لم يستطع لاتيني تصديق ذلك.
“إذن، ما كلّ تلك العروض المزعجة التي كان يقومان بها أمامي؟”
آه، هل يعني أنّهما يتواعدان فقط دونَ زواج؟
إذن، لماذا تـمّت الخطوبة؟
تشابكت أفكار لاتيني في فوضى.
أجابته أميريس بصوتٍ هادئ و عاديّ.
“تمثيل، ماذا غير ذلك؟”
كلّ شيء كان خدعة؟!
كـاد لاتيني، بسببِ فشلـه في ضبط قوّتـه، أن يحطّم الجدار.
“مستحيل…”
“إنّها الحقيقـة.”
تقاطعت نظرات أميريس و لاتيني.
“…..”
كون لاتيني صديقًا قديمًا لأميريس، كان يعرف جيّدًا.
لم تكـن أميريس تمزح.
كان وجه أميريس يعبّـر عن قول الحقيقة.
وعلاوةً على ذلك، لم يكن هناك سبب لتمزح في مثل هذا الموقف.
على الرّغمِ من معرفته بذلك، لم يستطع لاتيني تصديق هذا.
إذن، ما الذي كنتُ أراه طوالَ هذا الوقت؟
أمسكَ لاتيني رأسه.
* * *
“…..”
بعد مغادرة سيسيليا التي جاءت لزيارتها في المستشفى،
لم تعرف روديلا كيف مرّ الوقت.
بين علاج رقبتها و زيارات الأطبّاء الدّوريّة لفحص حالتها، مـرّ الوقت بسرعة.
شعر بعض الأطبّاء بالقلق من أن تُصاب بصدمة نفسيّة، لكن…
“هل هناك أيّ إزعاج؟”
“هل ترين كوابيس سيّئة، أو ينبض قلبكِ بسرعةٍ عند رؤية أشياء معيّنة؟”
“لا شيء من هذا القبيل.”
هـزّت روديلا يدها.
صحيح أنّها رأت كوابيس (؟)، لكنّها لم تكن مرتبطة بالحادث.
أمام الأطبّاء الذين اطمئنّوا، أغلقت روديلا فمها بإحكام.
لم تستطع أن تقول أنّ سيّد عائلتهم يطفو في ذهنها.
لذلك، كان على روديلا أن تمسك رأسها بمفردها.
ماذا قال ذلكَ الرّجل آخر مرّة زارها؟
“ارتاحي جيّدًا، أليس كذلك؟”
على عكسِ ما جعل ذهنها مشوّشًا، لم يزرها آيفرت كثيرًا مؤخرًا بسببِ انشغاله بالعمل.
بسببِ ذلك، كانت روديلا تتنهّـد وهي في السرير، بينما تنظر إلى الباب، و تحدّق بذهول، ثم تلقي نظرة على النّافذة.
دونَ وعي، كانت تنتظر قدومه.
عندما نظرت إلى التقويم دونَ تفكير، أدركت أنّه مـرّ وقتٌ طويل منذُ آخر زيارة له.
بدأ شعور بالإحباط ينمو في زاوية من قلبها.
“…هل أنا أنتظره؟ حقًا؟”
حتّى عندما يأتي، لا يتبادلان حديثًا كثيرًا، فلماذا؟
“الفرسان الحمر يتصرّفون بطريقةٍ مزعجة. إذا حطّمتُ مقرّهم، ألن يختفوا من الأنظار لبعض الوقت؟”
“هل ستتحمّل ذلك؟”
مثل هذه التّفاهات.
“اتركي مهامكِ لي. سأتولّى كلّ شيء. سأنظّف الأمور بدقّة.”
“…بدقّة؟”
…مثل هذه التّفاهات المقلقة لم تكن مختلفة عن المعتاد.
ومع ذلك، شعرت أنّها، هي التي تنتظر هذه المحادثات التّافهة، قد تغيّرت كثيرًا.
“آه.”
أمسكت روديلا رأسها مجدّدًا.
