“إذا كنتِ أنتِ، كنتُ أعلم أنّكِ سوف تتمنّين لو أن شخصًا ما يأتي و ينسّق ملابسكِ بسرعة.”
أومأت روديلا برأسها بحماس عندَ هذه الكلمات.
تمامّا!”
عاجزةً عن كبح فرحتها، عانقت آيفرت بقوة.
بشكلٍ مذهل.
“لكن كيفَ عرفتَ ذوقي؟”
سألتْ و كأن الأمر بديهيّ.
أجابَ آيفرت دونَ تردّد:
“من خلال ملاحظة ما ترتدينه عادةً.”
“و ماذا عن حبّي لزخارف اللؤلؤ؟”
“حسنًا…”
نظرَ آيفرت إليها.
“أنتِ مَنْ أخبرتِني.”
“أنا؟”
رمشت روديلا بعينيها. أومأَ آيفرت برأسه.
“قبل ثلاثة عشر عامًا.”
في عيد ميلادكِ آنذاك، أحببتِ قلادة اللؤلؤ التي أهديتكِ إيّاها بشكلٍ خاصّ.
رمشت روديلا لبضع لحظات، ثم أعربت عن إعجابها.
“آه، تلكَ القلادة اللؤلؤية التي أعطيتَني إيّاها أيام الأكاديمية! لا زلتُ أملكها!”
بدأت تثرثر بحماسٍ عن تلكَ الذّكريات.
“كانت في عيد ميلادي، صحيح؟ عندما قلتَ أنّكَ ستربط القلادة لي، كنتُ ترتجف حينها. يبدو ذلك كما لو كان بالأمس. ألستَ خائفًا اليوم؟”
بالنّسبةِ لها، هي التي كانت تضحك، كانت تلكَ ذكرى حقيقيّة.
‘أنا أحبكِ، روديلا.’
“شكرًا!”
كنتِ تبدين جديرة بالكراهية و أنتِ تعانقينني هكذا الآن، لكن…
لكنكِ كنتِ مشرقةً لدرجةِ أنني لم أستطع كراهيتكِ.
“لستُ خائفًا.”
ابتلعَ آيفرت أفكاره و أجاب.
“أتذكّر تلكَ الأيّام. قبلَ أيّامٍ من ربط القلادة لي، كنتَ تصنع إكليل زهور، أليس كذلك؟ ظننتُ أنه سيكون هديّة عيد ميلادي.”
أعربتْ روديلا عن أسفها، قائلة إن إكليل الزهور كان سيصبح هديةً جيّدة، لكنه لم يستطع الرد بأنه لم يكن بإمكانه إعطاءها كومةَ زهور نصفها متكسرة.
لو فعل ذلك، لكانت الكلمات التي ابتلعها قد انسكبت.
لأنه في الحقيقة كان يرتجف حينها كما يرتجف الآن.
في ذلكَ الوقت، كان يرتجف خوفًا من أن يؤذي عنقها، لكن الآن…
خوفًا من أنكِ، التي بدأتِ تنظرين إليّ بشكلٍ مختلف قليلاً، قد تتوقّفين عن النّظر إليّ.
“كنتُ أتدرّبُ على ربط القلادة حينها.”
“لهذا كان يبدو طبيعيًّا.”
ثم سألته:
“هل تدرّبتَ اليوم أيضًا؟”
“اليوم و أمس أيضًا.”
كل التّدريبات التي قمتُ بها لضبط قوّتي و طاقتي كانت لأكونَ قريبًا منكِ.
كيف يمكنني تفويت يومٍ واحد؟
لم أستطع تحمّل فكرة إيذائكِ.
أشارَ آيفرت إلى القلائد اللؤلؤية المعلقة على الدمى الثلاث.
