* * *
“لا مفرّ من ذلك. طالما وصلنا إلى هنا، فلنعتبرها استراحة.”
الناس بحاجةٍ إلى الرّاحة!
دخلت روديلا الغرفة في القصر الثانوي مع آيفرت وقرّرت التفكير بإيجابيّة.
على أيّ حال، مع هذه الأصفاد، لن تستطيع الخروج.
“هل أنام فقط؟”
غرقت روديلا في التفكير.
بما أنّه وقتٌ نادر بدونِ مهام عمل قريبة، فكّرت بعقلانيّة (?) في تعويض النوم.
في تلكَ اللحظة:
“السيّدة روديلا سيفريك، هل أنتِ موجودة؟”
سُمع طرقٌ خفيّ على الباب.
كان صوتًا منخفضًا، لكنّه كافٍ لتسمعه روديلا.
تقاطعت أنظارهما بين الاثنين المقيّدين بالأصفاد رغمًا عنهما.
“هل تنتظرين أحدًا؟”
هزّت روديلا رأسها رداً على سؤال آيفرت.
“لا؟”
ألا تعلمُ أنّني ليس لديّ أصدقاء؟
مالت روديلا برأسها واقتربت من الباب.
وقفَ آيفرت بجانبها بشكلٍ طبيعيّ، يراقب ما وراء الباب بحذر.
عندما فتحت روديلا الباب قليلاً:
―سرررر.
دخلَ شيءٌ بسرعة، فأمسكهُ آيفرت بشكلٍ طبيعيّ.
لكن ما الذي أمسكه؟
“رسالة؟”
سأل آيفرت بتحريك شفتيه بصمت.
بما أنّها دُسّت من خلال فتحة الباب، فمن المؤكّد أنّ الشّخص لم يكن يعلم بوجودِ آيفرت في الغرفة.
“…..”
توقّفَ الشخص الآخر، كأنّه لم يتوقّع أن تُمسك روديلا الرّسالة بهذه السرعة، ثمّ قال:
“هل انتظرتِ طويلاً؟ أعتذر.”
ماذا؟ هل يظنّ أنّني كنتُ أنتظر هذا؟
نظرت روديلا إلى الرسالة المزيّنة بغبار ذهبيّ، والتي بدت مألوفة، وابتسمت بلطف.
“إذًا، سأذهب الآن.”
اختفى الخادم بسرعة، تاركًا إيّاها في حيرة.
―طق.
أُغلق الباب، وظهرَ على وجه روديلا تعبيرٌ من الإزعاج الشديد.
كان آيفرت يتفحّص الرسالة.
“لم أتوقّع أن أتلقّى هذا هنا أيضًا.”
رفعَ آيفرت حاجبه عند كلماتها.
“هل تعرفين هذه الرسالة؟”
كان منَ الغريب أن تتحدّث وكأنّها تعرفها رغم عدم وجود اسم المرسل.
“أجل، هناكَ شخصٌ يرسل لي رسائل مزعجة كلّ يوم.”
كانت تتذكّرها بسببِ الغبار الذهبيّ الذي يتطاير عند حرقها، لكن آيفرت لم يكن ليعرف ذلك.
في ذهنه، علقت كلمتان:
شخص؟ و مزعجة؟
“مَـنْ هو؟”
سأل بنبرةٍ منخفضة.
لوّحت روديلا بيدها وكأنّها منزعجة:
“شخصٌ يريدنا أن نفترق. حتّى مع كلّ هذا الوقت الذي نقضيه معًا، هناكَ من لا يستسلم.”
أصبحَ آيفرت شديد الفضول حول هويّة هذا الشخص الذي يملك كلّ الصفات التي تكرهها روديلا.
“هل أتخلّصُ منه؟”
ضحكت روديلا بصوتٍ عالٍ عند نبرته الجادّة.
“هؤلاء الأشخاص ليسوا واحدًا أو اثنين، فلماذا نهتمّ بهم؟”
بحثت عن المدفأة وفتحت الرسالة بعشوائيّة.
[الليلة عند نافورة القصر الإمبراطوريّ، الساعة 12. سأنتظركِ.]
“ينتظر ماذا؟”
مَنْ يظنّ أنّ لديّ موعدًا معه؟
ظهرَ على وجهها انزعاجٌ واضح، و حاولت تمزيق الرّسالة فورًا.
―جييك.
“أوه، هذه المرّة سميكة.”
كانت الرسالة مصنوعة من ورقٍ عالي الجودة لدرجة أنّه لم يتمزّق بسهولة.
“أعطني إيّاها.”
أخذَ آيفرت الرّسالة من يدها بسلاسة.
―شاك!
مع صوتٍ يصعب تصديقه أنّه لتمزيق ورق باليد، تقطّعت الرسالة إلى ثماني قطع تقريبًا.
“لنحرقها.”
وافقَ آيفرت بحماس على كلامها واقترب من المدفأة.
ألقى بقطع الرّسالة بيد واحدة.
“إذا أحرقتها، الغبار الذهبيّ—”
قبل أن تكملَ جملتها عن تطاير الغبار، فُتحت منديلٌ أمامها.
كان آيفرت يحميها من الغبار (?)، وهو لا يعاني حتّى من السّعال بسببِ هذا القدر.
ضحكت روديلا:
“يا لِلطفكِ!”
“أنا لطيفٌ معكِ فقط.”
أزالَ آيفرت المنديل بعد أن استقرّ الغبار وقال ذلك.
هزّت روديلا كتفيها:
“أعلم.”
لم يبدُ أنّه كان لطيفًا مع الآخرين بهذا الشكل.
“.. .”
في العادة، كانَ آيفرت سيردّ بنبرةٍ مزعجة مثل “إذا علمتِ، فكوني لطيفة معي أيضًا”، لكنّه كان صامتًا.
نظرت إليه روديلا، فوجدته يحدّق بها.
توقّفتْ دونَ وعي.
قبل أن تفكّر لماذا ردّت بهذا الشكل، و مع الجوّ المتوتر، تحرّك فمها تلقائيًا لتسأل:
“لماذا؟”
كأنّ الوقت المتوقّف بدأ يتحرّكُ بعد سؤالها، أجاب آيفرت باختصار:
“لا شيء.”
* * *
عندما كان آيفرت صغيرًا، سمع كلامًا:
“الأزواج يلتقون بأشخاصٍ ذوي طباعٍ متضادّة.”
كان ذلكَ من عمّه، الفيكونت بينراد. كانت عمّته، على عكس عمّه المزاجيّ، شخصًا حذرًا.
ففكّر آيفرت الصغير في نفسه و روديلا.
متضادّان؟ بدا ذلك صحيحًا.
كانت روديلا، على عكسه، صبورة مع الآخرين، ولم تكن طاقتها مفرطة.
لكن في نفسِ الفترة، سمع كلامًا آخر:
“الأشخاص المتشابهون يلتقون.”
كانت تلكَ كلمات والدته.
بدا ذلك صحيحًا أيضًا.
إذا لم نكن متشابهين ، لما كنّا سنكون معًا طوال هذه المدة… هكذا فكّر في طفولته.
لكن بعد سنواتٍ، قرّر أنّه لا حاجة للاستماع إلى أيّ من هذين الرأيين.
يكفي أن تكون روديلا موجودة.
لكن مؤخرًا، بدأ يميل إلى الرأي الأوّل.
يبدو أنّ الأزواج يلتقون بأشخاصٍ مختلفين.
حتّى و نحن نشاركُ نفسَ المكان ونفس النظرات، تفكيركِ مختلفٌ عن تفكيري.
أنتِ ترينني صديقًا، لكنّني أراكِ بشكلٍ مختلف، وأنتِ…
―همهمة…
تنامين بهدوء هكذا، بينما أنا لا أستطيع النوم.
“ههه.”
حسنًا، الاختلاف جيّد.
إذًا، كنتُ أنا، المتضادّ، فيمكنني أن أكمّل جانبكِ المختلف، مثل قطعتي بازل متطابقتين.
شعر أنّه يستطيعُ تمييز ما إذا كانت روديلا نائمة بعمقٍ أم لا من صوت تنفّسها فقط.
―طق طق.
بعد أن غرقت روديلا في نومٍ عميق، تحرّك بلطف حتّى لا تشعر به، و طرق على الطاولة بجانب السرير.
كان الطَّرق يشبه النقر على الباب، وقد يُعتبر ضوضاء، لكن عدم تمييزه يعني عدم أهليّة لخدمة رويدن مباشرة.
وكما توقّع:
―طق طق.
سُمع نقرٌ خفيف من الخارج.
بينما كان آيفرت يراقب المكان، دخل دينيت، متنكّرًا كأحدِ خدم النبلاء في القصر الثانويّ.
لم يكن خادمًا غبيًا، لذا أبقى عينيه على الأرض.
لأنّه يعلم أنّ سيّده لن يُحبّ أن يرى الشّخص الذي ينوي اتخاذها زوجة و هي نائمة.
“…..”
سلّم دينيت ورقة مكتوبةً دون كلام.
[الأشخاص الذين كانوا يتجوّلون حول أرض المزارع كانوا، كما قلتَ، مرسلين من عائلة الفيكونت لينفيك.]
كان دينيت، كما هو متوقّع، خادمًا ممتازًا، يحضّر ما يهمّ سيّده مسبقًا.
أومأ آيفرت برأسه.
“تعامل معهم بشكلٍ مناسب. تأكّد ألّا يحاولوا مجدّدًا.”
لو كانوا قد رفعوا سيوفهم مباشرةً، لما انتهى الأمر هنا.
لكن في مثل هذه الحالات، التحذير أكثر فعاليّة.
له تأثيرٌ في ردعِ حتّى الأشخاص الصغار الذين يفكّرون بنفس الطريقة.
كان من المؤسف أنّه لا يستطيع القضاء عليهم مباشرةً رغم معرفته بهويّتهم.
لكن يجب مراقبتهم.
بما أنّ روديلا بدأت تبرز، سيهدفونَ إليها أكثر.
“حسنًا.”
“واذهب إلى نافورة القصر الثانويّ عند منتصف الليل. سيكونُ هناكَ رجل ينتظر روديلا.”
تعاملْ معه دون أن تقتله.
تأكّدْ ألّا يزعج روديلا مجدّدًا.
“حسنًا.”
تراجع دينيت بهدوء، مختنقًا بسببِ هالة القتل الذ
تي تخلّلت الأمر الهادئ من آيفرت
التعليقات لهذا الفصل " 35"