* * *
بعد نصف يوم من الانتظار في شارع المجوهرات،
كانت فرقة الفرسان الزّرق راضية عن التعاون النشط غيرِ المعتاد، بل إنّهم استمتعوا حقًا بتصفّح المجوهرات.
كان هناكَ فرسان يشترون إكسسوارات.
قدرتهم على الشّراء دون إهمال الحذر جعلتهم يندمجون كزبائنَ طبيعيين في المكان.
وفي الوقت نفسه، كانَ روديلا و آيفرت في برج السّاعة في ميرپول.
“أتمنّى لكما وقتًا ممتعًا.”
اعتقدَ حارس برج الساعة أنّ روديلا و آيفرت صعدا للاستمتاع بموعدٍ رومانسي بعيدًا عن الأعين.
لم يكن من الضروري إخبار عامّة الناس بتفاصيل العملية، لذا كانَ هذا عذرًا مناسبًا.
“حتى لو أردتَ نشر الإشاعات، انتظر حتى الغد، حسنًا؟”
لم تنسَ روديلا، بحسّها الذكي، إسكات الحارس.
بالطبع، من طباع البشر الـتّباهي برؤيةِ شخصيات مشهورة.
لذا، قرّرت روديلا أنّه لا يمكن إسكاته تمامًا.
بدلاً من ذلك، أقنعته بالصّبر لنصف يوم، حتى ينتهي اليوم، من أجل “موعد مريح”.
وضمانًا لـ”الوعد”، أعطتهُ بعضَ المال لتعزيز شعوره بالمسؤولية.
على أيّ حال، الإشاعات ستنتشر، لكن الآن كل ما يهمّ هو ألا تنتشر حتى يتم القبض على اللصّ.
وكان حسابها صحيحًا، إذ علّقَ حارس برج الساعة لافتة عند المدخل:
[برج الساعة معطل، تحتَ الصيانة]
كما أعارهما خوذة و ملابس فنيي الصيانة.
من بعيد، سيبدوان كفنيين يصلحان الساعة.
“هل يمكنُ رؤية شارع المجوهرات من هنا؟”
لكن هدفهما كان واضحًا:
مراقبة شارعِ المجوهرات من الأعلى.
المشكلة أن جدران البرج الداخلية كانت عالية جدًا، فكان على روديلا أن تقفَ على أطراف أصابعها لرؤية الخارج.
“ما هذا؟ لماذا بنوا الجدران بهذا الارتفاع؟”
عبست روديلا.
في المقابلِ، لم يكن آيفرت بحاجةٍ للوقوف على أطراف أصابعه، بل حتى لو ثنى ركبتيه، كان طويلًا بما يكفي لرؤية الخارج، وكانَ يراقب بالفعل.
“أريد أن أرى أيضًا!”
أمسكتْ روديلا كتفيه فجأةً و قفزت للأعلى.
كانت مزحةً اعتادا عليها منذُ أيّام الأكاديمية.
عادةً، كانَ ينظرُ إليها بدهشة ثم يدورُ ليُريها بشكلٍ أفضل.
لكن هذه المرة، سارتْ الأمور بشكلٍ مختلف.
أمسكَ خصرها و ساقيها بذراعيه القويين:
“ها؟”
ارتفعتْ قدماها عنْ الأرض، و صعدتْ رؤيتها فجأةً.
“آه!”
في لحظةٍ من الدّهشة، غطّتْ فمها دونَ وعي.
كانَ الدفء الذي يحيطُ بها، على النقيض من نسيم الهواء البارد، ملحوظًا.
وكانت الرؤية، عالية جدًا.
“هل ترين؟”
سألَ آيفرت وهو يرفعها.
“نـ، نعم؟ أجل.”
أين شارع المجوهرات؟ كنتُ أعرف منذ قليل، لكن الآن؟
شعرتْ و كأنّ عقلها أصبحَ فارغًا فجأةً.
“كيف ترفعني هكذا فجأة!”
“أنتِ تحبّينَ الأماكن المرتفعة، أليس كذلك؟”
أجابَ آيفرت بهدوء، بنظرة تقول: أعرفُ كل شيء عنكِ.
في تلكَ اللّحظة، توقّفت روديلا.
“هل تعتقدينَ أنّني لا أعرفكِ؟”
كثيرون، بما في ذلكَ كارتل النبلاء، قالوا مثلَ هذا الكلام.
“أعرف نواياكِ، توقّفي عن رفضِ عروض الزواج لرفع قيمتكِ”
وما إلى ذلك، حتّى كادت أذناها تتآكلان.
“…..”
لكن…
لم تعرف روديلا كم ثانية نظرتْ فيها إلى آيفرت.
مرّت أفكار كثيرة، ثم أدركتْ فجأةً أنّ كلامه لم يزعجها.
لو كان شخصًا آخر، لردّت عليه بحدّة، لكن كلامه…
صحيح. أنتَ تعرفني جيّدًا.
“هذا صحيح.”
مرّت الرياح ببرودة ، ماسحةً شعرهما.
في لحظة التقاء أعينهما لفترةٍ أطول:
ابتسمَ آيفرت.
“وهكذا سيظنّ حارس البرج أنّنا في موعد.”
“ألا تنوي إنزالي؟”
انتفضت روديلا فورًا.
شعرت و كأنّ الوقت، الذي كانَ يمرّ ببطء، عاد إلى مساره.
