روديلا، في عينـيّ، أنـتِ تتألقيـن بشـدّة.
تتألقين إلى درجةٍ تجعل من المستحيل أن أرفـع عينـيّ عنـكِ.
حتّـى لو حاولتُ إخفاء ذلكَ و تغطيتـه، أنـتِ تتألّقين بنقاء، لدرجةِ أنّكِ تسرقين أنظار الآخرين.
لكن، روديلا، بينمـا ستكونين في الخارج، خارج نطاق سيطرتي…
ماذا لو اقتربَ منكِ شخص لا يعيق مسقبلكِ و لا يستبّب في إراقة الدّماء، و أمسـكَ بيدكِ فجأة؟
عندما أتخيّل أنّكِ ستدخلين يومًا ما ممسكةً بـيدِ رجلٍ آخر، مبتسمـةً لي__
و أنّكِ ستقدّمينني له على أنّني أعـزّ صديق لـكِ__
أنـا__
“…..”
أمسكَ آيفرت قبضته بقـوّة.
حتى لو ضغطَ قبضته حتى يسيل الدم من يده، فلن يتغيّـر شيء.
كـان عليـه أن يعترفَ الآن.
آيفرت رويدن هو أعـزّ صديق لـروديلا سيفريك.
ليس أكثـر من ذلك، مجـرّد صديـق فقط.
* * *
بعد مغادرة آيفرت،
توافد الزّوار بلا توقف.
“روديلا، لا يجب أن تتخطي وجباتكِ.”
“حتى لو كان حساء الأرز بلا طعم، يجب أن تأكليه.”
جاء والداي و هم يوبّخانني و يعبّـران عن قلقهما، و أحضرا كومة من الكتب حتى لا أشعر بالملل.
“لا تقلقي بشأنِ أي شيء، فقط استرحي.”
جـاءت السّيدة رويدن، والدة آيفرت، أيضًـا.
أمرت بتجهيز مكتبةٍ صغيرة في الغرفة المجاورة، وقالت إن بإمكاني قراءة الكتب بحرية.
“سأتولّـى أمور فرقة الفرسان الزّرق و أجعل السيد رويدن يعمل بجد، فلا تقلقي كثيرًا. إنه يؤدي عمله جيدًا عندما يُطلب منه… ربّمـا.”
حتى لاتيني جـاء، مضيفًا تعليقًا يبدو غريبًا نوعًـا مـا، ثم غـادر.
على الرّغمِ من كل هؤلاء الزوار، لم يكن المكان صاخبًـا كما في المستشفى الوطني، و كان ذلكَ مريحًا.
رغمَ كل ّذلك، يبدو أن حالتي الصحية لم تكن جيدة، إذ لم يكن الإرهاق يزول بسهولة.
“هوو…”
بعد أن زارت روديلا المكتبة الصغيرة في الغرفة المجاورة، عادت و دفنت نفسها في السرير.
لفّهـا السّرير الناعم بأحضانه.
في العادة، كانت ستكون منشغلة بتصفح عناوين الكتب، لكن ربّما بسببِ حالتها الصحية، أو شيء آخر، عادت إلى غرفة المستشفى دونَ أن تلمس أيّ كتاب.
ومع ذلك، نسيم الهواء الخفيف الذي يهـبّ في المكتبة ، و الوقت الهادئ…..
كان شعورًا بالرّاحة لم تشعر به منذُ زمنٍ طويل.
منذ أن بدأت الدراسة في الأكاديمية، و حتّى أثناء عملها في قسم الشؤون العامة الآن،
كان عليها دائمًا إثبات نفسها بالدراسة أو الأداء، و تجنب إعطاء أي فرصة لمن ينظرون إليها بازدراء.
لقد بذلت جهدًا كبيرًا في ذلك.
لو كنـتُ في المستشفى الوطني، لكنتُ لا أزال أفعل ذلكَ الآن.
“المكان هنـا مريح.”
لا تتسرب المعلومات إلى الآخرين، ولا يتمّ تقييم كل حركة أو تصرّف أقوم به.
