في ليلةٍ متأخرة، بينما كانت تعود من دراستها، قام بعض الطّلاب النّبلاء بمزحة قاسية. وضعوا كيسًا على رأسها وسحبوها إلى مكانٍ ما.
كانت رؤيتها المظلمة تهتزّ بعشوائية.
ربّما بدأ خوفها من الظلام منذُ تلك اللّحظة.
تذكّرت الرياح العاصفة وزوجود جرف قريب، وكيف كانت تبكي بصمتٍ خوفًا من السقوط دونَ أن تستطيع الكلام.
كان الأمر مخيفًا.
أن تكون وحيدة.
أن تموت في مكان لا يسمع فيه أحد صراخها.
نعم، كادت تموت تلكَ المرّة أيضًا.
تدفّقت الذكريات التي حاولت نسيانها.
كيف نجـت يومها؟
كانت تخشى فتح عينيها، متوقّعة أن ترى خنجرًا أمامها.
لذا أبقت عينيها مغلقتين بإحكام.
جسدها المرتجف كان يتمنّى أن يُطعن الخنجر بسرعةٍ إذا كان الموت مصيرها، أو أن يفوتها بطريقةٍ ما لأنّها لا تريد الموت.
لكن إذا كان الموت حتميًا، فليكن سريعًا.
تضاربت مشاعرها بعنف.
حتّى مع عينيها المغلقتين، شعرت بنور الغروب الساطع و ظلّ الرجل الذي يقفُ في وجه الضوء.
عندما غطّى ظلّه رؤيتها، مثل كيس القماش في الأكاديميّة، عادت الذكرى كاملة.
تذكّرت كيف انزاحَ الكيس فجأة، و كيف رأت السماء الزرقاء و…
“روديلا!”
أنـت.
―كلانغ!
سمعت صرخة اسمها قبل أن ترى وجهه، ثم رأت ظهره يستدير.
ظهر يمنحها شعورًا بالواقع و الطمأنينة في آنٍ واحد.
فتحت روديلا عينيها على مصراعيهما.
* * *
تناثرت شظايا السّيف عندما تحطّم.
لكن لم يمسّ أيّ منها جسد روديلا.
تحتَ سماء الغروب، برقت خصلات شعره الذهبيّة.
كان المشهد مشابهًا لتلكَ اللحظة.
الشعور بالأمان الذي يغمرها بمجرّدِ رؤية ظهره كان هو نفسه.
شعرت أنّ الظلال التي كانت تهاجمها طارت بعيدًا.
―بام!
رأت آيفرت يركل أحدهم و يسقطه، ثم ينخفض ليسيطر عليه.
‘أتساءل ما هو تعبير وجهكَ الآن؟.’
لكنّها لم تكن تريد رؤيته.
كانت تخشى رؤيته.
تخشى معرفة القلق الذي سبّبته له.
كانت تشعر بالأسف أكثر من أيّ شيء.
مثل تلكَ اللحظة، تمامًا.
مثل ذلكَ اليوم، كانت مستلقية، و هو ينظر إليها بقلق تحتَ السماء.
نعم، كان هـو دائمًـا.
بعد أن هدأ المكان، انزاح الكيس فجأة، و مثلما رأته يومها، رأته الآن أيضًا.
لكن وجهه بدا ضبابيًا مجدّدًا.
“…..!”
سمعته يقول شيئًا.
الفرق عن ذلك اليوم هو أنّ صوته بدا و كأنّه يتلاشى.
تحرّك الناس حولها بصخب، و رأت باب العربة القريبة يُفتح.
“السيّد… هذا المكان…”
كانت الأصوات متقطّعة.
كلّما شعرت بدوار في رأسها، بدا الصوت متقطّعًا.
‘يجب أن أخبرهم بما سمعته.’
“اليوم… الساعة الثامنة…”
كانت تشكّ إن كانت تصدر صوتًا.
تحرّكت رقبتها مع الكلام، فاندفع ألم شديد.
كان الألم حادًا، كأنّ منشارًا عملاقًا يقطع رقبتها.
شعرت و كأنّ وعيها يهوي إلى القاع.
لكن كان عليها أن تقول:
“…علم أسود… سفينة…”
لم تتمكّن من ربط الكلمات أو الأفكار. رأسها كان يدور.
في تلك اللحظة، وضع آيفرت منديلًا على رقبتها.
“لا تتكلّمي أكثر.”
كان صوته واضحًا نسبيًا، لكنّه بدا مرتجفًا. أم أنّ ذلك بسببِ ارتعاش جسدها؟
أرادت رؤية وجهه بوضوح، لكن رؤيتها لم تسمح بذلك.
صخب المكان و شيء بارد يلامس رقبتها.
لا، رقبتها أصبحت باردة.
سحر التجميد؟
“الدم…”
أرادت أن تسأل إن كانت تنزف كثيرًا، لكن آيفرت وضع إصبعه على شفتيها.
