زوجان على وشكِ الزّواج؟ ألنْ ينتهي كلّ شيء بعد عام؟

ضيّقت روديلا عينيها، متسائلةً عمّا يخطّط له هذا المثير للمشاكل هذه المرّة.

كانتْ على وشكِ قول شيءٍ ما.

“مرحبًا!”

بفضل فارس عابر مرَّ في الوقت المناسب، اضطرّت روديلا إلى…

“يا إلهي.”

التظاهر بالتأثر.

لمْ يكن مِن المناسبِ أنْ تَمسحَ ظهر يدها أمام فارس عابر و هي تشتكي من الإحراج، لذا ابتسمت بسعادة أيضًا.

بينما مرّ الفارس، قال آيفرت:

“كما تعلمين، هناكَ الكثير من الأشخاص الحاقدين في فرقة الفرسان الزرق،  فإذا شعرتِ بالخطر، اركضي إلى غرفتي.”

يبدو أنّ هناكَ سببًا لكون غرفته بجوارها.

لكن…

“أنا معتادةٌ علَى ذلك. هناك الكثير من الأشخاص الحاقدين في إدارة الشؤون العامة أيضًا.”

كان قسم إدارة الشؤون العامة مكانًا يتجمّعُ فيه كل أنواع المزعجين، لذا كانت معتادة على “الزوار غير المحجوزين فِي منتصف اللّيل”.

كانتْ بارعةً في التّعامل مع المزعجين لدرجةِ أن الأقسام الأخرى في القصر الإمبراطوري كانت تُطلق عليها “المعلّمة”.

كانَ هذا اللّقل يحملُ نصفَ احترام، أما النّصف الآخر فكان يعني…

أنّها بارعةٌ في تهدئةِ المزعجين واستمالتهم.

نظرَ آيفرت إليها.

“هل أنتِ واثقة حقًا؟”

ألم تسمعي الشّائعات؟

بما أنّ الحاقدين قدْ يكونونَ من أنواع مختلفة، لكن الذين يحملون الأسلحة و يثيرون الشغب لم يكونوا ضمن اختصاصها بالتّأكيد، أومأت روديلا برأسها.

“بالطّبع.”

عندها، قال آيفرت دون أن يتغيّر تعبيره:

“إذًا، هل يمكنني أنا أيضًا الذهاب إلى غرفتكِ عندما أكونُ في خطر؟”

“هل تعتقدُ أنّ ذلكَ سيحدث؟”

هذا الرجل يمزح أحيانًا بطرقٍ لا تُصدق.

―نغزة!

طعنت روديلا خاصرته و دخلت إلى غرفتها بسرعة

كانت الغرفة… حسنًا، واسعةً و جميلة.

* * *

أوّل ما بدأت به روديلا في الشّؤون المالية كان تقليص النّفقات.

التّدمير يتطلّبُ استراتيجيّة طويلةَ الأمد، لذا يجب التّوفير من أماكن أخرى.

مِنْ أين إذًا؟

بينما كانتْ تفكّر، لفتَ انتباهها أولاً الإمدادات العسكريّة.

طريقة لتقليل التّكاليف دون خفضِ الجودة.

لا يُفترض أن تكون هناك طريقة كهذه، لكن روديلا فكّرت في واحدة.

“لذا، بمجردّ أن أصبحتِ مساعدة إدارية للفرسان الزرقاء، قمتِ باستدعائي؟”

التقت روديلا بسيسيليا إلبامونت، وريثة تجارة إلبامونت و صديقتها، في مطعمٍ في العاصمة يحتوي على غرفٍ خاصّة.

استدعاؤها إلى مكتب الفرسان سيكون ملفتًا للغاية.

“أهلاً، سيسيل.”

“مرحبًا ، روديلا ، آيفرت. قرأت الاقتراح.”

دخلت سيسيليا الغرفة و بدأت بالموضوع مباشرةً.

“كيفَ كان؟”

نهضت روديلا لاستقبالها و أرشدتها إلى مقعدها.

ضيّقت سيسيليا عينيها.

“ما هذا التّصرف التجاري الواضح؟”

“لأنكِ الشخص الذي سينقذ إنجازات فرساننا الزرق.”

أجابتْ روديلا عَلى الفور.

بينما كان آيفرت، نائب قائد الفرسان الزرق، يكتفي برفع كتفيه، ضحكتْ سيسيليا.

“‘أصبحتِ تقولين فرساننا الزرق بالفعل؟”

أشارت إلى كلمات روديلا. فلوّحتْ روديلا بيدها.

“نحن الآن كيان واحد. إذا لم أحقّق إنجازات هنا، فسيضيعُ حلمي.”

كانتْ جادّةً إلى هذا الحدّ.

أومأت سيسيليا برأسها.

ثم تحوّلت إلى وجه تاجرة صعبة، و وضعت ذراعيها على صدرها و قالت:

“حسنًا… دعيني أوضّح لكِ أوّلاً، أنا لا أقبلُ الصفقات الخاسرة. حتّى لو كنتما أنتما.”

ردّت روديلا كمَا لوْ كانَ الأمر بديهيًا:

“أعلم. لم أستدعيكِ لتبيعي البضائع بسعرٍ رخيصٍ لأنّنا أصدقاء. كما رأيتِ في الاقتراح، أريد تقليل تكاليفِ النقل.”