حتى لو راقبَ أحدهم تصرفاتي هنا، فسيذهب التّقرير إلى آيفرت.
نظرت روديلا إلى سقف الغرفة وهي ترمش بعينيها.
“إنه يعرف كلّ شيء…”
لذلك لا يوجد أحد أكثر راحـة منه.
كان من المفترض أن أشعر بالراحة، لكن عندما فكرتُ بآيفرت، عـاد الشعور بالانزعاج.
“عندما أخرج، سأرى الكثير… لكن أولاً…”
حاولتُ التّظاهر بالحماس عمدًا، لكن ربّما لم يكن ذلك كالمعتاد.
أغمضت روديلا عينيها.
كان من الواضح أنه، عندما استدار، و هو يلوّح لي ردًا على تحيّتـي، بدا كالمعتاد.
لكنه في ذلكَ اليوم لم يبتسم بشكلٍ صحيح و لو لمرّةٍ واحدة.
كنـتَ دائمًا تضحك كثيرًا.
على الرّغمِ من أنكَ بـدوتَ غير مبالٍ، لماذا يزعجني هذا الأمر؟
“..لأنام الآن”
تنهدت روديلا.
على أيّ حال، الذّهاب في الرحلة الخارجية هو الحل.
هكذا سيتمكّـن رويدن ، و آيفرت ، من التّحرك بحرية.
لـن أكون نقطـة ضعفـه.
كلّما تأخر قراري، قد تتعقد الأمور أكثر.
لقد قيـل إن الفصيل الأرستقراطي بدأ يظهر تحركات مشبوهة.
ذلكَ الفتى لا يريد أن يُظهِـر الدّم أمامي.
“…..”
و مع ذلك، كالأحمق، لن يبقى ساكنًا حتى يصبح رويدن أو أنا في خطر، أليس كذلك؟
“…..”
فكرت روديلا في ذلك و فتحت عينيها قليلاً.
لأنها شعرت أن هذا ما سيحدث.
إذا لًم أغادر الإمبراطورية بسرعة، فسيعمـد إلى قمع نفسه مـرّةً أخرى لتجنّب إراقة الدّماء أمامي…
“لا، لا.”
غطّت روديلا نفسها بالبطانية فجأة.
للتّخلص من وجهه الذي ظـلّ يطفو في ذهنها، بدأت تتخيل الأغنام، ثم قامت بعدّ الأغنام، ثم الذئاب التي تطارد الأغنام، حتى غرقت في نومٍ خفيف.
ثم رأت حلمًـا.
حلمت بآيفرت.
لا، حلمت بآيفرت… و بامرأة أخرى.
* * *
“لقد عـدتِ، روديلا؟”
يبدو أنه كـان اليوم الذي عادت فيه من الرّحلة الخارجية.
كان الوقت يشبه أواخر الخريف، مع أشعة الشمس القرمزية الطويلة و الظلال.
رأت عربة تحمل شعار رويدن… ربّما كانت بالقرب من الحدود.
يبدو أنّهـا عادت إلى منطقة سيفريك.
حسنًا، إلى أين سأذهـب إن لم أعد إلى المنزل؟
“أهلاً بعودتـكِ، لقد تعبتِ كثيرًا.”
لكن مَـنْ جاء لاستقبالي أوّلاً لم يكن والداي، بل آيفرت.
كان يرتدي زيًا رسميًّـا يلائمه، مزيّنًـا بزخارف فرقة الفرسان الزّرق.
هل كان لدى آيفرت زيّ رسميّ مثل هذا من قبل؟
في الحلم، أمالت رأسها متسائلة.
كان الـزّي أكثر زخرفة من ذلكَ الذي ارتداه في الحفلة الأخيرة.
كأنـه بطـل هذا المشهد.
كـان آيفرت، لكنه لم يكـن هـو تمامًـا.
شعرت بغرابة أعمق عندما تحوّلت نظرته إلى مكانٍ آخر.