كأنّه يطلب منها الصمت.
ربّما لهذا، أو بسببِ لمسته، أو لأنّ رقبتها أصبحت باردة جدًا لدرجة أنّها شعرت بحرارة غريبة.
“أنا… أشعر بالحرارة.”
على الرّغمِ من التجميد، شعرت برقبتها و جسدها يحترقان. كان يفترض أن تكون لمسته باردة.
حتّى يديه التي تمسكُ بأداة سحريّة مجمّدة لا يمكن أن تكون دافئة.
لكن الأماكن التي لمسها شعرت بالحرارة.
“الحمّى؟”
شعرت به يلمس جبهتها وهي تغرق في الظلام.
أرادت روديلا هـزّ رأسها لكنّها لم تستطع.
‘لا، المكان الذي تلمسه أنتَ هو الذي يحترق.’
لكنّه شعور أفضل من البرودة. الآن فقط، شعرت أنّها على قيدِ الحياة.
لكن تلك الكلمات لم تخرج من فمها، بل تبدّدت.
فقدت روديلا وعيها.
* * *
عندما وصل آيفرت إلى المكان، رأى روديلا تُهـدَّد بخنجر.
لا يتذكّر كيف ركض إلى هناك.
في اللحظة التي حاولَ فيها الكاهن المزيّف طعنها بالخنجر…
―باك!
رفـعَ ذراعه ليصدّ الضربة و ركـل الرجل بعيدًا.
لكن روديلا كانت قد أصيبت بالفعل بجروح عميقة في ذراعها و رقبتها.
“السيّد، الأداة السحريّة!”
هرع أشخاص من عائلة رويدن و سلّموه أداة سحريّة مجمِّدة.
كان سحر التجميد يُستخدم في ساحات المعركة لوقف النزيف الشديد، بتجميد الدم تمامًا.
―كراك!
جمّـد السحر الدم الأحمر المتدفّق.
قـلّ النزيف بشكلٍ ملحوظ، لكن وجه روديلا كان شاحبًا بالفعل.
“…علم أسود…”
وضعَ آيفرت إصبعه على شفتيها وهي تتمتم مرارًا، و عـضّ شفتيه.
كان وعيها يغرق في أعماق مظلمة.
“…..!”
تحتَ ضوء الغروب، برزت آثار الدموع على وجهها بوضوح.
عـضّ آيفرت شفتيه.
“هل أنـتَ واثق؟”
“هل تعتقدين أنّني سأدعها تتأذّى؟”
قال إنّه سيحميها، و قالها بثقة أيضًا.
على الرّغمِ من علمه أنّ إشراكها في فرقة الفرسان الزّرق في صراع منصب الوزير الأعلى كان أكثر أمانًا لها.
في كلّ مرّة يحدث شيء كهذا، كان يشعر أنّه سينهار.
رويدن؟
سيّد العائلة السوداء التي لوّنت نصف الإمبراطوريّة؟
لم تكن هذه الألقاب ضروريّة.
ما فائدتها إذا لم يستطع حماية المرأة التي يحبّـها؟
حتّى لو كانت حالة طارئة، لم يستطع مسامحة نفسه.
بعد كلّ تلك العزيمة التي اتّخذها ليصبح سيّد رويدن.
قـرّر أن يصبح سيّد رويدن بعد حادث العربة في يوم التخرّج لحماية روديلا.
لكن ما الذي تغيّر منذ ذلك اليوم؟
“لو تأخّرت قليلًا، لكانت كارثة.”
اقترب منه عمّه، الفيكونت بينراد.
بدت علامات الارتياح على وجوه الآخرين أيضًا.
“إذا نقلناها إلى المستشفى بسرعة، ستتعافى.”
لو لم يكن الوضع يتطلّب النقل السريع، لكان آيفرت قد تجمّـد في مكانه.
بالنّسبة له، كان قد تأخّـر بالفعل.
كانت روديلا تبكي كما فعلت يومها.
كان يجب أن يصل قبل أن تخاف أكثر، قبل أن تبكي.
“…انقلوها إلى ليناريس بأسرع ما يمكن.”
استدار آيفرت.
تفاجأ أشخاص رويدن، بما في ذلك الفيكونت بينراد الذي يعرف سيّده جيدًا، ظنًّا منهم أنّه سيرافقها إلى ليناريس.
“و ماذا عن السيّد؟”
“أنا ذاهب إلى الغرب الآن.”
في هذه اللحظة، كان التوجّه إلى الغرب يعني شيئًا واحدًا فقط:
سيّد العائلة سيتّخذ إجراءً بنفسه.
كان إعلانًا بأنّ السيّد، الذي كبح طباعه لعقود، سينفجر أخيرًا.
“…..!”
أدركَ أشخاص رويدن ذلك و اتّسعت أعينهم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 76"