* * *

 

بينما كانت روديلا ترمش بعينيها مذهولة، أجابَ لورينتز:  

 

“قالت إنّها ستمزّقها بعد الحادث القادم.”  

 

تمزّق الملابس التي جاءت من ميزانيّة صيانة المظهر؟  

 

“هذا يُعتبر إهانة للعائلة الإمبراطوريّة…” 

 

بما أنّها ملابس مقدمة من العائلة الإمبراطوريّة، يمكن أن تُستخدم ضدّهم بسهولة.  

 

لكن:  

 

“القائد لم يشترِ ملابس قط. كلّ شيء ذهب إلى هنا.”  

 

أشارَ آيفرت إلى الإمدادات العسكريّة. أمسكت روديلا جبهتها:  

 

“إذًا، المال الذي كان يُفترض أن يُستخدم لشراء الدروع؟”  

 

“ذهبَ لتغطية تعويضات الأضرار.”  

 

هل تقصد تدوير الأموال؟  

 

نظرت روديلا إلى السّقف في حيرة، بينما أضاف آيفرت الضربة القاضية:  

 

“لذا، ليست إهانة للعائلة الإمبراطوريّة، بل خداع.”

  

وهذا أسوأ! سأجنّ!  

 

أمسكت روديلا رأسها.  

 

* * *

 

بالطبع، كان هناكَ مجال للتساهل في جريمة خداع العائلة الإمبراطوريّة.  

 

لم يكن الهدف الخداع الحقيقي، بل التضحية من أجل القوّات التابعة للعائلة الإمبراطوريّة.  

 

وعلاوةً على ذلك، لم يّمزّق لاتيني أبدًا زيّ الفرقة الرسمي، وكان، كرجلٍ في منتصف العمر، أنيقًا بما يكفي لعدم الإضرار بهيبة العائلة الإمبراطوريّة.  

 

أنجزَ كلّ المهام، فقط استخدمَ الأموال بشكلٍ مختلف… لذا إذا كتب الأوراق جيّدًا و استعطف الآخرين، يمكن أن يمرّ الأمر…  

 

فكّرت روديلا هكذا وحاولت تخيّل بعض الجمل للأوراق.  

 

المشكلة كانت في المبلغ. ميزانيّة صيانة المظهر لقائد الفرقة كبيرة جدًا.  

 

حتّى مع شراء الإمدادات العسكريّة الموجودة هنا، والتي يستخدمها الفرسان، والتي ستُكسر في المستقبل، سيتبقّى مبلغ هائل.  

 

لكن هذا المبلغ ذهب أيضًا لتغطية تعويضات الأضرار.  

 

لا، بل ربّما لم يكن كافيًا؟ 

 

حتّى لو كان الأمر كذلك، لا يُعطون مليارات الذهب لصيانة المظهر.  

 

إذًا، أين ذهب الباقي…؟

  

“حان الوقت لتعرفي.”  

 

فتحَ لاتيني فمه بنبرةٍ ثقيلة.  

 

ثمّ، بنبرة منخفضة كما لو كان يكشف عن فضيحة كبيرة لفرقة الفرسان الزّرق:  

 

بدأ يروي سرّ فرقة الفرسان الزّرق الذي لا يمكن سماعه دون دموع.  

 

* * *

 

بعد سماع “فضيحة” فرقة الفرسان الزّرق، لم تجد روديلا كلمات:  

 

“…هذا ليس اختلاسًا، بل مجرّد…”  

 

عادةً، تُستخدم الدفاتر المزدوجة للاختلاس، وليس للتبرّع للدولة.  

 

لكن فرقة الفرسان الزّرق كانت تفعل ذلك.  

 

بالطبع، بما أنّ الفرقة قوّة عسكريّة، فإنّ ضخّ الأموال الشخصيّة فيها يُعتبر جريمة.  

 

لأنّ جعل الفرقة مخلصة للقائد بدلاً من الإمبراطور مشكلة مختلفة.  

 

لكن هذه الحالة كانت مختلفة.  

 

استُخدمت ثروة لاتيني الشخصيّة لتعويض الأضرار الخارجيّة… بمعنى آخر، كانت بمثابة تبرّع للمدنيين.  

 

تمّ تغطية المبالغ الناقصة من أموال الفرقة، لكن بطريقةٍ أخرى.  

