“آه!”
صرخت روديلا دونَ وعي من هول الصدمة.
ثم…
―طق!
انفتحَ باب العربة فجأة، دون أن تعرف متى توقّفت العربة.
أمام الباب المفتوح على مصراعيه، وقفَ رجل يرتدي رداءً رماديًا مغطّى بالغبار.
لقد كان من الواضح أنّه صاحب العيون المحتقنة بالدّماء.
“ما هذا؟ هناك واحدة مستيقظة؟”
تكلّـمَ الرجل و كأنّه يتحدّث عن شيءٍ ما، ثم أدخل رأسه إلى داخل العربة.
تقابلت عيناه مع عيني روديلا مباشرة.
كان قد فات الأوان لتتظاهر بالإغماء و إغلاق عينيها.
“همم…”
تلوّن وجه الرجل بالشك.
“لا تبدو كفتاةٍ من الأحياء الفقيرة.”
لم تستطع التحرّك بشكلٍ صحيح بينما كان يتفحّصها، فلم يكن بإمكانها الـردّ.
حاولت روديلا بصعوبة كبح تأوّهها و جلست.
شعرت بدوارٍ شديدة، و كأنّ العالم يدور أمام عينيها.
“إرادتكِ قويّة جدًا. لقد استخدمنا بخورًا قويًا.”
كانت أفواه و أنوف الرجال مغطّاة بقماش معالج بشكلٍ خاص، على ما يبدو.
“وبالطبع، هي ليست من الأحياء الفقيرة. انظروا إلى ملابسها.”
لمـع الشك في أعينهم.
“ربّما…”
“هل هي متدرّبة؟”
كما توقّعت، اتّجهت شكوكهم نحو أسوأ الاحتمالات.
بفضلِ الهواء الخارجي، بدأ عقل روديلا يعمل قليلًا، لكنّها شعرت أنّ الوضع يزداد سوءًا.
“هل هي فارسة؟”
“لو كانت فارسة، لما كانت في الأحياء الفقيرة.”
“لكن ملابسها نظيفة تمامًا.”
“مهما كان، لا تبدو كعامّيّة.”
بينما كانوا يتهامسون، بدأت نظراتهم تمتلئ بالعداء.
“إذن، لا فائدة من إبقائها حيّة.”
“من الأفضل التخلّص منها بدلًا من ترك متغيّر محتمل.”
―شلينغ!
أخرج أحدهم خنجرًا من تحتِ ملابسه.
عضّت روديلا شفتيها.
لم تكن مستعدّة للموت هكذا. وضعت ساقاها المرتجفتان على الأرض.
“آه، هل تحاولين الهرب؟”
هل كانوا يتوقّعون منها البقاء ساكنة بعد سماع هذا؟
حتّى مع عقلها المشوّش، كانت إشارات الخطر تصلها بوضوح.
―طق.
عندما حاولت التحرّك مرّة أخرى، ازداد شعورها بالدّوار.
كانت تعلم أنّ عليها الهرب، لكنّها أدركت أيضًا أنّها لا تستطيع الهرب في هذه الحالة.
لم يعمل عقلها أكثر من ذلك.
تبعها الرجال وهم يسخرون من حالتها.
عندما ابتعدت ثلاث أو أربع خطوات عن العربة، اقتربوا منها بسرعة وهم يحملون خناجرهم.
“.…!”
إذا هربت، سيلحقون بها.
إذن، ربّما…!
توقّف عقلها، الذي بدأ يعمل قليلًا، جسدها في مكانه.
ثـم…
―هوو!
أمسكت بذراع أحدٍ كان غافلًا و سحبته.
“ماذا؟”
تعثّر الرّجل و سقط، فقـدَ توازنه فجأة.
احمـرّ وجهه، كأنّه يخجل من تأرجحه بالخنجر في الهواء، و صـرّ على أسنانه:
“هاه؟”
اقترب الآخرون الذين كانوا يراقبون بحذر.
كان من المستحيل التغلّب عليهم جميعًا، لكن هل يمكنها دفع أحدهم و الهرب؟
لو أنّهم أصبحوا أكثر تهاونًا…
لكنّهم لم يمنحوها المزيد من الفرص.
“اقضوا عليها قبل أن تستعيد وعيها! إنّها متدرّبة!”
اندفعَ ثلاثة أو أربعة نحوها في آنٍ واحد.
حتّى مع رؤيتها المشوّشة، رأت الخناجر تلمع تحت ضوء الغروب.
“..…!”
آه.
في تلكَ اللحظة، لاحظت أنّ المكان من حولها خالٍ تمامًا.
طريق مفتوح مع العربة.
لو كانت هناك شجيرات، لكانت حاولت الهرب إليها، لكن المكان كان سهلًا مكشوفًا بلا مكان للاختباء.
