حدثَ كلّ شيءٍ في لحظة.
لكن روديلا، ذات العين الحادّة، أدركتْ على الفور أن ما سحقه آيفرت لم يكن، لحسن الحظ، خصر الفارس الأحمر، بل مقبض سيفه.
نظرَ الفرسان الحمر إلى كتلة المعدن المجعدة التي لم تعد قادرة على أداء دور مقبض السيف، وبدأوا يرتجفون وهم واقفون.
قال آيفرت للفرسان:
“كما سمعتم على الأرجح، أجدُ صعوبة في التّحكمِ بقوتي. هل أنتم مهتمّونَ بحادثٍ يؤدي إلى موت مروع؟”
بينما كانَ الفرسان الحمر يتراجعون بخطواتٍ متردّدة بعد فهم كلامه. انحنى آيفرت قليلاً وهمس لصاحب مقبض السيف، بصوتٍ لا يسمعه سواه:
“اذهب قبل أنْ أسحق وجهكَ بالخطأ.”
“…..!”
كانَ شخصًا يمكنه فعلُ ذلك إذا أراد.
كما لو أن مسمارًا قد دُق، اتّسعت المسافة بينه و بين الفرسان بسرعة.
“سننقل الأمر عبر الوثائق، الوثائق!”
بدوا وكأنهم قليلو الخبرة، وهم يهربون وظهورهم مكشوفة.
يبدو أنّهم لم يصطدموا كثيرًا بفرقة الفرسان الزرق بعد.
هل يجبُ أن أكون شاكرةً لأنهم تحمّلوا هذا القدر؟
شعرت بالامتنان لهذا السبب.
ابتسمت روديلا سرًا وهي تدركُ عدم ثقتها العميقة بآيفرت.
حسنًا، على أيّ حال، كانَ من الجيّد أنّه طردَ المزعجين الخائفين ببراعة.
قالت له وهو يعود بعد أن نفضَ يديه بهدوء:
“قله بالكلام، بالكلام.”
من المؤكدِ أن هؤلاء الرجال سيطالبون فرقة الفرسان الزرقاء بتعويضات عن الأضرار النّفسية وتكاليف صنع السّيف.
بالطّبع، مقارنةً بتعويضات الـ700 مليون، قد لا تكون ملحوظة، لكنها في النّهاية ستؤثر سلبًا على المالية.
“يجب أن يكونَ الكلام مفهومًا حتى أستخدمه.”
تنهّدت روديلا فقط على كلامه المريح، غير مدركةً أن آيفرت، وهو ينفض يديه، كان يتذكر وجوههم جيدًا في ذهنه.
ثم قالَ لها فجأةً:
“تبدين معتادة.”
“على ماذا؟”
كانَ وجه روديلا، التي سألت، هادئًا. ضيّق آيفرت عينيه.
“على مثلِ هذهِ الكلمات.”
لا يعجبني أن تستمعي إلى مثلِ هَذا الكلام.
لكن بالنسبة لروديلا، لم يكنْ هذا النّوع مِن الكلام يُعتبر مزعجًا، فهزّت كتفيها.
“مقارنةً بالمزعجينَ الذين يَأتون إلى إدارة الشّؤون العامة، هذا مجرّد دلال.”
بالمناسبة.
ألقتْ روديلا نظرة جانبية على آيفرت.
“أنتَ تكذب بشأنِ عدم قُدرتكَ على التّحكمِ بقوتك، أليس كذلك!”
لو كانَ غير قادرٍ على التّحكم بقوّتِه، لما كان مقبض السّيف قد تكوّم بشكلٍ تهديديّ بدقّة.
“آه، لقد كنتُ غاضبًا للتو.”
يبدو أن عليها تعليم فرقة الفرسان الزرقاء الصّبر أولاً.
نظرت عيناها بشكلٍ غريزيّ إلى ساعتها.
كانَ وقت التّدريب بعد الظهر على وشكِ البدء.
“لا يمكن أن يستمرّ الوضع هكذا. لا يوجد تدريب خاصّ اليوم، أليس كذلك؟ اجمع كلّ الفرسان.”
استدارت نحو المقر.
“لماذا؟”
“لأدربهم.”
“أنتِ؟”
أمالَ آيفرت رأسه.
“نعم، و أنتَ أيضًا.”
ابتسمتْ روديلا له بِلطف.
* * *
ما الذي يحتاجه تدريب الفرسان؟
كانَ بإمكان فرقة الفرسان الزّرقاء الإجابة ببساطة.
شخصٌ لتدميره، شخصٌ ليُدمر، شيءٌ لتدميره، شيءٌ ليُدمر.
هذا يكفي.
لكن أجواءَ ميدان التدريب اليوم كانت مميزة.
هذا ليسَ تدريبًا، بل…
“هل هو تجمّع للطّعام؟”
يبدو أنّ هناك الكثير مِن الطّعام؟
بل إن هناكَ مئات السّلال مليئة بالبيض الطازج، وكأن أحدهم يحملُ ضغينةً على حظيرة الدجاج.
“لا، إنّه تدريب.”
وكانت تقفُ بينهم بكلّ ثقةٍ المساعدة الإدارية الجديدة، روديلا سيفريك.
قالتْ بهدوء للفرسان الذين ينظرونَ إليها بدهشة:
“كلّ واحد منكم فليأخذ سلّةً و ينقل 30 بيضة إلى سلّة فارغة أخرى.”
“ماذا؟”
نظرَ الفرسان إلى بعضهم البعض.
