* * *

لماذا يظهر الرّجل الذي كانَ يفترض أن يكون جالسًا في قسمِ الشّؤون العامة كمسؤولٍ تنفيذي لفرقة الفرسان الحمر؟  

سمعها آيفرت بوضوح، رغم أنّ الصوت كان منخفضًا كما لو أنّها تُغمغم داخل حلقها. 

كان ردّ فعل متوقّع. لكنّه تظاهر بعدمِ المعرفة وسأل:  

“هل تعرفينه؟”  

تألّقت عينا آيفرت الزرقاوان بنظرةٍ واضحة نحو المسؤول التنفيذي لفرقة الفرسان الحمر.  

“أجل، أعرفه جيّدًا. إنّه الرّجل الذي سرقَ إنجازاتي.”  

رايان ديفيلت. ذلك العدوّ اللدود، لماذا هو هنا؟  

عند كلماتها، استمرّت نظرة آيفرت على رايان ديفيلت للحظاتٍ أطول، و الذي بدا متوترًا بوضوح.  

كان يحمل كومة من المستندات التي يحتاجُ إلى قراءتها وصعدَ إلى المنصّة في قاعة الاحتفال.  

في هذه الأثناء، ضحكت روديلا.  

“إذًا، هذا الرّجل هوَ خصمي؟”  

شعرَ آيفرت بكراهيّتها نحوه بوضوحٍ أكبر.  

إذا كان هذا الرجل يجعلكِ تصنعينَ مثلَ هذه التّعبيرات ، فلماذا لا تطلبينَ منّي التخلّص منه؟  

رغمَ تفكيره هذا، لم يقلْ شيئًا آخر لأنّه يعرف روديلا.  

“لا يمكنْ أن أخسرَ أمامَ هذا الرّجل.”

لكن يبدو أنّ وجوده منحَ روديلا دافعًا إضافيًا بطريقةٍ ما.  

“هيا، رايان، دعنا نرى.”  

دعني أرى إلى أيّ مدى يمكنكَ الذهاب بقدراتكَ الضعيفة! سأسحقكَ بسعادة!  

كأنّها وجدت اللّحظة المناسبة، كانتْ مشتعلة بحماس. 

نظرَ آيفرت إليها وهي تضغطُ على قبضتها بثقة وتبتسم، فضحكَ بصمت.  

* * *

كانت تقييمات أداء رايان ديفيلت في قسم الشؤون العامة ممتازة.  

بالطّبع، التقييمات الدّاخليّة كانت جيّدة لأنّ كارتل النبلاء في القسمِ دعموه جميعًا، أمّا التقييمات الخارجيّة،  

فعندما يجتمعُ عشرات من الأشخاص الكارتل ليضعوا رؤوسهم معًا و يخرجون بأفضل الحلول، فلا يمكن أن تكون سيّئة.  

لكن، بالطّبع، لم تكن الأفضل.  

أدركتْ روديلا، وهي ترى هذا الوضع، حقيقةً مهمّة في أيامها في قسمِ الشؤون العامة.  

جمعْ مجموعة من الأغبياء لا يجعلهم أذكياء.  

الذكاء ليس جمعًا (+)، بل ضربًا (×)، لذا كلّما زاد عدد الأشخاصِ الذين لديهم ذكاءٌ أقل من واحد، تناقصت النتيجة.  

وستظهر هذه النتيجة بوضوح في تقرير ذلكَ الرّجل.  

وكما توقّعت،  

“لذلك، حقّقت فرقة الفرسان الحمر نموًا ماديًا بنسبةِ 12% مقارنة بالربّع السابق.”  

عندَ هذه الكلمات، عقد الإمبراطور ذراعيه، وضحكت رئيسة الوزراء.  

بينما لم تستطع فرقة الفرسان الحمر إدراكَ الجوّ الغريب، شعرَ لاتيني بالذّهول.  

“لماذا يتحدّث عن النموّ الماديّ في عرض فرقة الفرسان؟”

هل هذه شركة تجاريّة أم ماذا؟  

كان لا يزال غير قادرٍ على التركيز على جوهر العرض.  

