عبرت العربة التي تحمل روديلا الإمبراطورية بسرعة مذهلة.
كادت كل موارد عائلة رويدن تُستخدم لنقلها إلى المستشفى.
لم تكن العربة وحدها، بل جميع وسائل النّقل و السّحر والأدوات السحرية التي تمتلكها العائلة.
بسببِ استخدام كمية هائلة من الأدوات السحرية للرياح…
―هوووو!
“ماذا؟”
حتى عامّة النّاس الذين لا يعرفون الأخبار أدركوا أن شخصيّةً مهمة تتّجه نحو العاصمة.
عندما وصلت إلى مستشفى العاصمة ليناريس، هرع الأطباء، الذين تـمَّ إبلاغهم مسبقًا عبر الرسائل، لاستقبالها.
“إلى هنا…!”
لكن وجوههم أصبحت جادّة.
كانت حالة روديلا أسوأ ممّا وصفته الرسائل.
“درجة حرارتها منخفضة جدًا!”
“أذيبوا الجليد أولًا!”
“لكن النزيف…”
“إذا انخفضت درجة حرارتها أكثر، لن يكون هناك أمل! بسرعة!”
تحرّك الأطباء بسرعة، محيطين بروديلا.
كانت وجوههم تزداد شحوبًا.
لم يكن ذلك بسببِ حالة المريضة الحرجة فحسب، بل لأن المريضة هي روديلا سيفريك ، و مَنْ أرسلها هو آيفرت رويدن.
كان عليهم إنقاذها مهما كان الثمن.
* * *
“ماذا؟”
بعد وقت قصير، وصلَ الخبر إلى أميريس.
رفعت عينيها من الأوراق التي كانت منغمسة فيها.
“تمّت السّيطرة على النزيف بسرعة، لكن الجرح في مكان خطير.”
كان تعبير مساعد الوزيرة محرجًا.
“أخبرني بالتفصيل.”
خلعت أميريس نظارتها وقالت.
“…أصيبت رقبتها.”
عند سماعِ ذلك، أغمضت أميريس عينيها بقوّة.
“لحسن الحظ، تـمَّ تجاوز الوضع الطارئ، لكنها لا تزال فاقدة للوعي.”
أن تكون فاقدة للوعي تعني أن الوضع كان خطيرًا حقًا.
تنهّدت أميريس.
أشارت بيدها كأنّها تطلب من الجميع المغادرة، ثم جلست على كرسي في غرفة سريّة داخل مكتب رئيسة الوزراء ، ممسكة بجبهتها.
“…..”
تحتَ يدها، تجمّـد تعبيرها ببرود.
روديلا سيفريك.
كانت شخصًا عزيزًا على أميريس، لكن قبل ذلك، كانت الشخص الذي يجب أن يقود مستقبل الإمبراطورية.
لهذا السّبب، بينما كانت تبحث عن وسيلة لحمايتها بشكلٍ أكبر أثناء عملها في الوزارة، ظهـرَ آيفرت.
“هل تعتقدين أنّني سأدعها تتأذّى؟”
تذكّرت أميريس كلمات آيفرت قبل أن تنضمّ روديلا إلى فرقة الفرسان الزّرق.
“قلتَ إنّكَ ستحمي روديلا، أيها الدوق.”
همست أميريس كتنهيدة.
كانت واثقة جدًا.
كانت روديلا تحمل الكثير من الآمال.
كانت الأنسب و الوحيدة لخلافة منصب رئيسة الوزراء الذي كرّست أميريس حياتها لبنائه.
كانت أيضًا الشّخص الذي جعلَ الإمبراطور يقرّر أخيرًا طرد فصيل النبلاء، و بالتالي فهي شخص لا يمكن خسارته بالنّسبة لفصيل الإمبراطور.
لهذا أرسلتها إلى آيفرت.
اعتقدت أنّه سيحميها بعنايةٍ أكبر لأنّه يحبّها.
لكن هل كان حكمها خاطئًا؟
كادَ آيفرت رويدن أن يخسر مستقبل الإمبراطورية.
كان يبدو وكأنّه سيحميها حتّى لو اضطر لحبسها، لكنّه لم يستطع حتى لمسها.
بالطبع، أميريس لم تكن غير قادرة على فهم مشاعره.
لكن ما فائدة الحب إذا مـاتَ مـنْ تحـبّ؟
والأهم، إذا لم يستطع حمايتها، فإن مكانة آيفرت كدوق رويدن ستشكّل خطرًا على روديلا.
فـرويدن لديها الكثير من الأعداء.
بعد تفكيرٍ عميق، تمتمت أميريس:
“آسفة، آيفرت.”
“لقد كسرتَ وعدنا.”