 

وكانت هذه الطريقة مذهلة بحدّ ذاتها.  

 

“أنتم تديرون الأمور بكفاءة؟”  

 

كانت روديلا مذهولة من كلّ هذه الحقائق، لكن الأكثر إذهالاً كان:  

 

“التبرّع للمدنيين ليس مشكلة، فلماذا أخفيتم ذلك بدفاتر مزدوجة؟”  

 

هذا سيحسّن صورتكم!  

 

ردّت لاتيني و آيفرت في نفسِ الوقت:  

 

“لأنّ فرقة الفرسان الحمر ستعرف.”  

 

“وماذا إذا عرفت؟ ما العار في ذلك؟”  

 

“…..”  

 

هل هذه هي فرقة الفرسان التي تحمي الإمبراطوريّة؟  

 

هل العالم يسير بشكلٍ أكثر عشوائيّة ممّا يُعتقد؟  

 

“لكن الجميع يعرف أنّكم تتركون الخراب أينما ذهبتم، فلماذا تخفون المزيد من التكسير؟”  

 

“مليار أو عشرة مليارات، كلاهما مبالغ كبيرة، لكن الفرق واضح.”  

 

أجابَ لاتيني بجديّة.  

 

بمعنى آخر، حتّى لو كان الأمر محرجًا، فهم يريدون أن يكون المبلغ مليارًا فقط، ولا يمكنهم الاعتراف بأنّهم يكسرون أكثر من ذلك.  

 

“كنتُ أعلم أنّ العلاقة بين فرقة الفرسان الحمر والزّرق سيئة، لكن…”  

 

كانت الفرقتان مختلفتين تمامًا من حيث الخلفيّة، ويُقال إنّهما إذا حدث احتكاك بينهما، فإنّ فرقة الحمر تحرق ملابسها لأنّها “نجسة”، بينما الزّرق تغسل ملابسها بعناية.  

 

“حتّى لو كان القادة منافسين، هذا مبالغ فيه.”  

 

لم تتخيّل روديلا أنّهم سيخاطرون بمليارات الذهب لإخفاء عيب .

 

عبسَ لاتيني:  

 

“ليسوا منافسين! ذلكَ الرجل يعتبرني منافسًا من طرف واحد! أرفض أن أُعامل كندّ له!”  

 

لكنكَ تهتمّ به كثيرًا!  

 

أمسكت روديلا رأسها.  

 

“على أيّ حال، إذًا، أنتم تزيلون شعار فرقة الفرسان الزّرق من هذه الأشياء وتبيعونها؟”  

 

كان ذلك قد يُشكل مشكلة.  

 

“ليس بالضرورة. الإمدادات التي تصل تكون غالبًا غير متوازنة، فنصلحها ونبيعها.”  

 

بسعرٍ أعلى. لخصت روديلا كلام آيفرت بجملة:  

 

“تُحسّنونها وتبيعونها؟ إذًا، ماذا عن الأشياء التي تستخدمها الفرقة؟”  

 

هذه قد تكون مشكلة.  

 

إذا استخدمت الفرقة أشياء رديئة الجودة، وباعوا الأشياء الجيّدة لتحقيق ربح… لا، ليس ربحًا، بل لتغطية تعويضات الأضرار… 

 

…لكن هذا ليس خطأ، أليس كذلك؟  

 

بينما كانت الحيرة تزداد، انتفض لاتيني:  

 

“بالطبع، نعطي الفرسان أفضل السيوف والدروع جودة!”  

 

كان يتحدّث بحماسة عن السيوف والدروع كحياة ثانية للفرسان، وفي تلكَ اللحظة، بدا أكثر كحداد منه كقائد فرقة.  

 

“…هل كنتَ تعمل كحداد أيضًا؟”  

 

سألت روديلا، فأجابَ لاتيني بوجهٍ متردّد:  

 

“في الحروب، كانت السيوف الرديئة كثيرة، فأصلحت بعضها، وأصبحت تلكَ السيوف تُباع كسيوف أسطوريّة بأسعار مرتفعة.”  

 

هزّ كتفيه:  

 

“ففكّرت أنّ بيعها سيكون جيّدًا.”  