“إذن، أيّ واحدة سأضعها لكِ اليوم؟”
إذا قلتُ إنني أحبكِ مجدّدًا بينما أنا أضعها لكِ، هل ستبتسمين ببراءة كما فعلتِ حينها؟
“همم… الوسطى؟”
قالت روديلا بعد تفكير.
“سأرسلُ الاثنتين الأخريين إلى القصر.”
فكَّ آيفرت القلادة من عنق الدمية.
بالطّبع، لم تتضرر لا الدمية و لا القلادة.
لفّت يداه الدقيقتان و المضبوطتان عنق روديلا بحذر.
لم يكن هناك أيّ أثـرٍ للتوتر في عنقها الذي لامسته أصابعه.
إيمان قوّي بأنّني لن أؤذيكِ أبدًا. ربّما هذا هو السّبب…
في تلكَ اللّحظة، التقت عينا روديلا و آيفرت.
ربّما كانت قريبةً بما يكفي لتشعرها بالدغدغة، و بما يكفي لجعلِ يديه ترتعشان.
“شكرًا، آيفرت.”
“شكرًا!”
آه، نفس الكلمات التي قالتها في ذلكَ اليوم.
في اللّحظة التي حاولَ فيها آيفرت رفع زوايا فمه عمدًا، و بعد لحظةٍ من التّواصل البصري، ارتعشت جفون روديلا، مخفيةً عينيها الخضراوين العميقتين.
ظهرَ توتّر غريبٌ على عنقها و وجهها.
“….”
ثم، عندما رفعت عينيها المتلألئتين ببطء لتلتقي بعينيه مجدّدًا، شعرَ آيفرت و كأنّ الزمن توقف.
نفسها الهادئ، صدرها الذي يرتفع و ينخفض بهدوء،
و شفتاها المفتوحتان قليلاً. وجهها المحبب.
ابتسامتها، و أذناها و خداها المحمران بوضوح.
كل ذلكَ جاء إليه حيويًا كلوحةٍ مائية مكتملة، مما جعله يحبس أنفاسه.
لهذا، أرادَ أن يسألها هذه المرة.
هل أنتِ متوتّرة؟
و إذا كنتِ متوترة، فما الذي يجعلكِ كذلك؟
هل تخافين أن أؤذيكِ؟ أم…
في تلكَ اللّحظة:
“الآنسة روبيلا، حانَ وقت ترتيب ملابسكِ.”
عند صوت الخادمة، بدأ الزمن المتجمّد يتحرّك مجدّدًا.
وضعَ آيفرت القلادة حولَ عنقها بسرعة.
عندما تراجع، رفعت روديلا رأسها و نظرت إليه.
قبلَ أن تستقرَّ خصلات شعرها السوداء اللامعة كالحرير الرقيق، التقتْ عيناها بعينيه.
“ما الأمر؟ هل أبدو غريبة اليوم؟ هل هناكَ شيء على وجهي؟”
هل تعلمينَ أن وجهكِ محمّر أيضًا؟
أريدُ أن أسألَ إن كان ذلكَ بسببـي…
“أحبكِ، روديلا.”
هل كنتُ أرتجف هكذا عندما كنتُ صغيرًا؟
هل كانت كلّ تلكَ الاعترافات الغير مبالية التي كنتُ أقولها في الواقع ليست كذلك؟
احمرَّ وجه آيفرت فجأةً.
شعرَ بنفسٍ متسارع و نبضات قلبٍ متسارعة.
و عقلٍ يكافح لكبح الرّغبات السّوداء المتدفّقة.
كلّ شيءٍ كانَ على الحافّـة.
أريدُ تقبيلكِ.
أريدُ أن أسأل إن كنـتِ سترتجفين إذا قبّلتكِ.
هل هذا الشّعور المحبّب الذي يسري من أطراف أصابعي إلى جسدي كلّه ينتقل إليكِ أيضًا؟
هل تحبّينني أنتِ أيضًا؟ أردتُ أن أسأل.
مرّت اعترافاته العديدة غير المبالية عبرَ ذهنه.
