لم تُسجَّل أيُّ خسائر بشريّة في ميرفول، وهو أمرٌ مدهش.
على الرّغمِ من إصابة بعض الفرسان بخدوشٍ طفيفة، إلّا أنّه لم يُصَب أيُّ شخصٍ بأذى.
كان من المعجزات تقريبًا ألّا يُصاب أحدٌ رغم تدمير نصفِ مركز المدينة التجاريّ.
بالطّبع، كان ذلكَ متوقّعًا من مكان اجتاحته فرقة الفرسان الزّرق.
“حقًّا… حقًّا كلّ شيء تحطّم. حقًّا…”
كانَ هناك تجّار جلسوا على الأرض، وأشخاصٌ بدا واضحًا أنّ قلوبهم قد جُرحت.
لكن بالنّسبة إليهم،
“وقِّعوا على هذه الورقة، وتقدّموا بمطالبتكم إلى فرقة الفرسان الزّرق.”
قالت روديلا ذلكَ بابتسامةٍ وهي تُقدّم الورقة.
ونتيجةً لذلك،
“يقولون أنّه صحيح أنّ فرقة الفرسان الزّرق قد تتسبّبُ في التّدمير، لكنّها تفي بوعودها.”
“صحيح، حتّى دعمهم للنّاس مؤخّرًا…”
“حسنًا، هم أصلًا لم يكونوا فرسانًا يكذبون. انظروا إلى فرقة الفرسان الحمر…”
بدأت وجوه العامّة تُشرق تدريجيًّا.
على الرّغمِ من الصّعوبات الحاليّة، بدأت تسريبات عن إعادةِ تصميم المنطقة تنتشر، ممّا جعل الكثيرين يرون في ذلك فرصة.
“في هذه المناسبة، يمكننا أن نُجدّد…”
بمشاهدةُ التجّار وهم يتهامسون، بدا أنّ جيب لاتيني لن يسلم اليوم أيضًا.
“على الأقل، تحسّنتْ سمعة فرقة الفرسان الزّرق كثيرًا.”
قال ذلكَ الفارس الأقدم لاناك بوجهٍ مرح.
“…هل هذه حقًّا السّمعة التي يجب أن نفرح لها؟”
أليس هذا يعني أنّنا نُدمّر كلّ شيء؟
لكنّ إجابة آيفرت كانت سريعة.
“نعم، هي كذلك.”
ماذا؟ أن نُصبح مجموعة كارثيّة بشريّة تتجوّل؟
عند هذا الكلام، رفعَت روديلا حاجبيها.
لكنّها لم تستطع في النّهاية أن طْ تنفي ذلك.
في النّهاية، تنهّدت روديلا بعمق وقد استسلمت لفكرة “ليكن ما يكون”، وفكّرت:
“حسنًا، الأمور ستتحسّنُ شيئًا فشيئًا!”
* * *
بعد انتهاء الحادثة، عادت فرقة الفرسان الزّرق.
سارعت روديلا للبحثِ عن لاتيني لتقديم تقريرها.
بالطّبع، ادّعت أنّ كسر آيفرت لأطرافِ الشّخص كان خطأً، لكن…
“إذن، في خضمّ المعركة، حدثَ مثل هذا الحادث، وكسرَ آيبرت ذراعيه فقط؟”
سأل لاتيني، ولم يبدُ مقتنعًا على الإطلاق.
لكن آيفرت أجابَ بوقاحة:
“بعد ذلك، كسرتُ الباقي عن طريق الخطأ.”
ضحكَ لاتيني وقال:
“حسنًا، هذا السّيناريو. فهمتُ.”
لم يُصدّق ذلكَ أبدًا، أليس كذلك؟ لا توجد ذرّة ثقة في كلامه!
لكنّ الاثنين بدَوْا غير مباليين.
“إذن، بالنّسبةِ لميزانيّة تعويض الأضرار هذه المرّة…”
سارعت روديلا لتغييرِ الموضوع.
ثمّ كتبت بسرعةٍ تقدير تكلفة التعويضات على ورقة وسلّمتها إلى لاتيني.
بعد الحسابات، تبيّن أنّ الميزانيّة أكبر ممّا كان متوقّعًا.
في الأصل، كانوا يتوقّعون فقط إعادة تصميم شارع المعادن النّفيسة، لكن النّار امتدّت إلى بقيّة المنطقة التجاريّة، فكان ذلكَ متوقّعًا.
لكن لاتيني ابتسمَ ابتسامة عريضة عندما رأى أنّ الأرقام أقلّ مقارنةً بالماضي.
