“تبدين وكأنك تقولين إن هذا غير متوقع، لكنني أقصد أنني لا أمانع إذا تأخّرَ الزواج.”

نظرت روديلا إليه بدهشة.

ثم نظرت حولها وقالت:

“لا يوجد ولو نملة واحدة في الممر.”

“أعلم.”

جاءَ الرد فورًا.

…بالطبع، آيفرت، بحدسه الحاد، من المحتمل أنه يعرفُ حتى عدد الأشخاص الذين يتجولون في الطابق السفلي.

لكن لماذا…

“…..”

لم تستطع روديلا إلا أن تصمتَ للحظة.

لماذا يتحدث هكذا و هو يعلمُ أنَّ لا أحد هنا؟

صحيح أن علينا التمثيل كأننا سنصبح زوجين، لكن لا يوجد أحد هنا ليسمعه، فلماذا؟

بينما كانت تفكر، أدركت روديلا فجأة.

لم تكن هذه المرة الأولى أو الثانية.

بل، بالضّبط، كان دائمًا هكذا.

عندَ الـتفكير في الأمر ، نعم، كان دائمًا هكذا.

كيف لم تلحظ ذلك إلا الآن؟

―قبلة.

قبلته على رأسها، على جبهتها. الطريقة التي كان يبتسم بها وهو ينظر إليها.

حتى طريقته في الحديثِ عن الزواج كأمرٍ بديهي.

لم يكن ذلكَ غريبًا. لقد رأته كثيرًا لدرجةِ أنه أصبح مألوفًا.

كما لو كانت ذكريات لا حصرَ لها تمر أمام عينيها.

بالطبع، كانت تعتقد أنها مزحةً أو تمثيل. لكن ماذا لو…

بينما كانت تفتح فمها قليلاً، سأل آيفرت:

“لماذا، هل ستكرهينني إذا تجاوزتُ الخامسة والعشرين؟”

أعادتها نبرته إلى الواقع.

بالطبع، كانت مختلفة عن النبلاء القدامى الذين يعتقدون أن الزواج بعد الخامسة والعشرين يعني لعنةً ما.

“لا، ما علاقة ذلك؟”

لذا كانَ ردّها لا إراديًا.

كرهت أن تُعامل بنفسٌ معاملتهم، فخرج ردها كأنه أمرٌ بديهي.

عند هذا الكلام، نظر إليها آيفرت بهدوء وقال:

“إذن، حسناً. بغضّ النّظرِ عن عمركِ.”

ابتسمَ.

“سأقولُ إنكِ ملكي.”

توقفت روديلا عن السير ونظرتْ إليه.

عيناه الزرقاوان اللتين تقابلت بعينيها كانتا تلمعان بثقة.

كما لو كان يقول إن كلامه هو حقيقة بلا أيّ زيف.

في مكانٍ لا يوجدُ فيه أحد.

لذا لم تكنْ هناكَ حاجة لهذا الكلام.

و آيفرت، الذي توقفَّ معها، لم يتجنب نظرتها.

“سأتأكد من التعامل مع أولئك الذين نشروا الشائعات عنكِ بصرامة. إذا استمروا في ذلك، سأخوض حربًا إقطاعية إن لزم الأمر.”

توقّفتْ روديلا.

“إلى هذا الحدّ؟”

“يجب أن يصلَ الأمر إلى هذا الحد. إنّه أمر خاصّ بيني و بينكِ.”

كان كلامًا مزدوج المعنى.

ما نوع علاقتنا؟

علاقة ستنتهي قريبًا لكنها الأقرب؟

علاقةٌ يعتقد الجميع أنها ستؤدي إلى الزواج لكنها في الحقيقة ليست كذلك، علاقة زائفة؟

أيّ نوعٍ من العلاقة تقصد؟

لماذا تستمر…

“ربما لأنه يريد علاقة مختلفة.”

تذكرت كلام سيسيليا.

ما نوعُ العلاقة التي تريدها؟

لماذا تستمر في قول أشياء تجعلُ من السّهل الخلط بيننا و نحن لوحدنا؟

كاد سؤال يبدأ بـ”هل” أن يصل إلى طرف لسانها.

لكنها لم تستطع طرحَ سؤالها على آيفرت.

لأنها كانت تعلم أن هذا السؤال الواحد قد يكسر هذا الجدار الرقيق، و أن هناكَ صندوقًا لا يمكن التراجع عنه.

* * *

بدأ آيفرت في التّعاملِ بنشاط مع أولئك الذين نشروا شائعة خيانة روديلا.

من خلالِ تتبع مصدر الشائعات بين “أشخاص رويدن” في الأوساطُ الاجتماعية المركزية، حدّدَ مَنْ سمع الشائعة و مِن أين.

بما أن عدد “أشخاص رويدن” أكبر بكثير مما هو معروف للعامة، كان تحديد مصدر الشائعة مسألة وقت قصير.

وكانت النتيجة تتمحور حول الماركيز داركيلا، الذراع اليمنى لدوق بينريكس، و ثلاث أو أربع عائلات أخرى.

كانوا، كما هو متوقع، من العائلات التقليدية الموالية للنبلاء.

“يفعلون كل شيء.”

في غرفة نائب القائد.

في غياب روديلا، لم يخفِ آيفرت تعبيره البارد.

بوجهٍ متجمد، قرأ التقرير، ثم أخرجَ ورقة أخرى.

وبدأ يكتب بحبر مغموس في قلم ريشة.

[إلى رويدن.]

كان الحبر الذي توقّفَ عنده قلم آيفرت يتوهج بنور غريب.

حبر لا يمكن رؤيته بوضوح إلا بشرب دواء سحري خاصّ ممزوج بدم عائلة رويدن الرئيسية.

أولئك الذين كانوا أيدي و أرجل رويدن، عيونها وآذانها، كانوا في الأزمات يحظون بدعم رويدن الكامل بموجبِ عقد الدم.

كان معظمهم من عائلات أنقذتها رويدن في الماضي، لذا كانوا يتبعون رويدن بإخلاصٍ وامتنان.

وكرمزٍ لهذا العقد، كانوا يُمنحون اسمًا وسطيًا يبدأ بحرف R.

تحتَ اسم R الوسطي، شكلوا شبكة قوية يدعمون فيها بعضهم البعض، مكونين دولة غير ملموسة ضخمة تتبع عائلة رويدن الرئيسية.

ومن بنى هذه الشبكة بهذا الحجم كان آيفرت رويدن نفسه.

بمجرّدِ أن أصبح بالغًا، لم يكتفِ بإحياء شبكة العائلات التي كادت تنقطع بسببِ حرب الوحوش و وفاة الدّوق السابق فجأةً ،  بل جعلها أقوى وأوسع.

بل وأنقذَ عشرات العائلات التي كانت على وشكِ الانهيار.

لذا، على عكس لقبه العام “منبوذ رويدن”، كان أولئك الذين يحملون الاسم الوسطي R يخدمون آيفرت رويدن كرئيسٍ حقيقي للعائلة.

والآن، كان أمر آيفرت رويدن على وشكِ أن يصدر.

[اعتبارًا من اليوم، تُعتبر عائلات داركيلا، مولتوين، وفلركين أعداء رويدن.]

أن أكونَ لكَ عداوة مع رويدن، التي يخدمها العديد من العائلات و الأفراد في مختلف أنحاء الإمبراطورية، يعني عمليًا أن نصف الإمبراطورية أصبحَ عدوّك.

وبعد وقتٍ قصير من صدور هذا الأمر، بدأت أمور غريبة تحدث للعائلات المعنية.

* * *

في الأيّام القليلة الماضية، بدأت تحدث أمور سيئة بشكلٍ مريب لهذه العائلات.

بصرفِ النظر عن الأمور الصغيرة، بدأت عائلة مولتوين في صناعة السياحة تواجه منافسة من عائلة مجهولة تمتلكُ رأس مالٍ ضخم من مصدر غير معروف.

في أعمال البناء السحري لعائلة الماركيز داركيلا، توقفت الأعمال فجأةً أو تأخرت مدفوعاتها، مما أدى إلى فقدان الثقة في أعمالهم بسرعة.

بعد أن مرت عائلة فلركين بتجربة مماثلة، أدركوا أن “هناك شيئ ما خطأ”.

لكنهم لم يعرفوا السبب.

“كيف يمكنُ أن يتحول الحظّ إلى هذه الدرجة من السوء فجأة؟”

كانت سلسلة الأحداث الكارثية التي حلت بهم فجأةً أكبر بكثير من تدمير مبنى قافلة عائلة أورتين، الذي “تم التعامل معه قليلاً” من قبل فرقة الفرسان الحمر و عائلة بران.

تضخمت الأضرار، وتجاوزت بالفعل ثلاث إلى أربع مرات أضرار أورتين.

ومع ذلك، لم يتمكنوا من معرفةِ السّبب.

“لماذا بحقّ الجحيم!”

لماذا توقّفَ شركاء الأعمال الموثوقون فجأةً عن التعامل معهم و اختاروا عائلات أخرى؟ لماذا لم تجدد العائلات، التي كانت تتعامل معهم بشكلٍ جيد حتى الآن، العقود و اختارت عائلات أخرى بشروطٍ أسوأ؟

لماذا أصبحَ الأشخاص الذين كانوا يتوقون للارتباط بفصيل النبلاء في الحفلات يتجاهلونهم فجأة؟

لم يتمكنوا حقًا من فهمِ ذلك.

كما لو أن جزءًا من الإمبراطورية أصبحَ عدوًا لهم.

لكن كانَ هناك مَن أصبحوا أكثر استعجالاً منهم.

―طرق.

في قاعة العشاء الهادئة، كان صوت تحريك الأطباق يتردد بصوت عالٍ بشكل غير عادي.

في قاعة العشاء الفاخرة لدوقية بينريكس العريقة، كانت الوجبة فاخرة و شهية، لكن شخصًا واحدًا فقط كان يحرك الأطباق.

“همم…”

ابتسمَ دوق بينريكس بهدوء وهو يتذوق طبقًا من صدر الدجاج المقطع بدقة.

كما هو متوقع من الطاهي الذي اختاره، كانت المهارة ممتازة.

وأمامه، كان الأغبياء الذين فشلوا في أدوارهم يبتلعون ريقهم دونَ أن يتمكنوا من شرب رشفة ماء.

ماليك بران و رايان ديفلت.

كانا مرشحين كان ينوي وضعهما في منصبي رئيس مكتب الشؤون الرسمية ونائب قسم الشؤون العامة…

‘أنْ يكونا عديمي الفائدة إلى هذا الحد.’

ارتسمت ابتسامةٌ ساخرة على شفتي الدوق وهو يرطّبُ فمه بالنّبيذ الأحمر.