بمجرّد أن بدأت تفكّر به بشكل مختلف، بدأ قلبها يخفق بجنون.
لكن المشكلة أنّها هي فقط مَنٔ تشعر بهذا.
“بينما ذلك الرّجل لم يتغيّر فيه شيء منذُ أيّام الأكاديميّة.”
صحيح أنّ طريقته في التعامل مع الآخرين تغيّرت كثيرًا، لكن بالنّسبةِ إليها، كان دائمًا ثابتًـا.
بمعنى آخر.
“أنا الوحيدة التي تشعر بهذا!”
كوونغ كوونغ!
دونَ وعي، ضربت روديلا رأسها بالجدار.
ثـمّ.
“هل أنـتِ بخير؟!”
اضطرّت أن تشرح للأطبّاء، الذين جاؤوا مذعورين من الاهتزاز (؟)، أنّ عقلها سليم لفترةٍ طويلة.
بعد خروجها من المستشفى و عودتها بسلام إلى فرقة الفرسان،
“من اليوم، ستتولّى السّيدة سيفريك المهام الدّاخليّة.”
قال لاتيني بجديّة عند رؤيتها.
“لم أُكلّـف تقريبًا بمهام خارجيّة منذُ البداية، سيّدي القائد.”
ردّت روديلا بدهشة، لكن لاتيني أجابَ بوقاحة.
“من الآن فصاعدًا، ستتولّين المهمّة الجسيمة المتمثّلة في التـأكّد من إطفاء جميع أنوار المقرّ بعد منتصف الليل.”
بمعنى آخر، كان يقول لها أن تبقى محاصرة داخل المقرّ و لا تذهب إلى أيّ مكان.
“…حسنًا.”
في البداية، ظنّت أنّه أمر سخيف،
لكن يبدو أنّه كان قلقًا جـدًا عليها.
خدشت روديلا خدّها.
لكن قلق لاتيني لم يدم طويلًا.
عندما دخلت المكتب لأداء تلكَ “المهمّة”، توقّفت عندما رأت المشهد أمامها.
كان يجلس في المكتب الذي بدأت تستخدمه معه بعد حادثة الأصفاد، و هو يتلقّى تقارير النّاس كالمعتاد.
“إذن، سنتولّى تعزيز القوّات في الفرع الغربيّ.”
“سأتولّى تقديم التّقرير إلى القائد، فاذهبي بسرعة.”
“حاضر!”
رأت شعرًا بنيًا داكنًا طويلًا لامعًا لفارسة تقدّم تحيّتها بحماس.
أثناء وجود روديلا في المستشفى، جاءت بعض الفارسات من الفرع، فأصبح هناك الكثير من النّساء في المقـرّ الرئيسيّ.
من بين جميع الأماكن_
و لسببٍ ما وجدت روديلا الأمر مزعجًا للغاية.
حتّى لو كان مجرّد عمل.
“هذا هو التّقرير.”
‘…..’
عندما سلّمته التّقرير ، تلامست أيديهما.
لا شكّ أنّ تلكَ اليـد قد شعرت بدفء يـده.
تمامًا مثلما شعرت روديلا بدفء يد آيفرت عندما أمسكت بها.
يـده الدّافئة.
سيطرت تلكَ الأفكار التّافهة على ذهنها، فلم تستطع حتّى أن تقول أنّـها عـادت.
خصوصًا__
عندما أدركت أنّها تقـارن يـد الفارسة التي أصبحت خشنـة بعض الشّيء بسببِ حمل السّيف بــ__
«إنّها المرأة التي سأتزوّجهـا.»
بيـد المرأة التي رأتها في الحلم،
أصبح ذهن روديلا فارغًا تمامًا.
صحيح أنّ الأمر كـان سخيفًا، لكن __
لم تستطع أن تتذكّر حتّى كيف حيّـت آيفرت بعد ذلك.
جلست بهدوء على مكتبها، و أخذت تتفاجأ كلّمـا دخلت فارسة أخرى إلى المكتب.