هل يقومونَ بمثلِ هذه التّدريبات فِي إدارة الشؤون العامّة؟
بالطًبع لا. في مكان مليء بالعاملين على المكاتب، أيّ تدريب هذا؟
لكن بعضَ الفرسان ذوي الحسابات السّريعة تقدّموا بهدوء.
بِغضّ النظر عمّا يقال في الفرقة، إذا أُمروا بشيء، يجب تنفيذه.
والأهمّ، كانَ نقل البيض يبدو أسهل بكثيرٍ من التدريب.
“إذا انتهينا من هذا، هل سينتهي التدريب؟”
أومأتْ روديلا برأسها لسؤال أحد الفرسان.
“بالطبع.”
“رائع!”
تقدّمَ المزيدُ من الفرسان.
كانتْ أفكارهم متشابهة تقريبًا.
في كلّ مرة يأتي فيها مساعد إداريّ جديد، كانوا يطلبون منهم أشياء غريبة، لكن هذه كانت أكثر المهام “طبيعية” من بين جميع المساعدين السابقين.
كانَ هدف المساعدين السابقين دائمًا “فرض الانضباط على مجموعةٍ من النبلاء الدنيويين”.
لذا كانوا يلقون تهديدات أو مواعظ غير مجدية.
لكن هَذا يبدو طبيعيًا وآمنًا، أليس كذلك؟
والأهمّ من ذلك، كانَ لديهم إيمان بأنَّ “زوجة أخيهم” لنْ تكون شخصًا غريبًا.
أليست الشّخصَ الذي ارتبطَ به نائب القائد منذ الطّفولة و خطيبته الآن؟
عندما كانَ يأتي مساعد إداريّ غريب، كانوا يتآمرون معًا لطرده، لكن هَذه المرّة لا!
لم يأتِ مساعد إداريّ يبدو أنّ بإمكانهم التّواصل معه مِن قبل!
لنحاول مواكبتها قدر الإمكان!
“إذا انتهينا من هذا، سنغادر مبكرًا!”
كانَ أوّل مَن تقدّمَ للتّحدي هو الفارس لانارك.
بطوله الذي يتجاوز مترين و عضلاته الهائلة، كانَ يُعرف خارجيًا بـ”درع الفرسان الزرق”، وداخليًا بـ”الدب”، و كانَ شخصًا مرحًا يحب الظهور.
وكانَ أيضًا يملكُ شخصيّة كالثور، لا ينظر إلى الخلف بمجردِّ اتّخاذ قرار.
“سأنهي هذا بسرعة، زوجة أخي!”
صرخَ بهذه الكلمات. لكن الردّ جاءَ مباشرةً من جانب روديلا.
“نادِها بالسيدة سيفريك بشكلٍ صحيح.”
كانَ الصّوت المنخفض لنائب قائدهم آيفرت.
بدا مزاجُه مضطربًا للغاية.
“آه، نعم.”
من الواضحِ أنه غاضب لأننا لا نعاملُ زوجته المستقبلية بالاحترام المناسب. بالتأكيد زوجان عاشقان على وشكِ الزّواج―.
“لكن لماذا تقف هنا، سيدي نائب القائد؟”
عادةً ما يتبادل المساعد الإداري الموفد من إدارة الشّؤون العامّة الاحترام المتبادل مع نائب القائد، لذا لم يكن احترام روديلا غريبًا.
“…..؟”
ضربتْ روديلا ظهرَ آيفرت الذي مالَ بِرأسه.
“نائب القائد هو أيضًا من ضِمن المشاركينَ في التّدريب.”
“آه.”
بدتْ ملامح لانارك مرتبكةً قليلاً وهو يرى نائب القائد يُدفع إلى وسط ميدان التّدريب بصوت تعجّبٍ غامض.
لم يكن هذا المنظر العاشق المتوقّع.
هل مِن الممكنِ أن يكونا…
تشاجرا؟
لم يخطر ببالِ أحدٍ أنّ هناكَ عقدًا بينهما.
على أيّ حال، المهمّ كانَ التدريب… لا، الراحة الحلوة التي ستتبعه.
“ها نحن ذا!”
تخلّصَ لانارك من أفكاره وأمسكَ بالبيضة.
في البداية، كانت حركاته حذرة، وبعد نجاحه في نقل بيضتين أو ثلاث، زادت ثقته و سرعته. لكن في تلك اللّحظة.
―قرقش!
تحطّمتْ البيضة و تناثر صفارها علَى وجهه.
“آه.”
رسمَ لانارك، الذي وُضعَ صفارًا غير ناضجٍ في فمه، تعبيرًا مذهولًا.
في الوقتِ نفسه، انفجر الفرسان الذين كانوا يراقبونه بالضحك.
“كانَ واثقًا جدًا، لكنه أصبحَ مهزلة!”
هرعَ الفرسان الذين سخروا منه لأخذِ سلال البيض.
ثم…
―قرقش! بوم!
واحدًا تلو الآخر، تحوّلوا إلى بشر يرتدون “ملابس البيض”.
“ماذا؟”
اختلطَ الفرسان المذعورون مع أولئك الذين كانوا على وشكِ المحاولة، و نزلَ صمتٌ باردٌ على ميدان التّدريب.
بينما كانَ آيفرت يراقبُ المشهدَ باهتمام، فقالت روديلا:
“كما رأيتم، لنْ يكونَ الأمر سهلاً.”
ابتسمتْ بِمكر.
“كما قلتُ من قبل، حتّى ينقل كلٌّ منكم 30 بيضة سليمةً إلى السّلة.”
أشارتْ إلى مدخلِ مَيدان التّدريب. المكانُ الذي أغلقت بابه عندَ دخولها.
“لن يخرجَ أحد.”
التعليقات لهذا الفصل " 9"