في خضمّ الألم الهائل و الدّوار التي اجتاحَ عقلها، غرقت روديلا في حلم حيث رأت ذكريات قديمة.
كانت ذكريات واضحة جدًا بحيث لا يمكن اعتبارها مجرّد حلم.
كانت تلك ذكرى يوم تخرّجها من الأكاديمية.
* * *
“أخيرًا انتهى! الآن يمكنني النّوم دونَ التفكير في الأكاديمية!”
صرخت روديلا وهي تصعد إلى العربة، مرتجفة من الإثارة.
لقد انتهت أخيرًا حياة الأكاديمية المزعجة!
وداعًا لأيام الدراسة المزعجة و المتعبة!
مدّت ذراعيها وهي تنظر من نافذة العربة، حيث رأت مناظر الأكاديمية.
كان الثلج يتساقط برفق، كأنّه يودّع الخريجين، مرحّبًـا بها.
في الحقيقة، لم تكن الأكاديمية سيئة إلى هذا الحدّ.
كانت الدراسة مكثّفة، لكن جودة التعليم لا تضاهى بأي أكاديمية أخرى.
و الأهم… أنّها التقت بأعـزّ أصدقائها هناك.
―دينغ… دينغ…
خلف برج الساعة الذي يعلن عن الوقت، رأت سكن الأكاديمية المبني على سفح الجبل.
مكان كـاد آيفرت أن يهدمَ نصفه ذات مرّة.
عند نزول السّلالم من هناك، كان المبنى الرئيسي مغطّى بالثلج.
هل كـاد آيفرت أن يدمّره أيضًا خلال اختبار المبارزة؟
رأت أيضًا مبانٍ أخرى نجت من هدم آيفرت أو دمّرها فعلًا.
بفضله، كان هناك مزيج من المباني القديمة والجديدة التي أعيد بناؤها.
“على أيّ حال، لو لم يكن من عائلة غنيّة، لأفلسَ منذُ زمن.”
تذكّرت روديلا أصوات الطلاب وهم يتهامسون.
عائلة آيفرت، التي لم تكن ترغب في إثارة الضجة، كانت تحلّ معظم الحوادث بالمال.
على الرّغمِ من أن مرافق الأكاديمية ليست بمستوى القصر الإمبراطوري، إلّا أنّ ما دمّره آيفرت كان كثيرًا، لكن عائلة رويدن كانت تحـلّ الأمور بصمت.
“والدته تعاني حقًّـا.”
تمتمت روديلا في نفسها، مصدرة صوتًا ساخرًا.
“آه، أنتِ روديلا سيفريك؟”
تذكّرت يوم زارتها سيّدة رويدن في الأكاديمية، وكيف بدت وكأنّها ستنهار من الإرهاق.
ابتسامتها، التي كانت ألطف مع روديلا من ابنها، كانت لا تُنسى لسببٍ ما.
“هذا يُعتبر عدم تدمير تقريبًا.”
…ربّما كانت ثقتهم هي ما أثار إعجابها.
عند التّفكير في عدد المباني التي دمّرها آيفرت في عائلة رويدن بسببِ عدم تحكّمه بقوته، كان رد فعلهم منطقيًا.
―طق!
بينما كانت غارقة في أفكارها، فتحَ أحدهم باب العربة.
بينما كان الجميع يرتدون أفضل الملابس لحفل التخرّج، كان هو يرتدي ملابسه المعتادة، كأنّه ذاهب إلى درس.
ربطة عنقه مفكوكة، أزرار قميصه مفتوحة جزئيًا، و معطفه معلّق على كتفيه.
كان حقًا شخصًا ثابتًا.
هـزّ شعره الأمامي بيده و نظر إلى روديلا:
“ما الذي تفكّرين به؟”
“آه، مجرّد ذكريات الأكاديمية ”
صعـدَإلى العربة بحركةٍ رشيقة، كأنّه يقفز على حصان، ونظرَ إلى مباني الأكاديمية.
“لـمَ، هل تريدين العودة؟”
“هل جننت؟”
ردّت روديلا بنفور على هرائه.
كانت الأكاديمية مزعجة جدًّا.
كانت هناك لحظات جيّدة، لكنّ السيئة كانت كثيرة أيضًا.
أينما ذهبت روديلا، كانت الإشاعات تتبعها.
عندما كانت تسهر في المكتبة للدراسة، كانت تُتهم بأنّـها تقوم بشيءٍ فاضح.
وإذا تجاهلت الإشاعات، كان بعض الطلاب يتحدّثون عنها عمدًا أمامها.
ناهيكَ عن الحوادث التي لا تريد تذكّرها.
