عندما فكّرت روديلا في الأمر ، بدا أنّ آيفرت لم يكن يحبّ الأطبّاء كثيرًا منذُ صغره.
لم يكن يتلقّى العلاج إلّا من طبيبِ عائلته، ولم يكن يسمح لأيّ شخصٍ آخر بمعالجته.
هل كان ذلكَ بسببِ تعقيدات لقب الدّوق؟
أم أنّ هناكَ سببًا آخر؟
“إذا كنتِ مصرّةً، فاستدعِ الطبيب! سأثبت لكِ من خلاله أنّني بخيرٍ تمامًا.”
“ألم تقل للتّو أنّكَ ستستمعُ إلى كل ما أطلبه منك، باستثناء أن تضع نفسكَ في موقف خطر أو تؤذي نفسك؟”
“ولهذا السبب تحديدًا طلبتُ استدعاء الطّبيب ولم أبدأ جدالً ، أليس كذلك؟”
بعد هذا الحديث المُحيّر، جلستْ روديلا خلفه وهي تحمل صندوق الإسعافات الأوليّة، وقد توقّفت دموعها تمامًا.
يا له من مشاغبٌ لا يستمع إلى كلامي، صديق مزعج!
“هل أنا طبيبة؟ هاه؟”
لم تكنْ قصّة القوّة البدنيّة مجرّدَ هراء، فقد توقّف الدّم بسرعةٍ مقارنةً بحجمِ الجرح.
لذلك، لم يستغرق تنظيف الجرحِ و إيقاف النّزيف وقتًا طويلًا.
بينما كانتْ تلفّ جسده بالضّمادات، قال آيفرت:
“أنتِ حصلتِ على درجة A+ في الإسعافات الأوليّة في الأكاديميّة، أليس كذلك؟”
كان لديه موهبة في قول أشياء مُحيّرة بكلِّ وقاحة.
“وهل هذا يُساوي كوني طبيبة؟”
ردَّ آيفرت على الفور:
“يقولون أنًَ طبيبنا العسكريّ حصلَ على درجة B.”
“…؟”
هذا… شيء مختلف بعضَ الشّيء، أليسَ كذلك؟
“…كيف تمّ قبوله إذن؟”
سألت روديلا بحذر.
ليسَ من طباع القائد أن يقبل رشاوى أو يعيّن طبيبًا غير كفء.
لكنّ المشكلة كانت أعمق من ذلك.
“وظيفة الطّبيب العسكريّ في فرقة الفرسان الزّرق هي وظيفة يتجنّبها الأطبّاء.”
“…آه.”
بالطّبع… معَ كلّ هذا التّدمير، كيفَ يمكن أن يكونَ أعضاء الفرقة بخير؟
“مؤخّرًا، بدأت وجوه الأطبّاء العسكريّين تُشرق. كانوا في السّابق يزحفون من التّعب.”
عندَ كلام آيفرت، حاولت روديلا تذكّر وجوه الأطبّاء العسكريّين جيّدًا.
بالفعل، لم تكن وجوههم مُرهقة تمامًا.
“لم يُصَبْ الكثيرون.”
تذكّرتْ أيضًا وجهًا كانَ ينظر إلى غرفة العلاج المزدحمة.
لم يكن ذلكَ وجه كاهنٍ متحرّر، بل كان سعيدًا حقًّا؟
“بفضلكِ، قلّتْ إصابات الفرسان كثيرًا، وهم سعداء جدًّا. لو ذهبتِ و تحدّثتِ إليهم، قد يحملونكِ على الأكتاف في أيّ فرصة.”
“آه، لن أذهبَ إذن.”
لم تكن هذه الاستقبالات الحماسيّة مرحّبًا بها.
خلالَ ذلك، اختفى الجرح تقريبًا تحتَ الضّمادات.
“على أيّ حال، لا تفعل هذا مرّةً أخرى.”
قالت روديلا و كأنّها تطلبُ تأكيدًا منه.
لكن آيفرت لم يُجب.
ثم قال فجأةً:
“القلق الذي تُظهرينه لي يبدو لطيفًا أكثر ممّا كنتُ أتخيّل.”
نظرَ إليها خلسة.