قبل أن يزداد الوضع خطورة، كان عليها إرسال روديلا إلى مكانٍ آمن.
نهضت أميريس من مقعدها.
* * *
كان مقر طائفة فالكاريون الزائفة، كما يسمّون أنفسهم، في جزيرة مجهولة في غرب القارة.
استقبلت غابة متشابكة، تبدو طبيعية لكنها تحمل لمسات بشرية، آيفرت.
لكن ذلكَ لم يكن مشكلة بالنّسبة له.
―بوم!
هـزّ صوت هائل الغابة، لا يصدّق أنّه ناتج عن تأرجح سيف.
مع صوت مروع، انفتحَ طريق في وسط الغابة، كأنّ يد عملاق قد مزّقتها.
―طق!
مـرّ جسد آيفرت عبر الطّريق قبل أن يستقرّ الغبار.
في يده، كان هناك سيف خفيف بشكلٍ لا يصدّق، تسبّب في ذلك الانفجار.
ومع أرجحةٍ أخرى لسيفه، بعيونٍ زرقاء باردة…
―كوغوغونغ!
تمزّق كلّ شيء يعيق فريق رويدن بلا رحمة، كاشفًا قاعدة الطائفة المخفيّة في أعماق الغابة.
“ما هذا؟!”
“غريب دخلَ !”
صرخ الحرّاس أمام المعبد مذعورين، غير قادرين على استيعاب الفوضى المفاجئة.
حاول الأذكياء البحث عن مخرج، لكن…
لم يكن هناك مكان للهروب.
الجزيرة كانت مغلقة تمامًا، مع عدد قليل من السفن، لمنع هروب مَنْ جيء بهم كقرابين.
“المراسي كلّها مغلقة!”
“حتّى الطرق إلى الشاطئ مسدودة!”
كان فريق رويدن بقيادة آيفرت قد أغلقَ بالفعل جميع الطرق إلى المراسي.
ما كان ميزة لهم أصبح الآن حبلًا يخنقهم.
بدون سفن للهروب عبر البحر، كانوا محاصرين.
“مَنْ هذا الرجل؟!”
كان الرجل الذي قلبَ الغابة يسير بثقةٍ في خط مستقيم، كأنّه يتحدّاهم للهروب.
بينما كان الجميع في المعبد ينظرون إليه برعب، قال آيفرت:
“لا تدعوا أحدًا يخرج من المعبد.”
حتّى وهو يشعر بخوف الحاضرين، لم يتزعزع آيفرت.
لم يكن الكهنة المزيّفون وحدهم مَنٔ يرتجفون، بل حتّى جنود رويدن الذين رافقوه شعروا بالخوف من نظرته الباردة المرعبة التي تركّز على القلعة.
“…حاضر!”
ردّ أشخاص عائلة رويدن بوجهٍ متوتر.
أدركوا بحدس بارد أنّ أيّ كاهن في هذه الجزيرة لن يخرج حيًا اليوم.
الآن، بعد أن تحرّر سيّدهم من قيد يربطه يُدعى روديلا سيفريك، كان كقنبلة مشتعلة لا يمكن التنبّؤ بها.
―شاك!
مع اقتراب آيفرت من المعبد، سقطت التماثيل التي مـرّ بها، مقطوعة الرأس.
قرب المعبد، سمع صراخ:
“أنقذونا!”
تـمّ العثور على أشخاص يبدون وكأنّهم عوملوا كسلع، منهكين من العمل دونَ طعام أو مأوى مناسب.
“هناك أشخاص بالقرب من المذبح…!”
عندما اقتربَ فريق رويدن، أشـارَ أشخاص هزيلون إلى المذبح و هم يبكون.
لم يتخيّلوا أن يأتي منقذ إلى هذه الجزيرة المغلقة، فصرخوا بآخر قواهم.
أشارَ آيفرت إلى أشخاص رويدن:
“سأذهب إلى المعبد وحدي. احموا هؤلاء.”
“…حاضر.”
“وأيضًا، هناك نساء في تلكَ المنطقة، فكونوا حذرين.”
أشارَ آيفرت إلى كهف مظلم حيث كان رائحة البخور المنوّم تنبعث برفق.
توقّفَ الأشخاص الذين كانوا يتبعون أوامره.
يبدو أن آيفرت عازم حقًا على دخول المعبد بمفرده.
“ألا نحتاج لمرافقتكَ؟”
أومأ آيفرت.
حيث يوجد البخور المنوّم، ربّما تكون هناك نساء جيء بهنّ كقرابين.
لو لم ينقذ روديلا، لكانت هناك أيضًا.
أغلقَ آيفرت فمه بإحكام في خطّ مستقيم.
التعليقات لهذا الفصل " 77"