شعرت روديلا بيده وهو يُنزلها، وفكّرت:
لم أنظر طويلاً، أليس كذلك؟ لم يكن الأمر محرجًا، صحيح؟
“على أي حال، صديقتي العزيزة لا تستطيع رؤية الخارج، لذا سأراقب أنا.”
نظرَ آيفرت إلى الخارج و قال:
“لا يمكنكِ ارتداء حذاء بكعب للمهمة.”
تمتمت روديلا و هي تبحث عن فتحة لترى الخارج، محاولةً تهدئة وجهها.
“…..”
كانَ آيفرت أيضًا يُداري وجهه عنها.
يفكّر في تلكَ الثواني العشرة.
كنتِ تنظرين إليّ بعيون شاردة.
في ماذا كنتِ تفكرين خلالَ ذلك الوقت؟
على الرّغمِ من علمه أنّها مختلفة عنه، اضطر إلى دفع الخوذة أعمقَ لإخفاء أذنيه المتورّدة.
* * *
في الخطة، كانَ آيفرت الملاذ الأخير.
سيتدخّل فقط إذا فشلَ الفرسان في إخضاع اللّص.
السّبب بسيط: تدخّله سيؤدي إلى ارتفاع الأضرار بشكلٍ هائل.
على الرّغمِ من أنّه عادةً يشارك، هذه المرّة وافقَ على البقاء في الخلف بناءً على اقتراح روديلا.
لم يرد أن يعرّضها لأيّ مخاطر إضافية.
وأثناء مراقبتهما، ظهرَ رجل في شارع المجوهرات.
كان هو.
* * *
شعر رمادي قذر، عينان بنيتان داكنتان باهتتان، و خدّان شاحبان.
للوهلة الأولى، يبدو كمسافرٍ متجوّل، لكن عينيه كانتا مليئتين بالقتل و الطمع، ممّا جعله رجلاً بمظهر غريب.
لم يكن مكتوبًا على جبينه “لص قاتل”، لكن الناس كانوا يتجنّبونه ببطء، ربّما بسببِ الندبة الكبيرة التي لا يمكن للغطاء إخفاؤها.
كانت الندبة، التي تمتدّ من أذنه اليمنى إلى خدّه، تجعلُ مظهره مخيفًا.
“…..”
كان المسافرون في ميرپول، الذين تعرّفوا على الندبة، يهربون بسرعة.
لكنه لم يهتم و دخلَ شارع المجوهرات.
مسحَ المتاجر بعينيه و توجّه إلى زقاق.
في الزقاق النظيف، رأى المتجر الذي يريده.
لم يكنْ مهتمًا بالمتاجر التي تعتمد على صفقات كبيرة.
حتى لو كانت مسروقات، فهي ليست تابعة للعائلة الإمبراطورية ولا تحمل تعويذات تتبّع.
النّبلاء الذين يرتدون هذه المجوهرات لن يستخدموا أبدًا تلكَ التي تحتوي على تعويذات تتبّع.
ما لم يكن يبيع كميات كبيرة، فلا طريقة لمعرفة أنّها مسروقات.
ومع ذلك، رفضت متاجر المجوهرات الصغيرة التعامل معه، كأنّ قلوبهم بحجم حبّة الفاصولياء.
“لهذا لا يحقّقون أموالًا كبيرة.”
مَنْ يحقّقون أموالًا كبيرة لديهم عقلية مختلفة.
دخلَ المتجر وهو يبتسم.
[أتيليه زاركان]
اسم أنيق يعجبه.
مسح المتجر بعينيه.
كما توقّع، لم يكن متجرًا مزدحمًا بالمعاملات الصغيرة، ولا ديكورًا مبهرجًا مليئًا بالمجوهرات.
كان هناكَ عدد قليل من القطع المعروضة، مع لافتة تطلب استدعاء صاحب المتجر للطلبات المخصصة.
“هممم.”
إنّه مختلف عن المتاجر التي تعتمد على كل زبون.
زادَ ذلكَ من رضاه.
“صاحب المتجر.”
عندما نادى، سُمع صوت من الداخل.
ثم خرجَ رجل:
“هل جئتَ للبيع أم للشراء؟”
كان يبدو و كأنّه كان يصنع إكسسوارات، حيث شعرَ بحرارة الفرن من الداخل.
كان الرجل، ذو عضلات قوية من عمله كحرفي، يبدو موثوقًا.
قال اللص:
“للبيع. هل تشتري بكميّات كبيرة؟”
“كميات كبيرة؟”
نظرَ الرجل، الذي كان الفارس مارسيل متنكّرًا كصاحبِ المتجر، إليه ببراءة.
كان مارسيل، الذي يؤدّي دوره ببراعة رغمَ التوتر، من أصل مسرحي.
“كم الكمية؟”
“كلّ هذا.”
وضعَ اللص كيسًا رماديًا ثقيلًا على المنضدة.
―ثوك.
ابتلعَ مارسيل ريقه بتوتر ظاهري و فتح الكيس.
كان مليئًا بالإكسسوارات المكدّسة بعشوائية.
نظرَ اللص إلى مارسيل بحدّة.
تاجر المجوهرات يعرفُ أنّ هذهِ مسروقات.
هل سيهتف طالبًا منه الخروج، أم سيقبل الصفقة بحكمة؟
هل سيختار الموت، أم الحياة مع أموالٍ كبيرة؟
التعليقات لهذا الفصل " 48"