“ربّما يستحقّ الأمر تكرار الأمر؟”
عندَ هذا الكلام، قبضتْ روديلا يدها بقوّة.
“سأعتني بكَ إذا أُصبتَ.”
ثم دفعته إلى السّرير ليستلقي.
“اليوم، نـمْ على جانبكَ.”
إذا قالَ شيئًا سخيفًا مرّةً أخرى، سأسـدُّ فمه بالضّمادات!
فكّرت روديلا وهي لا تزالُ مشدودة الأعصاب.
* * *
في الأساس، لم يكن آيفرت يثـقُ بالأطبّاء.
أثناءَ وجوده في رويدن، أدركَ أنّ الأطبّاء هم أوّل من يُستهدفونَ عندما يحاول أحدهم التّلاعب بالنّاس، ممّا زاد من حذره.
لذلك، حتّى في أيّام الأكاديميّة، نادرًا ما كان يلجأ إلى طبيب.
بل إنّ الأمر تفاقمَ بعد انضمامه إلى الفرقة.
إذا كانَ الأمر ضروريًّا، كان يذهب إلى طبيب رويدن الخاص، لكنّه لم يكن يلجأ إلى الأطبّاء العسكريّين
بدلًا من ذلك، كانَ يعاني مرّاتٍ عديدة وهو يلفّ الضّمادات بنفسه.
كانت الضّمادات تنقطعُ بسهولة إذا ضغطَ عليها، وكان عليه أن يؤدّي حركاتٍ بهلوانيّة بجسدٍ مؤلم ليلفّها حولَ جسده، وهو أمرٌ مزعج للغاية.
لذلك، كانَ يفكّر بغرابة أنَّ مَنْ اخترعَ الضّمادات لم يُتعرّضْ لإصابةٍ يومًا.
لكن،
“ارفـعْ ذراعكَ.”
بينما كانت روديلا تلفّ الضّمادات وكأنّها تحتضنه، تغيّرت أفكاره اليوم.
ربّما كانَ مَـنْ اخترعَ الضّمادات يعيش قصّة حبٍّ رائعة.
كان جادًّا عندما قالَ إنَّ الأمر يستحقّ الإصابة.
وعلاوةً على ذلك،
“نـمْ على جانبكَ.”
مَنْ سيجرؤ على عصيان أمرها؟
كانَ الاستلقاء وهو ينظر إليها نوعًا من المكافأة السّعيدة.
كانَ النّوم على الجانب الأيسر من عاداتها، لذلك كانا مستلقيين وجهًا لوجه.
وجهها الأبيض النّقيّ قريب.
شعرها الأسود يتساقط على وجهها، وعيناها الخضراوان اللامعتان، المغطّتان الآن بجفنيها.
كانتْ قريبة جدًّا، فلم يستطعْ النّوم.
وربّما لم يكنْ ذلكَ شعورهُ وحده.
“…..”
هل لا تزال متوترة، أم تحاولُ كبح دموعها؟
كانت جفونها المغلقة ترتجف قليلًا.
نظرَ آيفرت إليها وهي تحاولُ النّوم، وفكّر:
‘في المستقبل، إذا أُصبتُ، يجبُ أن أُصاب على الجانب الأيسر.’
بهذه الطّريقة، يمكننا النّوم وجهًا لوجه.
لو سمعتْ روديلا فكرته هذه لضربته.
في هذه الأثناء، أحضرتْ روديلا دمية دبّ من مكانٍ ما وهي تغمض عينيها بقوّة.
―بوم.
وضعتْ الدّمية كجدارٍ بينهما.
رفع آيبرت حاجبيه قليلًا.
“السّرير أصبحَ ضيّقًا، أشعـرُ أنّ جسدي مضغوط.”
ما إن قال ذلكَ حتّى أزالت الدّمية.
لكن، ربّما لتجعلهُ ينام براحة، بدأت روديلا تتحرّك للخلفِ ببطء.
“أتمنّى لو كنتِ تعلمين أنّ هذا ليسَ في صالحي.”
“ستسقطين هكذا.”
قال آيفرت وهو يرى روديلا على وشكِ السّقوط من حافةِ السّرير.
لكنّها هزّت رأسها فقط.