“سارعوا في الاستعانة بشركات.”
كان وجهه يبدو سعيدًا رغمَ إنفاق المال.
لم يكن ذلكَ فقط بسببِ انخفاض النّفقات.
يبدو أنّه كان أكثر سعادةً بسببِ عدم إصابة العامّة و تخفيف همومهم.
* * *
في تلكَ اللّيلة،
كانت روديلا تُعدّ تقريرًا لتقديمهِ إلى قسم الشّؤون العامّة.
أبرزت النّقاط الإيجابيّة قدر الإمكان، و كتبت بالتّفصيل كيفَ ساعدوا العامّة المتضرّرين.
أمّا بالنّسبةِ لحالة الشّخص الذي أُلقيَ القبض عليه،
[إصابات في الأطراف، غيرُ قادرٍ على الحركة (إصابة أثناءَ المعركة).]
…كتبت ذلكَ فقط.
في النّهاية، أصبحتْ شريكةً في الجريمة تمامًا، فوضعت روديلا يدها على جبينها.
لكنّها لا يمكن أن تكتب: “لقد حطّمنا أطرافه عن طريقِ الخطأ من أجلُ السّلامة!”، أليس كذلك؟
“على الأقل، بالنّسبةِ لكلّ ما تحطّم، لم يكن هناك مصابون، و هذا من حسن الحظّ.”
أنهت روديلا كتابة الجملة في التقرير وابتسمت.
في هذهِ الأثناء، كان آيفرت يتثاءب وهو ينظر إلى الأوراق التي تُعالجها.
إذا كنتَ متعبًا، اذهبْ للنّوم أوّلًا.
لكن يبدو أنّه لم يكن ينوي النّوم قبل أن تنام روديلا.
في النّهاية، فتحتْ روديلا فمها بحذر.
“سأنتهي قريبًا وأنام، لذا اذهب أوّلًا…”
“لا بأس.”
لماذا، بكلمة “لا بأس” هذه، عادت ذكرى حاولت دفنها فجأة إلى ذهنها؟
―دويّ!
المبنى الذي انهارَ فوقها، وصورة آيفرت وهو يندفع عبره ليحتضنها.
في لحظة، أظلمتْ رؤيتها، وغمرها دفء جسده، ثمّ جاء الضّجيج مع سحابة من الغبار…
اضطرتْ روديلا إلى إضافة بضع كلمات:
“إذا فعلتَ هذا مرّة أخرى، سأعاقبك.”
لم يعرفا كيفَ ستكون العقوبة، لكنّ روديلا كانت جادّة.
لكن آيفرت، كطفلٍ عنيد، أجابَ بعناد:
“أنا أستمع إلى كلّ كلامكِ.”
ثمّ نظرَ إلى روديلا مباشرةً وقال:
“لكن هذا الشّيءُ الوحيد الذي لا أريدُ الاستماع إليه.”
على الرّغمِ من عدم توضيحهما للأمر، كانا يتحدّثان عن الشّيءِ نفسه.
ضيّقت روديلا عينيها.
“… بغضِّ النّظر عن تمرّدكَ، متى كنتَ تستمع إلى كلامي هكذا؟”
أجابَ آيفرت كما لو كانَ ذلك واضحًا:
“منذُ الوقت الذي جعلتني فيه إنسانًا؟”
“تتحدّث و كأنّكَ لم تكن إنسانًا يومًا ما.”
أجابتْ روديلا بوجهٍ مشوّش، لكن آيفرت نظـرَ إليها وفكّر:
‘في ذلكَ اليوم في الأكاديميّة، أنتِ الوحيدةُ التي رأتني إنسانًا.’
* * *
في النّهاية، على عكسِ قولها إنّها ستنتهي بسرعة، انتهت روديلا من أعمالها الورقيّة في السّاعة الثّانية صباحًا.
“لماذا تنام واقفًا؟”
نظرت روديلا إلى آيفرت، الذي كان يتّكئ على الحائط و يغمض عينيه.
خلال عملها، أخبرته عدّةَ مرّات أن يذهب إلى السّرير لينام، لكنّه لم يتحرّك.
“لا يمكنني أن أترككِ وحدكِ في هذه الفوضى وأنام مرتاحًا.”
لم أُجبر على الدّخول، أنا مَنْ اختار الدّخول بنفسي.
كان بإمكاني الرّفض لو أردتُ، لكنّني اخترتُ الدّخول.
لم تفهم روديلا كلامه، لكن آيفرت أغلقَ عينيه بعدَ قوله.