بينما كان آيفرت يراقب روديلا فقط و كأن سيسيليا غير موجودة، استمرّ الحديث.

“ببساطة، تريدينَ أنْ يأتي الفرسان لأخذ البضائع من تجارتي؟”

كانَ الأمر كذلك.

فإذا أرادت تقليل التكاليف دون المساس بالجودة، فإن استلام البضائع من المصدر هو الحل.

أيْ تقليل تكاليف الشّحن و التّوصيل.

بالطّبع، يجبُ ألا يُهدر وقت الفرسان أيضًا، لذا يجب إيجاد نقطة وسط.

علاوةّ على ذلك، بمَا أنّ هذا يتطلّبُ تحريك القوّات، كانَ الحصول على الإذن ضروريًا… لكن معَ وجود آيفرت ، نائب القائد، لم تكن هناك مشكلة.

“صحيح.”

“هذا جيد، لكن السّيوف و الدروع حتى الأغراض الصغيرة، كلها تأتي من أماكن إنتاج مختلفة. هل تنوين جمعها كلها؟”

سألت سيسيليا و هيَ تضع ذراعيها على صدرها. هزّت روديلا رأسها.

“لا، أريد منكِ تحديد نقطة مناسبة وجمع البضائع هناك. في المقابل، سنتحمّل التكاليف.”

كانَ الهدف تقليل التكاليف قدر الإمكان، وليس إلغائها تمامًا، لذا كانَ من الضروري إيجاد حلّ وسط.

“إذًا…”

نشرت سيسيليا خريطةً و بدأتْ بتحديد مواقع إنتاج البضائع بعناية.

ثمّ قارنت بعناية بين الطّرق البريّى ومواقع فروع تجارتها إلبامونت، و اقترحت على روديلا:

“ماذا عن أن يأتي الفرسان إلى هنا؟”

“هذا بعيد جدًا. الفرسان يستخدمون الخيول أكثر من العربات، لذا هنا…”

لم تتراجع روديلا قيد نملة.

نظر آيفرت إلى الاثنتين و هما تحدّدان الموقع الذي يجبُ أن يذهب إليه فرسانه بنظرةٍ هادئة.

عندما اقتربت المحادثة من النّهاية، سألت سيسيليا:

“بالمناسبة، آيفرت ، فرسانكَ هم مَن سيتحرّكون، ألا تريدُ قول شيء؟”

عندها فقط فتح آيفرت فمه

“روديلا تنسّق الأمور بشكلٍ أفضلَ منّي.”

لم يكنْ هذا تهرّبًا، بلْ كانَ يعكس ثقةً كاملة.

“جئتُ فقط لأراقب.”

ضحكتْ روديلا عندَ سماعِ ذلك.

“لستُ بحاجة إلى حارس و أنتَ تذهب و تعود إلى وسط المدينة.”

الغريب في الأمر أنّه في كلّ مرّةٍ تستمع فيها سيسيليا إلى حديثهما، تلاحظُ أنّ محور كلامهما يتّجه إلى مكانٍ آخر مختلف.

“…حسنًا، على أيّ حال، سأتواصل مع الفرع القريب مِن هنا. لكن هلْ سيكونُ الأمر على ما يرام؟”

طوَتْ سيسيليا الخريطة بعد انتهاء الحديث وسألت.

“ماذا؟”

كان سؤالها موجّهًا لكليهما، فنظر آيفرت إليها أيضًا.

“الجميعُ يعلم أنّنا أصدقاء. ألا يمكنُ أن يُعتبرَ التعامل مع تجارتنا نوعًا مِنَ الفساد؟”

رد آيفرت بحزم:

“لن يُعتبر كذلك.”

كانت روديلا تشاركه الرأي، فشرحت:

“لم نشترِ بثمن مرتفع ، بل بسعر منخفض. عادةً، لسرقة الأموال، يعمّ الشّراء بسعرٍ مرتفع ثم يتمّ اختلاس الفرق.”

“حسنًا…”

أومأت سيسيليا برأسها. ثم رفعت ذقنها ببرود ونظرت إليهما.

“لكّنكما تعلمان أنّ هذا عملٌ لا يجبُ علينا القيام به من وجهة نظرنا؟ طريقة جديدة لم نجرّبها من قبل ستكون مزعجة و ستتكبّد تكاليف غير متوقعة.”

كانت تتذمّر، لكنها في قرارة نفسها تريد منهما الاعتراف بجهودها. كانتْ صديقةً لطيفة حقًا.

“أعلم. شكرًا!”

عانقت روديلا سيسيليا.

في إدارة الشؤون العامة، كانت متحفّظة، لكن مع أصدقائها، كانت منفتحةً تمامًا.

“آه، الجوّ حارّ!”

تفاجأت سيسيليا وحاولت التملّص. بينما كانت تكافح للخروج من العناق، قالت:

“على أيٌ حال، أنا أفعل هذا لأنّ الأمر يتعلّق بكما أنتما!”

“لا تقولي ذلك، سيُعتبر فسادًا.”

عند كلماتِ روديلا، انفجرَ الضّحك مجددًا.

هزّت سيسيليا رأسها و هي تنظر إلى آيفرت، الذي يبدو أنّه لا يضحك إلّا عندما تكونُ روديلا سعيدة.

تعيشُ حبًّا صعبًا، أنتَ أيضًا.