“إذا لم أفعل، قد أحتضنكَ أثناءَ النّوم.”
ذلكَ سيكونُ أمرًا مرحّبًا به.
هو يتساءل عن طريقةٍ لاحتضانها دون قيود، و الألم كان آخر ما يشغله.
بينما كان آيفرت يصلُ إلى استنتاجٍ مُحيّر أنّ “الإصابة ليست سيّئة”،
استقرّتْ روديلا أخيرًا بعيدًا.
ثمّ قالت:
“إذا احتضنتكَ، أيقظني. مفهوم؟”
لم يكنْ لديه نيّةٌ للسّماحِ لها بالنّوم في غرفةٍ أخرى، فأومأ آيفرت برأسه.
عندها، بدت مطمئنّة قليلًا وأغلقت عينيها.
كان يمكنها النّوم أقربَ قليلًا.
“…..”
حاولَ آيفرت الحركة، لكنّه اضطرّ لكبحِ أنينه.
إذا أظهرَ ألمًا أكثر، قد لا تستطيعُ هي النّوم.
أغلقَ عينيه للحظة، وشعرَ فجأةً كأنّ وعيه يسقط في هاوية.
كان قد وصلَ إلى حدوده بعد أن تظاهرَ بأنّه بخير منذُ الظّهيرة.
لهذا حاولَ ألّا يستلقي.
‘عندما أستلقي، لا أستطيع رؤيتكِ أكثر.’
يا لها من فرصة نادرة.
“…..”
لكنّ جسده كانَ يصرخ طالبًا الرّاحة، ولم يعد بإمكانه الصّمود.
اختفى وعيه كما لو أنّه انطفأ.
* * *
سُمع صوت تنفّسٍ خشنٍ بعض الشّيء.
فتحت روديلا عينيها بهدوء.
كانَ صوت التّنفّس المنتظم يشيرُ إلى أنّه نائم.
“…نائم؟”
سألت بصوتٍ منخفض، لكن لم يأتِ ردّ.
“هل أنتَ نائم حقًّا؟”
كثيرًا ما كانَ يتظاهر بالنّوم، لكن يبدو أنّه اليوم نائم حقًا.
شعرتْ بالأسف أكثر وهي تنظر إلى وجههِ المرهق قليلًا.
“نعم، يجبُ أن ترتاح.”
تنهّدت روديلا تنهيدةً قصيرة.
كان من الطّبيعيّ أن يصل حتّى هو إلى حدوده بعد أن تجوّل متظاهرًا بالعافية و هو مصاب.
لكن، لسببٍ ما،
“…..”
شعرت اللّيلة بغرابةٍ وهي وحيدة.
عندما فكّرت في الأمر، وجدتْ أنّه دائمًا كان مستيقظًا يراقبها عندما تغمضُ عينيها أو تفتحهما، أو يكون قريبًا منها.
“دائمًا تنامُ متأخّرًا و تستيقظ مبكّرًا.”
عندَ التّفكير، كانَ الأمر كذلك حتّى في أيّام الأكاديميّة…
ومضت عينا روديلا ببطء و هي تتذكّر الماضي.
كانت مرهقة أيضًا بعد توتّرها و هدوئها.
‘هل أحضرُ دمية الدّبّ مرّةً أخرى؟’
‘ماذا لو احتضنته بسببِ عادة النّوم؟’
‘سيؤلمه ذلك.’
بينما كانت أفكارها تتدفّق وتنفجر كفقاعات الصّابون، غفَت روديلا فجأةً وحلمت.
“لماذا تستيقظ مبكّرًا هكذا؟ ألا تنام؟”
كان حلمًا من أيّام الأكاديميّة.
في الحديقة المنسيّة خلفَ المهجع، حيث كانت تذهب كثيرًا مع آيفرت.
هناك، نظرَ إليها آيفرت بوجهٍ صبيانيّ بعضَ الشّيء.
“أتمنّى أن يبدأ يومكِ بي وينتهي بي.”
قال الفتى آيفرت ذلك، وبدا، بطريقةٍ لا تُصدّق بالنّسبة لروديلا الآن، و هو يبتسمُ بخجل.
التعليقات لهذا الفصل " 52"