إذا لم تكن أيديهن مشابهة لتلكَ المرأة، فربّما كانت الأجواء مشابهة.
و كلّمـا سمعت ضحكة، انتصبت أذناها.
بينما كانت تكافح للتركيز—
“أبلغي.”
عندما علق صوت شخصٍ ما في أذنيها، استعادت روديلا رباطة جأشها.
كان صوتًا نسائيًا هذه المرّة أيضًا.
“―سيّد العائلة.”
سيّد العائلة؟
فتحت روديلا عينيها بدهشة عندَ سماع كلمة غير متوقّعة.
عندما أدارت نظرها، رأت امرأة ترتدي زيّ فرقة التّفتيش.
“بخلاف هذا الحادث، تـمّ التأكّد من وقوع حوادث دوريّة في مناطق اختصاص فرسان الأحمر، بالإضافة إلى جماعات إجراميّة نمت بشكلٍ غير طبيعيّ.”
“آه.”
رأت روديلا آيفرت يرفع زاوية فمه.
آه، إنّـه غاضب الآن.
“يبدو أنّهم تجاهلوا الجرائم مقابل رشاوى، ثمّ يقومون باعتقال الجناة عندما تكبر جرائهم، لتزوير إنجازات فرسان الحمر.”
ماذا؟ حتّى روديلا ضحكت بدهشة من هذا الكلام السّخيف.
“و الأدلّة؟”
لكن آيفرت لم يبدُ متفاجئًا.
“تـمّ محوها، لهذا كان من الصّعب إيجادها. يبدو أنّهم يتحرّكون بسرعة خوفًا من تدقيق رويدن.”
نظرت روديلا إلى عضوة فرقة التّفتيش مجدّدًا.
من ذكر رويدن إلى تسميتها له بـ “سيّد العائلة”.
من الواضح أنّها كانت تتحدّث إلى سيّد العائلة بصفتها رويدن، و ليس كعضو في فرقة التّفتيش.
“تحرّكوا فقط عندما تكونون متأكّدين.”
ردّ آيفرت.
لقد رأت هذه العضوة من قبل، لكن في ذلكَ الوقت،
“نائب القائد.”
كانت تنادي آيفرت هكذا.
حتّى عندما كانوا ثلاثتهم فقط: هي، آيفرت، و عضوة فرقة التّفتيش.
بمعنى آخر، لم يعد أشخاص رويدن و لا آيفرت يخفون أمر رويدن عنها.
على عكسِ السّابق.
“حاضر.”
انحنت العضوة وهي تحيّي بتحيّـة رويدن المميّزة التي رأتها روديلا عدّة مرّات.
“عائلة رويدن متجذرة في الإمبراطورية أعمق مما تعتقدين.”
تمامًا كما قالت أميريس.
الآن أصبح من المنطقي لماذا كان لدى آيفرت، الذي يتصرف بتهور عادةً، علاقة جيدة مع وحدات التفتيش و النّقـل.
إذا كانوا من رويدن منذُ البداية، فهذا يغيّـر الأمر.
“تـمّ ترتيب هذه للتقارير الدّاخليّة.”
أخذ آيفرت الوثيقة الأخيرة التي قدّمتها العضوة و تصفّحها.
أومأ برأسه قليلًا و نظر إلى روديلا.
“روديلا.”
كانت روديلا تنظر كما لو كانت تشاهد مسرحيّة، و أدركت متأخّرة ببضع ثوانٍ أنّها أصبحت جـزءًا منها.
“نـ، نعم؟”
“سأذهب لتقديم التقرير. إلى القائد.”
لـوّح بالورقة.
نهضت روديلا كعادتها.
“لنذهب معًا.”
لم يكن لدى آيفرت سبب للرفض، فأمسكت روديلا معطفها دونَ انتظار الرّد.
لكن __
“لا، سأذهب وحدي.”
قال آيفرت بحزم.
على غير المعتاد.
نظرت روديلا إليه متفاجئة بالـردّ الغير متوقّع.
“لوحدك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 92"