أراد الإمبراطور أن يسمع القصة من فم “دوها”.
جلس الأخير مجددًا بهدوء، كعادته، بوجه بارد لا يحمل أي انفعال.
“عندما وصلتُ إلى الحدود بأمر من جلالتكم، قبل نصف عام…”
بدأ دوها بسرد ما جرى بصوت هادئ متّزن. وكان الإمبراطور يُصغي إليه بانتباه، ويطرح عليه أسئلة بين حين وآخر باهتمام ظاهر.
في كل مرة يعود فيها دوها من ساحة المعركة، كان الإمبراطور يستقبله بفرحة خالصة،
وكأنه يلتقي بأخٍ عزيز، ويتمنى لو يطول لقاؤهما، واليوم لم يكن استثناءً.
لكن دوها كان يعلم جيدًا…
أنهما، في النهاية، ليسا أكثر من ملك وقائد. قد يدعمان بعضهما حتى لا يسقط أحدهما، لكن لن يكونا أبدًا أخ
وين حقيقيين أو صديقين مخلصين.
وأثناء الحديث، كان دوها ينظر إلى الإمبراطور من حين لآخر دون أن يلاحظ.
وفي حين امتلأت عينا الإمبراطور بثقة صافية، ظلّت عينا دوها باردتين وجافتين، من البداية حتى النهاية.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات