تلعثم رايان ، الذي فقدَ كلماته فجأةً ، وهو يُحرّك شفتيه بحيرة.
على الرّغم من أنّه أقلّ كفاءةً منها، أصبح لايان رئيسها بفضلِ علاقاته بالنّبلاء ، أو ما يُسمّى بقوّة الكارتل، و كانَ دائمًا يبحثُ عن أيّ ذريعة ليفرض “الانضباط” عليها.
بالطّبع، كانَ ينتقدها بكلّ الطّرق الممكنة، لكنّ روديلا كانتْ دائمًا تتفادى هذه الانتقادات ببراعةٍ كما فعلت هذه المرّة.
المشكلة أنّ رايان يقضي معظمَ وقت العمل في البحث عن أخطائها، و مع ذلك كانت ترقيته أسرع منها.
منَ المحتملِ أن يترقّى مجدّدًا بنهاية هذا العام، أليس كذلك؟
في المقابل، ظلّت هي عالقة في منصبها لسنوات.
معَ تراكم سنوات الخدمة، زادت مسؤوليّاتها، لكن منصبها ظلّ ثابتًا بشكل غريب.
كانَ الأمر واضحًا.
فِي إدارة الشّؤون العامّة، كانَ الأشخاص المرتبطون بالنبلاء يدعمون بعضهم بعضًا، ممّا يؤدّي إلى تأخّر أولويّتها.
بل إنّه، إذا استمرَّ الوضع هكذا، قد لا تحصل على أيّ أولويّة أبدًا.
ابتسمتْ روديلا بمكر وهي تفكّر.
‘يومًا ما، سأجعلكم تتقيّأون كلّ ما سرقتموه بطرقٍ غير قانونيّة، واحدًا تلو الآخر!’
في تلك اللحظة.
―طق طق.
“ما هذا!؟”
قطعَ صوت الطّرق على الباب الصّمت، فرفع رايان عينيه بحدّة.
ظهرَ أحد أعضاء إدارة الشّؤون العامّة من فتحة الباب، و قال متردّدًا:
“أ… معالي الوزيرة تطلب حضورك.”
عند سماع ذلك، أشرق وجه رايان.
“أنا؟ لماذا؟”
هل تريدُ مدحي على هذا العمل؟
في ذهنه، نسي تمامًا أنّ الإنجاز الذي استولى عليه كانَ في الأصل لروديلا.
لكنّ نظرة عضو الإدارة كانتْ موجّهة إلى روديلا.
“لا، السّيّدة سيفريك.”
“ماذا؟”
تشابهت تعابير وجه رايان و روديلا.
رايان بعبوس يقول ‘لماذا يطلبون مثل هذه الفتاة؟’، أمّا روديلا فقد فكّرت:
ما الأمر؟
هل هناك شيء يستوجب استدعائي؟
في ذهنها، هي التي كانت تتقن عمل إدارة الشّؤون العامّة، لم يخطر سوى احتمال واحد.
هل حدثتْ حالة طارئة؟
“سأذهب فورًا.”
استدارت لتغادر.
* * *
بعد قليل، وصلتْ روديلا إلى مكتب الوزيرة بوجهٍ متوتر.
عندما رفعت رأسها قليلًا، رأت ظهر الوزيرة ذات الشّعر الرّمادي القصير.
كانت عيناها، اللتين التفتتا قليلًا، سوداوين داكنتين.
لمعت نظّارتها ذات الإطار الأسود، علامتها المميّزة.
كلّما أصلحت الوزيرة نظّارتها، كان العديد من أعضاء الإدارة يتوتّرون، لكن روديلا كانتْ تُعجَبُ بهذا الجانب منها.
شخص يسيطر على الأجواء دونَ سلاح أو نصلٍ واحد حتّى.
هذه كانت الوزيرة أميريس.
عندما رأت وجه روديلا، ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجه أميريس.
“وجهكِ يبدو متعبًا اليومَ أيضًا، روديلا.”
“لا، علَى الإطلاق.”
هزّت روديلا رأسها.
لكن أميريس لا يمكنُ أن تجهلَ ما يحدث تحت إدارتها.
كانتْ وزيرة تحظى بالاحترام من جميع الفصائل، بغضّ النّظر عن النبلاء أو غيرهم، بفضل كفاءتها.
“هناكَ الكثيرون يطمعونَ في أشياءٍ لا يستطيعون امتلاكها بقدراتهم.”
ضيّقت أميريس عينيها قليلًا.
ألقتْ رموشها الطّويلة بظلال تحملُ الأسف.
“وهذا يجعلُ الأشخاصَ المتميّزين يُعانون.”
ابتسمتْ أميريس وهي تضع ذراعيها على صدرها.
كانَ واضحًا ما تعنيه، فاضطرّت روديلا لبذل جهد كبير لإخفاء تعابيرها.
نعم، هؤلاء الأوغاد بالضّبط!
لكنّها لم تستطع الموافقة بحماس.
“لكن هناكَ أشياء لا يستطيع هؤلاء الأوغاد سرقتها.”
جعلتْ أميريس روديلا تجلسُ بنفسها و واصلت حديثها.
“إذا قدّمتُ لكِ اقتراحًا يمكّنكِ من الحصول على شيء كهذا، هل ستكونين مهتمّة؟”
أشياءٌ لا يستطيعون سرقتها؟
رمشتْ روديلا بعينيها.
ثمّ أغلقتْ فمَها بإحكام.
لا أعرفُ ما هو، لكن أدركُ أنّ معالي الوزيرة تحاول منحي فرصة جيّدة الآن.
“إذا كان شيئًا في حدود قدراتي، فسأكون سعيدة بذلك.”
عند هذا، ضيّقت أميريس عَينيها.
“―ربّما لا يوجد أحد في إدارة الشّؤون العامّة، بل في هذا البلد، يمكنُه أن يتفوّق علَى روديلا سيفريك في هذا.”
“مستحيل.”
لوّحتْ روديلا بيدها ظنًّا أنّ الوزيرة تقول كلامًا مجاملًا.
لكن أميريس كانتٔ جادّة.
“أنا جادّة. لكن يمكنكِ رفضه بعدَ سماعه.”
جلستْ أميريس أمامها و وضعت صينيّة تحمل فنجان شاي و إبريقًا.
لم ترتكبْ روديلا وقاحة إجبار الوزيرة على صبّ الشّاي.
بيدٍ مهذّبة لا تشوبها شائبة، أخذتْ الإبريق من الوزيرة بلطف.
―خرير.
بينما كانتْ تصبّ الشّاي، قالت أميريس:
“روديلا، هل تودّين الذّهاب إلى فرقة الفرسان الزّرق؟”
“ماذا؟”
كادتْ روديلا أن تسكب الشّاي.
ضحكت أميريس وكأنّها تتفهّم ارتباكها.
في إدارة الشّؤون العامّة، كان “أمر الذهاب إلى فرقة الفرسان الزّرق” يعني عمليًا طلبًا بالعودة مصابًا بجروح خطيرة.
كانتْ الإدارة ترسلُ أشخاصًا لمراقبة وإدارة شؤون الفرسان الماليّة، لكنّهم كانوا يعودون دائمًا منهكين.
لذا، كان يُطلق عليه سرًا “مستنقع الحياة المهنيّة” أو “الطّريق المختصر للتّقاعد”.
لم تكنْ روديلا لتجهل هذا، فشعرت بشفتيها تجفّان.
“أعلمُ أنّه خطر. أولئك الفرسان الزّرق لا يعرفون كيف يتحكّمون بقوّتهم.”
تنهّدت أميريس وهيَ تنظرُ إليها.
في الإمبراطوريّة، كانت هناك فرقتان من الفرسان: الفرسان الزّرق و الفرسان الحمر.
و من بينهما، كانتْ الفرسان الزّرق… فريدة، بل غريبة بعضَ الشّيء.
ألقابهم وحدها كانت…
مدمّرو الإمبراطوريّة الشّرعيّون، الكوارث المتنقّلة، الجماعة التي توقف حتّى كلاب الجحيم…
بين هذه الألقاب القاسية، كان لقب “الجماعة التي توقف كلاب الجحيم” إيجابيًا نسبيًا لسبب ما.
لأنّهم، بطريقة ما، كانوا ينقذونَ الأرواح دائمًا.
خلالَ الحرب، استُثمرت أموال طائلة من العائلة الإمبراطوريّة لتدريب الفرسان الحمر و الزّرق ، لكن بعد الحرب، مع انخفاضِ أعداد الوحوش بشكلٍ كبير، أصبحوا بلا عمل.
بدلاً من مجرّدِ صيد الوحوش التي تظهر طبيعيًا، أصبحوا يتدخّلون في حلّ الحوادث و الجرائم داخلَ الإمبراطوريّة.
لكن طريقة تعامل الفرقتين معَ هذه المهام كانت متضادّةً تمامًا.