بالطبع، كيف لا؟ حتّى لو اجتمع العشرات، لم يكن هناكَ من يوجّههم بشكلٍ صحيح!  

“لا يزال كما هو.”  

هزّتْ روديلا كتفيها.  

عندما رأتْ أنّ الأمور تُعالج بنفسِ الطريقة التي كانت تُستخدم في تقييمات قسم الشؤون العامة، شعرت بأنّ التوتر قد خفّ.  

لكن الوضع المالي الداخليّ لفرقة الفرسان هو سرّ بالنّسبةِ للغرباء، فحتّى لو كانوا من قسم الشؤون العامة، هل شاركوه مع أشخاصٍ ليسوا مسؤولين مباشرين؟  

هذا خرقٌ للقانون، أليس كذلك؟  

بالطبع، ليسَ من السّهل جمع الأدلّة…..

حفظت روديلا هذه النّقطة المهمّة في ذهنها وتابعت العرض.  

وبعد وقتٍ قصير، 

“فليصعد المسؤول التنفيذي لفرقةِ الفرسان الزّرق إلى المنصّة.”  

جاء دورها.  

عندما نهضت من مكانها، همهم الناس قليلاً.  

كان بعضهم يعبّر عن تعاطفهِ معها لكونها “ضحيّة” فرقة الفرسان الزّرق، والبعض الآخر،  

“آه، إذًا المسؤول التنفيذي للفرسان الزّرق هذه المرّة هو السّيدة سيفريك.” 

أدركَ الذين تأخّرت أخبارهم أو كانوا ضيّقي الأفق هذه الحقيقة، ممّا أثار ضجيجًا.  

“مسؤولة تنفيذيّة للفرسان الزّرق؟ أليس هذا انهيارًا لمسيرتها؟”  

“بالفعل…”  

لكن الكلماتِ التي كان يُفترض أن تستمر توقّفت فجأةً.

وذلك لأنّ آيفرت، بشكلٍ طبيعيّ، صعد إلى المنصّة معها، رغمَ أنّه من المفترض أن يصعد المسؤول التنفيذي بمفرده.  

كانَ يرافقها بنظراتٍ لطيفة لم تُرَ من قبل، و كأنّه شخصٌ مختلف عن “الكارثة البشريّة” لفرقة الفرسان الزّرق.  

“لم أكن أعلمُ أنّه يستطيع تقديمَ مرافقةٍ مثاليّة كهذه.”  

“لم تكن هناكَ سيّدة نبيلة ترغب في مرافقته أصلًا. مَنْ ستُخاطر بحياتها لقبول مرافقته؟”  

في أسوأ الحالات، قد ينتهي الأمر بكسرٍ على الأقل. 

شعرت فرقة الفرسان الحمر بالدهشة بعضَ الشيء.  

لم تبدُ روديلا متوترة حتّى في موقفٍ “خطير” كهذا.  

في تلكَ اللحظة، بدا رئيس الخدم مضطربًا.  

كان يومًا يشعر فيه الإمبراطور بمزاجٍ سيّء، وظهور متغيّر غير متوقّع لم يُبلّغ به كان أمرًا متوقّعًا.  

لكن، لحسنِ الحظ، لم يبدُ الإمبراطور مهتمًا كثيرًا.  

“آه، أليسا أنّهما سيتزوّجان قريبًا؟”  

كانَ هذا ردّ فعله الوحيد.  

“حَملَ أغراصها بنفسه، يا للرقّة. عدم انكسار تلكَ الأمتعة أمرٌ مشجّع للغاية.”  

بل أضافَ الإمبراطور تعليقًا جعل الجوّ يخفّ فضحكَ الحاضرون.  

وذلك لأنّ يد آيفرت كانت تمسكُ بعصا ورقيّة طويلة ومسطّحة تشبه المقوّى.  

بدت العصا المستطيلة ذات اللون الأزرق الفاتح و كأنّها مادة عرض تقديميّ. 