هزّت روديلا رأسها وهي تتجهّم:
“آه، لن أنظر إلى الأكاديمية مجدّدًا. أعرف أن فصيل النبلاء يكرهني، لكن…”
لوّحت بيدها وهي تشعر بالغضب.
“لنتوقّف عن الحديث عن هذا. إنّه يوم سعيد.”
كان ذلكَ نوعًا من التضييق.
قالوا إنّ قدراتها البارزة كانت مزعجة لأعينهم، وهم الذين يرون عائلتها النبيلة الجديدة كعامّيين.
بالطبع، لم يكن الأمر كذلك منذ البداية.
“نريد إقامة علاقة طيّبة مع عائلة سيفريك.”
في البداية، اقتربوا منها بحجج الزواج أو الخطوبة.
لكن عندما بدأت ترفض كل العروض، تحوّلوا إلى محاولة النيل من سمعتها.
“هم أناس حقيرون على أيّ حال.”
لو لم يقترح آيفرت الخطوبة كحيلة، لكانوا قد فعلوا شيئًا أسوأ بالتأكيد.
لكن بالطبع، بسببِ حمايته لها، واجـهَ آيفرت هو نفسه التضييق.
“آيفرت رويدن كخليفة لدوق رويدن؟ هراء. سيكون محظوظًا إذا لم يمت مبكرًا بحادث.”
تذكّرت الإشاعات التي تقول إن عائلة رويدن تبحث عن خليفة آخر، و شعرت بضيق في صدرها.
‘الآن عندما أفكّر في الأمر، ربّما كانت الأكاديمية أسوأ بالنّسبة له.’
كما هو متوقّع، بدا آيفرت مرتاحًا أيضًا:
“الآن، ربّما يقلّ عدد المتطفّلين المزعجين.”
“يقلّ؟ بل سينخفض بشكلٍ كبير!”
ردّت روديلا.
“صحيح، أولئك الذين يتآمرون خلف الستار.”
عبست روديلا بنفور.
كان هذا حديثًا متكرّرًا قبل التخرّج.
كانت قد سئمت من تصرّفات فصيل النبلاء، الذين يتآمرون في الخفاء، مدّعين أنّهم لم ينشروا الإشاعات أو يتلاعبوا.
“هم يتهامسون فقط للنيل من الآخرين.”
عبست روديلا.
“النيل منّي لن يرفع درجاتهم، فلماذا يفعلون ذلك؟”
“لأنّهم أغبياء. يظنّون أنّ إسقاط الآخرين سيملأ جيوبهم.”
كانت كلمات آيفرت لاذعة.
أومأت روديلا.
فكرة رؤية هؤلاء الأشخاص الذين يدّعون النبل والرفعة يتصرّفون بلا كرامة جعلتها تشعر بالغثيان.
“ربّما لم أكن لأتخرّج لولاكَ.”
“حتّى اللحظة الأخيرة، سرقة نـصّ خطابي كانت فكرة سخيفة، أليس كذلك؟”
مـدّت روديلا يدها.
حاولَ فصيل النبلاء إلحاق الضرر بسمعتها عندما فشلوا في إعاقتها.
أحدهم سرق نصّ خطابها كممثّلة الخريجين في حفل التخرّج.
كان ذلك مبتكرًا، لكن المشكلة أنّ روديلا حفظت النصّ.
قراءة النص مباشرةً كانت ستكون محرجة.
لذا لم تكن هناك مشكلة في خطاب الخريجين.
كان تعبير وجوه النبلاء المجعّدة آنذاك مرضيًا للغاية.
بالطبع، لم يلجأوا إلى “مزحات” عنيفة أكثر بفضل وجود آيفرت بجانبها.
نظرت روديلا إليه:
“شكرًا، آيفرت.”
كانت كلمات صادقة و مفاجئة.
“و تهانينا على التخرّج.”
عادةً، كان النبلاء يحضرون مع عائلاتهم للاحتفال، لكن لم يحضر أحد إلى حفل آيفرت.
لذا، ربّما كانت روديلا الأولى التي تهنّئـه.
ابتسمَ آيفرت أخيرًا:
“وأنتِ أيضًا.”
أومأت روديلا.
كانت لا تزال تشعر أنّها ستستيقظ غدًا لتستعد للدروس، لكن الآن لم يعد عليها فعل ذلك.
كان شعورًا غريبًا.
بالطبع، كانت تنتظرها مهام جديدة قريبًا.
“ماذا ستفعل الآن؟”
سألته، فنظرَ إليها آيفرت.
التعليقات لهذا الفصل " 79"