كانت فرقة الفرسان الزّرق تنقذُ تقريبًا كلّ من يتورّط في جريمة.
معدّل إنقاذ الضّحايا لديهم تجاوز 98%، وكانت قدرتهم على إعادة النّاس أحياء في أيّ موقف مذهلة.
كانوا حقًا يستحقّون لقب من يوقف كلاب جحيم.
لكن المشكلة أنّ الحوادث التي يتدخّلون فيها كانت تنتهي دائمًا بتدمير المباني.
مبانٍ، تراث ثقافي، جسور تربط مركز الإمبراطوريّة… كلّ شيء أمامهم كانَ يبدو كمجرّد ورق.
كانتْ هذه كارثة ناتجة عن التزامهم المفرط بشعار “الأرواح هي الأولويّة”.
في المقابل، الفرسان الحمر؟
كان معدّل إنقاذ الرهائن لديهم أقلّ من 40%، لكن الأضرار الماديّة كانت شبه معدومة.
الزّرق و الحمر.
من الأسماء إلى الأفعال و النتائج، كانتا فرقتين متطرّفتين تمامًا.
بالطّبع، مٓن وجهة نظر الفقراء، فهم لا يهتمّون بالمباني، لذا كانوا يفضّلون الفرسان الزّرق، لكن بالنّسبة للنبلاء و التّجار الأثرياء الذين يديرون البلاد، كانتْ فرقة الفرسان الحمر الخيار المفضّل.
وبما أنّ معظم أعضاء إدارة الشّؤون العامّة من النبلاء، كانت علاقتهم سيّئة مع الفرسان الزّرق.
كثيرًا ما كانوا يخوضون نزاعاتٍ لفظيّة.
“في هذه المعركة، يُمنع تدمير المباني. هذا أمر من السلطة العليا.”
“هل قالوا في السلطة العليا إنّه لا بأس بموت النّاس؟”
لم يستطع أحد اختراق منطق آيفرت، نائب قائد الفرسان الزّرق و دوق لويدن، فكانوا يُنقلون إلى المستشفى بارتفاع ضغط الدّم.
أو يحاولون إيقاف الفرسان الزّرق في الميدان دون طاعة، فيصابون بجروح من حطام المباني.
“…..”
عندما لاحظت أميريس تغيّر لون وجه روديلا وهي تتذكّر هذه الإنجازات المروّعة، هزّت رأسها قليلًا.
“إنّه مجرّد اقتراح. لا أريدكِ أن تتأذّي أيضًا.”
كانت روديلا تُعرف بأنّها الإصبع المفضّل للوزيرة.
منذ انضمامها، تحسّنت مشكلات إدارة الشّؤون العامّة بشكلٍ كبير.
لكن بما أنّها ليست من كارتل النبلاء، كانت تتعرّض للغيرة كثيرًا.
لذا، كانتْ بحاجة إلى إنجاز حاسم يجعلها مرشّحة لمنصب الوزيرة المقبلة دون أيّ اعتراض.
“إذا تمكّنتِ من تحسين الوضع المالي للفرسان الزّرق و جعلتِ إنجازاتهم تفوق الفرسان الحمر…”
―طق.
لمعت عينا أميريس و هي ترفع فنجان الشّاي.
“إذا استطعتِ ترويض تلكَ الخيول البريّة العنيدة، هل سيكون هناك من لا يعترف بك؟ والأهمّ…”
هزّت أميريس فنجان الشّاي بلطف.
“هل سيرفض جلالة الإمبراطور الاعتراف بذلك؟”
عند هذه الكلمات، أضاءت عينا روديلا.
إذا نجحتُ وحدي في المكان الذي فشلَ فيه الجميع، فكلّ الإنجازات ستكون لي. لا يمكن لأحد سرقتها!
كانتْ هذه فرصة حقيقيّة.
خطرة ، لكنّها تحمل مكافأة عظيمة.
“ما رأيكِ؟”
سألت أميريس.
كانَ هذا قرارًا سيغيّرُ حياتها.
و روديلا…
“سأفعلها.”
لم تكنْ تنوي رفضَ هذه الفرصة.
الفرسان الزّرق، أولئك الذين يعبثون في كلّ مكان، إذا تمكّنتُ من جعلهم بشرًا طبيعيّين، فإنّ منصب الوزيرة سيكون في متناول يدي؟
لا يوجد سبب للرّفض!
كانت عيناها تشتعلان بنار الحماس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"