“…..!”
بالأحرى، في اللّحظة التي ابتسمَ فيها و نظـرَ إلى شخصٍ آخر.
مهـلاً؟
في تلكَ اللّحظة التي تجمّدتْ فيها حتى في الحلم، تتبّعت روديلا نظرتـه و رأت امـرأة لا تعرفها.
امرأة تتناغم مع ضوء الغروب، مثل شعر آيفرت الذي يتألق بأجمل طريقة تحتَ ضوء الغروب.
دونَ وعي، حاولت رفع عينيهـا لترى وجهها.
في تلكَ اللّحظة، أمسكَ آيفرت بطرف يدها.
بلمسةٍ ناعمة كأنه يلمس جوهرة، ثم…..
―قبلة.
رفعَ آيفرت طرف يدها و قبّلهـا ، كان يرتدي خاتمًا مطابقًا لخاتمها أيضًا .
اتّسعت عيناها في تلكَ اللّحظة.
“هذه هي المرأة التي سأتزوّجهـا.”
مـاذا؟
قبل أن تستوعب الصّدمة في ذهنها المضطرب، أُعطيـت دعوة زفاف.
“بدا أنكِ كنتِ مشغولة بالتّجوال، فلم أتمكن من التّواصل معـكِ.”
عندما فتحت دعوة الزفاف، اكتشفت أن الزفاف سيكون بعد شهرين.
“ستأتين، أليس كذلك، روديلا؟”
مهـلاً؟
ربّما بسببِ الصّدمة، الشيء الذي ضـربَ رأسها الفارغ كان جملـةً مكتوبة على غلاف الدعوة.
[إلى روديلا سيفريك، أعـزّ أصدقائي.]
* * *
فتحت روديلا عينيها.
أدركت بعد أن فتحت عينيها.
كان حلمًـا سخيفًـا.
لكنه كان حلمًا سخيفًا واضحًا جـدًّا.
فتحت روديلا فمها بدهشة.
كانت صورة دعوة الزفاف و الخاتم واضحة كأثـر قدم محفور على رمال ناعمة، كانت واضحةً لدرجة أنها كادت ترسمها.
“مَـنْ هـي؟”
كان هذا أوّل سؤال خطـرَ في بالها.
مَـنْ تلكَ المرأة التي بجانبـه؟
على الرّغمِ من علمها أنه حلم سخيف، إلا أن السؤال ظـلّ يراودها.
رمشت روديلا بعينيها في ذهول.
“ما هذا الحلم السخيف…”
لا، قد يحدث ذلك حقًّـا.
إذا قضيتُ سنتين إلى ثلاث سنوات في رحلة في الخارج، ألن يفكّـر رويدن في مسألة الخلافة؟
عندها قد تظهر إمرأة للزواج، أو بالأحرى، سيتعيّن عليه الزّواج من إحداهنّ من أجل زواج سياسي.
لكـن…
لكـن…
“…مَـنْ تكـون، حقًّـا؟”
هل توجد في هذه الإمبراطورية امرأة تستطيع الزواج من آيفرت؟
امرأة تتحمّل شخصيّتـه؟
لا، مـا المشكلة في شخصيته أصلاً؟
هل هي جيّـدة؟ أم لا؟
لا، قبـل ذلك…
“لماذا أفكّـر بهذا الهراء…”
أمسكت روديلا البطانية بقوة.
ثـمّ، عندما رأت يدهـا، أدركت النتيجة التي توصلت إليها من هذا الحلم المضطرب.
على الرّغمِ من علمي أنه حلـم سخيف، لمـاذا أشعـر….
…بهذا الانزعاج؟
“هل أعـود لاحقًا؟”
فجأةً، سمعت صوتًـا.
“مهلاً؟”
عندما التفتت، رأت سيسيليا.
كانت قد فتحت باب الغرفة بالفعل و كانت على وشكِ المغادرة.
“إلى أين تذهبين؟”
صاحـت روديلا بلهفـة.
التعليقات لهذا الفصل " 88"