 

تذكّرت روديلا شيئًا قاله والدها عن “الحداد المجهول” في حرب الوحوش.  

 

كان حدادًا أسطوريًا يحوّل الأسلحة المتآكلة إلى أسلحة فائقة الجودة، لكن مكانه كان مجهولاً.  

 

“هل كنتَ أنتَ ‘الحداد المجهول’؟”  

 

خدش لاتيني خدّه:  

 

“هذا سرّ. العاملون في المناصب العامّة لا يمكنهم أن يملكوا عملًا إضافيًّا.”  

 

هل هذا صحيح؟! إذًا، لقد جنيت المال بمهارتك!  

 

“أعتقد أنّني علمتُ بالكثير من الأسرار اليوم.”  

 

بينما كانت تشعر بالدوار، قال لاتيني:  

 

“إذًا، بما أنّكِ عرفتِ، يمكنكِ معرفة هذا أيضًا.” 

 

“…..”  

 

بوجهٍ متردّد، أو بالأحرى، محرج… اعترف:  

 

“في الحقيقة، أنا أيضًا ‘المرتزق الأسطوري’.”  

 

“ماذا؟”  

 

كانت روديلا قد سمعتْ عن المرتزق من الرتبة S الذي يظهر دائمًا عندما تُطرح مهمة لقتل وحشٍ كبير في نقابة المرتزقة.  

 

رجل يأخذ المال ويختفي.

  

حتّى عائلة سيفريك استأجرته.  

 

“…لهذا لم تأخذ المال ذلكَ اليوم.”  

 

هل كان ذلك لأنّك تعرفُ والدي؟!  

 

كانت فرقة الفرسان الزّرق تُدار بكفاءة حقًا. باستغلال لاتيني.  

 

“تهانينا على كونكِ اصبحتِ شريكة في الجريمة، روديلا.”  

 

قال آيفرت. فنظرت إليه روديلا مذهولة.  

 

لم يكن الانضمام إلى هذه المجموعة الخيريّة مخيفًا. 

 

“لماذا لم تساعد القائد و هو يكافح؟”  

 

“لقد رفضَ مساعدتي.”  

 

أجابَ آيفرت على الفور.  

 

صحيح، بما أنّ عائلة رويدن دوقيّة، يتمّ مراقبة تدفّقات أموالها بدقّة. لو سكبوا ذلك في الفرقة، لكانت التدقيقات قد كشفت كلّ شيء.  

 

“إذًا، قمتَ بتغطية الأموال بطريقة ما، و وضعت الأشياء منخفضة الجودة قبل بيعها هنا، وكان لورينتز يديرها؟”  

 

انحنى لورينتز:  

 

“إنه شرفٌ لي.”  

 

كان ذلك شرفًا بالفعل.  

 

“هل يُعتبر هذا فسادًا؟”  

 

ماذا يُفترض أن نخفي؟  

 

بينما كانت مشوشة، لخّص آيفرت الأمر بجملة:  

 

“باختصار، كانوا يختلسون بطريقةٍ خيّرة.”  

 

لم يكن هذا مصطلحًا يُتوقّع من دوق و نائب قائد فرقة تحمل جزءًا من هيبة الإمبراطوريّة، لكن لم يكن لديها طاقة لتصحيحه.  

 

أغمضت روديلا عينيها للحظة، ثمّ فتحتهما:  

 

لنبرد رأسي، لنبرد رأسي. مهما كان الأمر مذهلاً، لنجعل رأسي باردًا أولا  

 

قالت وهي تتمتم:  

 

“الاختلاس الخيّر، أو بالأحرى، الفساد الذي ليس فسادًا، فهمتُ. لكن يمكن أن يُستخدم هذا ضدهم إذا أرادوا.”  

 

تدقيقات ماليّة الفرقة تقع تحت سلطة القسم التنفيذي.  

 

وبما أنّ لديها أعداء كثيرون في القسم، فسيبحثون عن نقاط ضعفها بعيونٍ مشتعلة.  

 

إذًا، الخلاصة واحدة.  

 

مرّرت يدها على شعرها وقالت:  

 

“لورينتز، سلّمني كلّ الوثائق ذات الصلة. سأعيد النظر فيها.”  

 

وهكذا، وضعت روديلا قدمها في ظلال  فرقة الفرسان الزّرق.