“ما هذا؟”  

بفضل هذا الشّيء الغريب، ركّز الناس عليه، واعتُبر صعود آيفرت إلى المنصّة مجرّد “لفتة لطيفة من خطيبٍ محبّ”.  

كان هذا وفقًا لخطّةِ روديلا.  

―طقطة.  

قادها آيفرت بحرص لتجنّب أن ترى عدائية أعين فرقة الفرسان الحمر، و وقفَ إلى جانبها بثقة، كما لو أنّه يدعمها.  

كأنّه يعتني بخطواتٍ زوجته المستقبليّة بعنايةٍ طبيعيّة.  

“أليسا هما الثّنائي الأكثر إثارة في الدوائر الاجتماعيّة مؤخرًا؟”  

لم يبدو و كأنّ رئيسة الوزراء تنظرُ إليهما بسوء، فقالت ذلك.  

شعر لاتيني بالارتياح و هو ينظرُ إليهما. 

نعم، هكذا يجب أن يكون الأمر! أحسنتما!  

“أوّلًا، هذه هي بيانات أداء فرقة الفرسان الزّرق للربع الماضي مباشرة.”  

تحرّك آيفرت بناءً على نظرتها.  

تذكّرَ طلبها قبل القدوم: “هل يمكنكَ مساعدتي قليلاً؟”  

―طق.  

رفعَ العصا الورقيّة الطويلة و المسطّحة بدلاً عنها.  

أعجبت روديلا بمهارة آيفرت في ضبط الموقف بحيثُ لا تبدو حركةُ معصمها غير طبيعيّة.  

لكن لم يكن بإمكانهما إطالة الأمر، فنظرت إلى العصا. 

كتب عليها “تكاليف استهلاك فرقة الفرسان الزّرق في النصف الثاني من السنة الإمبراطوريّة 910” مع أرقامٍ مذهلة.  

“كما ترون، هذه هي تكاليف التّعويض عن الأضرار المدنيّة لفرقة الفرسان الزّرق في النصف الثاني من العام الماضي.”  

بالطبع، كانت هذه مجرّد قطرة في بحر.  

وذلكَ لأنّ لاتيني كان يدفع معظم الأضرار التي يتسبّب بها الفرسان من جيبه الخاص.  

لذلك، لم تظهر سوى تكاليف بقيمة بضعة ملايين من الذهب “فقط”.  

ومع ذلك، ذُهل النبلاء.

“كلّ هذا؟” 

“كنتُ أعلم ذلك، لكن رؤية الأرقام…”  

بدأ حتّى النائمون خلسةً يركّزون على العرض.  

هذا هو المطلوب!  

أخفتْ روديلا ابتسامةَ انتصار.  

في مثلِ هذه العروض المملّة، هناك حاجةٌ إلى مواد بصريّة واضحة!  

…بالطبع، لم تكن تريد جذبَ الأنظار بأداء الربع السابق المزري، لكن هذه كانت البداية فقط.  

“كما ترون، كان هناكَ مبلغ كبير من الأضرار العام الماضي. و هذا العام أيضًا، لكن…” 

تبادلت روديلا النظرات مع آيفرت، ثمّ،  

―باك!  

كسرت جزءًا من العصا عندِ النقطة المحدّدة. 

“…..”  

جذب الصّوت انتباه الجميع.  

يجب أن يكون عرضًا لا يُمكن إزاحة العينين عنه ليبقى في الذاكرة.  

من خلالِ هذا العرض، ستُعلن بوضوح عن تغييرات فرقة الفرسان الزّرق.  

“مقارنةً بالربع السابق، انخفضت الأضرار بهذا الحجم.”  

لوّحت روديلا بالعصا المكسورة ثم وضعتها جانبًا.  

أزالت الورقة الرقيقة التي كُتب عليها مبلغ الأضرار.  

كانت مثبتة فقط عند الأطراف، فكشفتْ النص المخفي تحتها بسلاسة.