إذا طُعنت هنا، قد لا يجدها أحد، ناهيك عن إنقاذها.
“.…!”
عضّت روديلا شفتيها.
لم تعـش بكلّ هذا الجهد لتموت هنا.
―هوو!
عندما لـوت جسدها، مـرّ خنجر قريبًا من وجهها.
كان من المعجزة ألّا تسقط رغمَ القشعريرة التي أصابتها.
ثم جاءَ خنجر آخر من رجلٍ آخر.
―بام!
تنـاثر الدم.
“…!”
شهقت روديلا.
شعرت بألـمٍ حارق في ذراعها التي رفعتها بصعوبة، كان ينتشر في جسدها.
كان الخوف من الموت أقوى من الخوف من الدم.
―شاك!
حاولَ خنجر آخر جرح وجهها.
رفعت روديلا ذراعها بصعوبة لـصدّه، فأصيبت بجرح عميق آخر.
“لو مـتِّ بسرعة، لما شعرتِ بالألم.”
ضحكَ الرجل و كأنّه يستمتع.
كان وجهه كوجه مفترس حاصر فريسته تمامًا.
نظرة مليئة بالثقة، و كأنّه لا يواجه أيّ تهديد، فقط يعبث بفريسته.
‘سأموت. حقًا.’
عضّت روديلا شفتيها. حاولت كبح بكائها، لكن الدموع تدفّقت.
كادت تموت عدّة مرّات من قبل.
في الأكاديميّة، سقطَ أصيص زهور فوق رأسها، و واجهت حوادث أخرى.
لم تحاول تذكّرها عمدًا.
لكن لماذا لم يكن قلبها يرتجف هكذا في تلكَ اللّحظات الخطيرة؟
هل لأنّها مرّت بسرعة؟
لا، عرفت روديلا الجواب.
“روديلا!”
في كلّ مرّة، كان آيفرت بجانبها.
كـانَ دائمًا يحميها بقدراته الخارقة.
ربّما لهذا كانت تعتقد أنّها ستكـون بأمان معـه.
كانت تعتمد عليه و تثـق به من طرفٍ واحد.
لم تدرك إلّا مؤخرًا أنّه كان يتأذّى بدلًا عنها.
‘إذا كنـتَ بجانبي، أشعر أنّني سأكون بخير.’
حتّى في هذه اللٌحظات، كانت تفكّر في آيفرت.
شعرت بأنّها حقيرة، لكنّها لا تستطيع منع نفسها من التفكير به.
حتّى بعد أن رأتُـه يتأذّى من أجلها.
حتّى وهي تعلم أنّه بعيد جـدًّا.
‘أنا أفكّر بـكَ دائمًـا، آيفرت.’
لم تكن فقط صورته وهو يمـدّ يده إليها بسرعة وحدها ما تذكّرته ، بل أيضًا منظره و هو يعمل بجديّة، أو وجهه يبتسم لها.
كلّ صورة له تتدفّق في ذهنها.
أرادت البكاء بشدّة.
تدفّقت الدموع، و رفضَ جسدها، المخدّر بالبخور، الحركة بسرعة.
―شاك!
انتشرَ الألم في ذراعها مجدّدًا، فزادت دموعها.
كان عليها تفادي الضربات، لكن الدموع حجبت رؤيتها، فماذا تفعل؟
―هوك!
تراجعت روديلا وهي تتفادى خنجرًا آخر بصعوبة.
كانت رؤيتها المشوّشة تهتزّ بحريّة.
“ألم أخبركِ؟ الموت السريع لن يؤلـم.”
كشّـرَ الرجل عن أسنانه و هو يلوّح بالخنجر مجدّدًا.
حتّى الآن، كان يلوّح بالخنجر كلعبة، لكنّه الآن قلّص المسافة فجأة.
“انتهى وقت اللعب!”
“..…!”
حاولت روديلا رمي نفسها جانبًا لتتفادى الضربة دون أن تصرخ.
لكنّها لم تستطع التفادي.
كانت سرعة الرجل أسرع بكثير.
―جرر.
شعرت بحرقة في رقبتها، ثمّ تدفّـقَ شيء دافئ بسرعة، مغطّيًا أطراف أصابعها.
دم.
“آه…”
شعرت برقبتها و كأنّها تحترق.
حتّى مع تعثّر جسدها بسببِ البخور، كان الألم واضحًا، يخترق عقلها.
‘سأموت هكذا.’
‘سأتركُ هنا دونَ أن يعرف أحد.’
و آيفرت، الذي ربّما يبحثُ عنّي الآن… إذا وجدني يومًا…
كيف سيكون تعبيره؟
في رؤيتها المشوّشة، رأت خنجرًا ملطّخًا بالدم يلمع.
رائحة الدم و الألم سيطرا على حواسّها.
أغمضت روديلا عينيها بقوّة.
التعليقات لهذا الفصل " 75"