“هل انتهيتِ؟”
لم يتفاعلْ إلّا عندما قالت أنّـها انتهت.
بدَا أنّه كانَ يفكّر كثيرًا، أكثرَ من المعتاد.
هل هو نعسان أم غارقٌ في التّفكير؟
نظرت روديلا إليه، ثمّ أشارت بيدها.
“هيّا، لننم.”
مشى بخطواتٍ ثقيلة و استلقى على السّرير، وهو ما بدا مقبولًا نسبيًّا.
لكن،
―بوم!
استلقى على السّرير كما لو كان ينهار، وبدا في حالةٍ سيّئة قليلًا.
لماذا وجههُ شاحبٌ هكذا؟
“أنت…”
لم يكن ذلكَ فقط. حتّى تحتَ الإضاءة الخافتة، لاحظت لمعان عرقٍ بارد.
“هل تتألّم؟”
عندَ سؤالِ روديلا، فتحَ آيفرت عينيه. ثمّ تظاهر بأنّه بخير و هـزّ يده.
أو بالأحرى، حاولَ هزّ يده.
رأت روديلا بوضوحٍ كيف تجهّم وجهه عندما حاولَ رفع يده.
“هل أُصبتَ بشدّة؟”
صحيح، حتّى لو كان آيفرت، من المستحيلِ ألّا يُصاب هناكَ على الإطلاق!
اقتربتْ روديلا منه بسرعة.
“انهض.”
وحينَ حاولت دعم ظهره ليجلس،
“آه.”
لم يستطع آيفرت تحمّلَ الألم وأطلقَ أنينًا.
أزالت روديلا يدها من ظهره مذعورة.
ثمّ أدركتْ أنّ قميصه الأسود المبلّل لم يكن مبلّلًا بالعرق، بل بالدّم.
كان الدّم على يدها أكثر ممّا توقّعت.
“هل وقفتَ هكذا طوالَ الوقت؟”
يا للمجنون!
استدارتْ روديلا بسرعة.
“سأحضر أحدهم.”
كان عليها استدعاءُ طبيبٍ فورًا.
لكن آيفرت ناداها.
“اتركيه. أنا بخير.”
“بخير ماذا!”
غضبت روديلا. لم تفهم لماذا شعرت بالانزعاج.
اندفعت أفكارٌ مختلفة كموجةٍ جارفة.
لو كنتُ أكثرَ حذرًا قليلًا.
لو أنّني حملتُ الطّفل و جريتُ فورًا، هل كان بإمكاني تجنّبُ الوقوف هناك؟
في لحظة انهيار المبنى فوقها، تلكَ اللحظة التي لم تستطع فيها التّنفّس من الخوف.
“…..”
عندما رأتْ وجهَ آيفرت القلق.
اطمأنّتْ روديلا.
لأنّها علمتْ أنّه سيندفعُ ليحميها.
لكنّ تلكَ الطّمأنينة عادت كشعورٍ بالذّنبِ يطعن قلبها.
من أينْ جاءت تلكَ الثّقة بأنّ آيفرت سيكون بخير؟
عضّت روديلا شفتيها.
كانت مشاعرها المتراكمة تشعرها بالدّوار.
عندها قال آيفرت:
“أنا جادّ. مع قوّتي، أتعافى بسرعة، سأكونُ بخير بعد النّوم.”
أظهرَ آيفرت يديه مفتوحتين ليطمئنها.
“إذن، لماذا لم يُطردْ جميع أطبّاء الفرسان؟”
ردّت روديلا بصوتٍ ممزوج بالبكاء.
من الطّبيعيّ أن يتجمّع الأشخاص ذوو القوّة في الفرقة.
ومنَ الصّحيح أيضًا أنّهم يتعافون بسرعة.
لكن حتّى مع ذلك، الفرقةُ هي مَنْ يحتاج الأطبّاء أكثر مِن غيرهم.
“أنا جادّ.”
ضيّـقَ آيفرت عينيه.
“ألا تُصدّقين؟”
“لا، لا أُصدّق.”
حاولتْ روديلا كبح بكائها وهي تتحدّث.
نظرتْ إليها آيفرت، حاولَ أن يقول شيئًا، لكنّه أغلق فمه.
هل رأى تعبيرها الباكي؟
كانتْ تأمل ألّا يلاحظ.
بينما كانتْ تخفض رأسها، سألها آيفرت فجأةً:
“إذن، هل ستعالجينني؟”
سيكونُ ذلكَ مفيدًا.
نظرت روديلا إليه دونَ وعي، وكان آيفرت يبتسم.
التعليقات لهذا الفصل " 51"