اتّجـهَ نظره، بعد أن اجتاز ذكريات لحظية، إلى الفتاة التي تقفُ أمامه، خدّاها محمران.
تدفّقت مشاعر متداخلة و ملونة بشكلٍ لا يطاق، ولم يستطع آيفرت استعادة رباطة جأشه.
لا يُفترض أنْ تكوني بهذا الجمال.
لا يُفترض أن يكون الإنسان جميلًا لدرجة تجعل الكلمات تتلاشى.
أنتِ جميلة إلى درجةٍ تجعلني أرغبُ في نزع قناع التمثيل ، و أخذ نفسٍ عميق، و معانقتكِ.
جميلةٌ لدرجة تجعلني أريدُ اختلاق عذرٍ بالخطأ للإقتراب منكِ
“…لا، سأعود لاحقًا.”
بالكاد استدار آيفرت.
لأنه لو لم يفعل، لكانَ قد قبّلـها دونَ أيّ عذر.
* * *
بعد مغادرة آيفرت، تدفّقت الخادمات إلى الغرفة.
كانت روديلا تلامس القلادة و هي تفكّر في تعبير وجهه الأخير.
“سأعود لاحقًا.”
وجهه، و هو يغادر كأنه يهرب، كان يتظاهر بالهدوء لكنه كان أكثرَ احمرارًا من المعتاد.
نفَسه المتقطّع قليلاً.
هل يمكن لشخصٍ مثلكَ، يصعد إلى الطّابق العلوي من القصر، أن يلهث؟
لا أعتقد ذلك.
شعرت روديلا بحرارة في وجهها و لوّحت بيدها كمروحة.
“أي فستان تفضلين؟ يمكنكِ مزجها إذا أردتِ، فاختاري براحتكِ.”
سألتها الخادمات في تلكَ الأثناء.
اختارت روديلا الثّاني دونَ وعي.
عندما كان آيفرت واقفًا بجانبه، كان يبدو أنه سيناسبها جيّدًا إذا كانت ترتديه و هي إلى جانب آيفرت.
لامست القلادة التي كانت على تلكَ الدّمية مجدّدًا.
“….”
في تلكَ اللّحظة القصيرة عندما وضعَ لها القلادة.
كانت تنظر إلى وجههِ دونَ أن تعرفَ ما الذي تسأله.
على الرّغمِ من أنه كان يرتدي زي الفرقة مع لمسة خفيفة من الزخارف التي لا يستخدمها عادةً.
وجدت نفسها غير قادرةٍ على إبعاد عينيها عن وجهه.
كان هو نفسه المعتاد، فلماذا؟
هل أحببتُ الزّي الرسمي؟
لم تكن المشكلة بهذهِ البساطة.
لم تدرك أنه يرتدي زيًا رسميًا إلا عندما غادر.
كان ذلكَ لأنّه آيفرت.
‘ربّما لأنّني أريدُ علاقةً مختلفة.’
تذكّرت فجأةً كلمات سيسيليا.
صديقتها الذكية، التي تعملُ في التجارة و تفهم المشاعر الدّقيقة بين الناس، ربّما تقدّم لها استنتاجًا لا يُنسى هذه المرة أيضًا.
ما الذي يفكّر فيه آيفرت، أو ما الذي أفكر فيه أنا بينما أنظرُ إليه بهذه الطّريقة؟
على الرّغمِ من أنها تعلم أن الإجابة الحقيقية لا يعرفها إلا الشّخص نفسه، لم تستطع روديلا فهم نفسها.
لا، لم تكن متأكّدة، فأرادت أن تسأل.
صديقي يستمرّ في إعطائي شعورًا لا يمكن أن يمنحه صديق.
ما اسم هذه العلاقة؟
وماذا يجبُ أن أفعلَ في مثل هذه الحالة؟
أرادتْ أن تسأل.
التعليقات لهذا الفصل " 69"