“ستذهبين إلى وزارة الشؤون العامة، أليس كذلك؟”
كان سؤالًا بدلاً من إجابة. أومأت روديلا برأسها.
“لقد دعتني رئيسة الوزراء.”
كان ذلك جدولها بعد التّخرج من الأكاديمية.
ردّ آيفرت بلا مبالاة:
“إذن، ربّما أذهب إلى وزارة الشؤون العامة أيضًا.”
“ألا يجب أن تفكر أولاً في اجتياز اختبار الوزارة؟”
ردّ آيفرت بهدوء:
“الاختبار ليس مشكلة، أما المقابلة…”
مال برأسه.
“هل تعتقدين أن الوزيرة سترفضني؟”
كان وجهه مليئًا بالثقة.
شعرت روديلا بالذهول.
‘درجاته كانت جيّـدة بالفعل.’
حسنًا، مع تدفق المتاعب إلى الوزارة، وجود آيفرت قد يقلل من نصف المشكلات بمجردّدِ حضوره.
كانت سمعته كفتى خجول تحوّلَ إلى روح حرة ذات قوة هائلة قد انتشرت بالفعل.
‘ربّما لن يكون ذلكَ سيئًا؟ أن نذهب معًا إلى الوزارة؟’
العمل مع الوزيرة أميريس…
مجرّد التفكير في الأمر جعلَ قلبها يخفق.
“ما رأيكِ في الانضمام إلى الوزارة؟”
تذكرت روديلا كلمات الوزيرة أميريس ذات يوم، و أضاءت عيناها.
بالمناسبة، يبدو أنها رأتها في حفل التخرج أيضًا.
فحصت روديلا مظهرها متأخرة:
“لم أكن أبدو غريبة أثناء الخطاب، أليس كذلك؟”
‘لم أرتكب أي خطأ، صحيح؟’
كأنّه قرأ قلقها، ردّ آيفرت:
“كنتِ رائعة.”
كان ردًا واضحًا.
“حقًّـا؟”
أضاءت عينا روديلا، فأومأ آيفرت.
“أنا لا أكذب في مثل هذه الأمور.”
حسنًا، هذا الشخص الذي يملك فمًا مخيفًا كان يقول حتى لوالدته إن طعامها سيئ.
إذا أثنى عليها، فهذا يعني أنّه يقصد ذلك.
“بالمناسبة، هل فكرتِ في وجهة رحلة التخرج؟”
سأل آيفرت.
صحيح.
ارتجفت روديلا.
كانت قد نسيت ذلك من فرط انشغالها. لكن يبدو أن إيفيرت كان يتوقّعه.
“إلى أين ستذهبين في رحلة التخرج؟”
قبل اختبار التخرج، بينما كانا يدرسان، قاطعها بسؤال مشابه:
“لنناقش الأمر بعد انتهاء الدراسة. الإثارة تجعلني لا أركز.”
“مجرّد التفكير في التخرج يثيرني!”
عندها، سأل آيفرت بعد صمت:
“ستذهبين معي، أليس كذلك؟”
كان سؤالًا سخيفًا، جعلها ترفع عينيها من الكتاب:
“بالطبع معك! مع مَـنْ غيركَ سأذهب؟”
سيلسييا كانت ستُسحب لأعمال التجارة فور التخرج ولم تستطع حضور الحفل.
تذكّرت كيف ضحكَ آيفرت حينها.
―دق دق!
فجأة، اهتزت العربة بشدّة.
هل اصطدمت العجلة بحجر؟
كادت روديلا تعضّ لسانها، فردّت متأخرة:
“الشاطئ قد يكون جيدًا. أي مكان مفتوح.”
بينما كانت تتحدث، تحوّلَ نظر آيفرت بسرعة إلى الخارج.
“آيفرت؟”
تبعت عينيها نظرته. كان الطقس مشمسًا، كما هو متوقّع في شمال الإمبراطورية، مع أشعة هادئة ومناظر سلمية.
أو هكذا كان حتى لحظة مضت.
―شاك!
سمعت روديلا صوتًا من وراء النافذة.
“ماذا؟”
قبل أن تدرك ما يحدث…
نهيق!
صرخَ الحصان بالخارج، و توقّفت العربة فجأة.
مالت أجسادهم، بل طارت تقريبًا.
“.…!”
في تلكَ اللحظة، فتحت روديلا عينيها على مصراعيهما.
―باك!
سُمع صوت شيء يصطدم بسقف العربة، ثم…
―هورر!
اندلعت النيران، و انتشرت الحرارة بسرعة.
ما هذا؟
حدثَ كل شيء في غمضة عين.
في اللّحظة التالية، كان آيفرت يحتضنها.
ثم…
―كوانغ!
مع انفجار هائل، طار جسداهما خارج العربة.
“…!”
أدركت روديلا، وهي تتدحرج على الأرض مع آيفرت، أن شظية من العربة اخترقت خاصرتها.
“آه!”
انقطـعَ نفسها فجأة.
