* * *
“جئـتِ في الوقت المناسب.”
قالت روديلا لسيسيليا التي أجلستها بحرارة.
نظرت سيسيليا إليها وهي ترفع حاجبًا واحدًا.
تجاوزت نظرتها شعر روديلا المبعثر قليلاً بعد استيقاظها من النوم، و توقفت عند البطانية المجعدة التي تحمل آثار الضّرب.
شعرت روديلا بنظرتها، فسارعت بترتيب البطانية لتنعيمها.
― طق طق.
“البطانية تتجعّـد بسهولة.”
شعرت بالإحراج دونَ سبب.
ما هذه المادة؟ رويدن يجنون المال جيدًا، أليس كذلك؟
“يبدو أنني لم آتِ في الوقت المناسب.”
تحدثت سيسيليا أخيرًا.
ومن حول رقبتها، لمعت قلادة مألوفة.
كانت ترتدي القلادة التي أهدتها إياها روديلا.
شعرت سيسيليا بنظرتها، فربتت على القلادة بعمد وقالت:
“لم أرد ارتداءها في المناسبات الاجتماعية، لذا ارتديتها اليوم. اخترت ملابسي بعناية لأتباهى بها.”
كانت سيسيليا، التي تكره المناسبات الاجتماعية مثل روديلا، تضع ذراعيها متصالبتين.
“هل أغـادر؟”
“لا، لا بأس.”
لوّحت روديلا بيدها.
“تبدو مناسبة، أليس كذلك؟”
رفعت سيسيليا رقبتها قليلاً. أومأت روديلا برأسها.
“شعرتُ أنها ستناسبكِ. عرفتُ ذلكَ منذُ اللّحظة الأولى.”
عند كلماتها، ابتسمت سيسيليا أخيرًا.
“لكن، هل تعلمين أنكِ كنتِ تبدين كمَـنْ يريد قتل شخصٍ ما قبل قليل؟”
“ماذا؟”
ردّت روديلا بتلقائية.
أقتـل شخصًا؟ أنـا؟ مَـنْ الذي سأقتله؟
بينما كانت تفكّـر بهذه الطّريقة، تفاجأت بنفسها، ثم شعرت بالذهول.
كان هناك شخص تذكرته.
المرأة في الحلم.
ما الخطب مع المرأة التي ستكـون زوجة آيفرت؟
هل يجـوز أن أفكّـر بمثل هذه الأفكار الشّريرة تجاه أحـدٍ ما؟
هل جننتُ أخيرًا بعد أن كـدتُ أموت و استيقظت؟
أغمضت روديلا عينيها بقوة ثم فتحتهما وهي تهـز رأسها.
في تلكَ اللحظة، كانت سيسيليا تنهض من مقعدها.
“مهـلاً، انتظـري.”
أمسكت روديلا بكـمّ ثوبها بسرعة.
“تبدين متعبة، سأعود غـدًا.”
“اجلسي من فضلك.”
بدونـكِ، سأظل أفكّر بهذا الرّجل.
بالكاد أجلست روديلا سيسيليا مرّةً أخرى.
“آسفة، لقد أخذتِ من وقتكِ و أتيتِ لزيارتي. أعتقد أنّني متعبـة جـدًّا.”
عندَ كلماتها، طوت سيسيليا ذراعيها .
بدت غاضبة وهي ترفع حاجبيها، لكنها أخيرًا تنهدت و أرخَت كتفيها.
“كان الجميع قلقين جـدًا. أنـا على الأرجح الأخيرة، أليس كذلك؟”
“نعم، زارني الجميع. حتّـى آيفرت جـاء.”
لماذا أضفـتُ هذا؟
شعرت روديلا برغبةٍ في سـدّ فمها.
“يبدو أن طاقم المستشفى كان متوتّرًا بعض الشيء.”
قالت سيسيليا ذلكَ. نظرت إليها روديلا و سألت فجأة:
“هل كنتِ تعلمين أن هذا المكان يملكه رويدن؟”
عند هذا السؤال، رمشَت سيسيليا بعينيها.
ثم نهضت فجأةً من مقعدها بصوت عالٍ.
“ماذا قلـتِ؟ لهذا السّبب!”
بينما كانت سيسيليا، التي بدت و كأنها اكتشفت شيئًا كبيرًا، تتحدّث بحماس عن تدفقات الأعمال المشبوهة حول المستشفى، أدركت روديلا شيئًا مهمًـا.
لقد كشفتُ سـرًّا دونَ قصد و أنا أحاول التحدث عن أيّ شيء!
“هل هذا مؤكّـد؟”
برقت عينا سيسيليا. وضعت روديلا إصبعها على شفتيها.
كان ذلكَ يعني أنها لا تستطيع قول المزيد.
“حسنًا، إنه سـرّ، أليس كذلك؟ إذا عرف النّبلاء أن هذا المكان مملوك لعائلة نبيلة واحدة، سيتوقفون عن المجيء! مَـنٔ سيخاطر بتسريب معلوماته؟”
همست سيسيليا بسرعة و هي تضرب ركبتها مـرارًا.
“لكن، هل هو حقًا ملك لـرويدن؟ لهذا السّبب، لهذا السّبب!”
واصلت سيسيليا حديثها بحماس كأنها تكتشف المزيد.
حاولت روديلا تهدئتها بهدوء.
على أيّ حال، لا يوجد مَنٔ يستمع، و حتّى إن وجد، فهم مجرّد موظفين في المستشفى، لكن مع ذلك…..
“لكن هل كنتِ تظهرين تعبيرًا كأنّكِ تريدين قتل شخصٍ ما بسببِ هذا الأمر؟”
سألت سيسيليا فجأة.
“هل هو بسببِ أن آيفرت أبقاه سـرًا؟”
“مستحيل.”
قد يكون لديـه أسرار لكن ليس هذا….
بينما كانت روديلا تفكر بهذه الطّريقة، رفعت سيسيليا حاجبيها.
“إذًا ماذا؟”
“فقط، حلمـتُ بحلمٍ سيء.”
“حلم سيء؟”
رمشت سيسيليا بعينيها عند هذا الـرّد.
“هل ظهر شخصٌ تريدين قتلـه في الحلم؟”
“هـذا…”
ما الذي كان يظهره تعبيري لتسألني بمثل هذا اليقين؟
توقّفت روديلا لحظة، فقالت سيسيليا على الفور:
“صحيح! مَـنْ هو؟”
“لا أعرف مَـنْ…”
“إذًا هناك شخص!”
رفعت روديلا يديها وقالت:
“لا، فقط شعرتُ بتعقيـد في قلبي، ربّما لذلك….”
“همم.”
ضيّقت سيسيليا عينيها.
“صحيح، لقد مررتِ بأمرٍ مخيف.”
“هذا أيضًا…”
من المؤكد أنني كـدتُ أمـوت.
لكن بعد ذلك، مرّت أحداث كثيرة جدًا، حتى شعرتُ أن ذلكَ الحدث أصبحَ بعيـدًا.
كنتُ أفكّـر أن كوني لا أرتجف من الخوف ربّما أفضل، لكن…..
“لكن، روديلا، هل تكرهينني؟”
اقتربت سيسيليا فجأةً بوجهها من روديلا التي كانت تغرق في أفكارهـا.
“مـاذا؟ لا!”
مستحيل!
أمسكت روديلا بذراع سيسيليا بسرعة.
“إذًا لماذا تبدين شاردة في كلّ مرّةٍ تريـنني؟”
“الأمر ليس كذلك…”
“إذًا لماذا، هل لديكِ شيء آخر يشغلكِ؟”
كانت سيسيليا حـادّة حقًّـا.
“لا، فقط، أممم…”
حاولت روديلا المراوغة، لكن سيسيليا لم تفـوّت ذلك.
“لماذا، هل سمعتِ عن سـرّ آخر؟ سأحتفظ بـه، لذلك أخبريني.”
ليس سـرًا.
أخيرًا، فتحت روديلا فمها.
“اقترحت رئيسة الوزراء أن أذهب في رحلة إلى الخارج.”
“ماذا؟”
رفعت سيسيليا حاجبيها.
كان وجهها يقول: “هل هذا يزعجكِ لهذه الدرجة؟”
“تغيرت الأوضاع في الإمبراطورية بشكلٍ كبير في الأيام الأخيرة. نعـم، ربّمـا يكون من الأفضل أن تكوني بالخارج.”