السّماء التي كانت مشمسة بدت غائمة الآن.
كان الألم المذهل يهاجمها مع كل نفس، مما جعلها غير قادرة على التنفس بشكلٍ صحيح.
“روديلا!”
رأت آيفرت، شاحب الوجه، و هو ينهض بسرعة.
كان يصـدّ بذراعه… سهامًا.
“هذا خطير!”
أرادت قول ذلك، لكن…
“…..!”
لم تخرج الكلمات.
رأت حطام العربة المحترق من بعيد. كانت تلكَ عربتها.
ثم…
―باك!
سقطَ الحصان الذي كان يجرّ العربة، صارخًا في ألمه الأخير.
انتشرت بقعة حمراء على جدار العربة كما لو كانت مرسومة بفرشاة.
تحتَ السماء المشمسة، كان المشهد غريبًا لدرجة أنّه حفر في عينيها بوضوح.
‘ما هذا بحق…’
ما الذي يحدث؟
قبل أن تستوعب الصدمة، اندفع المهاجمون الذين أنهوا الحصان نحوها ونحو آيفرت.
كانت حركاتهم سريعة جدًا لدرجة أنها ظنّت أنّها ترى ظلالًا تتحرّك.
بدلاً من روديلا المجمّدة، تصدّى لهم آيفرت.
―بام!
رنّ صوت تصادم لا يمكن تخيّله.
تناثر اللون الأحمر على الأرض الثلجية البيضاء.
“…..!”
صرخت روديلا دونَ وعي.
لم تكن تعرف إن كان عقلها يحمـرّ بسببِ رذاذ الدم أم بسببِ ألم جرحها.
كل ما رأته كان أحمر.
أحمـر رطب…
“ابقـي ساكنة، روديلا!”
يبدو أن آيفرت قال ذلك.
عندما التفتَ.إليها، كان وجهه مبللًا بالدم، مما جعل رؤيتها تتشوش.
يا إلهي.
لا تعرف متى أمسكَ بالسيف، لكنه قطع المهاجمين الذين اندفعوا نحوه.
―شيرك!
سيفه، بضربةٍ واحدة، شقّ شخصًا إلى نصفين بدقّة مخيفة.
كانت نظرته…
خالية من العاطفة.
سواء كان ينظر إلى الحصان الميت أو إلى المهاجمين، كان تعبيره واحدًا.
بدا و كأنّه ليس الصديق الذي تعرفه، فاختنق نفسها.
“…..!”
كلما تناثر الدّم أمامها، أرادت إغلاق عينيها من الخوف.
لكنها لم تستطع، خوفًا من أن يصيب آيفرت مكروه.
أمامها، هي التي لم تستطع الحركة، امتـدّ حقل من الزهور الحمراء على الثلج الأبيض.
عندما ذاب الثلج و تحوّل إلى ماء توقّف عند قدميها، شعرت بالدوار.
―شانغ!
امتلأت الأصوات بالصراخ، الانفجارات، و صوت تصادم الأسلحة.
كان آخر ما رأته في رؤيتها الحمراء هو آيفرت و هو يلتفت إليها.
“…..!”
صرخَ بما كان بالتأكيد اسمها، ثم اقترب منها، و هنا انقطع وعيها.
* * *
نعم، هكذا كان الأمر.
عندما فتحت عينيها، رأت سقفًا غريبًا.
“أين أنا…؟”
“مستشفى العاصمة ليناريس.”
آه.
استخرجت روديلا اسم المستشفى من ذاكرتها متأخرة.
كان هذا هو المكان الذي نُقلت إليه يومها.
تداخلت الذكريات التي حاولت نسيانها مع السقف.
كان السّقف الذي رأته يومها مشابهًا.
وعندما استيقظت بعد نوم طويل، بـدا آيفرت مختلفًا بطريقةٍ ما.
“ربّما أذهب إلى الوزارة أيضًا.”
لكنه، بدلاً من ذلك، اتّجه فجأة إلى فرقة الفرسان الزّرق.
كأنّه اتّخذ قرارًا جديدًا.
و أصبحَ.نائب قائد الفرقة بسرعة…
أغمضت روديلا عينيها.
ألـم بعيد، رؤية مشوشة، حلم واضح.
شعرت أنها رأت العديد من الأشياء بينهما.
“…انقلوها!”
“بحذر!”
“الصدمة… يجب…”
كانت الأصوات التي سمعتها مشتتة، ولم تكن متأكدة إن كانت في الحلم أم في الواقع.
تردّدت الأصوات في أذنيها ثم خفت.
كان الأشخاص في رؤيتها المشوشة يرتدون ملابس متنوعة.
“السيّد!”
لكن صوتًا واحدًا بقيَ واضحًا في ذاكرتها.
لم تعرف مَـنْ كان أو ماذا كانَ يقول، لكن الشيء الوحيد الواضح…
كان أنّ ذلكَ الصّوت كان ينادي آيفرت.
التعليقات لهذا الفصل " 80"