لم يكن من الممكن أن تجهل سيسيليا، وهي جزء من المجتمع الراقي، التّغيرات في الإمبراطورية.
“إذا كنـتِ ذاهبة إلى الخارج، ستحتاجين إلى حراسة.”
“يبدو أن رئيسة الوزراء ستتوّلى ذلك.”
“وماذا عن تكاليف الرحلة؟”
“إذا ذهبتُ كجزء من قسم الشؤون العامة، ستُغطى التكاليف كجزء من نفقات العمل.”
“صحيح. و إذا كنتِ ستسافرين بالسفينة…”
تدفقت المحادثة بسرعة بينهما.
أومأت روديلا برأسها لـرد سيسيليا.
“إذا رأيتِ الكثير من الحالات في الخارج، ستصبحين مميّـزة في مسيرتكِ المهنية. لا يمكن مقارنتكِ بذلك الـ رايان ديفيلت.”
مـدّت روديلا يدها.
“إنّـها مثل عملية تحضير لتصبحي رئيسة الوزراء.”
أثناء حديثها، توصّلت روديلا إلى استنتاج.
في معركة التنافس على منصب رئيسة الوزراء، حيث كانت في موقف قوي بالفعل، ستكون هذه الرحلة بمثابـة تثبيتٍ نهائي لها.
عند عودتها، سيكون منصب رئيسة الوزراء مضمونًا.
أومأت سيسيليا برأسها لهذا الكلام.
“كلام صحيح. إذًا يجب أن تذهبي.”
“يجـبُ أن أذهب، أليس كذلك؟”
ردّت روديلا بسؤال، لكن شعورًا بالتردد عاد إليها.
“ما الذي تسألين عنه؟”
رفعت سيسيليا حاجبيها. نظرت إليها روديلا ثم تنهدت.
“لكن لماذا هناك الكثير من الأشياء التي تزعجني؟”
“ما الذي يزعجكِ؟ السّيد سيفريك؟ السّيدة سيفريك؟ صحيح، سيشعرون بالملل بدونكِ.”
والداي هما جـزء من الأمر، لكن…
“أنا قلقة بشأنِ عملي في قسم الشؤون العامة. سيحتاجون إلى توظيف شخصٍ آخر إذا غبـتُ. و أيضًا…”
لا، قبـل ذلك، قد يكون هناك مَـنٔ يريد الانضمام إلى فرقة الفرسان الزّرق.
نظرت روديلا إلى السقف.
و علاوة على ذلك، كيف سيخفون ذلكَ المستودع السري؟
ماذا لو تـمّ التدقيق فيه أثناء غيابي؟
“و أيضًـا؟”
عند سؤال سيسيليا، قالت روديلا فجأة:
“و أيضًا، ماذا لو بـدأ آيفرت بتدمير الأشياء؟”
عند هذا الكلام، أخفضت سيسيليا صوتها.
“قد يظهر بالفعـل خصم يستحقّ التدمير.”
هل تتحدّث عن حرب أهلية؟ ربّما سيواجه فصيل الإمبراطور الفصيل الأرستقراطي.
“هـذا…”
يبدو أن مَـنْ يجب أن يعرفوا، يعرفون بالفعل.
عندما لم تستطع روديلا مواصلة الحديث، قالت سيسيليا:
“لكنه ليس من النّـوع الذي يتأذى بسهولة. إذا تأذّى أحدهم، فسيكون هو مَـنْ تسبّب بذلك الآخرين و ليس العكس.”
“هذا صحيح.”
صحيـح.
رمشت روديلا بعينيها.
إنه ليس من النوع الذي يتـأذّى بسهولة إذا لم أكن موجـودة.
قبل أن أنضم إلى فرقة الفرسان الزّرق، كان في ساحات قتال أكثر خطورة بكثير، و مع ذلك لم أره يومًا مستلقيًا في المستشفى يشتكي من الألـم.
طالما أنه لن يتأذى بسببي، فمن المحتمل…
سيكون بخيـرٍ هذه المرّة أيضًـا.
من الأفضل أن أذهب، من أجل سلامتـه أيضًا.
“صحيح…”
لكن لمـاذا؟
“لماذا يزعجكِ أمر آيفرت؟”
التعليقات لهذا الفصل " 89"